الشيخ عبد الله والشهيد الزبيري : البطولة والوفاء

 

الشيخ عبد الله والشهيد الزبيري : البطولة والوفاء

كان الشهيد / محمد محمود الزبيري نجماً هادياً في سماء الحركة الوطنية اليمنية وجهاد الأحرار ضد النظام الإمامي ، وكان الزبيري نقطة التقاء جميع المناضلين من معظم التيارات الفكرية والسياسية لما يمثله من قيم النضال والحرية ، والتضحية ، والنزاهة والطهارة الثورية.

بدأت علاقة الشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر بالشهيد محمد محمود الزبيري قبل رؤيته واللقاء به ، فقـد كان (الشيــخ) كغيره من اليمنيين الطامحين للتغيير يسمــع الكثير عن (الزبيري) ونضاله وشعره وكتاباته ضد الظلم الإمامي . وهكذا تكونت علاقة روحية ومشاعر إعجاب في نفس الشيخ تجاه ( الزبيري) رغم السدود والمسافات التي كانت تفصل بينهما ، فالزبيري عاش سنوات طويلة في صحراء الاغتراب والمنافي طوال فترة النشأة التي عاشها (الشيخ) عبدالله داخل اليمن ، ثم في السجن حتى قيام الثورة عام 1962م، وفي السجن وصلت نسخة من كتاب ( مأساة الواق الواق ) للشهيد الزبيري إلى الشيخ السجين في المحا بشة وفي المقابل فإن الشهيد الزبيري كان قد تبلورت لديه فكرة طيبة عن نضال المشائخ وقبائلهم ضد الإمامة وخاصة آل الأحمر الذين عانوا طويلاً من ظلم الإمام وجبروته حتى انتهى الأمر بإعدام الشهيد / حميد بن حسين الأحمر ، وأبيه حسين بن ناصر الأحمر و سجن شقيقه / عبدالله بن حسين الأحمر بتهمة تزعم آل الأحمر لحركة المشائخ في 1959م.

كان اللقاء الأول بين الشهيد (الزبيري) والشيخ عبدالله في اليوم الرابع لقيام ثورة سبتمبر .. وكان ذلك اليوم هو يوم الأحد عندما وصل الرجلان إلى صنعاء عاصمة الثورة والجمهورية ، فقد وصل ( الزبيري ) من القاهرة على متن طائرة خاصة فيـما وصـل ( الشيخ ) من سجنه في المحابشة عبر الحديدة ، جرت وقائع اللقاء الأول في القصر الجمهوري حيث قام ( الشيخ ) عبدالله بزيارة الشهيد الزبيري بعدما علم بوجوده في صنعاء ، وكان لقاء مليئاً بالعواطف الصادقة والأشواق والبشرى بعد تحقق حلم اليمنيين في الخلاص من طغيان الإمامة وظلم بيت حميد الدين ، لكن هذا اللقاء لم يكن ليستمر في صنعاء فقد كانت نذر التمرد واحتياجات تأمين الثورة والنظام الجمهوري تفرض أن يتوجه ( الشيخ ) عبدالله إلى جبهات القتال لقيادة معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية في المناطق الشـــمالية والشــرقية التي تشكل ( بلاد حاشد ) فيها موقع القلب وعلى أراضيها دارت معارك عديدة في غاية الشراسة والعنفوان ، وكان طبيعياً أن يظل الأستاذ الزبيري في العاصمة صنعاء ضمن تشكيلة القيادة السياسية للثورة والجمهورية حيث كان النظام الجمهوري الجديد بحاجة إلى أمثال ( الزبيري ) في قيادة الدولة لمواجهة مصاعب الولادة ومواجهة التحديات العسكرية الخطيرة والعداء الكبير الذي واجهته الثورة محلياً وإقليمياً ودولياً .

وعلى الرغم من اللقاء الأول القصير الذي جمع بين أبي الأحرار / محمد محمود الزبيري وبين الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر إلا أن مكانة الزبيري كانت قد تعمقت أكثر في قلب ( الشيخ ) ، وصارت علاقته بالزبيري علاقة تلميذ بأستاذه ، وعلاقة متحمس لمنهج الزبيري وأفكاره الإصلاحية القائمة على أسس ومنطلقات إسلامية وآفاق شوروية ومبادئ العدالة والمساواة والحرية.

وكان طبيعياً أن ينحاز ( الشيخ ) إلى صف الأستاذ الزبيري زعيم حركة تصحيح مسار الثورة ، لكنه بالرغم من ذلك ظل حريصاً على الاستمرار في مواقعه العسكرية والحربية للدفاع عن الثورة والجمهورية ، وكان ( الزبيري ) في المقابل حريصاً على كسب موقف ( الشيخ ) معه لما كان يمثله من ثقل قبلي وعسكري وتاريخي، وكان(الزبيري) هو الذي حرص على أن يجذب ( الشيخ ) للاشتراك في العمل السياسي الى جانب دوره العسكري في الدفاع عن الثورة وكان إلى جانب ( الزبيري ) الأستاذ النعمان والقاضي الإرياني والأستاذ عبدالملك الطيب وغيرهم من العلماء والمثقفين الذين كان لهم دور بارز في جذب ( الشيخ ) عبدالله وغيره من القيادات الشعبية العسكرية لممارسة أدوار سياسية أيضاً .. وجمع الشيخ  بين الدور العسكري المعروف تاريخياً وبين الدور السياسي بحسب ما كان يوجهه تيار الزبيري والنعمان والإرياني الذين اقتنع بأفكارهم ومبادئهم.

 

مؤتمر عمران : سبتمبر 1963م

دعا الأستاذ الزبيري وزملاؤه إلى عقد مؤتمر شعبي في ( عمران ) في سبتمبر 1963م لتدارس كيفية مواجهة الأخطار التي تهدد الثورة والجمهورية من الداخل ومن الخارج على حد سواء ، وكانت قرارات المؤتمر تهدف إلى توسيع المشاركة الشعبية في السلطة وتقليص سلطة حكم الفرد ، والتخفيف من هيمنة الإدارة المصرية في اليمن على القرار اليمني في شؤون السياسة وقصر الإسهام المصري على الجانب العسكري ، كما دعا المؤتمر إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة اللواء / حمود الجائفي .

واصل القاضي / محمد محمود الزبيري دوره الوطني في محاولة حقن دماء اليمنيين ، وتجول في مناطق القتال يدعو إلى السلام واللجؤ إلى الحوار والتفاهم مما أدى إلى ظهور مشاكل بينه وبين القيادة المصرية في اليمن والمشير السلال ، وعندما تطور الخـلاف وفشلت قـرارات مـؤتمر ( عمران ) في التجسـد في الـواقع قرر (الـزبيري) الخـروج إلى مـناطـق القبائل والاستقرار في مدينة ( خمر ) التي سماها (مدينة السلام) ولتكــون منطلقاً للـدعـوة إلى السلام والأخوة وحقن الدماء، وكان اختيار (الزبيري) للمدينة عن علم بأنها حصن من حصون الجمهورية في بلاد حاشد، وهي مركز الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر الذي يقود منها معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية وهو كذلك مـن أنصار دعوة ( الزبيـري ) وأحد تلاميذه الأوفياء .

وفي أواخر 1964م غادر ( الزبيري ) العاصمة صنعاء متوجهاً إلى ( خمر ) عرين الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر لكنه لم يجده هناك حيث كان ( الشيخ ) متواجداً في منطقة جبل رازح بصعدة ضمن حملات المواجهة مع أعداء الثورة والجمهورية ، فاتجه ( الزبيري ) إلى (برط) لنشر دعوته الإصلاحية وحقن الدماء والتفاهم والحوار بين اليمنيين ، ومن ( جبل برط ) دعا الزبيري إلى عقد مؤتمر جديد في ( خمـر ) سمــاه ( مؤتمر خمر للسلام) ، ومن هناك أيضاً أعلن ( الزبيري ) تأسيس ( حزب الله ) ليكون ملتقى أفئدة اليمنيين كلهم ، أما الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر فقد عاد من صعدة فوراً إلى ( خمر ) عندما سمع بخروج (الزبيري) من صنعاء لكنهما لم يلتقيا بعد أن اختلفت بهما الطرق ، فاتجه الزبيري إلى برط وتوجه ( الشيخ ) إلى ( خمر ) لتهيئة المدينة لاستقبال المشاركين في المؤتمر والتنسيق لانعقاده وفق الاتصالات والرسائل التي كانت جارية بين ( الزبيري ) و ( الشيخ ) عبدالله.

وقبــل انعقــاد المؤتمر بأيام قليلة ، أطلق عملاء متآمرون الرصاص على الأستاذ/ محمد محمود الزبيري  أثناء سيره مع زملائه في منطقة (رجوزة) وفارق الحياة على الفور في 31 / 3 / 1965م .

كان اغتيال (الزبيري) فاجعة وطنية ، لكنه بالنسبة للشيخ/عبدالله كان أيضاً  فاجعة روحية وشخصية نظراً للعلاقة الروحية التي ربطت بينهما ، وأصدر(الشيخ) عبدالله نداء إلى كل اليمنيين عن فاجعة الاغتيال جاء فيه:

( بقلب يملؤه الأسى والحزن أعزي كل أبناء اليمن بفقيدهم العظيم الذي عاش لهم ولليمن، وقتل في سبيلهم وسبيل اليمن أعزي الآباء والإخوان والأبناء في الرجل الذي كان قلبه الكبير مغموراً بالحب لكل فرد منهم ومغموراً بالحب لكل سهل وجبل في أرض اليمن .. أعزيهم في مثلنا الأعلى للإيمان بالله والشعب ، وفي مثلنا الأعلى في الثبات والتصميم ، وفي مثلنا الأعلى في الاستقامة والنزاهة والإخلاص ، أعزيهم في الأب الذي كان يضمنا ويجمعنا قلبه الحنون العطوف ونفسه الكبيرة ، وأعاهدكم الله والوطن على أني سأستمر في الخط الذي سرت فيه مع فقيد الوطن واقتنعت به ، ولن نحيد أو نميل أو نتغير حتى يتحقق لبلادنا عزها وأمنها واستقرارها، والله المسؤول أن يعيننا ويجزي قدوتنا وفقيدنا العظيم محمد محمود الزبيري بأحسن ما جازى به عباده الصالحين. )

ظل ( الشيخ ) وفياً لنهج الشهيد / محمد محمود الزبيري من بعد وفاته ، وكان أول خطواته هو الاستمرار في الإشراف على عقد مؤتمر ( خمر ) للسلام واستضافته في بلاد حاشد ، وقيام الشيخ وأبناء قبيلته بواجب الضيافة تجاه المشاركين الذين حضروا من كل أنحاء اليمن ، ففتحوا بيوتهم للضيوف بعد أن أخلوها من النساء والأطفال ، وأعدوها لسكن الضيوف ، وتحملوا نفقات الضيافة من أموالهم وممتلكاتهم.

وتمثّل التزام ( الشيخ ) بنهج ( الزبيري ) في التمسك المستمر بمطالب الإصلاح ، وإصلاح مسار الثورة ، والتخلص من السلبيات ، والعودة إلى روح مبادئ الثورة اليمنية والحفاظ على هويتها الإسلامية، واستمر كذلك تحالف ( الشيخ ) مع زملاء الزبيري البارزين أمثال الأستاذ أحمد محمد النعمان والقاضي / عبدالرحمن الإرياني وكل المثقفين والمشائخ والعلماء والضباط الذين التفوا حول الزبيري  واستمروا على وفائهم لنهجه، حيث كان الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر  هو الرمز الذي يلتفون حوله بعد استشهاد الزبيري ، وتحولت ( خمر ) معقل الشيخ إلى مركز للثوار والأحرار في عناية الشيخ وضيافته وحمايته.

ومن ملامح الوفاء أن (الشيخ) عبدالله ظل واعياً باستمرار لارتباط الثورة بالإسلام ، فكان حامياً للبعد الإسلامي في كل شيء ومدافعاً عنه في وجه الغزو الفكري اليساري ، أو محـاولات التفلت مـن الإســلام، وارتبط ( الشيخ ) طوال السنوات التالية لاستشهاد (الزبيري) بنهج الحركة الإسلامية إيماناً منه بأنه نهج ( الزبيري ) العظيم.

وعـلى المستوى الشخصي رعى (الشيخ) عبدالله عــائلة (الزبيري) رعاية كاملة ، وظل (عمران) ابن الشهيد الزبيري ابناً للشيخ / عبدالله يرعاه رعاية الأب كما يرعى بقية أبنائه بل إنه زوّجه كبرى بناته وفاءً للشهيد الزبيري.

مراجع إضافية لمزيد من المعلومات .

1.     التاريخ يتكلم الأستاذ/عبدالملك الطيب .

2.     الثورة والنفق المظلم ، الأستاذ/عبدالملك الطيب .

3.     الرجل الذي أحبه الحرم والهرم وبطل الجمهورية الشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر .تأليف الأستاذ/عبدالرحمن بعكر.

4.     الشهيد الزبيري ، تأليف الأستاذ عبدالرحمن بعكر.

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp