مواجهة التطرف اليساري

 

سنوات الانتصار والسلام(1967 - 1970)

 

ثالثاً : مواجهة التطرف اليساري

ترك النظام الإمامي المتخلف آثاراً سيئة في عقليات و نفسيات اليمنيين بسبب تركة التخلف الشديد التي جعلت اليمن و كأنه يعيش في العصر القديم ،وكان الفقر و المرض و الجهل مظاهر سائدة في البلاد التي وصفها القران الكريم بأنها (طيبة ) وعرفهـا التـاريـخ منـذ ( سبأ ) بأنها أرض الحضارات، و مما زاد الأمر سوءاً هو إصرار النظام الإمامي على الترويج بأن نظامه قائم على أسس إسلامية وأن أهدافه : إرضاء الله، وتطبيق الشريعة الإسلامية ، وحماية اليمن المسلمة و إيمان اليمنيين من الأجانب الكفار، وكان من الطبيعي  بعد ذلك أن تحدث انحرافات خطيرة في أفهام الناس حول الإسلام الذي أرتبط  في الأذهان بالنظام الأمامي بكل ما يعنيه من تخلف وانغلاق و جمود في كل مناحي الحياة .

ومنذ الخمسينات كانت الأفكار اليسارية المتطرفة قد بدأت تغزو عقول الشباب اليمنيين، ولاسيما القلة الذين كانوا يتلقون العلم في الخارج أو أولئك الذين يعملون في بلدان الاغتراب،  حيث كانت الأفكار اليسارية المتطرفة تعصف بالعالم العربي آنذاك، و عندما قامت ثورة سبتمبر 1962م انتعشت التوجهات اليسارية المتطرفة في البلاد وبدأت في شن حملاتها على( الرجعية ) ،وكان هذا المصطلح آنذاك يعني التدين والمتدينين، كما أسهم في زيادة انتشار تلك المفاهيم أن الملكيين المحاربين للجمهورية  والداعمين لهم  كانوا يقاتلون الثورة و النظام الجمهورية تحت شعارات الدين و الإسلام ولم يفرق التطرف اليساري بين أدعياء الدين و الإسلام و بين الإسلام النقي الذي كان دائماً دعوة للحرية والتقدم و العلم و المساواة .. بل امتد التطرف اليساري ضد التقاليد والأعـراف اليمـنية الأصـيلة التـي كـانت تمـثلها ( القــبائل ) فـلم تســلم ( القبائل ) من هجمات التطرف رغم أن قبائل عديدة كانت تدافع عن الثورة اليمنية ،ورغم أن مشائخ عديدين و أبناء قبائل سقوا بدمائهم شجرة الثورة والجمهورية ..بل و رغم الدور التاريخي الذي قامت به القــبائل في مقـارعة النظـام الإمـامـي، وكـان آخرها حركة القبائل بقيادة الشيخ /حميد بن حسين الأحمر عام 1959م و التي كانت إيذانا بزوال الإمامة من أرض اليمن .

وكان من الطبيعي أن يكون لهذا التطرف اليساري، الذي علا صوته في صنعاء بعد الثورة ، آثار سيئة فقد تمكن الملكيون من كسب ولاء قبائل عديدة معروفة بالبأس و الشدة بسبب تخويفهم من الأفكار اليسارية التي كانت تصف ( القبائل ) بالرجعية و التخلف وتطالب بالقضاء عليها .. كما أن الملكيين استفادوا من التطرف اليساري في تصوير الثـورة بأنها ضد ( الإسلام )، و لذلك فقد كان من مهام تيار الإصلاح و السلام بقيادة الشهيد / محمد محمود الزبيري إعادة الوجه الصحيح للثورة اليمنية ضد نظام الإمامة،   والمحافظة على المنطلقات الإسلامية للثورة التي ظلت تنادي منذ بدايتها بأنها إسلامية في مبادئها و أهدافها .

ومن الواضح من خلال تأمل مبادئ المؤتمرات الشعبية، التي بـدأها الشهيد         ( الزبيري ) بمؤتمر ( عمران ) ثـم مؤتمـر ( خمــر ) و أدبيات ( حزب الله )، أن تيار السلام و الإصلاح قد أخذ على عاتقه إعادة الوجه الصحيح للثورة اليمنية من خلال التأكيد على الهوية الإسلامية لها، و من خلال التأكيد على احترام دور القبائل اليمنية     ومشائخها في الدفاع عن الثورة ، و ضرورة تقوية هذا الدور من خلال مخاطبة اليمنيين باللغة الإسلامية التي يفهمونها و يحترمونها فكان تأسيس ( حزب الله ) وسيلة من أهم الوسائل التي جذبت اليمنيين، وعززت إيمانهم بالثورة و الجمهورية و ضرورة الدفاع عنها .

 انحــاز الـشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر إلى تيار الإصلاح و السلام بقيادة الشهيد /الزبيري و الأستاذ /النعمان ،والإرياني ودعم ( الشيخ ) كل التوجهات الهادفة للتأكيد على إسلامية الثورة، ورفض التطرف اليساري، و الحكم الفـردي ، وفي المــقابل حــرص ( الشيخ ) على ألا يتحول الخلاف داخل الصف الجمهوري إلى انشقاق يؤثر على الثورة والنظام الجمهوري ، وتحولت ( خمر ) إلى مدينة للجمهوريين المعارضين للتطرف اليساري بحماية الشيخ /عبدالله الأحمر و رعايته و رعاية ( حاشد ) التي كانت الجيش الشعبي الدائم للثورة .

أدى اغتيال ( الزبيري ) إلى إضعاف تيار الإصلاح والسلام تدريجياً ، و تقوى التطرف اليساري في صنعاء اعتماداً على الدعم المصري ، وواجه الجمهوريون المعارضون سنوات صعبة من المطاردة و الاعتقالات و التشريد وحتى الإعدام و السجن،  ولم يكن أمامهم في تلك السنوات إلا الهروب و الالتجاء إلى كنف الشيخ /عبدالله الأحمر الـذي صــار حـامـياً لهم كما كان حامياً للثورة و الجمهورية،  وفي السياق نفسه بذل ( الشيخ ) جهوداً كبيرة لمحاولة التفاهم مع المسؤولين في صنعاء للتخفيف من ممارسات التطرف و المواقف الحادة المتطرفة التي أساءت للثورة و الجمهورية، و أثارت ضدهما عداء كثيرين كان بعضهم معادياً للنظام الأمامي و كلهم كانت الثورة و الجمهـورية في مصلحتهم و مصلحة أبنائهم .

كان الموقف غاية في الحساسية بالنسبة للشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر،  وكانت مواجهة التطرف اليساري بحاجة إلى صبر و حكمة و تضحيات لكيلا يستفيد الملكيون من أي خطأ يقع فيه الصف الجمهوري  ، وكان أهم وسيلة لمواجهة التطرف اليساري في لهيب الحرب الأهلية هو توثيق العلاقات التحالفية مع العلماء و آباء الحركة الوطنية اليمنية و المشائخ الجمهوريين ، و من جهة أخرى الاستمرار في بذل التضحية والمطالبة بتغيير السياسات المتطرفة للحفاظ على الثورة و الجمهورية ، و بعدما انسحبت القوات المصرية كان لابد من حدوث تغيير في القيادة اليمنية في صنعاء و تغيير نهج التطرف إلى نهج الاعتدال و السلام، و حينذاك شــارك الشيخ/عبدالله في حركة التصحيح   والتغيير في ( 5 نوفمبر 1967م )  مشاركة فعالة أدت إلى إبعاد رموز نهج التطرف والإلغاء والإقصاء و المجيء بقيادة جمهورية جديدة تتصف بالاعتدال والحكمة استطاعت أن ترص صفوف الجمهوريين و تقودهم في المعركة الأخيرة التي انتهت بانتصار الجمهورية و الثورة .

و رغم انتصار الجمهورية و فشل حصار صنعاء و اندحاره في فبراير 1968م،  إلا أن الصف الجمهوري كان يحمل في أحشائه مشاكـل كامنة ، فقد كان هناك قوة متطرفة من اليساريين المــعروفين باســم ( الحركيين ) يشكلون جناحاً يسارياً متطرفاً موالياً للنظام اليساري الجديد في ( عدن )، ولم يكونوا راضيين تماماً عن التغيير الذي حدث في صنعاء و لا عن قيادة القاضي الإرياني و العهد الذي يتزعمه بحجة أنه عهد رجعي تقليدي غير ثوري، ولذلك سرعان ما بدأت المشاكل بين الفريق/حسن العمري القائد العام للقوات المســلحة و بين النقيب / عبد الرقيب عبد الوهاب رئيس الأركان، الموالي للحركيين حول صفقة دبابات روسية وصلت إلى (الحديدة )، و اختلف الطرفان حول من يقوم باستلامها، وانعكس الخلاف حول الأوضاع على صنعاء التي كان المتطرفون اليساريون يمثلون فيها قوة عسكرية كبيرة بدأت تتململ و تحاول فرض نفوذها على الآخرين، وفي تلك الأثناء كان ( الشيخ ) في بني الحارث بعد دخول القوات الجمهورية إليها بعد فتح طريق عمران _ صنعاء ، و كانت القوات تستعد للتوجه إلى مناطق أخرى لبسط السيطرة الجمهورية عليها ، لكن اللواء /حمود الجايفي طلب من الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر أن يدخل بقواته ورجاله إلى العاصمة صنعاء حتى يرتدع المتطرفون اليساريون ، وهكذا تجمع المقاتلون من عدد كبير من القبائل في منطقة المطار بقيادة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ودخلوا صنعاء بقوات بلغت خمسة آلاف مقاتل صاحبتها الزوامل و الطبول والزغاريد و ضرب الرصاص في الهواء حتى وصلوا إلى القصر الجمهوري .. و في اليوم نفسه وصل العميد /مجاهد أبو شوارب من الحديدة بعد أن نجح في التوسط بين الفريق العمري و النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب حول صفقة الدبابات بعد أن ارتضى الطرفان بأن يتسلمها ( مجاهد ).

 و في أغسطس 1968م انفجرت الأحداث بين تيار الفريق العمري وكانت تؤيده القيادة السياسية و بين تيار رئيس الأركان عبد الرقيب عبد الوهاب و قامت القوات الشعبية من (حاشد) بتأمين عدد من المواقع المهمة داخل صنعاء و التمركز بداخلها مثل باب اليمن ، و التحرير، والإذاعة، و قصر السلاح، و دارت معركة شديدة بين الطرفين استمرت ثلاثة أيام ، وخلالها انتهز الملكيون الفرصة و هجموا علـى جـبل ( نقم ) ، فتواصل الطرفان الجمهوريان المتحاربان  واتفقوا على إرسال قوات من الطرفين لمواجهة الملكيين حتى هزموهم و طردوهم من المواقع التي احتلوها، ثم عاد الطرفان كل إلى مواقعه وعادت الحرب المؤسفة بينهما من جديد، و كانت نهاية القتال هزيمة لليساريين المتطرفين الذين خرج بعضهم من صنعاء إلى عدن و منهم من سجن، وكان عدد القتلى من الطرفين كبيراً في هذه المعركة و أكثر بكثير من ضحايا حصار صنعاء .

 

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp