اليمن في التقارير الدولية و حقيقة ما يجري فيه (ورقة مقدمة للدكتور سيف العسلي إلى منتدى الأحمر

  

اليمن في التقارير الدولية و حقيقة ما يجري فيه

مداخلة مقدمة الى منتدى الاحمر في 24-1-2011

سيف العسلي

مقدمة

         في البداية أتقدم بالشكر الجزيل لمنتدى الاحمر على تقديمه الدعوة لي للحديث عن اليمن في التقارير الدولية. و قد بادرت لقبول الدعوة لأني اعتقد بان هناك واجبا على المستقلين ان يشاركوا في توضيح ما يجري في اليمن انطلاقا من منظور علمي موضوعي. ذلك ان المناكفات بين الحزب الحاكم و تكتل احزاب اللقاء المشترك المعارض قد تسببت في اختزال ما يجري في اليمن الى حد بعيد.

         فما يجري في اليمن حقيقة لا يتطابق مع الانطباعات التي يصورها كل من الحزب الحاكم من جهة و ما يصوره تجمع اللقاء المشترك المعارض من جهة اخرى. فليس الامر على ما يرام كما يوحي به خطاب الحزب الحاكم و كذلك فان اليمن لم يدخل النفق المظلم كما تدعي احزاب اللقاء المشترك.

         و لقدت فهمت ضمنا ان منتدى الاحمر يرغب في التعرف على حقيقة ما يجري في اليمن من خلال التقارير الدولية على اعتبار ان ذلك ربما يمثل رايا محايدا. لكن اقول بان ما تتضمنه التقارير الدولية في الغالب هو انعكاس لتصور اليمنين لما يجري في بلادهم.

         و لذلك فإنني اعتقد بان التعرف على حقيقة ما يجري في اليمن امر في غاية الاهمية. فمن الواضح ان هناك لبسا و خلطا كبيرين في تشخيص حقيقة ما يجري في اليمن. و لقد ترتب على ذلك تبني مواقف و الاصرار على مطالب تتناقض مع حقيقة ما يجري في اليمن و مع مصالح من يتبنى هذه المواقف و يصر على هذه المطالب.

         فهذه التقارير في الغالب لا تقوم على دراسة عميقة موسعة للأوضاع في اليمن بقدر ما تقوم على استبيان راي اليمنين ثم تجميعها مع تمحيصها و تضمينها تقاريرها. و لذلك فان هذه التقارير من وجهة نظري لا تعكس حقيقة ما يجري في اليمن.

         و لذلك فان هذه المداخل تتضمن تلخيصالتصورات التقارير لما يجري في اليمن و كذلك ما اره تعبيرا لحقيقة ما يجري في اليمن. انني اعتقد جازما بان هناك تباينا بين تشخيص التقارير لواقع اليمن و بين الواقع ذاته. و ما من شك بانه يترتب على ذلك اختلاف كبير في وسائل التعامل معه.

  

اولا: اليمن في التقارير الدولية

        المقصود بالتقارير الدولية هنا تلك التقارير التي تهتم باليمن و على راسها تقارير صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و بعض المراكز البحثية المهتمة بالشرق الاوسط و تعليقات المسئولين الدوليين على ما يجري في اليمن اما خلال زيارتهم له او من خلال التعليق على الاحداث التي يشهدها. بالاضافة الى ذلك ما تتعرض له كبريات الصحف العالمية من تعليقات او تحليلات لما يجري فيه.

         و في هذا الاطار فانه يمكن رصد تقييمين رائسين لما يجري في اليمن في هذا التقارير وهما اعتبار اليمن دولة فاشلة او في طريقها للفشل.

  • اليمن دولة فاشلة

الدولة الفاشلة هي الدولة التي تعاني من الاعراض التالية:

1.    فقدان السيطرة على بعض اراضيها

2.     عدم احتكارها لاستخدام القوة المسلحة

3.    تناقص شرعية النظام و المتمثل في عدم قدرته على اتخاذ قرارات مهمة باسم الشعب

4.     ضعف الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمواطنين

5.    عدم القدرة على تمثيل البلاد مع العالم الخارجي كممثل للشعب

6.    الانتشار الواسع للفساد

7.    تحول بعض مواطنيها كلاجين في الدول الاخرى

8.     انتشار الاختلالات الامنية و الممارسات الاجرامية

9.     الانخفاض الحاد في الدخل

الدولة الفاشلة هي الدولة التي لا تستطيع ان تصلح نفسها بنفسها حتى مع مساعدة الاخرين لها. و في هذه الحالة فإما ان يعيش المجتمع بدون دولة كما يحدث في الصومال او انه يجب ان يتدخل المجتمع الدولي في اصلاحها كما يحدث في افغانستان.

فالتقارير الدولية التي تصدرها مراكز الابحاث و الدراسات تضع اليمن بين اسوء عشرين دولة من بين 177 دولة في العالم يتم تقييمها سنويا. و قد تراوح ترتيب اليمن بين هذه العشرين الدول ما بين 6 الى 15 ما بين عام 2008 و 2010. و قد كانت الصومال هي الدولة رقم واحد في كل هذه التقييمات.

         و تكاد تجمع الكتابات و التقارير الصحفية على ان اليمن دولة فاشلة انطلاقا من هذه المعاير و التقييمات.

  • اليمن دولة آيلة للفشل

الدولة الآيلة للفشل هي الدولة التي تعاني من بعض الاختلالات سالفة الذكر و ليس من كلها. و على وجه التحديد الاختلالات التالية:

1.     ضعف الخدمات العامة التي تقدمها الدولة

2.    تنازع الشرعية مع مؤسسات اخرى مثل القبيلة و مراكز القوى

3.     عدم سيادة القانون

4.    عدم قدرتها على ادارة الاختلافات فيها

5.     عدم قدرتها على اتخاذ القرارات الحاسمة فيما يخص عملية الاصلاح الاقتصادي و السياسي

6.     وجود انشقاقات اجتماعية

الدولة الآيلة للفشل هي الدولة التي تسير في طريق الفشل و لكنها لم تفشل بعد. و بالتالي فانه اذا ما عملت هذه الدولة على اصلاح اوضاعها و ساعدها الاخرون فإنها على الاقل تستطيع ان تحافظ على نفسها.

و يصنف اليمن على انه دولة آيلة للفشل من قبل كل من المنظمات الدولية و الدول المانحة. و مما يدل على ذلك التصريحات التي يطلقها مسئولو هذه الدول و المنظمات. و على وجه التحديد ما جرى من نقاش في مؤتمر لندن و المانيا و الرياض.

في 11 يناير 2011 بعد لقاءها بالرئيس اليمني وقبل مغادرتها العاصمة اليمنية صنعاء، ادلت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كيلينتون بتصريحات مقتضب الوسائل الاعلام قالت فيه :

بادي ذي بدء نيابة عن كامل الوفد الامريكي اشكر سيادة الرئيس لهذه الحفاوة والاستقبال ،كما قلت لسيادة الرئيس نحن ملتزمون بعلاقة واسعة الاطراف بين البلدين، نحن نواجه خطرا ًمشتركاً خطر الارهاب وتنظيم القاعدة وانما علاقتنا تتعدى مجال مكافحة الارهاب نحن ليس فقط نركز على هذه التهديدات القصيرة المدى ولكن ايضا على التحديات الطويلة الامد، لقد اعلن اليمن عددا من الاصلاحات في مجالات شتى اقتصادية وسياسية واجتماعية ونحن في الولايات المتحدة والاسرة الدولية نستعد لتأييدها نحن نؤيد مساراً سياسياً موحداً يوفر لليمن الرخاء والديمقراطية والاستقرار والولايات المتحدة الامريكية سيادة الرئيس ملتزمة ايضا ًتجاه الشعب اليمني ولانريد لهذه العلاقات الثنائية ان تكون فقط بين الحكومتين وانما ايضا ان تخاطب الشعب اليمني .. شكرا ًسيادة الرئيس.

    فمن الواضح ان الولايات المتحدة الامريكية تنظر الى اليمن كدولة آيلة للفشل و التي يجب مساعدتها على عدم الوصول الى مستوى الدولة الفاشلة لان ذلك يهدد مصالح الولايات المتحدة و خصوصا فيما يتعلق بقضة القاعدة و الارهاب الدولي. و يؤد هذا الاتجاه التصريحات المتعددة التي صدرت من قبل الادارة الامريكية بما في ذلك تصريحات الرئيس بارك اوباما و اركان ادارته.

اجتماع لندن

صدر في العاصمة البريطانية لندن بيان ختامي للاجتماع الخاص بشركاء وأصدقاء اليمن. فيما يلي نصه:

التقى مسؤولون من اليمن وأصدقائه وشركائه في لندن لمناقشة العديد من المشكلات الملحة التي يواجهها الشعب اليمني.

وقد عاود هذا اللقاء التأكيد على وحدة اليمن واحترام سيادته واستقلاله، والالتزام بعدم التدخل في شؤونه الداخلية. وكان من الواضح أن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي تمضي به الحكومة اليمنية يعتبرأساسا للاستقرار والرخاء على المدى الطويل.

وتم الاتفاق على ضرورة إتباع نهج شامل،وبدعم قوي من المجتمع الدولي.

التحديات التي يواجهها اليمن آخذة بالتنامي، وإذا لم تتم معالجتها فإنها ستهدد استقرار البلاد والمنطقة ككل على نطاق أوسع.

وقد حددت الحكومة اليمنية المجالات الأكثر إثارة للقلق على نحو مايلي:

1. تنسيق ودعم دولي أفضل لليمن.

2.إيجاد تحليل مشترك للتحديات التي يواجهها اليمن، بما في ذلك الظروف المؤدية للتطرف وعدما لاستقرار، والاتفاق على ضرورة إتباع نهج شامل لمعالجتها.

3زخم أكبر دعما لأجندة الإصلاح السياسي والاقتصادي، بمافي ذلك اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة من قبل الحكومة اليمنية.

تدرك الحكومة اليمنية الحاجة الملحة لمعالجة هذه القضايا التي تتطلب تعاونا دائما وموجها. وتم الاتفاق على أن مسؤولية معالجة هذه التحديات تقع أولا وقبل كل شيء على عاتق الحكومة اليمنية، وبالاستناد على دعم من المنطقة والمجتمع الدولي على نطاق أوسع.

و من هذا البيان يتضح اعتراف الحكومة اليمنية بالإخفاقات التي تواجه الدولة اليمنية و مع ذلك فان المجتمع الدولي يعتبر ان ما يجري في اليمن اكبر بكثير من مجرد اخفاقات و انما فشل كبير قد يعرض اليمن و الدول المجاورة و العالم لعدم استقرار كبير الامر الذي يتطلب عملية اصلاح عميق.

اجتماع نيويورك

و قد صدر عن الاجتماع الوزاري لا صدقاء اليمن في نيويورك البيان التالي:

اجتمع أصدقاء اليمن على المستوى الوزاري في 24سبتمبر 2010م وذلك لمراجعة التقدم الحاصل منذ اجتماع لندن في ينايرالماضي والاتفاق على سبل التحرك, والتحضيرللاجتماع القادم في الرياض حيث عبروا عن تأييدهم المطلق لوحدة البلاد وأمنها واستقرارها, وأيدوا مبدأ عدم التدخل في شؤون اليمن الداخلية وأعرب الوزراء عن شكرهم الحار للرئاسة المشتركة لفريقي عمل الاقتصاد والحوكمة والعدل وسيادة القانون لنشاطهم والتزامهم, كماأقروا التوصيات الناتجة عن اجتماعات فريقي العمل.

وأثنى الاجتماع على التقدم الكبير الذي تحقق منذ الاجتماع رفيع المستوى في لندن في يناير الماضي في عدد من المجالات الهامة منها:

  • اتفاق الحكومة اليمنية وصندوق النقد الدولي على برنامج الصندوق الذي سيوفر انضباطاً مالياً هاما ًلإدارة العجز الكبير في الموازنة العامة في اليمن.
  • التطبيق المبكر لخطوات تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي, بما في ذلك التخفيض التدريجي في مستوى الدعم الحكومي للوقود والتي ستسهم في تخفيف العبء على الموازنة, مع المتابعة السريعة للتشريعات الهامة.
  • التقدم الملموس في مفاوضات انضمام اليمن لمنظمة التجارة العالمية والتي يؤمل أن تستكمل بحلول نهاية عام 2010م.
  • إطلاق الحوار الوطني الشامل.
  • الإعلام في فبراير 2010مع نوقف إطلاق النار في صعدة.

واتفق الاجتماع على النقاط التالية:

الاقتصاد والتنمية والحوكمة

1. يعتبر أصدقاء اليمن أن الحوار الوطني شأن يمني يحظى بدعمهم وتشجيعهم وهو يشكل الأساس الأفضل لبناء الأمن والاستقرار المستدامين، واتفق الوزراء على أهمية سير الحوار قدماً وعلى وجه السرعة لإجراء مناقشات جادة بين الأطراف السياسية الرئيسية والأطراف الأخرى حول القضايا التي تعتبر مصدراً للصراع والخلاف في البلاد كما يرون أن الحوار الوطني هو المجال الأكثر فعالية للمضي قدماً بالإجراءات العاجلة واللازمة لتأمين انتخابات حرة ونزيهة متعددة الأحزاب في عام 2011م.

2. وضع خطة تنموية يمنية (للأعوام 2011 - 2015) مركزة ومحددة الأولوية, ومنسجمة مع أجندة الإصلاح الوطني وخطط الحكومة الشاملة وطويلة الأجل للموازنة, بما يشكل آلية أساسية لتوجيه مساهمات الجهات المانحة وتمكين الإنجاز الفعال للدعم المالي المقدم لليمن خلال السنوات الخمس القادمة وأيد المشاركون بقوة التزام الحكومة اليمنية بجعل خلق فرص العمل محور الاهتمام المقبل للخطة الخمسية للتنمية.

3. التزام أصدقاء اليمن بتقديم الدعم الإضافي للحماية الاجتماعية لتجنب الآثار السلبية على الفقراء جراء الإصلاحات الاقتصادية الضرورية, ولمواصلة استكشاف آليات جديدة لتقديم الدعم على المدى الطويل بغية دعم خطة اليمن للتنمية بمافيها فكرة إنشاء صندوق لدعم التنمية في اليمن.

4. أعرب أصدقاء اليمن عن دعمهم لتأسيس مكتب للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في صنعاء والذي سيساعد كافة المانحين في تخطيط وتنسيق وإيصال المساعدات لليمن على نحو أكثر فعالية كما أعربوا عن تشجيعهم لمشاركة صناديق دول مجلس التعاون الخليجي فيه.

5. اتفق أصدقاء اليمن على ضرورة زيادة دعمهم لقطاع التدريب المهني والفني ودعمهم لبرنامج بناء المهارات للوصول إلى قطاعي البناء والخدمات في أسواق العمل المحلية والخارجية.

6. مواصلة اللامركزية في التخطيط وإيصال الخدمات باعتبارها أساسية للحكومة لمصلحة الجميع، كما وافقت الحكومة اليمنية على إعداد برنامج لوضع خطة عمل بالأولوية تنطلق من استراتيجيتها للامركزية للعام 2008م مع بدء التنفيذ بدعم من أصدقاء اليمن.

7. دعم التزام الحكومة اليمنية لتنفيذ استراتيجية قطاع المياه, والتشريعات القادمة في قطاع المياه, مع تعزيز كل الجهود باتجاه الإدارة المتكاملة للموارد المائية.

العدل والأمن وسيادة القانون

8. أنالجهودالتيتبذلهاالحكومةالقطريةفيالإشرافعلىتحقيقسلامدائمفيصعدةهيمحطترحيب, بناءً على إعلان وقف إطلاق النار, واتفاق الدوحة في عام 2008م واتفاقات اللجان الوطنية للإشراف على تنفيذ شروط وقف إطلاق النار كما أن ضمان ممرات آمنة للإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحرب يعتبر أمراً هاماً, كما يدعم أصدقاء اليمن إعادة تأهيل وإعمار صعدة على المدى الطويل.

9. أيد أصدقاء اليمن جهود السلطات اليمنية لمكافحة الفساد وحثوها على سرعة التحقيق والمحاكمة في قضايا الفساد حيث أن الفساد يقوض التنمية والاستثمار ويسهم في إحداث حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ورحب الوزراء بالتأكيدات اليمنية بأنه سيتم تقديم التقرير الأول لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية والذي يتناول الفساد في القطاع النفطي والمصادقة عليه في موعد أقصاه فبراير 2011م.

10. لأهمية التوسع في النظام القضائي لإيصاله لجميع المواطنين اليمنيين اتفق أصدقاء اليمن على دعم التزام الحكومة اليمنية بإقامة محاكم جديدة في المناطق الريفية ذات الأولوية.

11. رحب أصدقاء اليمن بالتزام الحكومة اليمنية لمواصلة تنفيذا لمراجعة الدورية العالمية الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان في مايو 2009م.

12. اعتبار استراتيجية اليمن الحكومية الشاملة لمكافحة التطرف والتي تم الإعلان عنها في الاجتماع، الأساس القوي لمعالجة الأسباب الكامنة والجذرية للإرهاب والتطرف سواء تلك المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, كما أنها تشكل قاعدة قوية للدعم المقدم من الشركاء ولجهود الحكومة اليمنية لمكافحة الإرهاب والتطرف.

13. العمل على إعداد خطة التنمية العشرية الجديدة لقوات خفرالسواحل اليمنية, ولمركزالمعلومات الملاحي في صنعاء واللذين يشكلان نماذج ممتازة للتعاون بين السلطات اليمنية والجهات المانحة المتعددة, وتعهد أصدقاء اليمن على مواصلة دعمهم لتعزيز قدرات قوات الأمن اليمنية لحماية الحدود.

أعرب أصدقاء اليمن عن شكرهمل لمملكة العربية السعودية على عرضها استضافة الاجتماع الوزاري القادم للمجموعة في فبراير2011م والذي سيعتمد الخطوات الواضحة في مجالات الإصلاح الرئيسية وتحديد الدعم اللازم للتنمية في اليمن, والذي سيعقد بعد اجتماع للمجموعة الاستشارية لإطلاق خطة اليمن القادمة للتنمية.

يتوجب على رؤساء البعثات في صنعاء التعاون مع الحكومة اليمنية لمتابعة مقررات اجتماع نيويورك والتحضير لاجتماع الرياض.

و هكذا يتضح ان مطالب المجتمع الدولي في اللقاء اكبر من مطالبه في اجتماع لندن مما يدل على ان المجتمع الدولي لم يرتاح لاستجابة الحكومة للمطالب السابقة. و لا شك ان ذلك يؤكد تصورات المجتمع الدولي حول كون اليمن دولة آيلة للفشل.

ثانيا: التقييم الحقيقي لما يجري في اليمن

         يمكن القول بان اليمن ليس في الوقت الحاضر دولة فاشلة و لا دولة آيلة للفشل و لكنها دولة متعثرة. الدولة المتعثرة هي الدولة التي تعاني من اختلالات عميقة في اوضاعها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية لكن لا تواجه تحديات لوجودها كدولة. اي ان الدولة المتعثرة لا تعاني من شرعيتها كدولة و لكنها تعاني من مشاكل في حكمها.

         و بالتالي فان هذه الدولة تستطيع ان تصلح نفسها من خلال تغير طريقة حكمها. لكن من الممكن ان تتحول هذه الدولة الى دولة آيلةللفشل اولا ثم الى دولة فاشلة بعد ذلك اذا لم يتم معالجات الاسباب الحقيقة لهذا التعثر.

         فهناك العديد من الادلة على كون اليمن دولة متعثرة. فمن ذلك التالي.

1.    عدم القبول بنتائج الانتخابات من كل الاطراف

2.    عدم اقامة الانتخابات في اوقاتها الدستورية

3. فشل عملية الحوار بين الاحزاب الرئيسية في التوصل الى اتفاق حول نظام الحكم و اليات التداول السلمي للسلطة

4.    وجود تمردات مسلحة و استمرارها لفترات طويلة (تمرد الحوثي)

5.     عدم اتفاق مكونات النظام السياسي ( السلطة و المعارضة ) على كيفية التعامل مع هذه التمردات.

6.    عدم القدرة على حسم القضايا المصيرية (الحراك الجنوبي)

7.    عدم القدرة على التعامل مع الدعم الخارجي ( فشل الاستفادة من المساعدات الخارجية)

8.    فشل عملية الاصلاح الاقتصادي (1995-2010)

9.    عدم استقرار الاسعار

10. انخفاض متوسط الدخل

11. انتشار البطالة

12. ضعف البنية التحتية

13. ضعف القدرة الاستيعابية

14. ضعف شبكة الامان الاجتماعي

15. استحقاقات التعامل مع الارهاب (القاعدة)

ان تعثر الدولة في اليمن يرجع الى اسباب كثيرة تاريخية و اقتصادية و اجتماعية و لكن اهم هذه الاسباب من وجهة نظري تكمن في عدم الفصل بين الوظيفة السياسية للدولة و الوظيفة التنفيذية لها. ففي حين ان الوظيفة السياسية تكمن في تحديد التوجهات و السياسية و الخيارات. اما الوظائف الادارية فتكمن في تنفيذ ذلك.

    المؤسسات السياسية مثل رئاسة الدولة و الحكومة و مجلس النواب و الاحزاب السياسية تتولى عملية تحديد الاستراتيجية و التوجهات و السياسية. و كذلك عملية الاشراف على تنفيذ ذلك. و تتنافس عليها من خلال الانتخابات و التبادل السلمي للسلطة. و من اجل ذلك فانه لا بد من تقسيم السلطة فيما بينها بشكل متوازن.

    اما عملية تنفيذ ذلك فتوكل عادة الى الاجهزة الفنية في مؤسسات الدولة و الى المؤسسات المستقلة. و التي تخضع لقواعد مختلفة عن القواعد السياسية. انها تخضع لقواعد الكفاءة و المساوة و المسائلة و المحاسبة.

    من الواضح ان النظام السياسي في اليمن يعاني من اختلال العلاقة بين المؤسسات السياسية و بعضها البعض و بينها و بين المؤسسات التنفيذية اي الادارية. فبعض المؤسسات السياسية قد سيطرت على كل من الوظائف السياسية و الادارية مما تسبب في تعطيل عملية المحاسبة و الشفافية و بالتالي الكفاءة.

    و لكن للأسف الشديد فان هذه الاختلالات ليست على طاولة الحوار و لا النقاشات الدائرة بين الحزب الحاكم و احزاب اللقاء المشترك و ليست حاضرة حتى بين النخب السياسية و الفكرية. و لذلك فان تأجيل العملية السياسية و ربطها بالتعديلات الدستورية لن يؤدي الا الى ايصال اليمن الى الدولة الفاشلة. ذلك انه حتى في حال الاتفاق على اي حلول مقبولة بين الطرفين فان هذه الحلول لن يكون لها اي تأثيرلأنها تعالج قضايا اخرى لا علاقة لها بما يعيق عمل الدولة في اليمن.

ثالثا: الخيارات المتاحة

هناك في الحقيقة ثلاث خيارات متاحة و هي استمرار الوضع الراهن او التغير الجذري او الاصلاح التدريجي العميق. ان المفاضلة بين هذه الخيارات تعتمد على التشخيص الحقيقي لأوضاع اليمن.

  • استمرار الوضع الراهن

هذا الخيار هو الافضل في حال كون الدولة في اليمن صحيحة معافاة. اي انها تمارس مهامها و تؤدي وظائفها كأي دولة في العالم. اي انها تقدم الخدمات العامة مثل الامن و العدل و التعليم و الصحة و البنية التحتية و الضمان الاجتماعي و تمكن اليمنين من ممارسة حقوقهم كاملة.

         ان ذلك لا يعني بالطبع ان لا تكون هناك مشاكل اخرى مثل البطالة او التنمية او ممارسة السياسة الاقتصادية او غير ذلك من المشاكل التي يتم التعامل معها من خلال التنافس الحزبي و التداول السلمي للسلطة.

         ففي هذه الحالة فانه لا حاجة للتغير لأنه لا مبرر له و ستكون نتائجه كارثية. و على هذا الاساس فان مطالبة المعارضة بالتغير الجذري او حتى الاصلاح ما هو في حقيقة الامر الا تعبير عن مصالح خاصة و بالتالي فانه يتعارض مع المصلحة الوطنية العليا.

  • التغير الجذري

يكون هذا الخيار هو الافضل في حال كون الدولة في اليمن فاشلة او آيلةللفشل. ففي هذه الحالة فان الاسس التي قامت عليها الدولة غير صحيحة و غير مفيدة لأنها فشلت في القيام بواجباتها ووظائفها. و في هذه الحالة فان من يحاول الحفاظ على ذلك فانه في حقيقة الامر ينطلق من مصالحه الخاصة كونه هو الذي يدير الدولة لصالحه.

         و في هذه الحالة فان التغير امر لا بد منه قرب الامر او بعد و من الافضل ان يكون قريبا جدا لان ذلك سيوفر جهودا و تكاليفا مهمة و التي تتمثل في تكاليف الحفاظ على مؤسسات الدولة الفاشلة و تكاليف تغيرها و التي قد لا تكون سلمية.

         لكن من الملاحظ ان التغير في هذه الحالة لا بد و ان يكون من خلال القوى المحلية و الداخلية لأنه ببساطة لا يمكن للقوى المحلية القيام به لأنها لو كانت قادرة لما سمحت للوضع ان يصل الى هذا المستوى من الفشل.

  • الاصلاح التدريجي العميق

يكون هذا الخيار هو الافضل في حال كون الدولة في اليمن متعثرة. ان ذلك يعني انها تعاني من بعض الاخفاقات في بعض وظائفها و ليس في جميعها. و في هذه الحالة فانه من الافضل ان تتم عملية الاصلاح انطلاق من الجوانب الإيجابية لوظائف الدولة لا صلاح ما اعتراها من تشوهات.

         فمن المؤكد ان ذلك سيسهل عملية الاصلاح و يقلل من تكاليفه. فبدلا من هد كل مؤسسات الدولة التي بنيت من قوت المواطنين و على حساب دخلهم فانه لا بد من الاستفادة منها و توجيه كل الجهود و الامكانيات لإصلاح ما تعثر.

رابعا: الخاتمة و المقترحات

         من الواضح ان الدولة في اليمن لم تصل بعد الى مستوى يمكن اعتبارها انها دولة فاشلة. فالأدلة على ذلك كثيرة وواضحة و التقارير الدولية حول اليمن لم تجمع على كون اليمن دولة فاشلة.

         و كذلك في المقابل فان جميع المؤشرات تدل على ان اليمن ليست دولة كاملة الصحة و العافية و بالتالي فانه اما ان يمكن اعتبارها دولة آيلة للفشل او كما ارجحه هو اعتبارها دولة متعثرة.

         فمن المؤسف ان اصرار الحزب الحاكم على المحافظة على الوضع الراهن باي ثمن و ان اصرار احزاب اللقاء المشترك على التغير الجذري باي ثمن ايضا سيقود اليمن حتما الى وضع الدولة الفاشلة. و في هذه الحالة فان الجميع سوف يخسر.

         و لذلك فان الخيار الافضل لليمن هو البدء بعملية اصلاح واسع النطاق بهدف اعادة العافية الكاملة للدولة. فبدون ذلك فانه من المؤكد ان تتحول الى اليمن الى دولة آيلة للفشل و ربما ان تتحول مباشرة الى دولة فاشلة.

و من اجل تحقيق ذلك فاني اتقدم بالمقترحات التالية:

1.  الحفاظ على مشروعية الدولة و عدم الانتقاص منها لأي سبب من الاسباب لان ذلك سيهدد وحدة اليمن و استقراه لفترات طويلة.

2. اطلاق عملية إصلاح مؤسسات الدولة المتعثرة من المشروعية الحالية و ليس من خلال البحث عن مشروعية جديدة. اي انه لا بد من الحفاظ على المشروعية الحالية حتى يتم الانتقال الى اي مشروعية جديدة.

3.  و لذلك فانه لا بد من قيام الانتخابات البرلمانية في موعدها لان عدم تحقق ذلك سيعني القضاء على المشروعية الحالية و بدون وجود اتفاق على اي مشروعية جديدة.

4. لا بد و ان تكون هذه الانتخابات حرة و نزيهة. ومن الممكن ضمان تحقق ذلك في ظل الدستور و القانون الانتخابي الحالين و مع توفر رقابة دولية اوسع.

5. تأجيل التعديلات الدستورية الى ما بعد الانتخابات البرلمانية. ذلك انه من غير المحتمل ان يتم التوصل الى الاتفاق على اي تعديلات دستورية او قانونية توافقيةفي هذا الوقت القصير. و حتى في حال تأجيل الانتخابات لفترة قصيرة فانه من غير المحتمل الاتفاق على هذه التعديلات.

6. ستعمل الانتخابات الحرة و النزيهة على تغير المناخات السياسية بما يوفر المناخ المناسب للتقدم برؤى و مقترحات تحسن من اداء مؤسسات الدولة الحالية و فقا للشرعية الحالية. فمن المؤكد ان هذه الانتخابات ستخلق واقعا جديدا و لن تعمل على استمرار الاوضاع الحالية مهما كانت محاولة البعض في تكريس ذلك.

7.  في حال تأجيل الانتخابات فان سوف لن يكون من الممكن الحديث عن اي اصلاح اقتصادي او سياسي و انما فقط سيعمل على تكريس الاوضاع الحالية. و لا شك ان ذلك ليس في صالح السلطة و لا المعارضة و لا الشعب.

8.  ان تأجيل الانتخابات سيعمل على السماح للخارج بالتدخل لأنه ببساطة سيعني فعلا ان اليمن دولة فاشلة. فاذا لم تستطع هذه الدولة ان تقييم انتخابات عادية فما الذي يمكن ان تقوم به.

9. تأجيل الانتخابات سيؤدي حتما الى تعميق الاحتقان السياسي و الاجتماعي. مما سيؤدي الى تعميق الازمة الاقتصادية.

10. اقامة الانتخابات في موعدها سيعطي للقوى السياسية فرصة لمراجعة تصوراتها. فما من شك من ان نتائج الانتخابات البرلمانية ستعطي رسائل مهمة لكل من الحزب الحاكم و المعارضة مما سيمكنهما من تقييم توجهاتهما المتناقضة فيما يخص التعديلات الدستورية المطلوبة و التايد الشعبي لها.

و الله ولي الهداية و التوفيق