عندما يرحل الحكماء * علي الزكري

  صحيفة المصدر 1/1/2008م 

عندما يرحل الزعماء تطوى صفحاتهم إلا إذا كانت لهم انجازات مهمة و خالدة، عندها يبقى ذكرهم.. لكنه في الغالب يكون مرتبطا بذكر الانجاز أكثر من ارتباطه بشخوصهم، لكن عندما يرحل الحكماء فان صفحة جديدة في سجلهم تفتح، حيث يتحولون إلى ملهمين وتصبح حياتهم مادة للدراسة والبحث والتحليل لاستلهام العبر والعظات.

وقد جمع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر (رحمه الله) بين الاثنين معا، فقد كان زعيما وحكيما طيلة حياته، كان زعيما ارتبط اسمه بالعديد من الانجازات والأعمال العظيمة بدءاً من ثورة 26 سبتمبر مرورا بالوحدة اليمنية المباركة، والعشرات من الانجازات الأخرى.

 وكان حكيما استطاع بحكمته أن يجنب اليمن الكثير من الويلات والمآسي، كانت حكمة الشيخ عبد الله تسبقه دائما، فتمكن بفضلها من نزع فتائل العديد من الأزمات التي كان يمكن أن تقود البلاد إلى ما لا يحمد عقباه.

 ولم يكن الشيخ عبدالله زعيما وحكيما فحسب، بل لقد كان قبل هذا وذاك وطنيا غيورا، ظل مدافعا عن الوطن وقضاياه حتى آخر أيامه، وعلى الرغم من أن البعض في اليمن كان يختلف مع الشيخ الأحمر حول العديد من القضايا إلا أن أحداً منهم لم يتهمه يوما بالتفريط بالوطن أو يشكك في وطنيته، رغم انه أتيحت له من الفرص ما لو أتيح لغيره لما علم إلا الله ما كان سيحصل للوطن وأهله.

 كما أن أحداً ممن يمكن أن نسميهم بخصوم الشيخ عبدالله لم يتهمه قط بالجور أو الظلم أو الفساد، رغم الهيبة والسطوة والسلطان الذي كان يتمتع به.. فقد ظل دائما نصيرا للمظلوم، ناصحا للظالم وواقفا كالطود في وجهه إن استلزم الأمر.

 ولن ينسى اليمنيون للشيخ عبدالله موقفه يوم 22 مايو 1990 عندما توجه إلى عدن مع الرئيس صالح وشهد إعلان قيام الوحدة اليمنية، وما ذاك إلا لأنه تصرف يومها كزعيم، كما لن ينسى له اليمنيون موقفه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة يوم خالف حزبه ووقف إلى جانب الرئيس علي عبدالله صالح بعد أن كادت الأمور تنفجر.. وما ذاك إلا لأنه تصرف يومها كحكيم أدرك أن أوان التغيير لم يحن بعد، وان تصعيد الأمور لن يكون في صالح اليمن، وذلك نابع من قناعة شخصية بأن الرئيس علي عبدالله صالح كان هو الأجدر لقيادة البلاد في هذه المرحلة.

 والأهم من هذا وذاك أن اليمنيين لن ينسوا للشيخ الأحمر موقفه من الصراع اليمني السعودي الذي استمر طويلا.. خصوصا عندما ترأس في يناير 1995 وفداً يمنياً مهماً إلى السعودية لمواجهه التداعيات الخطيرة حول أزمة الحدود اليمنية السعودية، وظل حينها مرابطاً في الرياض قرابة 40 يوماً حتى نجح في التوصل إلى توقيع مذكرة التفاهم في 27 رمضان 1415هـ التي فتحت الطريق أمام عودة العلاقات الطبيعية بين اليمن والسعودية، وصولاً إلى توقيع اتفاقية الحدود النهائية في 12 يونيو 2000.

 تلك فقط شذرات من المواقف العديدة التي لن ينساها اليمنيون لشيخهم الراحل، وهناك بلا شك في حياة الشيخ عبدالله الكثير من الحكم والدروس التي ستظل نبراساً يستنير به أهل اليمن، فقد كان بحق مدرسة في الزعامة والحكمة وفي فن الاختلاف قبل الاتفاق.

 أذكر أنني وبحكم عملي كمراسل لوكالة الأنباء اليمنية " سبأ " في الإمارات التقيته ذات مره في فندق جراند حياة دبي، أثناء عودته من مملكة البحرين، وكان اللقاء قرابة العاشرة صباحا.. أذكر يومها جيدا انه خرج علينا في صالة الضيوف بالجناح الذي كان ينزل فيه وهو يحمل بين يديه صحيفة الشرق الأوسط، وكان يقرأ فيها خبر تنازل العقيد القذافي عن برنامج ليبيا النووي وتسليمه للولايات المتحدة الأمريكية.. وبعد أن انتهى من قراءة الموضوع قال وقد بدت عليه علامات الأسى والأسف: مسكين القذافي يعتقد أنهم سيكتفون بهذا.. إنها مجرد البداية.. ثم سكت.

 بعدها سأل عني فقدمت وسلمت عليه وجلست بجواره، سألني بداية عن اسمي فقلت له علي الزكري، فراح يخبرني عن المنطقة التي أنا منها وعن شيخنا وخلافه ثم سألني: ما الذي تريده فقلت له أريد تصريحا للوكالة عن زيارتكم للبحرين والنتائج التي تمخضت عنها وأريد أن اعرف تقييمكم للعلاقات اليمنية الخليجية.. فأجابني بكل تواضع ورحابة صدر.. وأذكر يومها أنني خرجت من عنده وأنا على يقين تام بأنه ليس زعيما فحسب وليس حكيما فحسب بل هو الاثنين معا.

 كما أذكر يومها انه كان يرافقه أحد أبنائه وأظن انه الأصغر فيهم، تحدثنا عن الكثير من قضايا الوطن.. ثم إنني بعد فترة وبحكم عملي أيضاً التقيت بأحد أنجاله وكان الوطن هو القاسم في حديثنا، ومرة أخرى التقيت بنجل آخر من أنجاله.. وأستطيع أن أجزم بصدق المقولة المصرية الشهيرة " اللي خلف ما ماتش ". فما بالك بالشيخ عبد الله وقد خلف لليمن إرثاً كبيراً من الحكمة وتاريخاً ناصعاً من النضال وسجلا حافلا بالمنجزات. رحم الله الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp