كلمة الشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر - رئيس مجلس النواب التي ألقاها بتاريخ 27/4/1994م في صنعاء بمناسبة الذكرى الأولى لإنتخابات السابع والعشرين من إبريل


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين:

يا أبناء الشعب اليمني الواحد :

في هذا اليوم التاريخي من حياة شعبنا نتقدم إليكم بأحر التهاني و التبريكات بمناسبة الذكرى الأولى ليوم الديمقراطية يوم السابع والعشرين من إبريل التي صنعتم فيها معجزة كبيرة تضاف إلى مفاخر شعبنا الأبي حيث عكست إنتخابات السابع والعشرين من إبريل 93م حقيقة إيمان أبناء اليمن بقيم الشورى والديمقراطية واثبتم أنكم أهل حضارة ووعي وتجلت الحكمة اليمنية في أسمى صورها حينما مارستم حقكم الإنتخابي بكل مسئولية وشاركت جميع القوى السياسية والشخصيات المستقلة في الإنتخابات النيابية ومرت بسلام ولم يحدث فيها ما يعكر الصفو حيث أتيحت الفرصة للجميع دون تمييز أو عزل لفئة أو جماعة وأنتخب كل نواب الشعب إنتخاباً مباشراً من قبل المواطنين فكان هذا المجلس أول مجلس  منتخب يكتسب الشرعية الكاملة من كافة أبناء الوطن بعد توحده ، وباركت الأحزاب والقوى السياسية نتائج الإنتخابات وأعلنت القبول بها خاصة بعد الزخم والتقدير الدولي الذي حظيت به والذي قلما حدث مثله في الكثير من دول العالم الثالث.

ولقد اعتبر شعبنا أن الإنتخابات النيابية هي المخرج السليم من كل الممارسات السلبية التي حدثت في الفترة الإنتقالية ،وقد كان المؤمل أن تسير الأمور بصورة أفضل وأن تتجه جهود الجميع من أجل بناء الوطن الموحد على أسس ديمقراطية وعملية صحيحة بعيداً عن المكايدات والمماحكات الأنانية التي ترعرعت في ظل الفترة الإنتقالية.

يا أبناء شعبنا اليمني الواحد :

لقد جاء ممثلوكم إلى هذا المجلس بروح وطنية عالية ودخلوا ميدان العمل النيابي بعزيمة قوية تهدف إلى تصحيح الأوضاع وترسيخ مبدأ الشرعية الدستورية وتأسيس دولة النظام والقانون دولة المؤسسات ولا تزال هذه الروح وتلك العزيمة بنفس القوة التي ستمكنهم من تحقيق الكثير مما يريده الشعب إذا رفعت الأحزاب وصايتها على هذا المجلس وانطلق الأعضاء في عملهم من كونهم يمثلون الشعب اليمني كله كما ينص على ذلك الدستور.

ولقد واجه المجلس في البداية قضية التعديلات الدستورية التي كانت قضية مشتركة في كثير من البرامج الإنتخابية .

ولما كانت هذه القضية من الأهمية بمكان ولكي تأخذ حقها من الدراسة والنقاش المسئول  فقد أقر المجلس تحديد فترة مجلس الرئاسة طبقاً لنص الدستور وإثر ذلك قام مجلس الرئاسة بتشكيل الحكومة الإئتلافية التي مثلت بحق تجربة فريدة على الساحة وتقدمت هذه الحكومة ببيانها إلى المجلس بتاريخ 4/7/93م وإلتزم رئيس الحكومة بأنها ستعود إلى المجلس كلماواجهتها مشكلة في تنفيذ برنامجها وتعهد بإنجاز الكثير من المهام خلال الأشهر المتبقية من عام 93م مثل توحيد التشريعات وتقديم مشاريع قوانين بها إلى المجلس وتقديم برنامج السياسة المالية والنقدية والتنموية وتقارير عن الوضع الإقتصادي والمالي للدولة وعرض مشروع الموازنة العامة للدولة لسنة 94م في الموعد الدستوري كما تعهد بدمج القوات المسلحة والأمن على أسسس وطنية خلال فترة محددة وعلى نفس الصعيد التفت مجلس النواب إلى موضوع التعديلات الدستورية حيث تقدم عدد من أعضاء المجلس من مختلف التنظيمات السياسية بمذكرة الأسباب الداعية لتعديل الدستور وبعد التداول وافق المجلس على مبداء التعديل بتاريخ 5/8/93م وكان من المفترض أن يبدأ المجلس مناقشة نصوص التعديلات بعد مضي شهرين من تاريخ الموافقة المبدئية عليها حسب نص المادة (129) من الدستور .

إلا أن ظهور الأزمة السياسية في 19/8/93م قد حال دون إنجاز هذه القضية الجوهرية وأصيب أعضاء المجلس بخيبة أمل خاصة أنهم قد تعاملوا مع القضايا السابقة بروح المسئولية ومن منطلق الحرص على وحدة الوطن وضرورة تكاتف الجهود من أجل خير اليمن وسعادة أبنائه.

أيها الأخوة :

لقد حرص مجلس النواب منذ بداية الأزمة وحتى اليوم على التعامل معها بعقل ومسئولية بعيداً عن العواطف والتعصبات فكلف هيئة رئاسة المجلس بالإتصال بأطراف الأزمة لمعرفة أسبابها ومسبباتها وتحركت الهيئة في ذلك الإتجاه في بداية أكتوبر من العام الماضي وبعد اللقاءات مع أطراف الأزمة فهم للجميع أن إنتخاب مجلس رئاسة جديد وتأجيل مناقشة التعديلات الدستورية هو الحل الممكن للخروج من الأزمة ، فأقر المجلس تأجيل موضوع التعديلات الدستورية وشرع في إجراء الترتيبات المتعلقة بإنتخاب مجلس رئاسة بموجب الدستور ولائحة المجلس الداخلية وبعد إستكمال إجراءات الترشيح انتخب المجلس الجديد بتاريخ 11/10/93م وكنا نعتقد ومعنا كل جماهير شعبنا أن إنتخاب مجلس رئاسة جديد سيكون نهاية المطاف وأن الجميع سيحتكم إلى الشرعية الدستورية ، ويحترم إرادة الشعب وأساليب العمل الديمقراطي المتعارف عليها غير أن الأمر لم يكن كذلك وبدأت الأزمة تتخذ منعطفاً خطيراً في ظل المهاترات الإعلامية والتصعيد العسكري الأمر الذي دعا مجلس النواب إلى طرح موضوع الأزمة للمناقشة في جلسة خاصة وبعد سلسلة من المداولات والمناقشات أقر المجلس في جلسته الإستثنائية التي عقدها صباح يوم الجمعة 5/11/1993م إصدار بيان حول الأزمة تضمن الثوابت التالية :-

الإسلام عقيدة وشريعة .

الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية .

الديمقراطية الشوروية والتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة .

الأمن والإستقرار ، والعدل ، والمساواة ، وإحترام الحقوق والحريات ، وصيانة الدماء والأموال والأعراض .

إحترام الشرعية الدستورية ومؤسساتها وإلتزام مؤسسات الدولة بالصلاحيات الدستورية المحددة لها .

إعتماد الحوار الجاد والصادق سبيلاً لحل الخلافات أياً كان نوعها وحجمها .

القوات المسلحة والأمن مؤسسة وطنية يملكها الشعب مهمتها حراسة البلاد والحفاظ على وحدتها وسيادتها وإستقلالها وصيانة المكتسبات الوطنية وحماية الشرعية الدستورية بعيداً عن الصراعات السياسية والولاءات الحزبية ، وتضمن البيان المبادئ العامة والتوجيهات التي أقرها المجلس لمعالجة الأزمة ، كما أقر المجلس يومها تشكيل لجنة من بين أعضائه لمتابعة وتقصي الحقائق حول الأزمة ، وتحركت اللجنة على كافة المستويات وبذلت جهوداً جبارة لإحتواء الأزمة ، لكن البعض أصر على إخراج القضية من المجلس وتشكلت لجنة للحوار من خارج المجلس ورغبة من المجلس في إتاحة الفرصة لكل جهد يهدف إلى الحل السريع للأزمة قبل التوقف مؤقتاً عن ممارسة بعض صلاحياته الدستورية من منطلق الحرص على الوحدة اليمنية ، فقد كان همنا الأول والأخير في المجلس هو التخفيف من معاناة الناس وإحتواء تلك الأزمة التي انعكست على الوضع الإقتصادي بصورة سيئة فأدت إلى الإرتفاع الكبير في الأسعار واقلقت الجميع وضيقت معايشهم .

أيها الأخوة أبناء الشعب :

لقد باشرت لجنة الحوار المهام المناطة بها وعندما انتقلت اللجنة إلى عدن في أوائل يناير من العام الحالي لإستكمال أعمالها ووجد المجلس أن بعض المسئولين التنفيذيين في جهاز الدولة قد التحقوا بتلك اللجنة وتركوا مهامهم الرسمية في تسيير شؤون البلاد خاصة في مثل تلك الظروف العصيبة فقد أقر المجلس دعوة الحكومة بكاملها وذلك بتاريخ 6/1/94م من أجل إجراء مناقشة عامة بإعتبار أن مشاركة القيادات التنفيذية في الحكومة في أعمال لجنة الحوار سيعطل الأعمال ويصرف الحكومة عن تنفيذ برنامجها المقدم إلى المجلس فضلاً عن أنه كان بإمكان أطراف الأزمة ترشيح أعضاء أخرين إلى اللجنة المذكورة بحيث لا تتعطل أجهزة الدولة المختلفة ، ولكن مع الأسف الشديد مضت الأمور على تلك الشاكلة ومن أجل هذا فقد أقر المجلس بتاريخ 10/1/1994م توجيه رسالة إلى الحكومة تضمنت ضرورة إلزام المسئولين والموظفين بالعودة إلى مقار أعمالهم بما فيهم رئيس الوزراء والوزراء وأن تترك الحكومة الحوار لأطراف الإئتلاف ، غير أن تلك الرسالة لم تلقى أذاناً صاغية لدى الحكومة ، وقد كان بإمكان المجلس يومها وبكل بساطة أن يمارس صلاحياته الدستورية كسحب الثقة من الحكومة الإئتلافية وإسقاط شرعيتها ولكن هل كان ذلك هو الحل الأمثل الذي يحفظ وحدة اليمن وأمنها وإستقرارها ؟ دون شك لم يكن ذلك هو الطريق السليم والصحيح للتعامل مع مثل تلك الأوضاع.

أيها الأخوة أبناء اليمن الموحد :

وحينما توصلت لجنة الحوار في الثامن عشر من يناير الماضي إلى صيغة نهائية لوثيقة العهد والإتفاق باركها الجميع واعتبروها المخرج الوحيد من الأزمة التي باتت تهدد وحدة الوطن وتقلق أمن الوطن ، وظن كل أبناء شعبنا اليمني أن الأزمة ستنتهي بمجرد توقيع أعضاء لجنة الحوار على الوثيقة في عدن ، غير أن أطرافاً في الأزمة أبت إلا أن يتم التوقيع النهائي على الوثيقة خارج الوطن وهكذا تم التوقيع على الوثيقة في الأردن الشقيق في العاشر من رمضان من العام الحالي وبحضور أطراف القوى السياسية اليمنية المشاركة في الحوار ، وكان من المفترض أن تنتهي الأزمة بمجرد التوقيع على الوثيقة وأن يعود كل المسئولين والموظفين إلى مواقع أعمالهم وأن تلتئم المؤسسات وتتوحد الإرادة السياسية للبدء في تنفيذ الوثيقة من منطلق الحرص على الوحدة الوطنية والعمل على إنهاء الحالة المعيشية النكدة التي يعاني منها المواطنون لكن ومع الأسف الشديد لم يحصل من ذلك شيء وظلت الأزمة قائمة والمعاناة مستمرة والأحوال الإقتصادية في تدهور مستمر ومؤسسات الدولة واجهزتها المختلفة شبه مشلولة والجميع يدندن حول وثيقة العهد والإتفاق .

أيها الأخوة المواطنون :

لقد نصت وثيقة العهد والإتفاق في صفحتها الأولى على ضرورة أن تلتزم كافة القوى السياسية بالتقيد بها وأن تواصل كافة الجهود لتطبيقها ووضعها موضع التنفيذ ونصت الصفحة الأخيرة من نفس الوثيقة على أن إنجاز عمل كهذا يتطلب إرادة سياسية قوية وموحدة القول والفعل غير أن فقدان الثقة بين بعض الأطراف والتهرب من تحمل المسئولية وعدم الجدية والرغبة في إنهاء الأزمة قد حال دون التئام المؤسسات للبدء في تنفيذ تلك الوثيقة ، وهكذا لا تزال الإرادة السياسية غير موحدة إلى اليوم ولا تزال المؤسسات غير ملتئمة ولا يمكن عمل شيء على طريق تنفيذ الوثيقة مالم تلتئم كل هيئات الدولة وأجهزتها التي ستقوم بالتنفيذ حسب ما نصت عليه الوثيقة وتبدأ العمل الجاد والصادق بما يعزز الوحدة الوطنية ويعالج الوضع الإقتصادي المتردي .

أيها الأخوة :

لقد مر على هذه الأزمة أكثر من ثمانية أشهر حتى اليوم وشعبنا يعاني أشد المعاناة منها ولم يعد من المقبول تحت أي مبرر إستمرارها كما يحاول البعض الذي لا يزال يعتقد أنها فرصة للمساومة في سبيل تحقيق مصالح ذاتية زائلة متناسياً معاناة الناس وآلامهم .

إن مجلس النواب ومن موقع المسئولية وأداءً للأمانة يدعو الجميع إلى الإحتكام إلى الشرعية الدستورية والإلتزام بها وإحترام إرادة الأمة وتقديم مصلحة الوطن على كل المصالح وأن ننظر إلى أننا بالوحدة فقط كبرنا في أعين الأشقاء والأصدقاء وبدونها لن ننال إلا الذل والهوان ، وإن الذين يحلمون برغد العيش في غياب الوحدة واهمون فيدُ الله مع الجماعة ، ومن شذ شذ في النار .

ولقد سبق للمجلس أن وجه الحكومة بضرورة البدء الفوري بتنفيذ ما لايحتاج إلى تعديلات دستورية أو قانونية من بنود الوثيقة وكذا تقديم مشروع القوانين المتعلقة بالوثيقة إلى المجلس بالإضافة إلى مشرع التعديلات الدستورية واليوم يؤكد المجلس على ذلك من جديد ، كما يؤكد على ضرورة إلتئام المؤسسات لتحمل مسئولياتها في تنفيذ وثيقة العهد والإتفاق فإن المبررات المختلقة والمفتعلة لتمديد الأزمة من أجل إستثمارها لم تعد مقبولة ، وعلى حكومة الإئتلاف أن تباشر مهامها في تنفيذ برنامجها وتقديم تقاريرها للمجلس عن مستوى تنفيذه وما يتم تنفيذه من وثيقة العهد والإتفاق لكي يتمكن المجلس من القيام بمهامه الدستورية ولينطلق الجميع للعمل بروح المسئولية الوطنية لبناء اليمن الموحد يمن الثاني والعشرين من مايو 1990م يمن السابع والعشرين من إبريل 1993م يمن الشرعية الدستورية يمن الأمن والإيمان.

وفق الله الجميع لما فيه الخير لهذا الوطن .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp