المصالحة الوطنية و السلام ..

 

سنوات الانتصار والسلام(1967 - 1970)

 

رابعا : المصالحة الوطنية و السلام ..

 أدى انتصار الجمهورية و سقوط حصار صنعاء، و ما سبقه من خروج القوات المصرية، إلى ظهور حالة يأس عند السعوديين من إمكانية إعادة النظام الملكي، و لاسيما أن الملكيين تلقوا هزائم متوالية في مواقع عديدة في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في حجة و صعدة .. و بدأ السعوديون يبحثون عن حل للازمة يكون مخرجاً مناسباً لهم من المأزق الذي وصلوا إليه  وفي الوقت نفسه كان هناك مجموعة من الشخصيات الجمهورية و الملكية مستقرة في ( بيروت ) فتفاهم معهم السعوديون على مشروع للحل مع السلطة في صنعاء، و حمل هذا المشروع الأستاذ/ محمد أحمد نعمان و جــاء به إلـى صنعاء وعــرضه علـى القاضي/عبد الرحمن الإرياني و زملائه في القيادة السياسية ، ووجه ( الإرياني ) محمد نعمان بعرض مشروع الحل على ضباط الجيش والشباب ، فذهب إلى مقر نادي الضباط و اجتمع بهم بحضور الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر ، و أثار عرض المشروع غضب بعض الضباط، و كاد يحدث اشتباك لولا تدخل ( الشيخ ) الذي عمل على إخراج النعمان الابن من الاجتماع ، وفشـلت المحاولة و عــاد النعمان الابن خـائـباً إلى ( بيروت ) .

و في شهر ديسمبر 1969م سافر الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر إلى العراق في زيارة رسمية عبر العاصمة اللبنانية ( بيروت )التي توقف فيها بضعة أيام ، وهناك جاءه مجموعة من الشخصيات الملكية و الجمهورية المعارضة، و ألحوا عليه بتبني مشروع حل المشكلة اليمنية نهائياً باعتباره الشخصية الوحيدة القادرة على ذلك دون أن يستطيع أحد أن يزايد عليها لما له من دور أساسي في حماية الثورة و الجمهورية، وأكدوا للشيخ أن السعوديين مهيئون لقبول الحل ، ورتبوا لقاء بين ( الشيخ ) و بين  الملحق العسكري السعودي في بيروت آنذاك ( علي الشاعر ) ،وتم التواصل مع                       الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي الـذي وافق على أي مقترح لحل الأزمة توافق عليه مجمــوعة (بيروت) ، وبعد العودة من العراق إلى بيروت كانت الأمور قد صارت أكثر وضوحاً والأمير سلطان قد وافق على                            المقترح الذي ينص على: إيقاف القتال و عدم احتلال أي طرف لأي منطقة على أن يجتمع وفد من الجمهوريين ووفد من الملكيين في أي منطقة حدودية يمنية أو سعودية للاتفاق على المصالحة،وفي تلك الأثناء سقطت مدينة (صعدة) مرة ثانية في ظروف غامضة ، و استدعت القيادة في صنعاء الشيخ/عبدالله للعودة السريعة من القاهرة إلى صنعاء لمواجهة الأمر، لكن اتفاق بيروت كان يقضي بإيقاف القتال بعــد عـودة         ( الشيخ ) إلى اليمن ، و ما حدث في صعدة كان قبل وصول التعليمات بالاتفاق ، واتفق القادة في صنعاء على عدم تفويت فرصة المصالحة، وعدم الرد على احتلال صعدة حتى تبدأ  عملية السلام و المصالحة بالدوران، وبالفعل التزم الجميع بالهدؤ حتى تتم ترتيبات اللقاء بين الجمهوريين و الملكيين و هيأت الأقدار فرصة تاريخية بانعقاد مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة في 26/3/1970م، وشارك وفد رسمي يمني برئـاسة محسن العيني رئيس الوزراء ووزيــر الخــارجــية و معه الشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر رئيس المجلس الوطني آنذاك، وكانت مشاركة ( الجمهورية العربية اليمنية ) اعترافاً سعودياً ضمنياً بالجمهورية ؛ فقد تم استقبال الوفد اليمني مثل سائر الوفود ، ورفعت الأعلام اليمنية الجمهورية فوق سيارات الوفد و في قصر الضيافة.

وبعد انتهاء المؤتمر ، التقى الوفد اليمني بالأمير سلطان بن عبد العزيز، وتم الاتفاق على اعتراف السعودية بالجمهورية العربية اليمنية مع عمل ترتيبات لقبول بعض العناصر الملكية عدا بيت حميد الدين في مؤسسات الدولة بدءاً بالمجلس الجمهوري وما دونه من مؤسسات الدولة مثل المجلس الوطني والحكومة، وقيادة المحافظات والسفارات .

و بعد عودة الوفد بالاتفاق التاريخي المنهي لمأساة الحرب بين اليمنيين، تكفل        الشيخ/عبدالله  بإقناع العلماء و المشائخ وتكفل الفريق العمري بإقناع الضباط ، وتكفل (العيني) بإقناع الشباب المثقفين المتحمسين، وعند انتهاء الفترة المحددة في اتفاق جدة وصل الأشخاص المطلوب استيعابهم في مؤسسات النـظام الجمهوري بطائرة خاصة إلى (عبس) حيث كان في استقبالهم الشيخ /عبدالله بن حسين الأحمر والشيخ /سنان أبو لحوم ومجموعة من الضباط المسؤولين ، وفي الليلة التي وصل فيها الجميع إلى صنعاء صــدرت قـرارات جمـهورية بتـعيينهم سواء في المجلس الجمهوري أو الحكومة  أو المجلس الوطني وغيره .

 استتبت الأوضاع بعد المصالحة و تحسنت العلاقات مع السعودية ولم يعارض اتفاق المصالحة إلا الشيخ /الغادر الذي أصر على أنها خيانة سعودية لهم، و ظل متمرداً على الجميع ، وسار في طريق خاص به انتهى بمأساة اغتياله مع مجموعة من المشائخ بتدبير من النظام الشيوعي الحاكم في ( عدن ) عام 1972م ..وبالنسبة لبيت حميد الدين فلم يبق منهم متمرد إلا أحد أبناء الحسين الذي اتخذ من ( الجوف ) مقراً له ، وظل بضعة شهور على موقفه بعد المصالحة  قبل أن ييأس و يخرج من البلاد .

و في 23 إبريل 1970م زار وفد يمني رسمي ( جدة ) برئاسة الفريق/حسن العمري وضم الشيخ عبدالله الأحمر ومحسن العيني و أحمد الشامي وعدداً كبيراً من المشائخ و العلماء و الوزراء ، وأعلنت السعودية اعترافها بالجمهورية العربية اليمنية في اليوم نفسه ، والتقى الوفد اليمني بكبار المسؤولين في السعــودية وفي مقدمــتهم الملك /فيصل بن عبد العزيز آل سعود ، واتفق الجانبان اليمني والسعودي على بدء مرحلة جديدة من العلاقات الأخوية بين اليمن والسعودية .

 

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp