الذكرى الثانية لوفاة الشيخ الأحمر * يحيى الجبيحي

 

نقلا عن صحيفة الصحوة   

 

 في مثل هذه الأيام من سنتين مضت حدث موت استثنائي في حياة اليمنيين في عصرهم الحديث, ذلك أن الموت ظل ولا يزال وسيظل يمر بنا جميعاً كل يوم بل كل ساعة ولحظة من ليل أو نهار.

وكلما مرت جنازة لانملك لميتها عدا طلب الرحمة والمغفرة في أحسن الأحوال.

 

إلا أن هناك من يموت فيؤدي موته إلى فزع استثنائي نظراً لما كان يمثله في حياته من أجل العامة وخوفاً من المجهول بعد غيابه.

 

وهو ماينطبق على الشيخ عبدالله بن حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر يرحمه الله الذي انتقل إلى جوار ربه يوم التاسع والعشرين من ديسمبر عام 2007م بعد حياة حافلة ببذل الخير والعطاء والكفاح الدؤوب في سبيل عقيدته وأمته ووطنه لتخرج ملايين اليمنيين في وداعه ويجتمع بتشييعه الرئيس والمرؤوس. الغني والفقير .. الصغير والكبير فكان الفزع من المجهول والحزن المجرد هما الجامع بين الجميع.

 

لقد كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -مثالاً حياً لقيم وأخلاق وأصالة اليمن بعَرضه وجوهره .. كما كان حريصاً على سمعة وكرامة اليمن أرضاً وإنساناً .. وذلك عبر توجهاته الخاصة والعامة .. وعبر اتسام آرائه وتصريحاته بالمصداقية والشفافية .. والصراحة والوضوح .. والبساطة والعفوية المحسوبة!! .. بجانب كونه كان -يرحمه الله- بمثابة عنوان جلي لإكرام الضيف ومساعدة المحتاج .. وإصلاح ذات البين .. حيث كان الكثير من الخصوم .. ومن مختلف محافظات ومدن اليمن يفضلون الاحتكام إليه .. لثقتهم بقدرته وبحرصه على إحقاق الحق وسرعة الفصل .. بل وبذل المال من جيبه الخاص .. حرصاً على النجاح في حل أي خلاف مهما كان حجمه! وهو ماحدث غير مرة أمام كاتب هذه الأحرف -بمنزل الشيخ نفسه- يرحمه الله.

 

ورغم زعامته ومكانه ومكانته .. إلا أنه كان عاريا من الكبر والغرور .. يمتاز بتواضع جم .. ووقار دون تصنع .. وسمو دون تكلف .. قريباً بحضوره بما كان يمثله لدى كل من كان يقابله أو يشاهده.

 

كما كان يتمتع بذكاء فطري .. وذاكرة استثنائية وحسن تعامل لدى الخاصة والعامة .. معروف عنه عند تعاطيه بعض القضايا المهمة .. بشدة لا جبروت بها .. ولين لا وَهَن فيه .. فكان بذلك .. بقدر ما يدنوا من العظمة .. يدنوا من التواضع -يرحمه الله- بجانب تحليه بالحكمة وبعد النظر .. وبالصبر والثبات ورجاحة العقل .. ورسوخ بالثوابت والمبادئ .. وهي عوامل .. ساعدته في اجتياز العديد من المصاعب التي واجهت وطنه بوجه خاص. إن هذه الصفات التي هي جزء من كل وغيض من فيض التي أردت سردها هنا .. عاصرتها وجهاً لوجه .. من خلال علاقتي الخاصة والاستثنائية مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -يرحمه الله- والتي اعتز بها أيما اعتزاز .. بدأ من الثمانينيات من القرن المنصرم .. حينما كان يأتي إلى المملكة العربية السعودية زائراً - او حاجاً ومعتمراً .. وكنت حينها طالباً بجامعة الملك عبدالعزيز -بجدة- بجانب مممارستي للعمل الصحفي هناك .. حيث كنت كثيراً ما أجري معه لقاءات صحفية -لصحفيتي - المدينة -و -عكاظ- السعوديتين .. ولا زلت أحتفظ بها بما في ذلك بعض الصور له والتي قد تكون شبه نادرة داخل وطنه؟!! .. إضافة إلى احتفاظي بذكريات جميلة .. مع هذه الشخصية الاستثنائية .. والتي لم يأت أوان نشرها بعد!!

 

ثم .. لقاءاتي الخاصة والعديدة معه داخل الوطن .. بما في ذلك عند حضوري -منتداه- الذي انطلق مع بداية عام 2005م باسم: (منتدى الشيخ الأحمر) والذي رُغم قصر مدة إشهاره .. إلا أنه حقق نجاحاً كبيراً .. بما حفلت النقاشات فيه من جانب سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية والتي تهم اليمن خاصة والعالم العربي والإسلامي عامة .. إضافة إلى نوعية الشخصيات التي تقوم بإلقاء المحاضرات على السامعين -ممن كانوا يحرضون كل يوم (اثنين) إلى منزل الشيخ الذي كان هو نفسه يقوم بإدارة وضبط المحاضرين والمحاورين -يرحمه الله-.

 

وكم سُعد أمثالي باستمرار هذا المنتدى .. وبنفس اليوم والمكان!

 

لقد كسب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -بما كان يمثل من قيم ومُثل وأصالة ومصداقية .. وحرص بالغ على أمته ووطنه .. احترام ومحبة وتقدير من في داخل اليمن وخارجه..

 

خاصة وأنه -يرحمه الله- بقدر ما كان أيضاً حريصاً على سمعة وكرامة أمته الإسلامية بوجه عام وفلسطين أرضاً وشعباً بوجه خاص.

 

حيث ظل في مقدمة المدافعين بالمال والعمل الدؤوب عن الحقوق الفلسطينية وتحرير أرضهم المغتصبة وفي المقدمة .. أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

 

إن الكلمات مهما كانت -لم ولن تفي هذا الرجل الاستثنائي حقه- وأن غيابه عن الساحة اليمنية خلال السنتين الماضيتين .. أثبتت الأحداث مدى خسارة اليمن واليمنيين برحيله .. كونه كان قاسماً مشتركاً لمختلف التوجهات السياسية في وطنه.

 

وبمثابة قسطاس ورجل توازن .. يمنع بعض الجوانب أن تميل عن الأخرى .. مع امتلاكه لقدرة استثنائية على فرملة بعض التوجهات غير المدروسة .. والشطحات غير المحسوبة .. مما صان الدم اليمني وحفظ قيمه وماله ووحدته؟!!

 

ولذا .. لا غرابة أن يتحدث فزع استثنائي عند وفاته لدى كل اليمنيين خوفاً من المجهول والذي حدث بعد وفاته .. وآل أمر المناصحة والمشاورة إلى أناس هواة .. طارئين على دنيا السياسية وبعيدين عن أصالة الزعامة .. والذين لا يستطيعون أن يروا أبعد من أنوفهم وذواتهم .. لتكون النتيجة هي ما نشاهدها اليوم..

 

فرحم الله الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والذي لم يعد معظم اليمنيين يملكون بعد غيابه سوى ترديد قول الشاعر وعلى لسانه:

 

"سيذكروني قومي إذا جَدَّ جَدُّهُم

 

وفي الليلة الظلماء يُفتَقدُ البدر"

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp