الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر للعربي القاهرية 17/إبريل/1995م : حوار حول التطرف والإرهاب

 

العربي القاهرية - 17/إبريل/1995م

 

-       حوار أجراه في القاهرة : يوسف الشريف

 

وفي القاهرة التي زارها هذا الأسبوع على رأس وفد برلماني بادرني بنفس العبارات التي اعتاد أن يبدأ بها حواراتنا في صنعاء نقولها ويقولها لك كل مواطن في اليمن إنه لولا وفاء جمال عبد الناصر لوعد قطعه على نفسه بدعم ثورتنا إذا ما تعرضت للعدوان من الخارج لما قدر لها الحياة ولما تثبتت أقدام النظام الجمهوري ..ولما قدر للشعب اليمني أن يحقق وحدة أراضية وشعبه ودستوره وسلطته المركزية ..ومن هنا يحق لكل مصري أن يرفع هامته في اليمن باعتبارها بلده الثاني وشريكا أصيلاً في هذا الإنجاز الثوري الوحدوي العظيم.

 

·      قلت له ورغم ذلك مازال هناك من يروج أو يؤكد على أن اليمن ترعي وجود "جماعات الإرهاب " لزعزعة الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية في مصر ؟

§      قال السؤال مردود عليه سلفا ..إذ ما هي مصلحة اليمن في الإضرار بمصر إلا أن يكون الهدف من وراء إثارة تلك الشائعات فصم عرى التواصل المتين بين الشعبين ..صحيح أنه كانت هناك محاولات من هذا القبيل من جانب الحزب الاشتراكي في المحافظات الجنوبية إبان استمرار هيمنته على مقدراتها بعد قيام الوحدة ، حين سمح لجماعات الإرهاب بمعسكرات للتدريب بل ممارسة الإرهاب في اليمن وسمح لغيرها بالمرور عبر الأراضي في الجنوب إلى مصر وغيرها ، ثم إلقاء المسئولية على حكومة صنعاء وعلى حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه على عبدالله صالح وحزب تجمع الإصلاح الذي أتشرف برئاسته ، وكانت خطة الحزب الاشتراكي من وراء هذا العبث الخطير وغير المسئول ، ترجيح كفته في الانتخابات النيابية بدعوى أن الحزبين شريكان في دعم الإرهاب وتدبير التفجيرات والاغتيالات السياسية ، وعندما فشلت خطة الحزب الاشتراكي راح يستغل الأمر لتبرير نواياه الانفصالية واستقطاب تعاطف مصر وغيرها من الدول العربية التي تعاني من ظاهرة الإرهاب.

·      قلت : هناك من يتهم حزب الإصلاح كونه مظله إسلامية  للأصوليين  والمتطرفين؟

§      قال : حزب الإصلاح كما تعلم يمثل تحالفا سياسيا ووعاء ديمقراطيا وتنظيما يضم القبائل والإسلاميين والمثقفين والمهنيين والتجار والحزب يسعى في إطار صيغة التحالفات إلى التلاقي والحوار البناء بين كل هذه الفرق والقطاعات وحل إشكالية التناقض المفتعل بين الخطاب القومي والخطاب الإسلامي ، وكبح جماح التطرف السياسي أو الديني ..وأقرب مثال على ذلك عندما تصدى الحزب لجماعات إسلامية متطرفة دعت وسلكت طريقا يجافي معتقدات وسماحة أهل اليمن عندما لجأت إلى تخريب قبور أولياء الله الصالحين كما حدث بالنسبة لمسجد العيدروس في عدن ومسجد الملكة أروى بنت أحمد في محافظة "إب".

·      قلت : لأن القبائل اليمنية مسلحة من رأسها حتى أخمص قدميها يثور الجدل حول انحيازها لمنطق القوة في فرض رؤى الحزب ومواقفه ..

§      قال : القبيلة في اليمن يستحيل تفكيكها أو القضاء عليها أو تجاوزها ببساطة كما يحلو لبعض الكتاب والمفكرين ..فهي كانت ولا تزال عنصرا ومقوما للاستقرار والتغيير في اليمن …ووالدي الشيخ حسين الأحمر وشقيقي حميد كانا من شهداء التمرد والثورة ضد حكم آل حميد الدين ، وكنت شخصيا رهينة لديهم حتى نجحت ثورة 26سبتمبر عام 1962م ، وإذا كان السلاح ضرورة في الماضي إتقاء لأسلوب "الخصام " الذي كان يلجأ إليه الأئمة للإيقاع بين القبائل وإضعاف شوكتهم فإنه اليوم .. مظهر وتقليد تراثي وعامل أمن واستقرار في ظل الوحدة  الديمقراطية وفي ضوء ضعف آليات قوات الشرطة والأمن ، كما لم تعد القبيلة في حد ذاتها عامل تخلف أو قوة غاشمة بل عامل استقرار وتقدم والأجيال الجديدة من أبناء القبائل نهمة في طلب العلم وتواقة إلى الحداثة ..وبينهم الآن أطباء ومهندسون ومثقفون ورجال أعمال ناجحون .

·      قلت إلى أي مدى كان قبول وانسجام القبائل مع  التجربة الديمقراطية  الوليدة في اليمن ؟

§      قال : قد تعلم أو لا تعلم أن الديمقراطية كانت سائدة وراسخة في المفهوم القبلي وفي معاملاتها وفي علاقاتها مع غيرها من القبائل وهي قبلت بارتياح وعن طيب خاطر أن تشارك في السلطة بحسب وزنها السياسي ونجاحها في الانتخابات كما قبلت مبدأ تداول السلطة ..والخروج منها بشكل ديمقراطي عبر صناديق الانتخابات .

·      قلت : هل شاركت القبائل في حرب اليمن دفاعا عن وحدته؟

§      قال: شاركت كأفراد وليس بصفتها القبلية ..وحدثت استثناءات في المحافظات الجنوبية تعبيرا عن رفض المؤامرة الانفصالية وانحيازا للوحدة كونها بحكم مواقعها الجغرافية كانت ساحات للمعركة ..فالقبيلة أذن ليست دولة داخل الدولة وليست بديلا عنها!

·      قلت : كيف ترى نتائج مباحثات الجانب  اليمني برياستكم مع الجانب السعودي بشأن النزاع الحدودي ؟

§      قال : الحقيقة إن الإصرار والعزم على تجاوز الأزمة كان متبادلاً من الجانبين وإلا لما توصلنا في المباحثات إلى اختيار اتفاقية الطائف المعقودة بين البلدين عام 1934م  مرجعية تاريخية وقانونية واجتماعية لحل الخلاف الحدودي ، ولما توصلنا إلى مذكرة التفاهم حول الإجراءات  والمراحل الواجب إتباعها لوضع الأمور في نصابها الصحيح واستعادة الثقة المتبادلة حول ضرورة عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق ازدهارها قبل أزمة الخليج ..الآن بدأت اللجنة العسكرية كمقدمة لعمل بقية اللجان المعنية بمشكلة الحدود ..وبكافة جوانب العلاقات وفي شتى المجالات والتواصل مستمر بين خادم الحرمين والرئيس على عبدالله صالح ..وأن شاء الله تتوج الأشواط التي قطعناها على درب النجاح بلقاء القمة المرتقب بين القيادة السياسية السعودية واليمنية.

·      قلت : والحشود العسكرية على الحدود ؟

§      قال: لم يعد لها وجود الآن ولن يكون لها وجود في المستقبل ..فنحن جيران وأشقاء ويجمع بيننا التاريخ والعروبة والإسلام وكلا الشعبين يتضرر من الخلافات والنزاعات …ومن مصلحتهما الوفاق والتعاون والنفع المتبادل ..الآن أصبح الطريق ممهدا لعمل اللجان في مراقبة الحدود وفي إعادة رسم الحدود وهي عملية شاقة وطويلة ..ولذلك علينا أن نتحلى بالصبر وتهيئة الأجواء الملائمة حتى تنجز مهامها بسلام.

·      قلت : أسفرت الحرب الأهلية بين الشرعية الدستورية والحزب الاشتراكي عن خسائر مادية جسيمة زادت من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ..كيف ترى الحكومة الائتلافية والبرلمان السبيل إلى تجاوزها؟

§      قال: ورثنا عن مرحلة التشطير والانفصال زهاء 8مليارات دولار مديونية خارجية معظمها استحقاقات لما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي ..والجانب الأعظم من هذه المديونية كانت مستحقة على ما كان يسمى قبل الوحدة باليمن الديمقراطي وما أن مضت بضعة شهور على الوحدة حتى اندلعت أزمة الخليج وتدفق نحو مليون وربع من المغتربين العائدين إلى اليمن فكانت ظاهرة البطالة وتفاقم الأزمة الاقتصادية حيث توقف الدعم والمعونات الخليجية والخارجية وساهم في سوء الأوضاع تأمر الحزب الاشتراكي على تعطيل برنامج التنمية وأداء المؤسسات التنفيذية ..وبعدها كانت الحرب التي كبدتنا خسائر تتراوح بين 8 مليارات وعشرة مليارات دولار بينما وصل العجز في الموازنة العامة إلى ما يربو على 60 مليار ريال يمني ولان أكثر الضرر وقع على المحافظات الجنوبية ..انتقل الرئيس والحكومة إلى عدن لمواجهة الموقف عن قرب وبعدها أقام نائب الرئيس اللواء عبد ربه منصور في عدن لنفس الغرض ، ولا شك أن الجميع مسئول عن الأزمة الاقتصادية وعليه دور في انفراجها ، وتلك هي المهمة الأولى على رأس قائمة اهتمامات الحكومة ومجلس النواب ، ومن جانب حزب الإصلاح قدمنا قرارا بضرورة مبادرة عناصرنا في المؤسسات الحكومية إلى تفصيل برنامج الإصلاح الاقتصادي والإداري والمالي ، وأسهمنا من جانبنا في وضع رؤية موضوعية مبرمجة لمعالجة القصور مثل التقشف وضغط المصروفات .

·      قلت : ولكن هناك مظاهر للتململ بين المواطنين إلى حد التظاهر احتجاجا على تدني الأوضاع المعيشية ؟

§      قال: من حق الشعب الشكوى والتململ ..ومن حقنا عليه إدراك أبعاد الأزمة الاقتصادية ومسبباتها والتعاون مع الحكومة على حلها ..لكن الطابور الخامس من المتآمرين يحاول ركوب موجة السخط والشكوى بهدف البلبلة والتخريب ومن هنا رفضنا العديد من توصيات البنك وصندوق النقد الدولي القسرية على صعيد الإصلاح الاقتصادي لأنها لا تراعي خصوصيات الوضع الاجتماعي ورؤيتنا إزاء حل المشكلة الاقتصادية والمعيشية من دون إرهاق الطبقات الدنيا ومحدودي الدخل .

·      قلت: هل كان تسريح 50 ألفا من القوات المسلحة جزءا من برنامج الإصلاح الاقتصادي؟

§      قال: الرئيس على عبدالله صالح بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ، أتخذ هذا القرار لاعتبارين ..الأول : لأنه لم تعد هناك ثمة مخاطر تتهدد الأمن الداخلي والقومي بشكل عام مما يتنافى مع إلغاء القوات المسلحة في حجمها الحالي ، خاصة بعد القضاء على الفتنة الانفصالية وانتصار الوحدة الاعتبار الثاني : أن الرئيس أراد أن يضرب المثل بالقوات المسلحة عبر تقليص الإنفاق وضبط المصروفات كمقدمة لتنزيل الدرجات الوظيفية وتخفيض مرتبات وأجور العاملين بالدولة التي تبلغ 6مليارات بنسبة 50في المائة من الموازنة العامة من دون التسبب في المزيد من المعاناة للمواطنين والتوازي بين دخولهم وبين ارتفاع الأسعار .

·      قلت : هناك تحليلات تشير إلى أن قرار خفض وتسريح هذا العدد من إفراد القوات المسلحة كان على حساب الضباط والجنود من المحافظات الجنوبية ؟

§      قال: هذا ادعاء باطل ينكر نجاح عملية دمج القوات المسلحة التي ظلت مشطرة بعد قيام الوحدة وبعد انتهاء الحرب في يوليو 1994م بينما انخفضت والتسريح كان على أساس تطبيق قانون التقاعد لمن وصل إلى سن المعاش .أما العزل من القوات المسلحة فقد سرى على أبناء كافة المحافظات بلا استثناء عبر تطبيق معيار الولاء للوحدة والشرعية الدستورية .

·      قلت : إلى أين وصلت مراحل المصالحة الوطنية في اليمن ؟ أعني بين حزبي الائتلاف الحاكم والحزب الاشتراكي ؟

§      قال : طبيعي إدانة المتهمين من قيادات الحزب الاشتراكي بالخيانة العظمى جزاء وفاقا على جريمتهم الانفصالية التي كبدت اليمن ألاف الشهداء وتدمير بنيته الأساسية ومنشأته وأسلحته ..ولم يشهد التاريخ لقيادة سياسية مثل هذا العفو العام الذي صدر في حق جميع أعضاء الحزب الاشتراكي وحصر الاتهامات والعزل السياسي في مجرد 16شخصية ..وإلى حد فتح أبواب العدالة أمامهم للمثول أمام القضاء للدفاع عن موقفهم وتبرئة ساحتهم ..أما المصالحة العشوائية بدعوى عفا الله عما سلف فنعتبرها جريمة في حق الوطن ونضالات الشعب وشهداء الوحدة . المصالحة الوطنية متحققة بالفعل مع العناصر الوحدوية الشريفة في الحزب الاشتراكي التي رفضت الخيانة وانحازت إلى الوحدة ..عبر مشاركتهم في البرلمان والمؤسسات التنفيذية ..وإتاحة الفرصة لضمان مشاركتهم السياسية في  إطار الديموقراطية ..ولا يزال الحوار مستمرا مع عدد من قيادات الاشتراكي في الخارج لإقناعهم بالعودة إلى اليمن واستثمار العفو العام لصالحهم قبل فوات الأوان .

·      قلت: كيف ترى اليمن موقف مصر من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية؟

§      قال: نحن دائما مع مصر زعيمة الأمة العربية في مواقفها ، ومع السلام الشامل والعادل ..أما فرض السلام الإسرائيلي على العرب فهو منحنى مرفوض ولن يجلب على الأمة العربية سوى الاستسلام والدوران في الفلك الإسرائيلي إذا ما استمر التراجع عن الثوابت القومية .

 

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp