حركة 5 نوفمبر1967 التصحيحية... 

 

سنوات الانتصار والسلام(1967 - 1970)

 

أولاً : حركة 5 نوفمبر1967 التصحيحية... 

كانت الفترة من أغسطس 1966م حتى نوفمبر 1967م مرحلة خطيرة في تاريخ ثورة سبتمبر؛ ففيها وصل الشرخ في جسم الثورة والنظام الجمهوري إلى مستوى خطير؛ فالاعتقالات والمطاردات طالت كل الجمهوريين  المعارضين لسياسات الرئيس(السلال)؛ بينما كان ستون من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية اليمنية معتقلين في السجون المصرية عقاباً على مواقفهم ضد ما يرونه من سياسات غير مجدية في تسيير أمور البلاد ! ولم تتردد السلطة الحاكمة في صنعاء في أن تتورط في تلفيق الاتهامات ضد رجال من أبرز رجال الثورة وتتهمهم بالعمالة والخيانة ثم تقوم بإعدامهم وسحلهم في الشوارع ! وتشرد آخرين في البلاد العربية بحثاً عن الحرية والأمان.

كانت فترة سوداء أضعفت النظام الجمهوري، وكادت تهدد بسقوطه لولا أن الله تعالى أراد لليمن أن تجتاز المحنة بنجاح.. ثم لولا أن رجالاً مؤمنين بالثورة والجمهورية حافظوا بقيادة الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر على مواقعهم في وجه العدو، ورفضوا أن تسقط راية الثورة والجمهورية رغم الاتهامات والتشكيكات التي مست وطنيتهم وإيمانهم بالثورة ورغم الطعنات التي وجهت لهم ورغم قطع الدعم المادي للمقاتلين الصامدين في قمم الجبال المدافعين عن الثورة والجمهورية ؛ المتصدين لجحافل الملكيين وبيت حميد الدين الذين ظنوا أن النصر قريب منهم بعدما حدث الخلاف والشقاق والقتل في صنعاء!

وبعد هزيمة الجيوش العربية في 5 حزيران 1967م ؛ كان لابد للقوات المصرية أن تعود إلى مصر ، وكان ذلك يعني واقعاً جديداً يحتم على كل المؤمنين بالثورة والجمهورية أن تتراص صفوفهم وتتوحد كلمتهم خلف ( قيادة ) قادرة على مواجهة الخطر الذي يهدد الثورة والجمهورية ، ولا سيما أن (الجيش اليمني) الموجود في ذلك الحين لم يكن في المستوى الذي يمكنه من سد الفراغ الذي تركه المصريون ، بالإضافة إلى الانشقاق في الصف الجمهوري وعدم وجود (قيادة) يلتف حولها الجميع وتكون قادرة على مواجهة التطورات الجديدة.. كل ذلك كان يدفع بالأمور في صنعاء نحو التغيير.

في أكتوبر 1967م تدهورت العلاقة بين القيادة المصرية وبين المشير (السلال) والمؤيدين له على خلفية رفض هؤلاء الأخيرين للتعامل مع لجنة السلام العربية التي شكلها مؤتمر القمة العربية في الخرطوم لحل المشكلة اليمنية ، كما أن بعض الغوغاء من أنصار الرئيس(السلال) تورطوا في اعتداءات مخزية ضد الأشقاء المصريين من الضباط والجنود في شوارع صنعاء. وعلى الرغم من الدور الذي قام به الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر وإخوانه المشائخ الآخرون في تهدئة الأوضاع والاعتذار للمصريين ، إلا أن التغيير كان مطلوباً وصار حتمياً بعد عودة القيادات التاريخية والسياسية والعسكرية من مصر بعد إطلاق سراحها من السجون بعد مناشدات يمنية لم تتوقف ووساطات عربية وبعد اقتناع المصريين بأن السلال لم يعد قادراً على قيادة سفينة الجمهورية بعد رحيلهم.

عاد معظم رموز السلام والمصالحة إلى وطنهم، وغادر المشير (السلال) إلى العراق في زيارة رسمية بعد أن التقى بالعائدين، وسادت قناعة لدى الجميع بأنه لابد من حركة تصحيحية تعيد الأمور إلى نصابها ، وتعيد الوحدة للصف الجمهوري. وبدأ الترتيب لحركه التصحيح بعد مغادرة (السلال) الذي لم ينس وهو يغادر اليمن أن يستدعي الشيخ/عبدالله الأحمر إلى داخل الطائرة قبل إقلاعها من المطار ليقول له: (الجمهورية أمانة في عنقك)، ودارت عجلة الأحداث وتمحورت فكرة التغيير حول اختيار القاضي/عبدالرحمن الارياني رئيساً ليقود البلاد في تلك الفترة الصعبة ..وتحول منزل الشيخ/عبدالله في صنعاء إلى خلية لقيادة حركة التصحيح وبيتاً لحركة التغيير ، وتولى عدد من رموز الثورة كالقاضي عبدالسلام صبره والعميد مجاهد أبو شوارب إعداد الترتيبات العسكرية والمدنية للحركة واستمالة المؤيدين للسلال لفكرة التغيير صيانة للثورة والجمهورية من الضياع والانهيار.

كانت زعامة القاضي الإرياني محل إجماع من كل القائمين على حركة التصحيح لما كان يمثله من دور تاريخي ، ومكانة علمية وعقلية حكيمة كانت ضرورية لتجاوز مرحلة الخطر ، كمـا كـان زملاؤه في المجلس الجمهوري الأستاذ/ احمد النعمان  والشيخ محمد علي عثمان من الرموز التاريخية والوطنية البارزة التي هي محل تقدير الجميع.

تمت حركة 5 نوفمبر 1967م التصحيحية بدون صعوبات كبيرة .. وتمت الترتيبات بدقة وتيسرت أمور كثيرة ولا سيما من جهة بعض الوحدات العسكرية التي كانت موالية للمشير/ السلال .. كما بارك المصريون الحركة ، وكان اهتمامهم منصباً على ضرورة عدم حدوث تصدع أو خلاف خطير يستثمره الملكيون .. فيما استمر الموقف السعودي على حاله المعروف والذي تجسد في دعمهم لحصار صنعاء رغم أن الوجود المصري كان قد انتهى وكان هو العذر الذي يبرر به السعوديون دعمهم للحرب ضد النظام الجمهوري .  

كان المشاركون في حركة 5 نوفمبر التصحيحية ينتمون إلى تيارات فكرية وسياسية مختلفة ومتناقضة ، ولكن كان يجمعهم الولاء للثورة والجمهورية ، فمعظم مشايخ القبائل كانوا مؤيدين للتغيير .. وكذلك عدد من الضباط البارزين أغلبهم من البعثيين الذين كانت لهم مشاركة كبيرة في تفجير ثورة سبتمبر نفسها ،كما تم استمالة قوات المظلات والصاعقة فلم تكن الولاءات الحزبية آنذاك لها دور في التمييز بين المشاركين بسبب الحرص على إنقاذ الثورة والجمهورية ، والمجيء بزعامة جديدة تكون محل إجماع الجمهوريين وقادرة على رص صفوفهم بروح قوية وعزيمة صادقه لمواجهة الخطر الذي كان يهدد عاصمة الجمهورية نفسها .

فسقوط صنعاء كان يعنى سقوط النظام الجمهوري ونهاية الثورة وتكرار مأساة سقوط الثورة وصنعاء عام 1948م.

نجحت حركة 5 نوفمبر 1967م في السيطرة على البلاد ، وتم تشكيل المجلس الجمهوري كقيادة جماعية برئاسة القاضي/ عبدالرحمن الإرياني وعضوية الأستاذ/أحمد محمد نعمان والشيخ/ محمد علي عثمان .. وتولى الأستاذ/ محسن العيني رئاسة الحكومة .

وبالرغم من الدور المركزي الذي قام به الشيخ/عبدالله الأحمر في الإعداد لحركة (5 نوفمبر) ، حيث كان منزله في صنعاء مركزاً للتخطيط والقيادة ، كما كان (الشيخ) ورجال قبيلته هم حماة الحركة حتى تكللت بالنجاح ، بالرغم من كل ذلك إلا أن (الشيخ) ظل خارج التشكيلات القيادية التي أعلنتها القيادة الجديدة باتفاق مسبق معها وبعد رؤية مدروسة .. وهذا الأمر لم يكن جديداً في التاريخ النضالي للشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر ، فمنذ قيام الثورة ترك صنعاء واتجه نحو ميادين القتال .. ولم تكن مشاركته في أي منصب رسمي إلا  بناءً على إلحاح من قبل القادة السياسيين في صنعاء أو القيادات التاريخية للحركة الوطنية اليمنية، كالزبيري، التي كانت ترى في بعض الأحيان أن من المهم أن يشارك (الشيخ) في منصب حكومي أو رسمي من أجل المصلحة الوطنية العامة .

وبعد انتصار الجمهورية وهزيمة الملكيين واندحار أوهام بيت حميد الدين في العودة لحكم اليمن ، تم تشكيل المجلس الوطني في عام 1969م وانتخب الشيخ عبدالله لرئاسته ، وعند قيام مجلس الشورى عام 1971م انتخب ( الشيخ ) - كذلك - رئيساً للمجلس الذي كان أول تجربة ديموقراطية تشهدها اليمن منذ قرون طويلة .

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp