حصار السبعين يوما و انتصار الجمهورية

 

سنوات الانتصار والسلام(1967 - 1970)

 

ثانياًً : حصار السبعين يوما و انتصار الجمهورية

 

لم تهدأ الأوضاع العسكرية بعد نجاح حركة التصحيح (5نوفمبر1967م) وقيام الجمهورية الثانية في صنعاء، فقد حشدت القوات الملكية آخر ما لديها من قوة لتحقيق حلمها في إسقاط النظام الجمهوري و احتلال صنعاء وإعادة الحكم الأمامي .

وفي المقابل واصل الشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر تحركاته لتأمين الترتيبات العسكرية للمحافظة على العاصمة صنعاء التي صارت هدفاً للقوات الملكية بعد انسحاب القوات المصرية، وحرص (الشيخ) على مرافقة قائد القوات المصرية (عبد القادر حسن) إلى الحديده لتوديعه قبل عودته إلى مصر، و في طريق العودة إلى صنعاء قام ( الشيخ ) بعدد من الترتيبات لتأمين طريق الحديده/ صنعاء مع القبائل في تلك المناطق ،وأخذ التعهدات من المشائخ لحماية الطريق ، كما كرر ذلك مع بعض القبائل                 على طريق تعز/ صنعاء ، لكن مع بدء هجوم القوات الملكية على صنعاء من عدة جهات لم تلتزم بعض القبائل بتعهداتها،  وبدأت المناطق حول صنعاء تتساقط كأوراق الخريف ، وبرغم القتال والصمود و التضحيات و الشهداء إلا أن حلقات الحصــار حــول صنعــاء بـدأت تضيق مـع مـرور الأيام.

 و بعد سقوط جبل ( حروه ) في ( خولان ) تقهقرت القوات الجمهورية إلى صنعاء ، و فشلت محاولة بقيادة الفريق ( العمري ) لاستعادة الجبل، وأصيب الشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر يومها إصابة خفيفة قضى بسببها ساعات في المستشفى، ثم خرج ليواصل تحركاته بين صنعاء و بين المـناطق على طريق تعز/ صنعاء، وتعرضت مقدمة ( الشيخ ) لكمين بين صنعاء و بلاد الروس قتل فيه عدد من مرافقيه، و اتضح أن القوات الملكية قطعت الطريق في هذه المنطقة ، و اضطـر الشيخ للبقاء في منطقة      ( قحـازه) حيـث تتواجـد قــوات من ( حاشد ) مزودة بدبابات و معهم كثير من مشائخ حاشد، وحاول الشيخ ناجي الغادر الذي كان مع الجانب الملكي، إغراء     الشيخ/عبد الله بالانحياز إليهم ووجه له رسالة خطية بذلك.

 وتواصل ( الشيخ ) مــع الفـريق ( العمري ) و أطلعه على ما حصل ، و قاد ( العمري ) حملة عسكرية في اليوم الثاني لفك الطريق أمام ( الشيخ ) حتى عاد إلى صنعاء قبل أن يتم قطع طريق تعز صنعاء مرة أخرى ثم دخلــت بعــد أسابيع بقية قوات ( حاشد ) بعد وساطة قام بها عدد من المشائخ مع ( محمد بن الحسين ) .

 وتكرر الأمر في طريق ( عمران ) فبرغم التعهدات من مشائخ تلك المناطق     ودعمهم مادياً لكن كان يتم قطع الطريق و نكث العهود .

وفي داخل صنعاء تضامن الجميع : العسكريون ورجال القبائل ،والتجار، والطلاب، والعلماء ،والمثقفون ،و قامت كل فئة بدور تاريخي عظيم بقدر طاقتها، كما دعمت صمود صنعاء طائرات سورية شاركت في القتال ، و كذلك شارك بعض الطيارين الروس في المعركة رغم إغلاق السفارة الروسية في صنعاء مثلما حدث مع بقية السفارات ؛ باستثناء السفارتين السورية و الصينية .

بعد أربعين يوماً على حصار صنعاء ، و بعد أن تجاوزت المقاومة مرحلة الخطر و أحرزت بعض الانتصارات وتقهقر الملكيون ؛ اضطر الشيخ عبدالله للانتقال إلى عمران لمواجهة الهجوم الذي شنه الملكيون بقيادة (عبدالله بن الحسين) على بعض مناطق (حاشد) في (الحرف) و (الجبل الأسود) عندما كان الشيخ في صنعاء والعميد/ مجاهد الشوارب فـي حجة ، وبـدأ (الشيخ) في (عمران) و(ريـده) بتجميــع المقـاتلـين و جمــع الـذخـائـر ،و التـوجـه نـحو ( الحـرف والجبل الأسود ) حيث تمـت السيطـرة عليـهما بعــد 20 يوماً وهــرب (عبدالله بن الحسين) إلـى (صعدة) التي كانت قد سقطت في أيدي الملكيين وأعقــب هذا الانتصار وصــول مجــاميع من المقاتلين من (سفيان) و(ذو محمد) وانضمـوا إلى المقــاتلين مــن مناطق (حاشد )  وتحرك الجميع إلى ( عمران ) ، و بدأت معركة فتح طريق عمران/صنعاء ،حيث كان الحصار حول صنعاء قد فشل و تم فتح طريق الحديده /صنعاء، وبعد فشل محاولات فتح طريق عمران سلميا عبر الوساطات بدأت المعارك أيام عيد الأضحى المبارك و انتهت بانتصار جمهوري كبير فتح الطريق إلى صنعاء ..كما كان العميد مجـاهد أبو شـوارب قــد قـاد معـركـة فـتح طريق ( ثلا - صنعاء ) قبل أن ينضم للقوات التي كان يقودها الشيخ عبدالله في طريق ( عمران )، و دخل الجميع ( صنعاء ) حيث كـان في استقبـالهم عنــد القصر الجمهوري القاضي (عبد الرحمن الإرياني) رئيس المجلس الجمهوري.. وبعد تحقيق الانتصار بفتح طريق الحديده/ صنعاء ثم (عمران /صنعاء) تم تحقيق الانتصار الثالث وفتح طريق (تعز/صنعاء) و سقط الحصار حول صنعاء عاصمة الثورة والجمهورية .

انتهى الحصار حول صنعاء و توافدت العديد من القبائل لإعلان ولائها للجمهورية،  ورغم ذلك استمرت المعارك، طوال سنة 1968م لتصفية جيوب الملكيين الذين كانوا يشنون غارات على بعض المناطق و الطرق الرئيسية ، وشارك الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر في بعض هذه المعارك و كذلك العميد /مجاهد أبو شوارب ،حتى تمكنت قوات الجيش الشعبي من (حاشد)،من طرد الملكيين وامتدت عمليات تصفيه جيوب الملكيين إلى ( بني الحارث ) و ما جاورها ثم في (حدة) و ما جاورها ، واستمرت المـعارك طوال العــامين 1968، 1969م و خاصة في (حجة) و (صعدة) وطريق تعز – صنعاء ، كما كانت بعض المناطق حــول صنعاء ما تـزال متمردة و في نوفمبر 1968م اتصل    ( قاسم منصر )أحد القيادات الملكية البارزة في بني حشيش بالشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر و طلب منه مقابلته لاعلان انضمامه إلى النظام الجمهوري، و كان ذلك نصراً كبيراً للجمهورية ، و بالفعل التقى  (الشيخ) بقاسم منصر و تم ترتيب أوضاع المقاتلين الذين كانوا معه واصبحو مع الصف الجمهوري.

و عندما أعلنت سنحان و بلاد الروس ولاءها للجمهورية اشترطوا أن يتم إعلان ذلك رسمياً بحضور الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر الذي كان آنذاك يشارك في معارك في حجة ، فانتقل ( الشيخ ) فوراً  إلى عمران ثم صنعاء حيث شارك مع الفريق العمري و ( قاسم منصر ) في استقبال قبائل سنحان و بلاد الروس و الالتقاء بهم و إعلانهم الانضمام للجمهورية .

انتقلت مؤامرات الملكيين إلى حجة بعد هزيمتهم في سنحان و بلاد الروس ، و قاد الإمام المخلوع (البدر) قوات الملكيين بنفسه رغم أن  (البدر) كان قد طلب الحصول على  رسالة من القاضي الإرياني و تعهد من الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر بضمان سلامته مبدياً استعداده لمغادرة اليمن  لكـن الضغوط الموجهة إلــيه  أفشلت الجهود السلمية الـتي قام بها (عبد الوهاب الشهاري) ، وحاصر (البدر) (حجة) وصمد الجمهوريون بداخلها تجاه الضغوط و تشديد الخناق عليهم، و للتخفيف من ذلك تم تجهيز جيش من (حاشد) بقيادة العميد ( مجاهد أبو شوارب ) لفك الحصـار ، و قاد الشيخ عبدالله حملة عسكرية إلى( ثلا )  و (كوكبان ) و ( شبام ) لمناوشة القوات الملكية هناك و إشغالها عن حملة العميد مجاهد أبو شوارب المتجهة إلى حجة و نجحت الخطة ووصلت الإمدادات إلى حجة .

و في أثناء تدهور الأوضاع في نهاية عهد ( السلال ) وانسحاب القوات المصرية و حصار صنعاء تمكن الملكيون بقيادة /عبدالله بن الحسين من احتلال صعده ، وواجه المشائخ الجمهوريون هناك أوضاعا صعبة بسبب ذلك وخططوا لقتل عبدالله ابن الحسين ونجحوا في ذلك فتآمرت على الجمهوريين عدد من القبائل الملكية وحاصروهم وغلبوهم فتراجعوا إلى بعـض الـمناطق الحصينة، و تعـرضـت بيوتهم للدمار و التخريب فاستنجدوا بالشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر الذي جهز المقاتلين حتى تم دخول صعدة بعد معارك ومناوشات عديدة شارك فيها كثيرون و استشهد فيها العديد من مشائخ وأعيان حاشد.

 و بصورة عامة أخذت الأوضاع في المناطق الشمالية الشرقية تميل لصالح الثورة و الجمهورية، لكن ظلت هناك مناوشات و تقطعات ومحاولات مستميته للعودة و بسط سيطرة الملكيين على المناطق المحررة، وبالنسبة لصعدة فقد طالب (الشيخ) قيادة الدولة في صنعاء بإرسال قوات نظامية لاستلام المواقع التي كان فيها الجيش الشعبي من مقاتلي حاشد لمنحهم فرصة للراحة من القتال المتواصل، و هو ما حدث بالفعل حيث جاءت قوات مسلحة بالسلاح الثقيل و الدبابات إلى صعدة .

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp