في مواجهة الانفصال : يمن واحد لا يمنان..
في مواجهة الانفصال : يمن واحد لا يمنان..
ظلت الوحدة اليمنية إحدى القضايا الحيوية في الضمير اليمني، و لا سيما بعد القضاء على نظام الإمامة و اشتداد المقاومة المسلحة ضد الوجود الاستعماري البريطاني في الشطر الجنوبي من الوطن ، و عندما رحلت قوات الاستعمار في 30 نوفمبر 1967م كانت هناك آمال في إعلان الوحدة اليمنية لكن إعلان قيام دولة ( اليمن الجنوبية ) أضاع تلك الفرصة ، وكان الأمر مثيراً للدهشة و الألم في صنعاء لكن تقديرات القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري في حينه قضت بأن يتم الاعتراف بالأمر الواقع أي بوجود ( يمنين أثنين ) ، أما الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر فقد كان رأيه بأن لا يتم الاعتراف وإدانة قيام دولة يمنية ثانية بدلاً من الوحدة ثم تغلب الرأي القائل بالاعتراف بالدولة الجديدة في ( عدن ) تقديراً للظروف الدقيقة التي كانت تمر بها الثورة الأم أثناء حصار صنعاء .
أدى وجود دولتين يمنيتين في وقت واحد إلى ظهور سلسة من التوترات و المشاكل بين النظامين الحاكمين في كل من صنعاء و عدن ، فقد كان كل منهما يأوي المعارضين للنظام الآخر مع فارق أن النظام في ( عدن ) تبني دعم التمرد الشيوعي المسلح في المناطق الشمالية بالأموال والسلاح و الدعم السياسي بينما كان النظام في صنعاء غير قادر على فعل الشئ نفسه مع المعارضين للنظام في عدن، وشكلت أعمال التخريب العسكرية ضد ( الشمال ) مصاعب كبيرة للدولة، و استنزفت جهودها المحدودة و قدراتها البسيطة ، وأوجدت خلافات داخل الدولة حول مواجهة الخطر الشيوعي زادت من ضعف الدولة وكان الشيخ عبدالله الأحمر يتزعم التيار الوطني الإسلامي الداعي إلى ضرورة تقوية الدولة و مواجهة الخطر الشيوعي، وعدم التساهل معه سواء في مناطق القتال أو في أجهزة الدولة حيث تمركز اليساريون المتطرفون في الأجهزة المدنية و العسكرية ومارسوا دوراً مشبوهاً لصالح مخططاته الشريرة.
وخلال حقبة السبعينيات شهدت اليمن حربين حدوديتين كان سببها الرئيس أعمال التخريب الماركسية ، و في أعقاب كل حرب منهما كانت تحدث وساطات عربية تدفع باتجاه توحيد الشطرين في دولة واحدة، و هو ما حدث في القاهرة و طرابلس الغرب في الحرب الأولى 72م بين القيادات السياسية من كلاً الشطرين ، وفي الحرب الثانية 1979م عقدت قمة في الكويت نتج عنها قرارات باتجاه الوحدة ، لكن كل الاتفاقات لم تؤدِ إلى وحدة حقيقية لأنها أستندت إلى عوامل غير صحيحة، فقد كان كل نظام يريد فرض نموذجه على الآخر كما أن التيار الوطني و الإسلامي في ( صنعاء ) بقيادة الشيخ /عبدالله الأحمر كان يطالب دائماً بأن تكون الـوحــدة بـين اليمنيين في الشطرين و ليس مع الحزب الاشتراكي الحاكم في ( عدن ) ، كما كانت هناك مطالبة بأن تكون دولة الوحدة ذات نظام إسلامي واضح.
وفي كل الأحوال ؛ ظلت قضية الوحدة اليمنية مطروحة دائماً ، واستمرت اللقاءات بين قيادات الشطرين و لكن دون أن تؤدي إلى نتيجة واقعية ، كما كانت تنشط أحياناً و تهمد أحياناً أخرى حتى وقعت أحداث 13 يناير 1986م الدموية التي أضعفت النظام الماركسي في ( عدن )، كما أن التطورات العالمية و بداية سقوط المعسكر الشيوعي أسهمت في دفع النظامين نحو تحقيق خطوات وحدوية حقيقية خوفاً من المجهول الذي ينتظر النظام الماركسي، واستجابة للرغبة الجمــاهيرية العارمة في تحقيق الوحدة.
وضع اتفاق 30 نوفمبر 1989م اليمن على أعتاب الوحدة، و تسارعت الخطوات رغم وجود أخطاء و أسس غير سليمة قامت عليها الوحدة مثل مشروع الدستور و التقاسم الثنائي للدولة بين الحزبين الحاكمين ،وقاد ( الشيخ عبدالله ) المعارضة الوطنية والإســلامية ضد ( الدستور ) والمطالبة بتعديله قبل الاستفتاء عليه ،ولكن الترتيبات الثنائية السرية قبل قيام الوحدة فرضت الموافقة على ( الدستور ) كما هو دون تعديل ما فيه من أخطاء ، وقد تحملت المعارضة السلمية للدستور تلك المواقف إيماناً منها بأن الوحدة هدف استراتيجي، كما كان هناك وعد من (الرئيس) بأن يتم التعديل بعد الوحدة باعتبار الدستور خاص بالفترة الانتقالية ، لكن كل ذلك لم يتم و ظل التيار المعارض للدستور يتبني تعديله حتى تم ذلك بعد حرب 1994م و انتهاء شراكة الحزب الاشتراكي في السلطة.
و في أثناء تدهور الأوضاع العامة خــلال الفترة الانتقالية تزعم ( الإصلاح ) بقيادة الشيخ /عبدالله الأحمر الدعوة إلى كشف الأخطاء التي تؤثر على الوحدة، وضرورة الاحتكام للدستور والقوانين، كما دعم ( الشيخ ) مؤتمر الوحدة و السلام الذي كان أهم مؤتمر شعبي تبناه الإسلاميون و حلفاؤهم لحماية الوحدة و السلام و الدعوة إلى الإخاء والحرية و المساواة ، وقد شارك في هذا المؤتمر مندوبون من كل قرية وعزلة ومديرية في جميع المحافظات اليمنية ، وعكس في أصدق تعبير الوحدة اليمنية الحقيقية المتجسدة في النفوس و العقول، وكان المؤتمر أصدق رد على المؤتمرات المناطقية والقبلية التي أرادت إثارة النعرات بين أبناء الشعب الواحد، والتي كان يقف وراءها الحزب الاشتراكي اليمني وبعض حلفائه .
و بعد انتخابات 1993م ، وعندما حصل الإصلاح على المركز الثاني في الانتخابات رضي الإصلاحيون بأن يكون نصيبهم في الدولة أقل من الحزب الاشتراكي الذي حصل على المركز الثالث حفاظاً على الوحدة، و مراعاة لحساسية الموقف العام في البلاد بالنظر إلى الــوضع الـخـاص الــذي كان يمثله ( الاشتراكي ) فهو لـم يكن ( حزب ) بل ( دولة ) بكل ما تعنيه الكلمة.
و نظراً لحالة التوتر في العلاقات سابقاً بين ( الاشتراكي ) و ( الإصلاح ) فقد عقدت سلسلة من اللقاءات بينهما لتطبيع العلاقات بعد اشتراكهما في ائتلاف على مستوى مجلس الرئاسة ومجلس النواب و مجلس الوزراء ،لكن سرعان ما اندلعت الأزمة السياسية في 19/8/ 1993م و اتخذت أبعادها المعروفة على المستويات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية، و هددت سلامة الوحدة و الوطن و الشعب ، وكان لمجلس النــواب دوره في محــاولة الــتوسط بين الرئيس ونائبه، وشكل لجنة خاصة لذلك، كما قام الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر بنفسه برئاسة أحد الوفود التي زارت ( عدن ) والتقت بنائب الرئيس علي سالم البيض للاستماع لوجهة نظره في محاولة أخيرة لإنهاء الأزمة .
كان واضحاً من إدارة ( البيض ) للأزمة السياسية أنه يريد إبعاد مجلس النواب -المؤسسة الدستورية الشرعية - عن المشاركة في أي عمل سياسي لحل الأزمة نظراً للأغلبية التي يمثلها المؤتمر و الإصلاح معاً ، و لذلك كان تهميش مجلس النواب هدفا ووسيلة للبيض ، و اضطر ( الشيخ ) إلى التعامل مع بعض المواقف غير الدستورية وتمريرها في مجلس النواب مثل انتخاب ( البيض ) عضواً في مجلس الرئاسة وعدم أدائه لليمين الدستورية أمام المجلس ،وكان السبــب في ذلك هو الرغبة في تفــويت الفرصة على ( البيض ) ، كما أن مجلس النواب اضطر لمسايرة الوضع السياسي العام ولم يتخذ مواقف قوية للسبب نفسه ،كما قام المجلس برئاسة ( الشيخ ) بدور نشيط في متابعة الأزمة و تداعيتها العسكرية و المعيشية.
كـان ( الشيخ ) رافضاً لتشكيل لجنة الحوار لأن الهدف منها كان تهميش مجلس النواب الذي يمثل المؤسسة التشريعية المنتخبة من قبل الشعب ، و كان يراد، وهو ما حدث بالفعل، أن تتحول لجنة الحوار إلى لجنة فوق الدستور و مجلس النواب، و يتم من خلالها فرض تغييرات دستورية جذرية بعيداَ عن مجلـس النواب الذي كان يراد له أن (يبصم) فقط على نتائج أعمال لجنة الحوار . و للأسباب نفسها كان ( الشيخ ) رافضاً لوثيقة العهد والاتفاق التي خرجتت بها لجنة الحوار لما كان فيها من إجحاف وابتزاز ، وأثار الموقف منها خلافاً كبيراً داخل قيادة الإصلاح لكن الأمر حسم بالنقاش و الحوار من أجل المصلحة الوطنية، وتفويتاً للفرصة على تيار الانفصال و لمبررات أخرى اقتنع بها ( الشيخ عبدالله ) ، فقد شارك بعدها بنفسه في التوقيع على وثيقة العهد و الاتفاق في العــاصمة الأردنـية (عمان) وأشترط في الوثيقة بجانب توقيعه إنهاء الأزمة وعودة المسئولين إلى صنعاء ، وبعـد التوقـيع على ( الوثيقة ) ألقي الشيخ عبدالله كلمة بالمناسبة دعا فيها إلى أن يكون التوقيع على الوثيقة نهاية للخلاف و الأزمة ، و طالب بعودة كل المسؤولين إلى مواقع أعمالهم لمباشرة أعمالهم و تنفيذ ما جاء في الوثيقة و برنامج الحكومة .
كما شارك الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر في اجتماع خاص، بعد التوقيع على وثيقة العهد و الاتفاق، مع الرئيس و نائبه و الملك حسين ، و أوضح لهم رأيه بصراحة و حملهم جميعاً المسؤولية، وغادر الاجتماع الذي لم يؤدِ إلى نتيجة .
وتـوالـت بعـد (عمـان) التصعيدات السـياسية و العسكرية، وصـار مخطط ( الانفصال ) واضحاً و بدأت مجموعات قبلية مساندة للحزب الاشتراكي و منسقة معه في إثارة قلاقل و قطع بعض الطرق الرئيسية استغلالاً لبعض المشاكل ، فظهرت مشاكل في تموينات النفط و الغاز عانى منها المواطنون كثيراً ، و قـد تــدخل ( الشيخ ) شخصياً لحل هذه المشاكل، وأعطى ضمانات للذين كانوا يطالبون بحقوق مالية لهم من بعض التجار.
و بعد انفجار الحرب قام الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر _ بتكليف من الرئيس بزيارة كل من السعودية و دولة الإمارات لشرح الموقف للمسؤولين هناك، و لمعرفة مواقفهم تجاه ما يجري في اليمن، و محاولة إقناعهم إما بالحياد أو إصلاح ذات البين أو أن يكونوا منصفين في مواقفهم وفي السعودية كان اللقاء مع الملك فهد والأمير سلطان ودياً وطيباً، و اعتذروا عن تلبية دعوة صنعاء ليكونوا وسطاء لكنهم طلبوا إيقاف القتال ولو كهدنة لمدة ثلاثة أيام بمناسبة عيد الأضحى ، لكن موقفهم بشكل عام كان غامضاً بعكس المـوقف في ( الإمارات ) التي زارها ( الشيخ ) في الأيام الأخيرة للحرب، فقد كان الموقف الإماراتي واضحاً و مؤيداً للانفصال بقوة بحجة أن الوحدة لا يمكن فرضها بالقوة، وقـد أوضح الشيخ/عبدالله للشيخ زايد بن سلطان أن ما يحدث في اليمن تمرد على الشرعية الدستورية ، و أن من حق الشعب اليمني أن يدافع عن وحدته لأنها وحدة شعب أما التمرد فهو الذي يُراد فرضه بالقوة على اليمنيين وقد أحتد النقاش بين الرجلين حول هذه المسألة. كما قام من خلال موقعه كرئيس لمجلس النواب بالتواصل مع نظرائه من رؤساء البرلمانات العربية والإسلامية والدولية وإرسال وفود برلمانية ورسائل لإيضاح الموقف وخطورة دعم حركة الإنفصال على الشعب اليمني وعلى الأمن والإستقرار في المنطقة وعندما التقى بالأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى صنعاء أكد الشيخ عبد الله أن الوحدة دين وأنه لا خيار غير ذلك فإما الوحدة أو الموت.
و بالإضافة إلى ذلك ، فإن الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر قام بدور شعبي وإعلامي للدفاع عن حاضر اليمن و مستقبله ، و بعدما سقطت المــؤامرة ألقي الشيخ كلمة في مجلس النواب بتاريخ: 16/7/1994م بمناسبة انتصار الوحدة دعا فيها إلى معالجة السلبيات، و بناء الدولة اليمنية الحديثة دولة المؤسسات على أسس علمية بعيداً عن المكايدات و المزايدات ، و تعزيز الممارسات الديمقراطية، و مواجهة الفساد المالي والإداري ، و إصلاح العلاقات الخارجية اليمنية مع الخارج و خاصة دول الجوار.
لقد كانت مؤامرة الانفصال أخطر جريمة يتعرض لها الشعب اليمني في تاريخه المعاصر ، و كانت وسائل هذه الجريمة تعتمد على إثارة الفتن المذهبية و المناطقية والقبلية و إشعال حريق ضخم في اليمن يقضي على ما فيه وليس سراً أن ترتيبات الانفصال كانت تعتمد أساساً على إثارة قلاقل قبلية، و تمكن المتآمرون من حشد جهات كثيرة حزبية و قبلية و مذهبية، و حصلوا على دعم خارجي كبير حتى بدأ المشهد حرجاً بالنسبة للقــيادة في صنعاء، وليس ســراً أن وقوف التجمع اليمني للإصلاح بقيادة الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر كان من أهم العوامل التي عززت جبهة الوحدة الداخلية بعد أن انفضّ كثيرون ، و هرب كثيرون ، و تردد كثيرون .. و لم يبقَ في الساحة إلا تحالف المؤتمر الشعبي العام و التجمع اليمني للإصلاح الذين كان لهم شرف الدفاع عن الوحدة مع القوات المسلحة و الأمن ، و حماية الوطن من التمزق و التشرذم.