في رحاب الشورى و الديمقراطية : المجالس النيابية

 

في رحاب الشورى و الديمقراطية (المجالس النيابية )

 

أولاً : المجلس الوطني ..

كان تجسيد الشورى و الديمقراطية و إلغاء الحكم الفردي هو أحد أهداف الحركة الوطنية اليمنية في جهادها ضد نظام الإمامة و الوجود الاستعماري ومنذ ظهور الانحرافات في مسيرة الثورة والنظام الجمهوري في عهد الرئيس السلال والوجود المصري ، كان تيار الإصلاح و السلام بقيادة الزبيري و النعمان و الارياني  والشيخ /عبدالله الأحمر يناضل سلمياً لإعادة الاعتبار للشورى و الديمقراطية، و مواجهة الحكم الفردي و النزوع نحو التسلط . و لذلك كان من أهم أهداف حركة (5 نوفمبر  1967م) التصحيحية إعادة الاعتبار لحكم الدستور والقانون، ولم تكد تنتهي الأعمال العسكرية في الحرب الأهلية حتى كان من أهم قرارات الحكومة إنشاء المجلس الوطني الذي يضم ( 45 ) عضواً معينا مع مراعاة تمثيل المحافظات و القوى السياسية وقد بدأ المجلس الوطني أعماله  في 15/3/1969م، و تم انتخاب الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر بالأغلبية رئيساً للمجلس الوطني .

جاء إنشاء المجلس الوطني في فترة الانتصار الجمهوري وحينها كانت المشاعر  والآمال منتعشة، والجميع كان يحكمه الشعور بالمسؤولية و الحماس و الإيجابية .. وكان أهم عمل قام به المجلس الوطني هو إعداد مشروع الدستور الدائم للجمهورية بعد أن كان المعمول به في البلاد منذ نوفمبر 1967م هو ( دستور خمر )، وكان ( الدستور الدائم ) مفخرة لليمن وللمجلس الوطني فقد أعدته نخبة من العلماء و رجال القانون اليمنيين واستمدت مواده من الشريعة الإسلامية ( القرآن و السنة ).

وفي المجال التشريعي سنّ المجلس الوطني عدداً من القوانين بناء على رغبة الحكومة و بناء على رغبة بعض الأعضاء الذين كانوا يقدمون مشاريعها للمجلس وظلت تلك القوانين سارية و معمولاً بها فترة طويلة .

و في الجانب الرقابي أدى المجلس الوطني دوره ، في الرقابة على أعمال الحكومة بطريقة مشرفة، رغم أن أعضاءه كانوا معينّين، ولكن ساعد على ذلك تجاوب القيادة السياسية مع المجلس و تعاونها معه انعكاساً للأجواء العامة التي كان يسودها الشعور بالمسؤولية والشراكة والرغبة في حماية الثورة و النظام الجمهوري، و ترسيخ الأمن و الاستقرار في البلاد.

كانت مدة المجلس الوطني محددة بعامين من مارس 1969م إلى مارس 1971م،  وعندما حدثت المصالحة الوطنية انضم إلى عضوية المجلس الوطني عـدد من الشخصيات الملكية بناء على اتفاق المصالحة الوطنية .

ومن أهم القوانين التي ناقشها وأقرها المجلس الوطني قانون الانتخابات والذي تم على أساسها انتخاب مجلس شورى عام 1971م ، وقانون إنشاء مصلحة الضرائب ، وقانون بشأن محو الأمية وتعليم الكبار.

 

ثانياً: مجلس الشورى ( 1971-1975م)

تم انتخاب مجلس الشورى عام 1971م ، حيث تم اعتبار (النواحي) دوائر انتخابية لانتخاب أعضاء مجلس الشورى فيما كان الدستور الدائم يعطي لرئيس المجلس الجمهوري حق تعيين 20% من الأعضاء.

تم انتخاب أعضاء مجلس الشورى (128) بطريقة غير مباشرة نظراً للظروف المعقدة التي كانت تمر بها البلاد آنذاك، حيث كانت كل عزلة تختار شخصاً يمثلها برفع الأيدي، ثم يجتمع ممثلو العزل وينتخبون ممثل الناحية في مجلس الشورى ، وكان الأمر يتم بالإجماع حيناً أو بالأغلبية.

انتخب الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر عضواً في مجلس الشورى ممثلاً عن دائرة من دوائر بلاد حاشد من لواء حجة وهي منطقة ( ظليمة ) ، ثم تم انتخابه رئيساً لمجلس الشورى بالأغلبية الساحقة.

كان من أهم أعمال مجلس الشورى إقرار الدستور الدائم ، وقام بدوره التشريعي والرقابي بصورة جيدة جداً، وكان هناك فصل حقيقي بين سلطات الدولة بصورة أفضل مما جاء بعد ذلك.

ومن المواقف التاريخية التي تحسب لمجلس الشورى انتخاب القاضي/ عبدالله الحجري عضواً في المجلس الجمهوري ورئيساً للوزراء رغم تحفظ القاضي الإرياني رئيس المجلس الجمهوري على ذلك الانتخاب.

ومن المواقف المشهورة لمجلس الشورى قيام المجلس باستجواب (الحكومة) عدة مرات أشهرها استجــواب وزير الخزانة في حكومة الأستاذ/ محسن العيني في 19/12/1972م حول أسباب عدم تقديم الحكومة للميزانية السنوية للدولة ، وعدم قيام الحكومة بشرح الحالة المالية للدولة خلال فترة انعقاد المجلس بالإضافة إلى عدم بيان مقدار القروض والمساعدات التي قدمت للدولة وكيفية توزيعها وأوجه صرفها، وبسبب عدم حضور وزير الخزانة فقد وجه المجلس رسالة لوم للحكومة، وأذاع بياناً بهذا الشأن على الشعب ، وقد أدى هذا الموقف القوي من مجلس الشورى إلى استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة القاضي/ عبدالله أحمد الحجري .

وفي الجانب التشريعي ناقش المجلس وأقر عدداً من القوانين الهامة مثل قانون: إنشاء البنك المركزي اليمني ، وقانون إنشاء الجهاز المركزي للتخطيط، وقانون الجمارك وقانون مصلحة الطرق ، وقانون إنشاء الهيئة العامة لتطوير تهامة ، وقانون إنشاء المؤسسة العامة للمياه والمجاري ، وقانون الإيجارات ، وقانون التعليم ، وقانون الانتخابات.

وأقر المجلس أول ميزانية عامة للدولة 73/1974م ، كما أقر قانوناً بتحديد مرتبات رئيس وأعضاء المجلس الجمهوري ، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والذين في حكمهم ، وتحديد مكافآت رئيس مجلس الشورى وسائر أعضاء مكتب المجلس وأعضائه .

واجه مجلس الشورى أزمة بعد قيام حركة التصحيح الثانية في 13/6/1974م بقيادة العقيد/ إبراهيم محمد الحمدي ، فقد أدت تطورات الأزمة السياسية بين القاضي/ عبد الرحمن الإرياني من جهة و الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر، بسبب الخلاف حول مواجهة الأخطار التي تهدد الدولة من الداخل والخارج، إلى قيام حركة تغيير لإنقاذ البلاد من السقوط في قبضة الفوضى، وقد تم التغيير في 13/6/1974م وآلت القيادة إلى العقيد إبراهيم الحمدي ، وكان من ضمن ترتيبات قيام حركة 13 يونيو أن يقدم (الشيخ) استقالته مع استقالة القاضي الإرياني إلى القوات المسلحة ودعوتها لتحمل المسؤولية وإنقاذ البلاد، وتم بعدها تجميد مجلس الشورى بعد إعلان حالة الطوارئ وتجميد العمل بالدستور الدائم لفترة مؤقتة قدرها ستة أشهر ، لكن النظام العسكري الجديد بدأ يسوِّف في عودة الحكم المدني، وإعادة مجلس الشورى والعمل بالدستور. وفي اكتوبر عام 1975م تم حل مجلس الشورى دون الدعوة لانتخاب مجلس جديد مما أدخل البلاد في مرحلة سياسية حرجة تزايدت فيها الخلافات بين المعارضين للسلطة وبين مجلس القيادة ، وقد ظلت البلاد بدون هيئة تشريعية منتخبة حتى عام 1978م عندما تم تشكيل مجلس الشعب التأسيسي بالتعيين وليس بالانتخاب ، واستمر المجلس بالعمل حتى عام 1988م أي عشر سنوات كاملة عندما تم انتخاب مجلس الشورى والذي استمر لمدة عامين ثم تم دمجه بمجلس الشعب الأعلى في الشطر الجنوبي من الوطن عند قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م وتشكيل مجلس النواب في الفترة الانتقالية(1990-1993م)

 

ثالثاً: مجلس النواب ( 1993م – 1997م )

عانى الشعب اليمني مرارة كبيرة أثناء سنوات الفترة الانتقالية 1990-1993م ، وتركزت كل الآمال في انتخابات مجلس النواب في 27 إبريل 1993م للخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه الدولة بسبب سياسات التقاسم الثنائي للائتلاف الحاكم المكوّن من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني.

جاءت انتخابات مجلس النواب المنتخب الأول من نوعه في الجمهورية اليمنية بتشكيلة جديدة، حيث حصل التجمع اليمني للإصلاح برئاسة الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر على المركز الثاني بـ (63) مقعداً، وفاز (الشيخ) نفسه بمقعد عن إحدى الدوائر، وفرضت هذه النتائج قيام ائتلاف ثلاثي بين الأحزاب الكبيرة: المؤتمر الشعبي العام ، التجمع اليمني للإصلاح ، والحزب الإشتراكي اليمني، وكان من ترتيبات الاتفاق انتخاب الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر رئيساً لأول مجلس نواب منتخب في اليمن الموحد.

واجه مجلس النواب أخطر أزمة سياسية في تاريخ دولة الوحدة استمرت ثمانية أشهر وتطورت إلى مؤامرة انفصال وحرب شرسة عانت فيها البلاد مصاعب شتى، وعانى فيها المواطنون مصاعب اقتصادية معيشية ، وتجمدت فيها جميع مؤسسات الدولة باستثناء مجلس النواب الذي حافظ على وحدته، وظل يمثل الشرعية الدستورية ووحدة البلاد في ظل أصعب الظروف التي مر بها الوطن.

كان من أهم الأعمال التي قام بها مجلس النواب منح الثقة لحكومة الائتلاف الثلاثي برئاسة المهندس/ حيدر العطاس ، والموافقة على مبدأ تعديل الدستور وفقاً للطلب المقدم من ثلث أعضاء مجلس النواب وتم تشكيل لجنة لدراسة التعديلات الدستورية.

وعندما اندلعت الأزمة السياسية في 19/8/1993م ، وتوترت الأوضاع في البلاد شكل مجلس النواب لجنة للوساطة بين رئيس مجلس الرئاسة وبين نائبه، وزارت وفود برلمانية  (النائب) المعتكف في عدن، وكان أحد هذه الوفود برئاسة الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر . وفي 17/11/ 1993م ، دعا مجلس النواب رئيس وأعضاء الحكومة لمناقشة الأزمة وبحث أسبابها انطلاقاً من مسؤوليته الدستورية في الرقابة على السلطة التنفيذية ، ولم تستجيب الحكومة لطلب المجلس وظل المجلس في حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات الأزمة ، كما تم تشكيل لجنة متابعة وتقصي الحقائق. كما أصدر مجلس النواب في 14/1/1994م قراراً بإلزام الحكومة بعودة الموظفين إلى مقار أعمالهم بما فيهم رئيس الوزراء والوزراء وترك الحوار والأزمة السياسية للأحزاب السياسية على أن تتفرغ الحكومة لأداء مهامها المنوطة بها، وفي هذا الإطار أصدر المجلس بياناً حول الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد دعا فيها إلى احترام الخيار الديمقراطي، والمحافظة على الثوابت الإسلامية والوطنية والحوار الجاد والصادق والحفاظ على وحدة البلاد واستقلالها ، كما وجّه الحكومة بوقف المهاترات الإعلامية وإثارة النعرات المناطقية والطائفية ، وإزالة مظاهر التوتر والعسكري، وعندما تتالت التصعيدات العسكرية كلف المجلس لجنة الدفاع بتقصي الحقائق حول التداعيات العسكرية في كل من ذمار ، شبوة ، أبين ، حرف سفيان ، عمران.

وعلى الرغم من أن أحد أهداف الأزمة السياسية ووسائلها تجاوز مجلس النواب وصلاحيته الدستورية والالتفاف عليها ، إلا أن المجلس تعامل بمرونة مع كل تلك الأحداث بداية من قضية التعديلات الدستورية التي تم تأجيلها، ثم انتخاب مجلس الرئاسة والتغاضي عن عدم أداء ( البيض ) لليمين الدستورية ، ثم تفكك أجهزة الدولة وخاصة مجلس الوزراء ورحيل الأعضاء الاشتراكيين إلى ( عدن )، وتعطيل أعمال الدولة ومصالح المواطنين ، وانتهاء بوثيقة العهد والاتفاق التي تم إعدادها بعيداً عن مجلس النواب وأرادوا جعلها وثيقة دستورية ملزمة له.

وعندما اندلعت المواجهات العسكرية الشاملة اجتمع المجلس في 5/5/1994م، وأصدر بياناً أدان فيه تفجير الحرب وسفك دماء الأبرياء ،  وحمّل قيادة المتمردين المسؤولية كاملة ، كما اسقط الشرعية الدستورية عن عضوي مجلس الرئاسة علي سالم البيض وســالم صالح محمد، وأقر المجلس قرار رئيس الجمهورية بإعلان حالة الطوارئ في 5/5/1994م كما وافق على تمديدها في 1/6/1994م ، وأقـر المجـلس في 11/5/1994م ضرورة تنبيه الجهات الحكومية المعنية بضرورة العمل بالقوانين النافذة أثناء حالة الطوارئ وعدم تعريض المواطنين لأية مضايقات ، وكلف لجنة الحريات بمتابعة هذه القضايا وموافاة المجلس بأي إخلالات قد تحدث أولاً بأول.

وأدان مجلس النواب إعلان (البيض) الانفصالي في بيان تاريخي، واعتبره باطلاً ومخالفاً للدستور والقوانين، وتمرداً على الشرعية الدستورية واعتداء على إرادة الشعب اليمني ووحدته واستقلاله وسيادته وأمنه.

وفي إطار التحركات الخارجية لمواجهة فتنة الحرب والإنفصال، وجه المجلس رسائل إلى البرلمانات العربية ، والأمين العام للجامعة العربية، وأمين عام الأمم المتحدة، ورئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي ، ومؤتمر دول عدم الانحياز لإيضاح حقيقة الأوضاع في اليمن ، كما أرسل عدداً من الوفود إلى عدد من الدول العربية للغرض نفسه.

وبعد انتهاء فتنة الحرب والانفصال واستــقرار الأوضاع بدأ المجلس      بتاريخ 10/9/1994م مناقشة التقرير الخاص بالتعديلات الدستورية، وشكل لجنة لإعداد الصيغة النهائية لها ثم وافق عليها بتاريخ 28/9/1994م .

وفي الجانب التشريعي أقر المجلس عدداً كبيراً من القوانين التي تشكل الجانب الأكبر من الأساس التشريعي للدولة في جميع المجالات الحياتية.

وفي الجانب الرقابي خصص المجلس أربع جلسات في كل فترة انعقاد (12جلسة) لمناقشة القضايا العامة التي تهم المواطنين بحضور المعنيين من الجانب الحكومي، كما كان المجلس يقدم التوجيهات والتوصيات اللازمة في كل مشكلة ، كما شكل لجاناً لتقصي الحقائق حول العديد من القضايا والمشاكل.

 

 

رابعاً: مجلس النواب ( 1997م-2003م )

أفرزت انتخابات مجلس النواب (1997م) واقعاً سياسياً جديداً، فقد حصل حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة الرئيس/ علي عبد الله صالح على الأغلبية المريحة من مقاعد مجلس النواب ،وهو ما كان يؤهله للانفراد بتشكيل الحكومة دون الحاجة إلى ائتلاف وخاصة مع التجمع اليمني للإصلاح ، أما بالنسبة لرئاسة مجلس النواب فقد آلت إلى الشيخ / عبد الله بن حسين الأحمر رغم كونه زعيماً لحزب الإصلاح المعارض وذلك نظراً لمكانته التاريخية والسياسية والاجتماعية التي تؤهله ليكون رئيساً لمجلس النواب باتفاق الحزبين الرئيسين في البلاد .

وقد قام مجلس النواب في هذه المرحلة بدوره الرقابي والتشريعي بقدر استطاعته ، وبقدر ما تسمح به حقيقة أن الحزب الحاكم يمتلك أغلبية مريحة تمكنه من تمرير ما يريد  ومع ذلك فقد تمكنت المعارضة ، وخاصة الإصلاح ، من أداء دور معقول كما أسهمت في تعديل مشاريع بعض القوانين المقدمة وحققت جزءاً من دورها الرقابي من خلال إثارة العديد من قضايا ومشاكل المواطنين.

ومن أهم الأعمال التي قام بها المجلس مناقشة التعديلات الدستورية الثانية، وقد أسهم نواب الإصلاح في مناقشة (التعديلات ) وإدخال بعض التعديلات عليها قبل  الاستفتاء الشعبي عليها في فبراير 2001م وإقرارها بالأغلبية.

 

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp