أزمة سعر الصرف * عبدالغني الإرياني


ورقة عمل مقدمة لمنتدى الأحمر 29/3/2010م

أود في البداية أن أصحح ما جاء في صيغة الدعوة لهذه الندوة من إشارة إلي بصفة الخبير الاقتصادي صحيح أني درست المفاهيم الاقتصادية العامة في الجامعة وفي الدراسات العليا لكن ذلك لا يؤهلني لادعاء صفة الخبير.

قد يتسائل البعض: لماذا إذن قبلت الدعوة؟ والجواب أني قبلت الدعوة لأني متابع جيد لتطورات الاقتصادية في اليمن واستطيع أن أقدم ملخصاً عاماً للوضع الاقتصادي اليمني وأشير إلى مواطن الخلل وأملي أن استنفر الخبراء الاقتصاديين الحاضرين في هذا المنتدى لطرح أراء وحلول لتلك المعضلات الاقتصادية.

في ظني أن دعوتي إلى هذا المنتدى كانت نتيجة لما قلته في مقابلة مع قناة السعيدة الأسبوع الماضي حول دعم سعر الصرف وأدون الخزينة وما هو متعلق بها من تبعات وأنها (سِرِه في ذيل كلب) وعليه سأحاول أن أبين حلقات هذه السره وارتباطها بالاقتصاد السياسي واقترح طريقة للمعالجة ثم أدعوا الإخوان الاقتصاديين لإبداء أرائهم.

وبالرغم من أن الاقتصاد هو لغة الأرقام فإني أجد نفسي في حل من تلك اللغة إلا عند الضرورة خاصة وأني لمست في نقاشات عديدة ميل المشاركين للاختلاف حول الأرقام على حساب الموضوع الرئيسي.

خلاصة الوضع الاقتصادي والنقدي:-

1-   اعتماد شبه كلي على النفط والغاز ثلثي ميزانيتنا من النفط والغاز والمصدر إلى الخارج أو المستهلك محلياً.

2- القوة العاملة غير مستغلة نسبة البطالة بحوالي ثلث القوة العاملة ومعظم العمالة خارج القطاع الزراعي هي في الخدمة العامة وبالتالي فهي ذات انتاجية محدودة جداً.

3- الاستثمار الأجنبي المباشر محدود جداً في 2007م كان فوق المليار دولار بقليل وفي 2008م انخفض إلى ما دون النصف مليار. وبما أن أغلب هذا الاستثمار في قطاع النفط والغاز فهو لا يحقق فرص عمل ولا يمكن احتساب المضاعف الاقتصادي له.

4- انتاج النفط في حالة انخفاض متواصل كمعدلات سنوية بين 7-11 في المائة منذ 2002م حتى 2008م ولا يوجد مبرر للاعتقاد بأن هذا المنحنى سيتغير.

5-   الموارد الاقتصادية الأخرى غير واعده لأسباب عدة أكثرها مرتبطة بسوء إدارة شئون الدولة.

- الزراعة يحد من نموها نقص المياه وسوء إدارة المصادر المائية ونقص رأس المال وتفشي الأمية بين المزارعين.

-    الثروة السمكية تتناقص نتيجة الاصطياد الجائر وغياب الرقابة والفساد.

-    السياحة ماتت ولم يعد هناك داعي لمناقشة معوقاتها.

-    الصناعة عطل نموها الفساد وغياب سيادة القانون وقلة المهارات الفنية.

- التعدين يحد من نموه غياب سيادة القانون وحالة عدم الاستقرار السياسي اللذان ينفران الشركات الأجنبية. ما يجري الحديث عنه من تصدير العمالة الفائضة يحده قلة التأهيل وعدم توجه الدولة نحو التدريب المهني خلال العقود الماضية.

- ويزيد هذه الصعوبات عدم وجود رؤية اقتصادية سليمة لدى أصحاب القرار. بل العكس من ذلك نجد النظام قد اتخذ من النموذج الاقتصادي في دبي قدوة لليمن دون إدراك للفوارق الهائلة بين ظروف البلدين. نموذج دبي قام على أربع قوائم رأسمال داخلي هائل - قوة جذب هائلة للرأسمال الخارجي كملجأ ضرائبي وقانوني مأمون - عمالة عالية التأهيل من جميع أنحاء العالم - دولة عالية الكفاءة والاستقرار والأمن والمصداقية. من الواضح أن جميع تلك المقومات غير موجودة في اليمن بل الموجود هو العكس تماماً. وبالتالي لم يبدء العمل في أي من الاستثمارات والخرافية التي أعلنت الدولة عنها الاستثمارات المقرة بقرار سياسي وليس قرار اقتصادي.

نتيجة ذلك معدل النمو الاقتصادي السنوي في العقد الماضي لا يتجاوز 4% سنوياً وأكثر ذلك النمو هو لصالح الأغنياء بينما معدلات النمو السكاني 3.2% .

الخلاصة أن الوضع الاقتصادي لا يشير إلى احتمالات نمو يتناسب مع النمو السكاني وبالتالي فإن مؤشرات الفقر والجوع تتزايد.

الوضع النقدي:-

الحديث عن الوضع النقدي يمكن أن يكون دون أرقام أما الحديث عن الوضع النقدي فلا يكون إلا بالأرقام ولكنها أرقام أقرب إلى التخمين نظراً لضعف شفافية المنظومة النقدية:-

1- الكتلة النقدية المتداولة حوالي سبعمائة مليار ريال أي دون الثلاثة والنصف مليار دولار ويبدو أن هناك زيادة كبيرة خلال الثلاثة أشهر الماضية.

2-   الاحتياطي النقدي حوالي سبعة مليار دولار بحسب البنك المركزي وحوالي ستة مليار بتقديرات المؤسسات الدولية.

3- التزمت الحكومة للمؤسسات الدولية بالحفاظ على احتياطي نقدي لا يقل عن أربعة مليار دولار لضمان واردات الغذاء والدواء والمواد الأساسية لمدة ستة أشهر.

4- في يونيو العام الماضي أعلن صندوق النقد والبنك الدولي أن الوضع النقدي يؤشر بالخطر عندما انخفض الاحتياطي مليار وثلاثمائة مليون دولار خلال عام واحد بعد ذلك بأيام أعلن البنك المركزي ارتفاع الاحتياطي من 6.3مليار دولار إلى 7.3 مليار دولار إما أن جهة لا نعرفها ضخت مليار دولار أو أن البنك المركزي قدم معلومات مغلوطة.

5-   اليمن مستورد صافي للغذاء ومستورد صافي للسلع الوسطية وخلال عامين في تقديري سيصبح مستورد صافي للنفط.

6-   هناك التزامات للخارج على الاحتياطي النقدي لا نعرفها بالتحديد نتيجة لضعف شفافية البنك المركزي.

إذن باختصار الوضع النقدي خطير جداً ويزيد تعقيد الوضع وجود قنبلتين موقتتين في جسد المنظومة النقدية اليمنية: -

- القنبلة الأولى: اضطرار الحكومة لتثبيت سعر الصرف بأي ثمن.

- القنبلة الثانية: هي أذون الخزانة.

سأتناول أولاً أذون الخزانة: عندما لجأت الحكومة لإصدار أذون الخزانة عام 1998م بفوائد تتجاوز فوائد البنوك كان الغرض من ذلك استخدامها كأداة للتحكم بالمعروض النقدي في برنامج (الاستقرار النقدي) وكان هذا التدخل موصوفاً في مصفوفة الاصلاحات المالية والإدارية التي اتفقت عليها الحكومة من صندوق النقد والبنك الدولي.

الذي صار أن أذون الخزانة استمرت حتى الآن وكونت تشوهاً في النظام البنكي التجاري نتيجة لارتفاع فوائد أذون الخزانة لجأت البنوك إلى استثمار ودائعها فيها بدلاً من إقراضها للجمهور وخلق حركة اقتصادية حوالي 60% من ودائع البنوك التجارية وحوالي 80% من أرباحها تعتمد على أذون الخزانة . وهذا كلف الخزينة العامة حوالي 400 مليون دولار في 2008م .

إذن أذون الخزانة أعاقت الحركة الاقتصادية. وتحولت إلى أداة دعم غير مباشر لعدد من البنوك الضعيفة فإذا توقفت أذون الخزانة تتعرض تلك البنوك للإنهيار. هذه القنبلة الموقوتة الثانية.

أما القنبلة الموقوتة الأولى وهي دعم سعر الصرف فمعلوم أن دعم سعر الصرف هو تشوه ضار بالاقتصاد لأنه يؤدي إلى استهلاك قدر أكبر من الواردات ويستفيد منه الأغنياء أكثر بكثير مما يستفيد منه الفقراء.

لكن مشكلة دعم سعر الصرف أنه (سِرِه في ذيل كلب)

الحلقة الأولى في تلك السلسلة هي الخدمة العامة المتضخمة ورواتبها المنخفضة.

تعويم سعر الصرف يضر هذه الفئة مباشرة. ونتيجة لتضخم عددها لا يمكن رفع رواتبها لأن ذلك سيخلق تضخم كبير في الأسعار.

الحلقة الثانية هي دعم الخدمات مثل المياه والكهرباء وتعويم سعر الصرف سيؤدي إلى إفلاس المؤسسات المحلية للمياه ومؤسسة الكهرباء.

الحلقة الثالثة هي دعم المشتقات النفطية.تعويم سعر الصرف سيزيد من فاتورة هذا الدعم الذي يذهب جله لحفنه من المستفيدين.

هذه السلسلة تجعل من دعم سر الصرف بأي ثمن هو الخيار الوحيد للحكومة وعندها ستضطر إلى اللجوء مرة أخرى إلى سندات الخزانة بشكل كبير وهذا يؤدي إلى اعتماد البنوك التجارية على هذه السندات بدرجة أكبر وينتج عن ذلك إعاقة أكبر للحركة الاقتصادية وزيادة في درجة هشاشة القطاع البنكي التجاري وتعرضه للصدمات.

هذه الإجراءات التي يقصد منها الحد من تدهور سعر العملة المحلية قد يكون أثرها الجانبي هو ازدياد هشاشة الوضع النقدي والاقتصادي بشكل عام.

يضاف إلى ذلك كله تزايد التدفق النقدي من العملة الصعبة إلى الخارج بحيث أصبح اليمن مصدراً صافياً لرأس المال وهذا مؤشر على ميل السوق نحو الدولره أي تحويل الأموال إلى العملة الصعبة وهذا يسبب ضغطاً اضافياً على سعر الصرف وقد يؤدي في وقت من الأوقات إلى الهلع وإتجاه الجمهور إلى سحب ودائعهم من البنوك وتحويلها إلى عملة صعبه وسيكون هذا شرارة اندلاع (التضخم الجامح) الذي عواقبه الاقتصادية والسياسية مرعبة.

إذاً البنك المركزي يعاني من (حلقة خبيثة) يصعب الخروج منها.

للخروج من هذه الحلقة الخبيثة اسمحوا لي أن أقترح تدخل سريع قصير المدى وتدخل طويل المدى.

التدخل السريع قصير المدى سيلجم التدهور الحاصل الآن ويوفر الوقت الكافي للتشاور والتخطيط السليم والإعداد للتدخل طويل المدى.

يتكون التدخل قصير المدى من عنصرين:-

العنصر الأول : هو إيقاف نزيف دعم المشتقات النفطية الذي سيوفر ما بين 2-3 مليار دولار هذا العام ويمكن استخدام جزء منها لتقديم دعم موجه ولفترة قصيرة للفئات الأكثر تضرراً من رفع الدعم.

العنصر الثاني: هو إيقاف الإنفاق العبثي يبدو أن الحكومة قد أنفقت خلال الربع الأول من هذا العام أكثر من ثلث الميزانية وهذا يزيد من أثر العجز الكبير في الميزانية العامة الذي يصل إلى 7.7% من الناتج المحلي. ضبط الإنفاق العام تدخل بسيط يمكن تحقيقة بسرعة.

التدخل طويل الأمد: يكون الهدف منه إحداث إصلاحات تضمن الاستقرار النقدي والنمو الاقتصادي في المدى الطويل . وهذا التدخل هو ذو شقين:

الأول/ زيادة الموارد والثاني / تخفيض النفقات.

وأهم عنصر في الشق الأول هو تحسين التحصيل الضريبي وأهم عنصر في الشق الثاني هو إصلاح الخدمة المدنية بحيث تنخفض فاتورة الرواتب إلى مستوى معقول.

التدخلات قصيرة الأمد وطويلة الأمد هي إصلاحات اقتصادية في متناول صاحب القرار لكننا بالتجربة صرنا ندرك أن الإصلاحات الاقتصادية تتطلب إصلاحات سياسية توفر لصاحب القرار قاعدة سياسية واسعة وتحرره من ضغوط اصحاب المصالح.

كما أننا ندرك أن المساعدة الخارجية أصبحت شرطاً مهماً لإنجاح المعالجات الاقتصادية والمساعدة الخارجية اليوم صارت مشروطة بالإصلاح السياسي. المسئولية اليوم صارت مشتركة بين الحزب الحاكم والمعارضة للوصول إلى اتفاق سياسي يحمي البلد من مخاطر الانهيار الاقتصادي والفوضى.

إن أساسيات الاقتصاد اليمني برغم ضعفها لا تستوجب ما نشهده من مؤشرات الهلع والتوجه نحو الدولره . توفر الإرادة السياسية لدى الحزب الحاكم والتزام المعارضة بدعم أي معالجات اقتصادية ضرورية لحماية الصالح العام كفيلة بإخراجنا من هذه الأزمة وعلى كل منا من موقعه أن يطمئن الجمهور أن لا حاجة للهلع وأن المعالجات ممكنة وآتية قريباً.