عهد القاضي / عبد الرحمن الإرياني 1967 - 1973م

 

في قمة الدولة في صنعاء

 

أولاً : عهد القاضي عبد الرحمن الإرياني (1967-1973م)

كان القاضي العالم والسياسي عبد الرحمن الإرياني من أبرز شخصيات الحركة الوطنية اليمنية، وهو أحد الشخصيات التي تأثر بها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ويكن لها التقدير و الاحترام ، وعندما انعقد مؤتمر (خمر) بعد اغتيال (الزبيري) كان هناك إجماع أن يكون (الشيخ) هو رئيس المؤتمر تقديراً لدوره لكنه رفض ذلك ودعا القاضي (الإرياني) ليرأس المؤتمر بدلاً منه.

وعندما استكملت أسباب التغيير و قيام حركة التصحيح في 5 نوفمبر 1967م إنقاذاً للثورة و النظام الجمهوري ،كان القاضي الإرياني هو المرشح الأوحد لتولي رئاسة الدولة ، وكان (الشيخ) هو أبرز رجال حركة التصحيح  و الداعمين لرئاسة القاضي الإرياني لما يتمتع به من حكمة ونزاهة وأخلاق و دور وطني تاريخي كان يؤهله لأن يقود المرحلة الجديدة التي تعيشها الثورة و النظام الجمهوري آنذاك بعد انسحاب القوات المصرية ،واستمرار محاولات القوات الملكية لإسقاط العاصمة صنعاء.

 كـانت أهم إنجازات عهـد القاضي (الإرياني) دحر القوات الملكية نهائياً،         وانتصار الجمهورية والتفاهم مع السعودية ، وتحقيق السلام والمصالحة الوطنية ، وإعداد الدستور الدائم و قيام مجلس الشورى والبدء بالمشاريع التنموية .

 و على الرغم من علاقة التقدير والاحترام التي كان الشيخ /عبدالله يكنها للقاضي (الإرياني)، إلا أن العلاقات بينهما بدأت تتعرض لتدهور نتيجة المشاكل التي بدأت الدولة تواجهها منذ عام 1972م عندما تزايد نشاط الجماعات اليسارية بدعم من النظام الماركسي في (عدن) فقد تزايدت أعمال التخريب في الأرياف ، ثم انتقلت تأثيرات التخريب إلى داخل مؤسسات الدولة المدنية و العسكرية، وفى مواجهة كل تلك الأخطار كان موقف القاضي ضعيفاً وغير محدد رغم أنه في البداية كان حازماً تجاه التيارات الهدامة لكنه تهاون فيما بعد في ضبط الأمور نتيجة عوامل عديدة منها حرصه على إيجاد  قوى قريبة منه تواجه قوى المشايخ و العلماء و العسكريين ..ومنها أن القاضي الإرياني كان له أقـارب من قيادات اليسار الماركسي و كانوا أصحاب تأثير عليه .

و تعاظم الخطر في الوقت الذي كان فيه النظام الشيوعي في (عدن)  يزداد قوة    ويدعم حركة التمرد و التخريب للإجهاز على النظام في صنعاء، بينما النظام في صنعاء ضعيف و غير قادر على مواجهة الخطر الداخلي و الخارجي، بل كان هناك في قيادة الدولة من كان يهادن المخربين اليساريين ويتغاضى عن ضرورة مواجهتهم و إنقاذ البلاد من شرهم.

لم يكن هناك مناص من مواجهة الخطر اليساري ، ووقف المعارضون لهذا التيار وقفة قوية وخاصة في مجلس الشورى، حيث انتخب القاضي عبدالله الحجري عضوا في المجلس الجمهورية ورئيساً للوزراء لأنه كان الرجل المؤهل لمواجهة التخريب اليساري، فهو معروف بصرامته و قوة إيمانه، ولذلك كان وجوده عضواً في المجلس الجمهوري دعماً للتيار الرافض للتخريب اليساري ، وكان معه في هذا الاتجاه الشيخ /محمد علي عثمان عضو المجلس الجمهوري و الذي كان سنداً له وله مواقف قوية ضد المد اليساري، و كان الرجلان ضحيتين فيما بعد للتخريب حيث قتل الماركسيون الشيخ /محمد علي عثمان أثناء ذهابه لصلاة الفجر في تعز كما قتلوا القاضي الحجري فيما بعد في (لندن).

 كانت هذه القضية من أهم أسباب الخلاف بين (الشيخ) و بين القاضي الإرياني، أما القضية الثانية التي أثارت الخلاف بين الرجلين فهي موافقة القاضي الإرياني على اتفاقية القاهرة حول الوحدة بين الجنوب و الشمال دون الرجوع للمجلس الجمهوري      ومجلس الشورى، وكانت الاتفاقية قد تم التوقيع عليها في القاهرة بين رئيسي الوزراء في شطري الوطن: محسن العيني وعلي ناصر محمد بعد انفجار الحرب الحدودية عام 1972م ، وقد عارض الشيخ/عبدالله الاتفاقية بسبب ما فيها من ثغرات ونقاط ضعف ، كما كان من المعارضين لها أيضاً الشيخ محمد علي عثمان والعقيد إبراهيم الحمدي نائب القائد العام للقوات المسلحة ، و لكن القاضي الإرياني أصر على موقفه ووافق علي الاتفاقية بدون الرجوع إلى مجلس الشورى .

 واستمرت الخلافات مع القاضي الارياني و لكن بطريقة هادئة تراعي مكانته     والاحترام و التقدير الواجب له كما لم تنقطع المحاولات معه لتغيير موقفه من قضايا الخلاف معه ، وقد أدى الوضع المتدهور إلى اقتناع كثيرين أن التغيير أصبح ضرورياً،     وكان لبعض قيادات الجيش مواقف قوية ضد التخريب و تهاون الدولة و من هؤلاء القادة العقيد إبراهيم الحمدي الذي كان صاحب مواقف معلنة ، وكذلك العميد/مجاهد أبو شوارب و العقيد/علي أبو لحوم و العقيد/محمد أبو لحوم الذين كانوا يسيطرون على الوحدات الرئيسية في الجيش ..و بالإضافة إلى هؤلاء كان هناك الشيخ/سنان أبو لحوم الذي كان مؤثراً في الجميع حيث كانوا يسترشدون برأيه.

و هكذا و برغم احترام الجميع للقاضي الإرياني لكن مصلحة الوطن وضرورة مواجهة الأخطار بحزم و قوة جعلت الجميع يرجحون مصلحة الوطن، و اتفق الجميع على تغيير القاضي الإرياني، و اشترط الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر للموافقة على تغيير (الإرياني) أن يتم كل شيء دون دماء، و عدم الإساءة له والحفاظ علي كرامته و مكانته التاريخية والدينية، و تمت إجراءات التغيير بهدؤ وقدم القاضي الإرياني استقالته إلى (الشيخ) باعتباره رئيس مجــلس الشورى .. وغادر اليمن في هدوء ودون أي مشاكل فلم يكن هناك أحد يريد إراقة الدماء، كما أن القاضي الإرياني لم يكن من الحكام المتمسكين بكرسي الحكم و لو علي جماجم الشعوب بل يؤثر عنه قوله أنه لا يريد أن يراق من أجل بقائه في الكرسي دم ديك صغير .

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp