دمعة وفاء في رحيل الشيخ/ عبدالله الأحمر *عبدالملك محمد أحمد منصور

 

الثورة 14/1/2008م

رحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر عن دنيانا إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالعطاء ، كان فيها راقياً في تعاملاته خالياً من الأحقاد والكراهية ، لقد رحل الشيخ عبدالله عنا وترك لنا مدرسة من القيم والأخلاق والوفاء والمثل والمبادئ ، ترك لنا بصمات بيضاء واضحة في تجلياتها ، بارزة في مشاهدتها ماثلة في رؤيتها محفورة في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا اختطفته يد القدر من بيننا ذاهبة به إلى حياة أخرى ، بما يحمل من القيم والمبادئ والصفات ، فهنيئاً لها به وهنيئاً له بها.

رحل عنا رجل المواقف الوطنية والقومية الشجاعة ، كان - رحمه الله - شخصاً في أمة وأمة في شخص عاش حياته بطولها وعرضها ترك تاريخاً استفادت من دروسه وعبره الأجيال ، فعاش حقبة مليئة بالكفاح والنضال والتضحية منذ طفولته حتى رحيله ، فأسهمت هذه الحقبة في بروز هذه الشخصية كنتاج طبيعي لهذه التضحيات.

كان الشيخ في حياته نقطة توازن في عالم اختل فيه التوازن وتآكلت فيه القيم واندثرت فيه الأخلاق وضمرت فيه المبادئ وتكالبت فيه الأطماع وطغت فيه الماديات على الروحيات ، لم يفرط ولم يساوم في مواقفه الوطنية والقومية والأخلاقية والإنسانية ، انتصبت قامته كانتصاب مبادئه ، ذهب عنا في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إليه ، في أمس الحاجة إلى رجاحة عقله وحكمته وحنكته ، كان ودوداً في تعامله دمثاً في أخلاقه ، جسوراً في مواقفه العادلة.

مد جسور المحبة في عشيرته ، في قبيلته وفي وطنه ، في علاقاته بالخارج ، فمشى عليها في أناة وثقة متكئاً على عصاه التي ظلت تتلقف ما يأفكون فأكسبته عرفان وحب الجميع له ، فخرجت لتشييعه إلى مثواه الأخير ، مئات الآلاف ممن تشعر بأنها مدينة له وأن عليها واجب المشاركة في توديعه ، خرجت هذه الحشود طواعية يدفع بها الحب ويجذبها الإحترام والتقدير لهذا الإنسان ، فخرجت بتلقائية لتثبت للملأ أن الدنيا لا زالت بخير وأن القيم والوفاء التي أرسى دعائمها لا زالت فاعلة ومؤثرة في هذا المجتمع ، يوم لم تشهده اليمن من قبل ، لا في ماضيها ولا في حاضرها ، يوم حشر بما تجسده الكلمة من معنى ، خرجت مئات الآلاف من أبناء الشعب الوفي تودعه الوداع الأخير وتلقي عليه النظرة الأخيرة ، فحملت أيديها المرتعشة حزناً جثمانه الطاهر وسرت به فوق أمواج من البشر إلى مثواه الأخير ، فما كان لهذه الأمة إلا أن تستعيد من مخزون ذاكرتها قول الشاعر:

عصفت بنا الدنيا فقلت تمهلي          لابد من يوم أغر محجل

لابد من قبس يوشع في السناء        ليلاً فيسفر عن صباح مقبل

كان من بين من حملوا جثمانه وشاركوا في تشييعه رجل الوفاء الذي عرف هو أيضاً بوفائه لزملائه ورفاق دربه وأبناء شعبه فخامة الأخ الرئيس/علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الذي جسد أروع صفحة من الوفاء في مثل هذه المواقف الإنسانية والأخوية ، حيث ووري جثمان الشيخ عبدالله الطاهر مكانه الأخير في زمنه الأخير ونظرته الأخيرة ، فهنيئاً لهذا اللحد الذي ضم بين جنباته إنساناً تعتز الإنسانية بالإنتساب إليه ويعتز هو بالإنتساب إليها ، إنسان سيبدأ من جديد حياة جديدة متوافقة مع قيمه ومبادئه ، ولله في خلقه شئون ، إذا أحب الله عبداً حببه في قلوب عباده.

عرفت الشيخ قبل أن أتعرف عليه ، وعندما تعرفت عليه عن قرب ، اكتشفت فيه سعة الصدر ونبل الهدف ونقاء السريرة وصحوة الضمير وطول البال ووسطية الرأي وعدالة الموقف ، رجل لا تلين له قناة ولا يساوم على المبادئ ولا يفرط في حق من حقوق أمته ، فوداعاً له وحزن لنا وداعاً ممزوجاً بدمعة وفاء.

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp