سياسيون وعلماء: غياب الشيخ الأحمر ترك فراغاً كبيراً في مجمل الحياة اليمنية

 
ترك غياب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر – رحمه الله- فراغاً كبيراً في مجمل الحياة اليمنية، السياسية منها والبرلمانية، الاجتماعية والقبلية، وحتى في المجال الخيري، ولعل الجميع أدرك أثر ذلك الغياب على الشأن السياسي والتوافق الوطني والسلم الاجتماعي، ومدى استفحال الأزمات والتوترات دونما حلول.
بعد مرور عام على وفاة الشيخ عبد الله، يقرأ سياسيون وبرلمانيون وعلماء من مختلف ألوان الطيف السياسي أثر غياب الشيخ الأحمر وحجم الفراغ الذي خلَّفه ذلك الغياب.
الدكتور أحمد الأصبحي الأمين المساعد للمؤتمر الشعبي العام-سابقاً- يسرد في سياق حديثه عن أثر غياب الشيخ عبد الله على الحياة السياسية في بلادنا، التاريخ السياسي للشيخ، والذكرى العطرة التي تركها، قائلاً:  مر عام على وفاة شيخ المناضلين وقيل أقيال اليمن وحكيمها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر طيب الله ثراه، وقد ودّع الدنيا وودع الأهل والشعب والوطن مخلفاً وراءه ذكرى سيرة حميدة تنبض بها القلوب وتستحضرها مختلف القوى السياسية والاجتماعية في هذه الفترة كرجل عز تكراره ، فهو رجل الحكمة والتاريخ الخلاق الحافل بألق النضال وشجاعة الإقدام وشهامة الأخلاق وصدق المواقف وإصلاح ذات البين ونصرة المظلومين ومواساة المهمومين والمندفع دائماً لفعل الخير، والتشجيع عليه وجمع مختلفة ألوان الطيف السياسي على كلمة سواء.
مضيفاً أن مثل هذا الرجل صاغته سيرته الفذة هذه حياة خاصة من المعاناة لازمته منذ نعومة أظفاره في أسرة مناضلة هي الرأس في قبيلة حاشد البطلة، التي حملت راية المقاومة للظلم والاستبداد وتعرضت للسجون والمعتقلات والأحكام الجائرة واختار الله لوالده وأخيه حميد الشهادة وللفقيد اعتقاله إثر إعدامهما في سجن المحابشة حتى قيام الثورة المجيدة.
مشيراً إلى البدايات الأولى لتاريخ الشيخ السياسي الحافل بقوله "ففي شبابه استطاع أن يبني شخصية عصامية وسط كوكبة من المناضلين الأحرار ورواد الحركة الوطنية، وكانت له صحبة مع الشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد نعمان وكان يتابع نضال أحرار الأمة العربية ويقرأ للعديد من مفكري ومجاهدي المقاومة العربية للاستعمار وتصرف على بعضهم أو سمع عن بطولاتهم وأفكارهم التنويرية، وكان يعنى بالشؤون العربية وبالثورات في مصر وسوريا والعراق والجزائر وتونس والمغرب والتي انتزع فيها المجاهدون استقلال أقطارهم إثر كفاح مرير ضد المستعمرين وظلت القضية الفلسطينية قضيته المحورية ومات وفي نفسه شيء من فلسطين وأوجاع أمته وأوضاعها التي لا تحسد عليها".
موضحاً أن معاناته وعذاباته وكبرياء الانتماء إلى أسرة مناضلة عريضة ، وما تكون لديه من ثقافة معرفية رافضة الظلم والاستبداد وحياة جادة لا تعرف اللهو وسط مناخ فكري وسياسي ثائر، أهلَّه ليكون في طليعة الثائرين على ظلم الإمام واستبدادها ليضطلع بدور وطني متميز في الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري وتقويم المسار الوطني في اتجاه أهداف ومبادئ الثورة، فالشيخ – رحمه الله- لم يغب عن ساحة النضال في أحلك الظروف وأشد المواقف خطورة فهو هو الذي لم يبدل ولم يغير نهجه الوطني وبقدر اهتمامه بترسيخ النظام الجمهوري فقد ظل في مختلف مراحل الثورة معنياً بالوحدة الوطنية وقضايا الشعب.
وأشار الأصبحي إلى تأثير الشيخ في الحياة السياسية منذ الأيام الأولى للجمهورية " فقد قاد مؤتمر عمران ومؤتمر خمر ودعا إلى مؤتمرات شعبية تبلورت فيها إرادة الشعب في رسم خياراته الديمقراطية لنظامه السياسي الوطني تمثلت في صياغة دستور الجمهورية العربية اليمنية الصادر في 8 مايو 1965م الذي نص فيه أن اليمن جمهورية ديمقراطية برلمانية، هذا الوطني الغيور لم يتخل عن أداء مسؤولياته وواجباته تجاه شعبه ووطنه سواء كان في الحكومة مشاركاً بحقيبة أو موقع قيادي أو كان خارج الحكومة، فالمسؤولية لديه شأن العظماء لا تتأثر بشغل المناصب من عدمها، فاستحق بذلك أن يكون مرجعية شعبية وقبلية ووطنية في آن معاً، بل تمكن من الاستحواذ على احترام الأشقاء العرب والمسلمين وحظي بمكانة رفيعة أعطت صورة مشرفة ومشرقة لأحد أبرز رجالات اليمن.
 وأوضح الدكتور الأصبحي علاقة الشيخ مع رؤساء اليمن المتعاقبين كجزء من تاريخه السياسي "هذا الرجل ظل يؤمن بضرورة توفير الأمن والاستقرار لتحقيق التقدم والنهوض الشامل للوطن، وتجده على الدوام الداعم والسائد للنظام السياسي الوطني ولا يسوغ لنفسه الخروج عليه تحت أي مبرر، وما عرف عنه خروج على الزعامات اليمنية المتعاقبة منذ قيام الثورة، فأقصى ما كان يلجأ إليه تحت وطأة الاضطرار إذا اختلف مع أحدهم –وقليلاً ما كان يختلف- أن يعبر عن اختلافه بالأساليب السلمية التي تجنب الوطن الفوضى والوقوع في فتنة يتحمل إثمها الجميع، ولذا ظل يحتفظ بديمومة العلاقات المتينة مع القيادات اليمنية المتلاحقة لصالح الوطن والشعب، وأخص هذه العلاقات متانة وتميزاً علاقته بفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح الذي يرى هو الآخر في الفقيد قطب الرحى في النظام الوطني واستقراره وتقدمه، هذا الرجل الذي لا يختلف عليه اثنان عاش جميع مراحل حياته مؤمناً باليمن الواحد وكذلك كان تاريخه النضالي وثقافته الوطنية، وكان محرضاً على الدوام بضرورة التعجيل بإعلان قيام دولة الوحدة، هذا فضلاً عن دوره البارز والمشهود له في الحفاظ على الوحدة ومواجهة محاولة الانفصال ودحرها، وحين قضت أخلاق الديمقراطية أن يؤمن بالعمل التنظيمي بصيغة مختلفة لصالح الوطن فقد كان عضواً قيادياً في المؤتمر الشعبي العام وناشطاً فاعلاً في اللجنة الدائمة للمؤتمر وأن يؤمن بالتعددية السياسية والحزبية، ولما أخذت دولة الوحدة بالمنهج الديمقراطي التعددي أضحى الفقيد رئيساً للتجمع اليمني للإصلاح.
وتحدث الأصبحي عن تأثير شخصية الشيخ ودورها في التوافق الوطني والتوازن السياسي " هذا الرجل المتمتع بشخصية كاريزمية جذابة يعده الكثيرون رجلا يجدون في دماثة أخلاقه وابتسامة محياه من يتوسمون في خَلَفِه نفس القيم والأخلاق، وفي الوقت ذاته ليس الأمر محصوراً بهم فحسب بل في كل القوى السياسية والاجتماعية التي أجمعت على أن هذا الرجل مثّل أفضل صيغ التوازن الذي ينظر إلى جميع أبناء الوطن على قدم المحبة والمساواة، ويعطي لكل لمن يقابله قدره ومكانته ويشعره بواحدية الكرامة دون تمييز، هذا الرجل بعد مرور عام على غيابه ينتظر كل محبي هذا الوطن والمؤمنين بالأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي أن تنتهج مختلف القوى السياسية في الساحة نهجه احتراما ووفاء له، واقتداء به إعمالاً لقيم الأخوة والتسامح والمصالح الوطنية العليا، وإذا ما فعلوا ذلك فإن أثر غيابه سيكون قليلاً نظراً لوجود الحكماء والمخلصون والوطنيون الذين يتمثلون سلوكه ونهجه القويم.
ودعا الأصبحي في المناسبة الأولى لوفاة الشيخ الأحمر إلى تعميق أخلاق التسامح التي تجنب الوطن ما قد يبحث عنه أعداء اليمن من إقلاق لأمنه وسكينته العامة، مؤكداً على ضرورة تعزيز المحبة وتجسيد الأخوة الوطنية والنهوض بالوطن بمشاركة الجميع.
•           نصير المظلومين
عن الفراغ الذي تركه الشيخ الأحمر في المجال الخيري تكلم الشيخ عبد الله صعتر رئيس الدائرة الاجتماعية بالأمانة العامة للتجمع اليمني للإصلاح، قائلاً "كان للشيخ عبد الله-رحمه الله- دور بارز في مجال العمل الخيري باليمن، دور على المستوى الشخصي من خلال ما كان يقدمه ويبذله من تبرعات ودعم معنوي ومادي للمؤسسات الخيرية والمحتاجين في البلد، ودور آخر إذ كان له تأثير على الميسورين الذين كان يحثهم على فعل الخير والإنفاق وتبني المشاريع الخيرية ودعم الفقراء والمعوزين وتغطية احتياجاتهم وإدخال السرور والبسمة عليهم، ولا شك أن الشيخ عبد الله ترك فراغاً كبيراً في المجال الخيري، ونحن بحاجة لوقت طويل حتى نملأ هذا الفراغ الذي خلفه غياب رجل الخير ونصير المظلومين الشيخ عبد الله عليه رحمة الله، وذلك لأن الشيخ كانت له مكانة خاصة في قلوب الجميع، في قلوب العلماء والتجار والميسورين والوجاهات الاجتماعية، فقد كان له تأثير على مختلف الشرائح والفئات وكل الناس".
وأضاف "كان الشيخ عبد الله يعد قاسماً مشتركاً بين جميع الفئات ، وكان يساهم في حل المشاكل القبلية المستعصية حتى أنها تراكمت عليه من كثرتها،و بيته مفتوحا لكل الناس، دون احتياطات أمنية، ولا شك أنه ترك فراغاً كبيراً ويحتاج إلى وقت طويل لسد هذا الفراغ".
* تراكم الأزمات السياسية
يؤكد الدكتور عيدروس النقيب-رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الإشتراكي اليمني- أن غياب الشيخ لم يترك فراغاً في الحياة البرلمانية فقط وإنما في مجمل الحياة السياسية " بالنسبة للشيخ عبد الله فإنه لم يترك فراغاً على الحياة البرلمانية فحسب ، وإنما على الحياة السياسية في اليمن ككل، وعلى الرغم من عدم معايشتي للشيخ خلال تاريخه السياسي الطويل، إلا أنني أستطيع القول أنه وطوال السنوات الأخيرة كان الشيخ يمثل صمام أمان للحياة السياسية في اليمن، من خلال مساهمته في إزالة العوامل المؤدية إلى تراكم التوترات والأزمات السياسية، وكلنا يتذكر دوره في جميع المراحل عندما كانت السلطة والمعارضة تصل إلى طريق مسدود في معالجة القضايا المختلف عليها، فكان الشيخ يبادر لتقديم الأفكار والرؤى التي تساهم في التوفيق بين الأطراف السياسية، ليس هذا فحسب ، بل كان مبادرا ً إلى تقديم النصح للحد من بعض الاجراءات التي كانت تضيف مزيد من التوترات السياسية في اليمن، فقد كان يرفض الاجراءات التي تقدم عليها الحكومة، وأتذكر منها عندما أقرت الحكومة الجرعة السعرية في العام 2005م، حيث تبنى الآراء الرافضة للإقدام على مثل هذه الخطوة غير الصحيحة.
ويضيف النقيب أن المناسبة الأولى لرحيل الشيخ تأتي في ظل ما تعيشه اليمن من أزمة سياسية طرفاها السلطة والشعب، والتي لم تكن لتستمر كل هذه الفترة لو كان الشيخ موجوداً، فلو كان باقياً بيننا لكان تقدم بمبادرات خلاقة لحل الأزمة السياسية، ونصح السلطة بالكف عن مكابرتها.
 
نقلا عن صحيفة الصحوة