صلابة الشيخ الأحمر في مؤتمر خمر * عبدالكريم صبرة

الحرية 9/1/2008م 

عندما كان الأخ مجاهد أبو شوارب محافظاً وقائداً للواء حجة أسس وشكل لواء المجد وقد بذل مجهوداً كبيراً في تأسيس هذا اللواء وتأهيل أفراده وضباطه وصار لواءً متكاملاً أسهم في الحفاظ على مدينة حجة وبقية المناطق في هذه المحافظة وقد لعب اللواء دوراً رائعاً في الحفاظ على إستقرار الأمن وإخماد أية محاولة لإحتلال المدينة وبعض المناطق التي تشكل أهمية إستراتيجية في تحصيناتها ووعورة جبالها وشراسة المقاتلين ومع هذا كان لوجود الأخ مجاهد معنى كبير في حجة وقد أمضى فيها عدة سنوات مسئولاً تنفيذياً سياسياً وكذلك عسكرياً وقد خابت آمال فلول الملكيين في الوصول إلى تحقيق نصر ومجاهد أبو شوارب حاميها ومحافظها وقد صار لواء المجد بعد إنتصار الشرعية على الإنفصاليين في 7/يوليو/94م من الألوية المقاتلة وقد أطلق عليه بلواء الموت لأن مقاتليه لا يتراجعون ولا يتقهقرون وقيادته الآن تعسكر في باجل وكتائبه موزعة على أكثر من موقع ساحلي.

علماً بأن هذا اللواء سبق له وأن رابط في تعز وفي البيضاءٍ وفي صعدة وفي الضالع وتاريخه حافل بالبطولات وأذكر بأن اللواء المرحوم الأخ محمد عبدالله صالح كان من ضمن ضباطه وقيادته منذ عسكر في محافظة البيضاء ومما يجدر ذكره بأن الأخ العميد ركن حسين محسن المقداد الذي تولى قيادة هذا اللواء عمل على إعداد اللواء وتوسيع مهاراته وقدراته القتالية وقضى على الأمية بين أفراده وجعله لواءً نموذجياً يتميز بجميع الصفات العسكرية بل وزوده بجميع الإمكانيات القتالية عدة وعتاداً وفنوناً قتالية راقية بإمكاني أن أجزم بأن قوات المجد صارت في مستوى أية قوة من قوات الدول العربية المتقدمة ، ولعل المثل العسكري القائل : لا توجد وحدة فاشلة بل قائد ، والأخ العميد حسين محسن المقداد من القادة الناجحين وقائد ميداني على وجه الخصوص الحقيقة بأن الأخ اللواء مجاهد أبو شوارب مصدر عز للوطن.

كما أحب أن أذكر تفاصيل ما حدث بعد الإجتماع الذي عقد في ميناء جدة الإسلامي وجمع بين جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز والرئيس الراحل جمال عبدالناصر لقد عقد وكنا في المعتقل بسجن الرادع حيث عوقبنا لمشاركتنا في المظاهر المعادية للمشير السلال والتي تحركت من مقر المجلس الوطني مجلس النواب حالياً وجابت ميدان التحرير وشارع علي عبدالمغني ووصلت إلى أمام سجن الرادع.

بينما نجل المشير وهو الأخ علي عبدالله السلال خرج في اليوم الثاني بمظاهرة تؤيد المشير وتدحض تلك الهتافات التي تمس المشير السلال وعندما وجد نفسه قد أقدم على إعتقال بعض المتظاهرين طالب بتشكيل لجنة للتحقيق تضم كبار المشائخ والعقلاء وبناءً على توصية اللجنة المكلفة بالتحقيق في المظاهرة الأولى الساخطة والغاضبة على المشير بسبب إعتقال الأستاذ أحمد قاسم دهمش وللوصول إلى دوافع خروج المظاهرة والتنديد بالمشير وإتهامه بأنه يعتقل الوطنيين وينفذ توجيهات القيادة العربية نفذ المشير طلب اللجنة وأمر بتوقيف نجله علي في وزارة الداخلية ومعه بعض المشاركين من أنصار وأعوان المشير وفي الأخير عجزت اللجنة عن التوصل إلى حلول ترضي الطرفين فبقي بعض المتظاهرين في السجن قرابة أربعة أشهر وبضعة أيام بينما المشاركون في المظاهرة الثانية المؤيدة للمشير أفرج عنهم.

علماً بأن المظاهرة الأولى كانت صاخبة جداً وقد تحدث فيها المرحوم على سيف الخولاني وعدد من المثقفين اليمنيين الذين شاركوا بإلقاء كلمات تنصب حول المشير وكذلك ألقى الأخ الأستاذ عبدالمجيد الزنداني قصيدة للشهيد أبي الأحرار محمد محمود الزبيري أخرجها من جيبه وكانت مطبوعة بالاستنسل وبصوت مرتفع قرأ على المتظاهرين ما تضمنته القصيدة والتي تقول:

هم الأولى غرسوكم محنة وأذى               ياليتم اخذوا للجرف ماغرسوا

ليت الصواريخ أعطتهم تجاربها        فإنها درست أضعاف مادرسوا

وكل بيت من هذه القصيدة يقابل بالتصفيق الحاد ولكن الأخ عبدالمجيد لم يعتقل فقد هرب إلى خمر واحتمى بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ولأن المشير اعتبر المظاهرة عليه بأنها إهانة له أقدم على معقابة المتظاهرين الذين لم يفروا من صنعاء وسلط عليهم حراسه الخصوصيين مستخدمين المدرعات فانتقم من أسماهم بخصومه وأعدائه والمعارضين له وهم مجموع من المستضعفين الذين لا حول هم ولا قوة وكاتب السطور هذه واحد منهم وياليت واقتصر الإعتقال على الزج بالمعتقل إلى السجن بل الأسوء من عملية الاعتقال ضرب المعتقل قبل وصوله إلى السجن وصعوده إلى المصفحة المرافقة للجنود وكان منظراً بشعاً ومتخلفاً وشديد القسوة والظلم ولقد ظل بعض الزملاء يعاني من جراء الضرب الذي تعرض له جسده مريضاً لمدة خمسة عشر يوماً ينام على بطنه لا يستطيع إسناد ظهره أو الإستلقاء على ظهره وهذا العمل هو الإنجاز الأول للمشير السلال خلال وجوده في الحكم ضرب الوطنيين الأبرياء والتنكيل بهم وقطع مرتباتهم وفصلهم عن العمل.

وإصداره قراراً بنفي البعض من المعتقلين بعد خروجهم من السجن إلى خارج الوطن كموظفين في السفارات وقد طبق القرار على بعض أما الآخرون رفضوا قبول العمل ولجأوا إلى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي استضافهم في خمر وأقاموا عنده فترة طويلة ، والإنجاز الثاني للمشير السلال ومعه الأهنومي والخطري اعتقال كوكبة من العلماء مثل القاضي عبدالله المجاهد الشماحي والقاضي ناصر الظرافي وكوكبة من المثقفين والأدباء وقتل الشهيد الرعيني والشيخ علي محسن هارون وهادي عيسى وسعد الأشول وذلك بعد إعتقال الحكومة برئاسة الفريق حسن العمري في القاهرة من منتصف 6 إلى أكتوبر/67م وبعض السياسيين والمثقفين الوطنيين لجأوا أيضاً إلى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وقد وفر لهم الحماية أثناء إقامته في خمر ، كان الشيخ عبدالله هو المأوى لمن يريد أن ينجو بنفسه من القتل أو الإعتقال أو التعذيب في تلك الأيام السوداء ، معرفتي بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بدأت أثناء إنعقاد مؤتمر عمران الذي دعا إليه الشهيد المناضل أبو الأحرار محمد محمود الزبيري وكنت أظل ملازماً للشهيد وكان الشيخ عبدالله ينام مع الشهيد الزبيري في مفرج بيت الشيخ عبدالله حزام الصعر وهو مكان في الطابق الأعلى وكنت أصحو أثناء الليل وأجد الشيخ عبدالله يصلي نوافل حتى قرب آذان الفجر ثم يصلي الفجر وينام قليلاً وكذلك القاضي العلامة محمد محمود الزبيري كان يقوم أواخر الليل يصلي ويناجي ربه داعياً الله أن ينصر الثورة على أعدائها ويكلل بالتوفيق والنجاح المؤتمر وسمعته يقول : أعني يا الله على إصلاح أوضاع البلاد وجمع كلمة الشعب وتوحيد صفوفه ، وكذلك الشيخ عبدالله كان يردد نفس الدعاء الذي يردده أبو الأحرار كما رأيت بأم عيني الشيخ عبدالله في كثير من المعارك يصلي قبل أن يدخل أية معركة ويلازم قيام الليل صلاة ودعاء وتلاوة القرآن من المصحف الذي يلازمه أينما ذهب وللشيخ عبدالله مواقف مشرفة أيضاً في مناصرة جميع الوطنيين الذين يرون بأن المشير السلال كان يسير في فلك القيادة العربية من أجل بقائه في الحكم ، فالرجل لايرفض أي طلب أو يعارض أي توجيه للقيادة وقد تأجج الصراع مع المشير بتكرار قيام مظاهرات أخرى تؤيد الرجل في صراعه وتدعو إلى الإلتفاف حوله ولم تتوقف المظاهرات من الجانبين حتى تلك التي كانت تطالب ببقاء الفريق العمري رئيساً للحكومة ونائباً للرئيس وقد أجبرت المشير والمصريين على الإستجابة لهذه المطالب من قبل الوطنيين المعارضين لتصرفات المصريين من خلال القيادة العربية والسفارة المصرية الذين حاولوا السيطرة على مقدرات اليمن وفرضوا الخبراء على الوزارات وكان الخبير المصري هو الوزير ، وأذكر أن العقيد مصطفى الشيخ كان مسئولاً عن الداخلية وبسيوني رسلان عن الأوقاف ومحمد عبدالجواد عن الإعلام وآخرين في الوزارات الأخرى ، فالخبير العربي المصري هو صاحب القرار في التوظيف والإختيار والمراقبة الكاملة لسير عمل الوزارة أو المصلحة الأمر الذي دفع المعارضة إلى التنديد بهذه الأساليب التي همشت دور أبناء الوطن في بناء وطنهم والمشاركة في تسيير أجهزته الإدارية والفنية بإرادة يمنية بعيدة عن إذلال وتحكم الخبير العربي المصري ومع هذا كان المعارضون يقدرون مساعدة ووقوف الأشقاء العرب المصريين في دعم ومساندة الثورة والجمهورية ولا ينكر أحداً الجميل للرئيس الراحل جمال عبدالناصر والجيش المصري لكن تصرفات القادة المصريين في اليمن أحدث إختلالات في العلاقة اليمنية - المصرية ، وكانت تنسف جسور المحبة والتعاون وقد عجلت إنتكاسة يونيو حزيران/67م برحيل ما تبقى من الجيش المصري وقد تأسفنا لما لحق ببعض القوات المصرية من أضرار ومع هذا يظل الحب لمصر وشعبها وللرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى أبد الآبدين ، فلولا الوقفة المصرية لما استمرت الثورة أياماً ونحن نقدر الدم المصري الذي سال على أودية اليمن وجبالها ومرتفعاتها وفي كل شبر قاتلت فيه أعداء الثورة أنصار وأعوان العهد الملكي البائد ، ولكن بعض أخطاء للقيادات المصرية كانت تشوه الوجود المصري في اليمن ويتحمل أبناء اليمن الذين كانوا يتعاونون مع المصريين المسئولية فيما آلت آلية العلاقات آنذاك فقد شجعوا الإخوة المصريين على إرتكاب الأخطاء حتى يتمكنوا من الإستمرار في الحكم والبقاء على الكراسي بحماية القيادة والسفارة المصرية.

وهناك مؤتمر الجند الذي عقد في محافظة تعز لم يوافق المشير السلال على قراراته وقد لقي محاربة شديدة ومؤتمر الجند كسائر المؤتمرات قبل عمران وخمر كان يحاربها المشير ويرفض قراراتها وينكل بالأشخاص الذين أعدوا وحضروا لها ولكنه لم يستطع النيل من الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أو الوصول إليه لأنه كان قوياً بقبائله حاشد المؤيدين للثورة والمدافعين عنها لأن الشيخ عبدالله هو نجل الشيخ الشهيد حسين بن ناصر بن مبخوت وشقيق الشهيد حميد بن حسين والاثنان قتلا على يد الإمام أحمد قبل الثورة ولهذا كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من طلائع الأوفياء للثورة التي خلصت البلاد من حكم الطغاه وفتحت الأبواب للشعب لينعم بالحرية والسيادة والعدل والمساواة وقد قال الشاعر في مؤتمر الجند:

قم يا معاذ ترى الجند          وسبح الفرد الصمد

ترى أباة جمعوا                       ليصلحوا ما قد فسد

يقرروا مصيرنا                جمهورية إلى الأبد

وكان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شديد التمسك بالثورة والجمهورية ، ففي المؤتمر الذي عقد في حرض وجمع ممثلين عن الجمهوريين والملكيين والقوى الثالثة التي كانت تطالب بدولة إسلامية ظهر الشيخ عبدالله على حقيقته ومدى حبه للثورة والجمهورية في هذا المؤتمر فلم يقبل المساومة بالنظام الجمهوري رغم الإغراءات التي كانت تعرض نظير قبوله بمقترح وسط وقد وصف بأنه محاور عنيد من الصعب إقناعه وكان الفريق العمري يزور حرض أثناء إنعقاد المؤتمر ويجتمع بالشيخ عبدالله الأحمر ويحاول الفريق أن يزود الشيخ عبدالله ببعض الأمور ولكن الشيخ عبدالله كان يطمئنه بصلابة مواقف الوفد الجمهوري وأنه على موقفه ولن يفرط بالنظام الجمهوري.

وعندما يحدثنا الفريق العمري في الطائرة أثناء العودة إلى صنعاء كان يصف الشيخ عبدالله ويثني عليه ويقول هذا الرجل لا يمكن أبداً أن يتراجع عن موقفه أو يخذلنا وهو جمهوري وثوري أصيل ، أنا مرتاح جداً لما سمعته من الشيخ عبدالله بعدم التفريط في مكاسبنا التي تحققت بدماء أبنائنا والشيخ عبدالله فقد والده الشيخ حسين وأخاه الحر الثائر الشيخ حميد بن حسين أنه مع الثورة والجمهورية ولن يخضع للإغراءات التي تعرض عليه من قبل الوفد الملكي ووفد القوى الثالثة والجانب السعودي والمصري اللذان يشرفان على المؤتمر وأنا أعرف بأن الوفد يخضع لضغوط قاسية من جميع الأطراف حتى من بعض الوفد الجمهوري وكنت شديد الخوف على قبول الوفد الجمهوري المقترحات المطروحة وبتأثير الضغوط ولهذا جئت إلى حرض لكي أرفع من معنوية الوفد الجمهوري ولكن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر قد رفع معنويتي أيضاً بإصراره على التمسك بالنظام الجمهوري وقد اخفق ممثلو الملكيين والقوى الثالثة في تحقيق أهدافهم وانقض المؤتمر دون التوصل إلى الغايات التي أرادها الجانب المصري والسعودي والفضل يعود إلى ثورية الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر واحترامه لرغبة الجماهير في إبقاء الثورة والجمهورية وعدم المساس بهما وهكذا عرف الشيخ عبدالله بمدى تعلقه بالثورة وبالنظام الجمهوري وهذا الموقف يحسب له وها نحن ننعم بالنظام الجمهوري الديمقراطي سبتمبر وبذلنا الأرواح الطاهرة لتبقى وتستمر.

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp