عهد المقدم / إبراهيم محمد الحمدي 1974- 1977م

 

في قمة الدولة في صنعاء

 

 

   ثانياً : عهد المقدم / إبراهيم محمد الحمدي (1974- 1977م)..

 

كان العقيد / إبراهيم محمد الحمدي من أبرز الشخصيات العسكرية في البلاد في عهد القاضي / عبد الرحمن الارياني ، كما كان من الشخصيات التي تعرضت للاعتقال في مصر مع الأستاذ النعمان والفريق العمري وطوال عهد القاضي الإرياني ظهر اسم الحمدي كأبرز الداعين إلى تقوية الدولة ، ومواجهة عمليات التخريب اليساري المدعوم من النظام الحاكم في عدن ، وإصلاح الأوضاع المالية والإدارية، وقد تبوأ منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الداخلية كما كان نائباً للقائد العام للقوات المسلحة .

كان (الحمدي) من ضمن الشخصيات التي استاءت من الوضع الضعيف للدولة في عهد (الإرياني) ، وعندما ازداد تدهور الأوضاع كان الموقف يتطلب أن تكون قيادة البلاد قياده حازمة تستطيع أن تواجه التوتر والحرب المستعرة في بعض المناطق الريفية ، وكان المرشح للقيادة الجديدة : هو العقيد / إبراهيم الحمدي الذي كان صاحب أعلى منصب عسكري بين المتفقين على التغيير فقد كان نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ، كما كان صاحب أكبر قدرة سياسية بين العسكريين .

تم التخطيط لحركة 13 يونيو1974م بينما كان الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر في زيارة للصين ، وتولى الإعداد للحركة عدد من كبار ضباط الجيش والشيخ / سنان أبو لحوم والشيخ /أحمد علي المطري والعميد / مجاهد أبو شوارب  وكانت فكرة الانقلاب الأبيض هي أن يقدم القاضي الإرياني استقالته ويستقيل المجلس الجمهوري ورئيس مجلس الشورى، ويتم تسليم الأمور إلى القيادة العسكرية وعندما عاد (الشيـخ) مـن الصيـن أطلعه المخططون للحركة على ما تم إعداده في بيت الشيخ/سنان أبو لحوم وطلبوا منه الانضمام إليهم أو تحمل مسؤولية ما يحدث في البلاد بعد أن يغادروها كلهم .

كان الموقف محرجاً ولم يكن أمام (الشيخ) إلا الموافقة على خطة التغيير بشروط محددة مثل عدم الإساءة للقاضي الإرياني وعدم إراقة الدماء.

تمت إجراءات  التغيير كما تم التخطيط لها ، وكان للشيخ / عبد الله الأحمر رأى في أن يتم تقديم استقالة رئيس مجلس الشورى إلى المجلس نفسه ولكن الشيخ/سنان أبو لحوم رفض هذا الرأي بقوة، وهكذا قدم القاضي الإرياني استقالته إلى رئيس مجلس الشورى الشيخ/عبدالله، وهـو بــدوره قـدم استقـالته معها إلى العقيد/إبراهيم الحمدي الذي كان يمثل أكبر قيادة عسكرية موجودة آنذاك في البلاد بسبب غياب القائد العام للقوات المسلحة محمد الإرياني ورئيس هيئة الأركان حسين المسوري وتواجدهما خارج البلاد..وهكذا تولى الحمدي قيادة الدولة وتم  تشكيل مجلس للقيادة ضم عدداً من البعثيين كما تم تعيين (محسن العيني) رئيساً للوزراء رغم أن ذلك لم يكن ضمن الاتفاق الذي حدث في بيت الشيخ / سنان أبو لحوم ، وأدى هذا إلى ظهور أول خلاف بين (الشيخ) وبين الحمدي بسبب موقف الشيخ المعارض لهيمنة التيار البعثي كما ظهر في التشكيلات الجديدة ، وعندما حدث الخلاف فيما بعـد بين الحمدي وبين البعثيين من بيت أبو لحوم رشح (الشيخ)                الأستاذ/عبد العزيز عبد الغني للحمــدي ليكـون رئيـساً للــوزراء بــدلاً من محسن العيني .

كان من ضمن الاتفاق قبل القيام بحركة التغيير إعادة الحكم المدني والعمل بالدستور بعد فترة مؤقتة مدتها ستة شهور ، لكن الحمدي قام بعد نجاح الحركة بتعطيل الدستور وتجميد مجلس الشورى على خلاف الاتفاق بحجة أن إعلان حالة الطوارئ واستقالة رئيس مجلس الشورى استدعت  هذه الإجراءات.

 بدأت الخلافات بين الحمدي وبين أنصاره في الأمس  وسعى هؤلاء إلى الشيخ / عبد الله الأحمر لاستقطابه للتعاون معهم لكنه رفض ذلك ، وعندما تصاعد الخلاف بين الطرفين بدأ الحمدي يقصيهم من مناصبهم ، وحدثت بسبب ذلك مشادة قوية بين الحمدي و(الشيخ) وبدأ الفراق بين الطرفين .. كما أقصى (الحمدي) العميد مجاهد أبو شوارب الذي استقر في (خمر) .. وبعدها تصاعد الخلاف وبدأ (الشيخ) يشعر بعدم الاطمئنان فخرج هو أيضاً  من صنعاء واستقر في (خمر)، حيث بدأت المعارضة ضد الحمدي تتصاعد وتم استقطاب القبائل وعدد من العسكريين ، وبدأت عدد من الوساطات بين الطرفين لتهدئة الموقف ، وكان تيار الشيخ / عبدالله الأحمر يضع شروطاً في مقدمتها إعادة الحياة الدستورية والحكم المدني بينما كان الوسطاء يركزون على التعايش مع الحمدي والقبول به كما هو وعدم تحميله مالا يطيق ! وقد قام بهذه الوساطات القاضي/عبدالله الحجري رحمه الله الذي بقى قريباً من الحمدي ، وكذلك عدد من المشايخ .. كما قام السعوديون بمحاولة للوساطة بين الطرفين حيث قام الأمير (تركي بن فيصل ) بمحاولة للوساطة ولكن دون جدوى .

كان إقدام الرئيس الحمدي على حل مجلس الشورى في 22/10/1975م هو ذروة التوتر في العلاقات بينه وبين تيار المشائخ بقيادة الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر ، وكان أهم النشاطات التي نظمها المشايخ هو عقد مؤتمر ( السلام ) بتاريخ 8/11/1975م في مدينة ( خمر ) المعقل التاريخي والقبلي للشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر، وكانت أهم مطالب المؤتمر وقراراته:

1- التأكيد على أن يكون حكم اليمن جمهورياً: لفظاً ومعنى ، شوروياً دستورياً ديموقراطياً .

2- دعوة الرئيس إبراهيم الحمدي للتفاهم حول أسباب ما تعانيه البلاد من قلق وعدم استقرار ، فالحمدي هو المشكلة والحل .

3- يعتبر المؤتمـرون أن شرعية الحكم الانتقالي قد انتهت بتاريخ 22/10/1975م. طبقاً للإعلان الدستوري الصادر                  في 22/10/1974م.

4- يقر المؤتمرون أنه لا يحق لأي شخص أن ينصب نفسه رئيساً للدولة ،كما لا يحق له أن يقرر نهاية مجلس الشورى قبل انتخاب مجلس الشورى الجديد لأنه لا يملك شرعية ذلك ولا شرعية البقاء في الحكم .

 

كان السعوديون من المؤيدين للرئيس إبراهيم الحمدي ومعجبين بشخصيته ، وحاولوا إقناع ( الشيخ ) بالتفاهم مع الحمدي وعدم المواجهة معه أو فرض شروط عليه فقد كان السعوديون يرغبون بوجود حاكم قوي في اليمن يستطيعون أن يدعموه وقادر على التعامل معهم بدلاً عن الفوضى ، و( الحمدي) من جهته كان يشيع أن سبب خلافه مع المشايخ هو رغبته في بناء دوله قوية والمشايخ مراكز قوى تعيق ذلك واستمرت وساطات السعودية بين المشايخ وبين الحمدي. وظل السفير السعودي في صنعاء يتردد بين الطرفين ، وكان تأييد السعوديين للحمدي قد ازداد بعد تصفية البعثيين في أجهزة الدولة بسبب عدائهم لهم ، لكن إحلال الناصريين محل البعثيين لم يرضِ السعوديين الذين قدموا الدعم والتأييد الكبيرين للحمدي .

وبـرغـم الخـلافـات بـين ( الشـيخ ) و( الحمـدي ) إلا أن اغتـياله في أكتوبر 1977 م كان مفأجاة  للمعارضين له في ( خمر ) ، وكان للنبأ وقع أليم عليهم وسبب استياء شديداً من تلك الجريمة فلم يخطر ببالهم أن تصل الأمور إلى هذا الحد .. كما كانت التغطية الخبرية التي صاحبت جريمة الاغتيال أقبح من الجريمة نفسها ، وقد أرسل الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر رسالة إلى صنعاء أكد فيها إدانته للجريمة وكذا الأساليب غير الشريفة، التي تلت عملية الاغتيال وانه كان الأفضل الإعلان عن قيام انقلاب بدلاً من تمثيلية البكاء ، وإذاعة الأناشيد العسكرية ، والتغطية الإخبارية القبيحة .   

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp