الشيخ عبدالله في مقابلة مع صحيفة الراية القطرية العدد(89)بتاريخ 25/3/1980

- حديث صحفي للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ قبائل حاشد وبكيل وعضو المجلس الاستشاري في الجمهورية العربية اليمنية حول عدد من القضايا السياسية. • هل ما زال اليمن يتمتع بسعادته التاريخية؟  لا اليمن ليس سعيداً هذه الأيام، فقد تغير كل شيء أصبحت الأمطار قليلة فأجدبت الأرض وتراجعت الزراعة وماتت الأشجار المثمرة. وبالذات أشجار البن التي أطبقت شهرته العالم والمعروف باسم موكاكوفي وكان ميناء أشهر من مينائي عدن والحديدة باختصار صار الوضع الاقتصادي في اليمن صعباً وبالنسبة لبلد تعتبر الزراعة ثروته القومية تكون السعادة مرتبطة بالوضع الزراعي. • ولكن تغير المعطيات المناخية التي كانت سائدة في اليمن القديم قابلها تقدم في معطيات العلم في العصر الحديث . وأنتم بناة سد مأرب العظيم.. هل نضيف إلى أسباب تدهور الوضع الزراعي ما يشاع عن الكسل اليمني.  اعتدل الشيخ الأحمر في جلسته وتغيرت نبرة الهدوء في حديثه وهو يستنكر هذه التهمة ويقول اليمنيون ليسوا بكسالى أبداً . هم الذي يعمرون المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج وهم أكثر من مليون يمني ولم يتوقف سعي اليمنى بحثاً عن الرزق ومن قبل هاجر عدد كبير من اليمنيين واستوطنوا في بلاد عربية كسوريا والعراق ولبنان وفلسطين وحتى المغرب العربي وإفريقيا وأمريكا وهذا ينفي صفة الكسل عن اليمنى. • قد تكون المفارقة فيما يبذله اليمنيون من نشاط خارج اليمن ويضنون به داخل اليمن. أليس مضغ القات أحد مظاهر الكسل؟  أبداً . اليمن معمورة بجهد اليمنيين .. القرى اليمنية قد تكون أفضل القرى في الوطن العربي لا فرق بين المدن والقرى المواطن الواحد في القرية تجده صاحب بيت من أربع طوابق مشيدة بالحجر الأسود الجميل والطرق تصل إلى كل قرية وكل بيت وهو جهد يبذله اليمنيون دون توجيه من الدولة ودون مساعدات تذكر صحيح أنها طرق ليست معبدة ولكنها ممهدة جيداً وتصلح لسير العربات والكهرباء في القرية وفي كل بيت حتى في قمم الجبال، أما المياه فهي قليلة بسبب تبدل المناخ كما ذكرت وندرة المياه الجوفية. أما القات ، فهو كارثة مستعصية بالفعل، ومعظم اليمنيين يمضغون القات ويترتب عليه خسائر مالية جسيمة . • كان للدولة محاولات لمنع زراعة القات لماذا لم تنجح؟  بدأت محاولة الدولة في الوقت الذي لم تكن فيه قد سيطرت على جميع أنحاء اليمن ولا أظنها تستطيع الآن. • يعني أن الدولة ما زالت غير قادرة على السيطرة التامة؟  هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المنتفعين بزراعة القات لا يمكنون الدولة من إنجاز هذه المهمة فهو يدر أرباحاً طائلة على زارعيه تفوق أية أرباح يمكن أن يجنيها من زراعة الأشجار الأخرى. • بصفتكم أحد زعماء القبائل اليمنية الكبيرة. هل تعتقد أن الروح القبلية والرغبة في الانعتاق من القيود التي تمثلها أنظمة الدولة والقوانين العامة هي التي تعطل مسيرة الدولة وتمنعها من تجاوز العقبات كزراعة القات مثلاً؟  القبائل اليمنية هي قبائل حضارية ضاربة في عمق التاريخ، وحضارة سد مارب هي السند التاريخي الذي يبين ما للقبائل اليمنية من تراث حضاري واستعداد للتكيف مع المعطيات الظرفية وما زالت تحكمهم مجموعة قوانين عرفية عشائرية تشكل أساس قانوني لا يختلف في نتائجه عن القوانين المعاصرة في الدول. • ولكن القبائل تدين بالولاء لزعيم القبيلة، وهناك قبائل كثيرة وزعماء أكثر، وقد تثور القبيلة وتقاتل من أجل سبب لا ترى القوانين المعاصرة فيه أكثر من جنحة.. وعلى ما أعلم فإن القبائل اليمنية مسلحة بشكل كثيف.  صحيح القبائل اليمنية لديها الكثير من السلاح وبينها من الإشكالات كالخلاف على الحدود والثأر وغيره الشيء الكثير. • الخلافات بين القبائل اجتماعية أم سياسية؟  كانت الخلافات إلى وقت قريب خلافات اجتماعية في إطار العادات والتقاليد الموروثة ، ولكن عدوى السياسة تسربت من الجنوب وأصبحت الخلافات تأخذ طابعاً سياسياً . • إذن فوجود السلاح بين أيدي رجال القبائل أصبح يشكل خطراً على أمن الدولة؟  السلاح في أيدي رجال القبائل كان منذ الأزل ولا أعتقد أنهم سيتخلون عن سلاحهم الآن واليمني يعتد بسلاحه ويعتبره رمزاً لرجولته وقوته وقد تطور السلاح اليوم كماً وكيفاً . • ولكن الدولة هي التي تحمل السلاح وهي التي ترمز إلى رجولة المواطن وقوته وهي صاحبة الحق في استخدام السلاح على النحو الذي يحمي أمنها وأمن مواطنيها.. وقد لا توافقني على هذا الرأي ولكني أتساءل عن السبب الذي تطور فيه السلاح كماً وكيفاً بأيدي القبائل ؟  إلى جانب ما كان من سلاح لدى القبائل فقد بدأ يزداد منذ بداية الحرب الأهلية بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وقيام الجمهورية.. وتدفق السلاح على الجمهوريين والملكيين من مصر وروسيا والسعودية . وفي السنوات الأخيرة تطور السلاح بدرجة أكبر بسبب الأخطار التي تواجهنا في الجنوب وبسبب محاولاتهم تصدير الأفكار السامة. • ولكننا نسمع من محاولة جادة لإعادة توحيد اليمن بشطريه ، فكيف يمكن أن يكتب لهذه المحاولة النجاح في مناخ الشك والقلق الذي تتحدث عنه.  الوحدة هي أمنية ، ومطلب شعبي في الشمال والجنوب وقبل خروج الاستعمار البريطاني من الجنوب كنا نطالب بجزئه الجنوبي سواء حكومة الثورة أو حكومة الإمام البائدة لأنه جزء لا يتجزأ من اليمن، وقد جرت مفاوضات بين بريطانيا وبين اليمن حدد على إثره موعد رحيل بريطانيا عن جزئنا الجنوبي، وقد صادف هذا الموعد قيام الحرب الأهلية بين الجمهوريين والملكيين وصنعاء محاصرة فلم يكن بوسعنا أن نفعل شيئاً وبعد أن استقرت الثورة بدأنا الحوار مع إخوتنا في الجنوب لعودتهم إلى الوطن الأم ، لكن وجود النظام الماركسي الذي يدين به حكام الجنوب كان العائق، فدخلنا معهم تارة في حرب وتارة في حوار حتى عقدت اتفاقية القاهرة عام 72 لإقامة الوحدة على أساس سلمي وشكلت لجان ومنها لجنة الدستور لتضع قواعد دستور الوحدة مستمدة من الشريعة الإسلامية التي يدين بها الشعب اليمني شماله وجنوبه لكنهم تهربوا من متابعة الطريق ، فوقعت الحرب مرة أخرى وأعقبتها اتفاقية الكويت ولا يزال الحوار مستمر من أجل وضع صيغة دستورية مستمدة من روح الشريعة الإسلامية ونأمل أن نتوصل إلى الوحدة . • هل كان للمعاهده اليمنية الجنوبية ؛ السوفيتية أثرها على خطوات الوحدة.  المعاهده كانت عثرة على الطريق وقصد بها عرقلة الوصول إلى الوحدة اليمنية ، ففي الوقت الذي كان الجانبان في مسيرة توحيد الشطرين فوجئنا بمعاهدة صداقة بين بلد صغير ودولة عظمى لها مصالحها ومطامعها، فكان لابد أن نتساءل عن السبب. • لكن السوفييت موجودون في اليمن الشمالي أيضاً هناك خبراء وسلاح ومساعدات اقتصادية، ولهذا مرتسماته السياسية، كيف تتخوفون من السوفييت في الجنوب ولا تتخوفون منهم في الشمال؟  الصداقة شيء والارتباط أو التبعية شيء آخر نحن أصدقاء السوفييت قبل خمسين سنة ، وبيننا تعاون اقتصادي ولكن ليس لنا أي ارتباط فكري أو تنظيمي مع السوفييت. • هل ترتب على معاهد الصداقة مع الجنوب تواجد قواعد عسكرية سوفيتية؟  والله أنا شخصياً لا أستطيع أن أجزم بهذا، ولكن هناك وجود سوفيتي على شكل خبراء ومستشارين ، ويقال أن هناك أسلحة إستراتيجية كاحتياطي للسوفيت.. في سوقطرة. • في إطار الوحدة الوطنية في اليمن الشمالي هناك حوار بين التيارات السياسية المختلفة، وبين هذه التيارات ما هو متواصل بشكل أو بآخر مع الجنوب ، هل تؤثر خلافاتكم المستجدة مع اليمن الجنوبي على متابعة الحوار؟  في اليمن الشمالي تيارات سياسية مختلفة، ولكنها ليست أحزاباً بالمعنى المعروف ، لأننا لا نسمح بقيام الأحزاب ، وهناك عناصر سياسية لها أفكار قريبة أو متصلة بأفكار الجنوب، فمن كان منهم يرجح مصلحة اليمن على مصالح الآخرين أو القوى التي تمثل أفكاره فإن الدولة تحتضنه ولكننا نرفض أي ولاءات ترتبط بتنظيمات خارج حدود اليمن الشمالي. • ولكن اليمن الجنوبي ينتظم في حزب معين، وهناك إطار تنظيمي تقوم عليه الدولة، فيكف تقيمون وحدة مع اليمن الجنوبي دون أن يكون لكم إطار تنظيمي مقابل .. هل يعتبر وجود الحزب في الجنوب من العوائق أيضاً؟  الأحزاب محظورة في اليمن الشمالي.. ولدينا شخصيات وطنية لها أفكار سياسية معينة ، تظل مقبولة ومشاركة في الحياة السياسية بقدر إيمانها بمصلحة اليمن بالدرجة الأولى ، وينظم الجميع الميثاق الوطني ، وهو دليل عمل وطني شامل وسيطرح هذا الميثاق على مؤتمر شعبي عام ليكون معبراً عن طموحات الجميع. • هل مارست السعودية أية ضغوط عليكم بسبب علاقاتكم مع الجنوب؟  موقف السعودية من الشيوعية والاتحاد السوفيتي موقف معروف ومعلن، سواء في اليمن الجنوبي أو في أي مكان آخر، لكنها لم تمارس أية ضغوط علينا بسبب علاقتنا مع الجنوب ، لأنها علاقات البلد الواحد، والسعودية هي الشقيقة الكبرى لليمن وعلاقاتنا بها على أفضل ما يرام، وأما ما روج عن خلافات بيننا وبين السعودية فهو لا يتعدى العتاب والاستفسار عن طبيعة السلاح الروسي الذي وصل إلى اليمن مؤخراً وعندما أوضحنا موقفنا زالت أسباب العتاب. • هل تفكرون بالاستغناء عن الخبراء السوفيت في اليمن؟  عندما نصبح بغنى عن خدماتهم فإن ذلك سيحدث حتما ولكننا في الوقت الراهن مازلنا بحاجة إليهم ، وفي الحقيقة فليس مثل أبناء الوطن للوطن. • ما هي خططكم لخلق الكوادر الوطنية في مجال التدريب العسكري.. التعليم.. التأهيل بشكل عام؟  هذا سؤال طيب. وأود أن أشير إلى سرعة الإنجاز الذي يحدث في اليمن.. في كل عام نكسب خبرات جديدة ونخرج كوادر وطنية تأخذ طريقها إلى ممارسة المسؤولية في مختلف المواقع ونأمل أن يأتي وقت قريب فلا نعود بحاجة لخبرة من خارج اليمن. • أنتم جزء من المنطقة التي أفاء الله عليها بخير النفط ، ما مدى المساهمات النفطية في خطط التنمية اليمنية؟  للأمانة : فإن السعودية تقدم الشيء الكثير وكذلك دول الخليج بدون استثناء ، لكننا نتطلع إلى مساهمات أكبر ، فنحن أهل وأبناء منطقة واحدة وقد وهبهم الله الشيء الكثير. • ذكر أحد المسئولين وقد زار اليمن مؤخراً أن طلبة المدارس يجلسون على الأرض وتحت الأشجار لعدم وجود مقاعد دراسة أو مدارس هل هذه الحالة منتشرة في اليمن؟  نعم هذه الحالة منتشرة ، لأن الرغبة في تحصيل العلم قد عمت اليمن بعد أن شجعت الثورة على التحصيل العلمي، والدولة تبني المدارس بشكل متواصل لكن الأعداد تفوق قدرتها على البناء، والسعودية بالذات تبني في اليمن المدارس وكذلك بعض دول الخليج، والبعثات التعليمية تدفع رواتبها من السعودية ودول الخليج. • كيف تنظرون إلى التواجد السوفيتي في القرن الإفريقي وأفغانستان وهل تعتقد أنه يشكل خطراً على المنطقة العربية؟  الوجود السوفيتي أينما كان فهو يشكل خطراً أكيداً ووجوده في منطقتنا يشكل خطراً على عروبتنا وإسلامنا. • بنفس القدر الذي يشكله الوجود الأمريكي أم أكثر؟  أنا أعتقد أن الوجود السوفيتي هو الخطر الأكبر. • لكن أمريكا هي التي تعطي العدو الإسرائيلي كل أسباب الحياة وهي التي تمكنه بالسلاح والمال من قهر إرادة التحرر العربي وهي ظهير الاحتلال الإسرائيلي؟  صحيح .. أمريكا مجرمة بحق العرب ، بتبنيها لدولة العدو الإسرائيلي ، وهي التي أوجدتها وهي التي تحميها، وآخر جريمة هي الفيتو الأمريكي على قرار مجلس الأمن الذي أدان سياسة الاستيطان الإسرائيلي.. وأمريكا مستعمر تقليدي لكن الاتحاد السوفيتي مستعمر جديد وقد تكون أطماعه وشهواته أكبر وعلى أي حال فإن أمريكا هي عدوة العرب الأول والصداقات العربية على أعتابها تضرب بها عرض الحائط. • كيف تنظرون إلى الوضع العربي الراهن بعد اتفاقات كامب ديفيد وما هو البديل؟  الوضع العربي صعب وكامب ديفيد أجهضت قضية فلسطين بعد أن كانت تتقدم نحو الحل ، والحديث عن البديل لغو وعبث ولا أظن أنه جائز بعد غياب الثقل العربي المتمثل بمصر .. ربما تحدث متغيرات دولية جديدة والمبادرة الفرنسية أحد عناوينها ، ولكن على العرب أن يوقفوا المهاترات والتدهور في صفوفهم بعد أن غزتهم سموم كامب ديفيد.

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp