العودة المحمودة نوفمبر 2004م : الشيخ عبد الله تاريخ عائلي وشخصي حافل في حماية الجمهورية
"خدمة التقارير والأبحاث" الشيخ عبد الله الأحمر - تاريخ حافل (خاص)
تاريخ عائلي وشخصي حافل في حماية الجمهورية
الشيخ الأحمر عاد إلى بلاده بعد غياب قسري.. والآلاف استقبلوه
الرجل القادم من القبيلة لحماية النظام الجمهوري وزعامة الحزب الإسلامي في اليمن
صنعاء - خدمة قدس برس (18/11/04)
(سعيد ثابت)
بعد غياب قسري دام ثمانية أشهر، عاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب، ورئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح (أكبر أحزاب المعارضة) إلى اليمن قادما من السعودية، بعد تلقيه العلاج في فرنسا وفي السعودية نتيجة حادث مروري غامض تعرض له موكبه في العاصمة السنغالية دكار، في 11 آذار (مارس) الماضي، أثناء مشاركته في المؤتمر الثالث لمجلس اتحاد برلمانات الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وقد استقبل آلاف اليمنيين الشيخ الأحمر، أثناء عودته إلى بلاده قادما من الأراضي السعودية، حيث أقام فيها نحو سبعة أشهر لتلقي العلاج والاستجمام. وأوضح مصدر مقرب من الشيخ الأحمر لوكالة "قدس برس" أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الشيخ الأحمر التي يظل طوال هذه الفترة خارج اليمن.
وقد أثار انفجار الإطار الخلفي للسيارة، التي كانت تقل الشيخ الأحمر، قبل أن تصطدم بالأشجار على جانب الطريق، أثناء عودته إلى مقر إقامته من ضواحي العاصمة السنغالية، لغطا واسعا في أوساط النخبة السياسية اليمنية، لدرجة أن ذهبت بعض وسائل الإعلام إلى التكهن بتدبير الحادث من قبل أطراف مختلفة، من بينها "الموساد" الإسرائيلي، بسبب مواقف الشيخ الأحمر القوية ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ودعمه المطلق لفصائل المقاومة، ورفضه السياسة الأمريكية في العراق وفلسطين.
وظل رئيس مجلس النواب نحو عشرة أيام في مستشفي "جورج بومبيدو" في العاصمة الفرنسية باريس، ثم غادرها إلى مقر إقامته في أحد الفنادق في العاصمة الفرنسية، عقب وضع الأطباء يده اليمنى في الجبس. وبقي الشيخ الأحمر في باريس لأكثر من شهر. وقد كشف صادق عبد الله الأحمر عضو مجلس النواب اليمني، وأكبر أبناء الشيخ الأحمر، عن أن جراحة عظام أجريت لوالده في المستشفى الباريسي، جراء كسر تعرض له في يده اليسرى.
وكان من المتوقع أن يعود الشيخ الأحمر إلى اليمن بعد ذلك، لكنه فاجأ المراقبين عندما غير مسار رحلته ليستقر في المملكة العربية السعودية، وقيل حينها إنه يرغب أن يقضي فترة نقاهة، بعيدا عن أجواء العمل البرلماني والقبلي والحزبي في اليمن.
وفي 10 تموز (يوليو) الماضي، قال مصدر مقرب من الشيخ الأحمر إنه زار مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض للمراجعة الطبية الاعتيادية، وإجراء الكشوف الطبية على يده اليسرى، وبينت الفحوصات أن التحسن فيها مستمر، والتئام العظم يتم بصورة منتظمة وجيدة، وأفضل من قبل، بينما يده اليمنى كانت قد استعادت وضعها الطبيعي منذ شهر ونصف، وأصبح يستخدمها في أكله وشربه، بحسب المصدر.
الحادث بين الصدفة والتدبير
وكان مصدر في مكتب الشيخ عبد لله بن حسين الأحمر قال إنه لا يستبعد أن يكون الحادث مدبرا من جهات خارجية لم يسمها. وأكد أن ذلك قد يكون بسبب مواقف الشيخ القوية والصلبة، تجاه القضايا العربية والإسلامية، خصوصا قضية فلسطين.
وسرت شائعة في الشارع اليمني مفادها أن الموساد الإسرائيلي قد يكون له ضلع في الحادث، بسبب مواقف الشيخ من الاحتلال الإسرائيلي، وتجلت في كلمته أمام مؤتمر اتحاد برلمانات منظمة المؤتمر الإسلامي.
وأفادت مصادر مقربة من الشيخ يومها أنه كان ينوي السفر من السنغال، قبل وقوع الحادث بيوم، إلا أنه عدل عن رأيه في اللحظات الأخيرة، بسبب تأخر قراءة البيان الختامي إلى يوم 11 من آذار (مارس)، وهو يوم وقوع الحادث. وقال الشيخ الأحمر عندما سئل عن أسباب عدوله عن السفر "جئنا من أجل فلسطين من اليمن ولا بد أن ننتظر إعلان البيان الختامي".
الشيخ الأحمر القادم من القبيلة إلى الدولة
ويعد الشيخ عبد الله بن حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر، أحد أهم الشخصيات السياسية والقبلية القوية الباقية من جيل الثورة اليمنية، وأحد أبرز الشخصيات، التي رسمت وجه اليمن منذ أكثر من أربعين عاما. وهو من مواليد عام 1933 في "حصن حبور" بمنطقة ظليمة، من قبيلة حاشد، في أسرة ذات تاريخ عريق، برزت فيه أسماء آبائه من مشايخ حاشد، بما لهم من أدوار مهمة في التاريخ اليمني المعاصر.
وتلقى الشيخ الأحمر دراسته الأولية في كتاب صغير بجوار مسجد "حصن حبور"، على يد أحد الفقهاء، الذي علمه القراءة والكتابة، والقرآن الكريم، ومبادئ الدين والعبادات. وتعرض والده إلى التضييق والحبس من قبل الإمام أحمد بن يحي ملك اليمن السابق، بسبب شكوك في أن له موقفا مؤيدا للثوار الذين قاموا ضد والده الإمام يحيى حميد الدين في ثورة الدستور عام 1948، فيما كان شقيقه حميد محبوساً في محافظة حجة في الفترة نفسها.
وقضى الشيخ عبد الله الأحمر ثلاث سنوات وهو يبذل جهودا لدى الإمام الحاكم، لإطلاق سراح والده وشقيقه، حتى نجح في إقناعه بالسماح له ببضعة أشهر فقط يعود فيها أخوه حميد بن حسين الأحمر إلى مسقط رأسه للزواج ثم العودة إلى السجن.
في نهاية الخمسينيات، وبعد سفر الإمام إلى روما تصاعد الرفض الشعبي ضد النظام الملكي الإمامي، وقاد الشيخ حسين بن ناصر الأحمر وابنه الشيخ حميد تحركات وطنية للقبائل المتحمسة للتخلص من العهد البائد، لكن الإمام أحمد قطع رحلته العلاجية وألقى خطاباً تهديدياً في مدينة الحديدة الساحلية، وأقسم أنه لن يدع أحمرا ولا أخضرا إلا وأحرقه، ونجح في إلقاء القبض على الشيخ حسين الأحمر، بعد أن كان أعطاه الأمان، ثم ألقى القبض على الشيخ حميد في منطقة الجوف، بعد أن سلم نفسه، فأُرسل إلى الحديدة على متن طائرة خاصة، ليعدم بعد ذلك في منطقة حجة.
وبعد أسبوعين أعدمت السلطات الشيخ حسين بن ناصر الأحمر، والد الشيخ عبد الله الأحمر، في نفس المنطقة. وكان الإمام قد أرسل قبل اعتقال الشيخين، حملة عسكرية على قبيلة حاشد، ومنازل آل الأحمر وممتلكاتهم، عاثت فيها خراباً ودماراً واعتقلت بعض مشايخ حاشد.
في أثناء تلك الحوادث المأساوية المتتابعة كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر موجوداً في الحديدة، بعد أن أرسله والده لتهنئة الإمام أحمد بعودته من رحلة العلاج من إيطاليا، ومكث في مقام الإمام في منطقة "السخنة"، يحضر المقابلات والاحتفالات الرسمية.
وعندما غدر الإمام الحاكم بوالده وشقيق، واعتقلهما وتم ترحيلهما إلى حجة، حيث أعدمهما الواحد بعد الآخر، حينذاك كان الشيخ عبد الله قد تم اعتقاله أيضاً في الحديدة، بعد أن تم إحضاره من منطقة السخنة بذريعة الالتقاء بوالده. وبعد أحد عشر يوماً من الاعتقال في سجن الحديدة، تم ترحيله إلى سجن المحابشة، ومكث فيه ثلاث سنوات حتى قيام ثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962.
كانت فترة البقاء في منطقة "السخنة"، في مقام الإمام أحمد فرصة مناسبة للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر للتعرف على رموز كثيرة من رجالات اليمن، من المشايخ، والعلماء، والسياسيين، والمثقفين، وكان ذلك بداية تدشين انخراطه في معترك القضية الوطنية والعمل السياسي.
تثبيت الجمهورية بداية النشاط السياسي
عندما قامت ثورة أيلول (سبتمبر) التي أطاحت بالحكم الوراثي الإمامي، وأقامت نظاما جمهوريا، كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ما يزال في سجن المحابشة. وفي عصر اليوم نفسه أرسل المشير عبد الله السلال قائد ثورة أيلول (سبتمبر)، وأول رئيس جمهوري يمني، برقية إلى مسؤول منطقة المحابشة آنذاك، يطلب منه فيها إطلاق سراح الشيخ الأحمر، والسماح له بالتوجه إلى صنعاء في أسرع وقت ممكن.
وعندما وصل الشيخ إلى صنعاء، استقبله قادة الثورة الجمهورية، وفي مقر مجلس القيادة تم تكليفه بسرعة بالتوجه إلى المناطق الشمالية الغربية، لمطاردة الإمام المخلوع محمد البدر، وإلقاء القبض عليه. ومنذ ذلك اليوم قاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر قبائل حاشد في معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية، دون هوادة ولا توقف ولا تأثر بالظروف السياسية، المتقلبة في صنعاء، حتى انتهت المعارك في كانون ثاني (يناير) 1970.
وقد أسهم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إسهاماً كبيراً في الإعداد والتنفيذ لحركة 5 تشرين ثاني (نوفمبر) 1967، التي يرى أنصارها أنها أنقذت الثورة الجمهورية من الانهيار، وفتحت الطريق أمام الانتصار والسلام، كما كان له دور بارز في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية، التي تعرضت لها الثورة والجمهورية، ولاسيما في مواجهة حصار السبعين يوماً، الذي تعرضت له عاصمة الثورة والجمهورية، صنعاء. وبذل جهودا كبيرة في التواصل مع القبائل الموالية للعهد الملكي البائد، وإقناعها بالنظام الجديد، وكسب ولائها له. وفي الداخل أسهم الشيخ عبد الله الأحمر في مواجهة الجموح اليساري الماركسي، الذي أراد أن يصبغ النظام الجمهوري بأفكاره ومبادئه.
صناعة القرار السياسي اليمني
انتخب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في عام 1969 رئيساً للمجلس الوطني للجمهورية العربية اليمنية، الذي تولى صياغة الدستور الدائم للبلاد (اليمن الشمالي). وانتخب الأحمر في العام 1970 ، رئيساً لمجلس الشورى، وظل المجلس يقوم بمهامه، حتى تم تعليق العمل بالدستور الدائم وإغلاق المجلس عام 1975.
كان الشيخ الأحمر من أبرز المنتقدين لسوء إدارة الدولة، وانتشار مظاهر الضعف، في مواجهة الفساد الإداري والمالي، وعمليات فصائل اليسار المسلحة، والتي يطلق خصومها عليها اسم "عمليات التخريب الدموية"، التي نشرت الخوف والرعب في صفوف المواطنين، وبددت ثقتهم بالدولة، في أواخر عهد الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني.
وافق الشيخ عبد الله الأحمر على عملية انتقال السلطة سلمياً، التي قام بها العقيد إبراهيم الحمدي في 13 حزيران (يونيو) 1974، بعد استفحال الأزمة السياسية في البلاد، ودعم العهد الجديد باعتباره فترة انتقالية، يتم فيها إنقاذ البلاد من السلبيات، التي كانت تعاني منها، لاسيما في المجالين الأمني والاقتصادي، ولكن البلاد سرعان ما دخلت في مرحلة جديدة من التوتر السياسي.
وعين الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر عام 1979، عند تأسيس المجلس الاستشاري عضواً فيه، كما عين عضوا في اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه عام 1982 حتى قيام الوحدة اليمنية عام 1990.
عقب قيام دولة الوحدة، وإقرار التعددية السياسية، والحزبية تبنى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الدعوة إلى تأسيس "التجمع اليمني للإصلاح"، الذي يضم علماء، ومشايخ، ومثقفين ورجال الأعمال والشباب ونساء من مختلف المناطق اليمنية، واختير رئيساً للهيئة العليا التحضيرية، التي تولت مهام تأسيس حزب الإصلاح في كل المحافظات اليمنية وقيادته، حتى انعقاد المؤتمر العام الأول في أيلول (سبتمبر) 1994.
حاز الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر على ثقة المواطنين في دائرته الانتخابية في أول انتخابات نيابية في العام 1993، وانتخب في منتصف أيار (مايو) 1993 رئيساً لأول مجلس نواب منتخب في ظل الجمهورية اليمنية الواحدة.
ورأس وفداً يمنياً رفيع المستوى إلى المملكة العربية السعودية في 12 كانون ثاني (يناير) 1995 لمواجهه التداعيات الخطيرة لأزمة الحدود اليمنية السعودية، وظل في الرياض قرابة 40 يوماً حتى نجح في التوصل إلى توقيع مذكرة التفاهم في 27 رمضان 1415، من العام 1995، والتي فتحت الطريق أمام عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وصولاً إلى توقيع اتفاقية الحدود في 12 حزيران (يونيو) 2000.
أعيد انتخاب الشيخ الأحمر في العام 1997 للمرة الثانية، رئيساً لمجلس النواب، وأعيد انتخابه للمرة الثالثة في العام 2003 رئيساً للمجلس. وتولى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر كثيرا من المناصب، واحتل عددا من المواقع، لعل أبرزها رئيس اللجنة الشعبية لمناصرة الشعب الكويتي، بعد الغزو العراقي لها، ورئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأقصى وفلسطين، ورئيس اللجنة البرلمانية للقدس وفلسطين، وعضو مجلس الأمناء في منظمة الدعوة الإسلامية العالمية، ونائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس، ورئيس فرع مؤسسة القدس في اليمن.