اليمن يستقبل عام 2008 من دون عبد الله الأحمر *موسى النمراني

صحيفة الوحدوي 8/1/2008م

 

 قبل أن يفتح العام الجديد أبوابه، قرر الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر أن يتخلى عن دوره كأهم عامل من عوامل التوازن السياسي والقبلي في اليمن، ويموت تاركا للعام الجديد مهمة تشكيل معالم المستقبل .. مستقبل ما بعد الشيخ الأحمر .

منذ عام 1962م وحتى اليوم، لم يجد الشيخ الأحمر وقتا للراحة أو متسعا للخمول. فله في كل يوم ما يمكن للناس أن يتذكروه. خلاصة كل ذلك، أنه كان الرجل الوحيد الممسك بخيوط اللعبة كلها من منطقة الوسط، دون أن يلجأ لاتخاذ موقف فاصل من الآخر .. وحين يضطره الآخر لاتخاذ موقف، تضطرب الأمور، وتحدث الاغتيالات والحروب الأهلية، ولا يتخلى الشيخ رغم ذلك عن موقفه كأب للجميع، وكشيخ لأصحاب المسئوليات، فتعود الأمور إلى نصابها كما يريد.

تميز الشيخ عبد الله الأحمر بذكائه الشديد وفطرته السليمة، والتفاف الجماهير من حوله، وإرث أسرته النضالي، وموقفه العربي الصادق من القضايا العربية والإسلامية التي كان يتبناها بعاطفة صادقة وعقيدة حقيقية، بينما يتبناها غيره كأفضل قضية تطيل العمر وتجلب المنافع .

 

ومنذ أول منصب رسمي تسلمه الشيخ بعد الثورة كوزير للداخلية حتى آخر يوم من حياته، ظل الرجل متصالحا مع نفسه ومتحالفا مع قضاياه ومبادئه، التي لم ينقلب عليها قط، حيث بقي أهم ما يميز نكهة السياسة اليمنية التي تعتمد على الثقل القبلي، بينما تستمد موقفها من "العلماء" الذين طالما اعتمدوا عليه واعتمد عليهم .

لم يأبه لما يأتي مع اسمه من مناصب، ولم يتمسك بها بقدر تمسكه بمبادئه. فقد كان أول من قدم استقالته من وزارة الداخلية حين أمره بذلك الشهيد الزبيري، وكان السباق دائما إلى حل المشاكل السياسية على حساب مناصبه، مركزا على الصالح العام قبل الصالح الخاص، فكسب الاثنين في أغلب مراحل حياته، وتخلى عن مصالحه في مراحل أخرى.

حمل الشيخ الأحمر مهمة الدفاع عن الثورة، وكان أهم قائد ميداني في معارك الحرب الأهلية بعد الثورة، حيث كان يقود قبيلته "حاشد"، وغيرها من القبائل لمحاربة ما كان يسمى بفلول الملكية. وفي نفس الوقت، كان وزيرا للداخلية، ولم يكن وقوفه مع الثورة موقفاً مصلحياً يمكنه أن يغيره حين تتغير الرياح، وكثيرا ما تغيرت، بل وعصفت في تلك الفترة؛ بل كان توجها صادقا ضد الإمامة باعتبارها العدو التاريخي لأسرته التي فقدت كبارها على يد سيوف الأئمة، وكذلك باعتبار الثورة واجب ديني تمليه ضرورة المرحلة وفتاوى العلماء، الذين كانوا يعلقون أملا كبيرا على الشيخ الأحمر، وعلى رأسهم أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري، وكان لا يتخيل غدا أفضل لليمن بدون الأحمر. والأحمر، لم يخيب ظن محبيه، فكان خير من يمكنه أن يقود عجلة التغيير في مناطق القبائل، بما تمكنه إمكانيات البلاد وقدرات المجتمع على تقبل التغيير .. وكذلك كان أهم أسماء مهندسي مؤتمرات التصالح الوطني ما بعد الحرب الأهلية، فكسب ود الجمهوريين والملكيين، جاعلا من اسمه علامة على الأبوة للجميع، فسكن قلوب محبيه، ولم يجد من يكرهه مناصا من اللجوء إليه، باعتباره الوحيد الذي لا يخيب من يعتمد عليه. وأصبح الشيخ الأحمر شيخا لقبيلة "حاشد" ثم بلا تكتيك سياسي، كان أهم حلفاء الحركة الإسلامية (والناس الخيرين)، فتبادل الإثنان أهم صور الدعم. وتميز الشيخ بعاطفته الجياشة وأبوته الحانية في حق الجميع، ويحزن عليه من استفاد مباشرة منه ومن لم يستفد، وينظر الجميع إلى الغد بكثير من الأسئلة الخائفة .. والإجابات العمياء .

   

تعرض الشيخ الأحمر لحادث مروري في العاصمة السنغالية دكار في شهرمارس 2004م بعد حضوره المؤتمر البرلمانى الإسلامى الذي عقد في العاصمة السنغالية في الفترة من 5إلى 12 من الشهر نفسه، بعد أن انفجر الإطار الخلفي للسيارة التي كانت تقله مع مرافقيه، فتعرض لكسور بينما نجى مرافقوه ونقل بعدها إلى باريس ثم إلى الرياض لتلقي العلاج، وأشارت أطراف بأصابع الاتهام لأطراف أخرى كلها بادرت إلى الاطمئنان على صحته بعد الحادث، ولعل هذه الحادثة هي أهم مرحلة من مراحل الشيخ الصحية، إذ تدهورت صحته كثيرا منذ ذلك التأريخ، وخفت تواجده على الساحة مع بقاء دوره كصمام أمان ومنطقة وسط لفرقاء السياسة، الذين يلجأون إليه حين تفشل دبلوماسيتهم الناشئة في تقريب وجهات النظر فيما بينهم .

وتميز الأحمر بعلاقات أكثر من ممتازة مع الأسر الحاكمة في الجوار، إذ يعد الحليف الإستراتيجي في اليمن لآل سعود، الذين يربطه بهم ود متبادل، حيث يعتبر الحليف الأفضل لآل سعود بعد أن فشل الدعم السعودي لأسرة حميد الدين في استرداد عرشهم اليمني. ويعتبر الشيخ الأحمر مهندس الاتفاق اليمني السعودي لترسيم الحدود، والسبب الأهم في بقاء العلاقات اليمنية في حدها الأدنى من الود، حيث اتخذ لنفسه خطا مؤيدا للتوجهات الخليجية السياسية بعيدا عن الولاء لأميركا أو التطبيع مع إسرائيل. ولعل أهم ما يميزه من هذه الناحية، أنه كان رئيس اللجنة الشعبية لمناصرة الشعب الكويتي إبان الاجتياح العراقي للكويت، وهو الأمر الذي كان خارجا عن سرب التوجه اليمني حينها سياسيا وشعبيا، وهو موقف حسب للشيخ الأحمر، وعده له أعداؤه قبل أصدقائه، شاهدين له بالعقلانية والتوسط والإنصاف، وهي الصفات التي لا يمكن لمنصف أن يتجاوزها حين يقرأ شخصية كشخصية الشيخ الأحمر. وكان ملجأ المطاردين من أبناء جماعة الإخوان المسلمين في كل مكان، وبنى بذلك علاقات وثيقة مع قيادات الجماعة الذين طالما استفادوا منه .. وستكون خسارتهم فادحة بغيابه .

كما سيفقد برحيله البرلمان أهم ما كان يميزه في بلد كاليمن، لم تفهم بعد أبجديات الديموقراطية بقدر ما تتعامل مع ثقتها بالأشخاص وثقلهم القبلي والديني أو العسكري .

وسيخسره الرئيس علي صالح، الذي طالما اعتمد عليه في صراعاته التي كان يكسبها بفضل وقوف الشيخ الأحمر إلى جواره مع الإخوان المسلمين .

في مرحلة حرجة، غادر الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر تاركا الخيوط التي كان يمسك بها في يده في يد أولاده وحلفائه وأعدائه على حد سواء .. تاركا للجميع حرية اختيار مواقعهم للغد، وصياغة علاقاتهم ببعضهم البعض. ومع صعود الجيل الثاني من أبناء الطبقة الحاكمة، تتبدى للعيان مرحلة جديدة من الصراع، قد تصل إلى حدود عنيفة لا تحمد عقباها، إذا ما حاول الجيل الجديد تغيير قواعد اللعبة التي اتفق عليها الكبار- بعد تجارب مرة - واستئثار جماعة دون أخرى بمقاليد الحكم وامتيازاته .

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp