الشيخ الأحمر...نصف قرن من الحضور السياسي - بقلم / نصر طه مصطفى

     عندما تفكر في الكتابة عن شخصية بحجم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني وزعيم حزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض ستكتشف أنك أمام شخصية قلما يجود الزمان بمثلها ... وستجد نفسك أمام شخصية تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة سواء في تأثيرها على مجريات الأحداث أو في قدرتها الفريدة على البقاء في واجهتها طوال خمسة وأربعين عاما وهو أمر لم تسبقه إليه أية شخصية يمنية أخرى في العصر الحديث ... وجزء أساسي من ذلك يعود بالتأكيد لمكونات شخصيته المميزة التي مكنته من الاستفادة من كل الظروف والتقلبات الحاصلة طوال تلك الفترة واختيار القرار المناسب والتكيف مع المتغيرات والمستجدات بصورة جعلته رقما لا يمكن استبعاده أو تجاهله في أي معادلة سياسية خلال تاريخ اليمن المعاصر وتحديدا منذ قيام ثورة 26سبتمبر عام 1962م وإعلان النظام الجمهوري وحتى كتابة هذه السطور.

      الشيخ الأحمر الذي يكمل هذه السنه عامه الخامس والسبعين واحد من قلائل تركوا بصمات واضحة في مسيرة اليمن المعاصر يقف على رأسهم بلاشك الرئيس علي عبدالله صالح ومن بعده عدد آخر من الشخصيات مثل الرؤساء الراحلين عبدالله السلال وعبدالرحمن الإرياني وقحطان الشعبي وسالم ربيع علي وعبدالفتاح إسماعيل وقيادات تاريخية مثل محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان وغيرهم ... إلا أن الشيخ الأحمر كان أكثر من نجح في الحضور والتأثير الدائم مستفيدا من مكانته القبلية كشيخ لمشايخ قبيلة (حاشد) وعلاقاته السياسية الداخلية والخارجية ، فهو ورث زعامة قبيلته عام 1959م إثر إعدام إمام اليمن أحمد حميدالدين لوالده وشقيقه الأكبر حميد واعتقاله له منذ ذلك الحين حتى قيام الثورة حيث خرج من السجن فورا ليقود قبائله دفاعا عن الثورة والجمهورية في معظم مناطق الشمال التي كانت تخضع لسطوة وتأثير الأئمة الروحي والسياسي ... وبموقفه ذاك فرض نفسه على المعادلة السياسية الجديدة في اليمن الجمهوري حيث كان يتم تعيينه في مناصب وزارية أو استشارية تتناسب مع دوره السياسي والميداني المؤثر ، ومع اشتداد الخلافات داخل الصف الجمهوري بسبب حدود دور مصر الناصرية فقد قاد الشيخ الأحمر المعارضة للدور الناصري دون أن يتوانى عن الدفاع عن النظام الجمهوري ، وبسبب موقفه نجح الجمهوريون في الانقلاب على الرئيس السلال عقب انسحاب القوات المصرية من اليمن إثر هزيمة 5يونيو 1967م ... ولينتقل بعدها الشيخ الأحمر لأدوار أكثر تأثيرا من خلال رئاسته للمجلس الوطني ثم مجلس الشورى (البرلمان) وإسهامه المؤثر في المصالحة الوطنية ووقف الحرب الأهلية واعتراف المملكة العربية السعودية بالنظام الجمهوري عام 1970م ليصبح بعدها الصديق الأهم للمملكة داخل اليمن فهو وجد فيها الداعم الأفضل لمقاومة المد اليساري والماركسي القادم من جنوب اليمن الموالي للاتحاد السوفيتي ، وفي الوقت ذاته نجح في إقامة تحالف وثيق مع حركة الإخوان المسلمين اليمنية في ظل قياداتها المتوالية لنفس الهدف ومنذ ذلك الحين ظل يرعى الحركة الإسلامية بشكل أو بآخر حتى تزعم حزبها السياسي التجمع اليمني للإصلاح عقب وحدة شطري اليمن عام 1990 والسماح بالتعددية السياسية والحزبية ، حيث كان الهدف الأساسي من إنشاء هذا الحزب هو مواجهة المخاطر المحتملة من الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب وتقاسم النفوذ في اليمن الموحد مع حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح ... إذ كان هناك قلق من احتمال انقلاب الاشتراكيين على النظام أو تراجعهم عن الوحدة وبالفعل فقد قاد حزب الإصلاح المواجهة السياسية مع الاشتراكي طوال السنوات الثلاث التي أعقبت الوحدة حتى إجراء الانتخابات النيابية التي أسفرت نتائجها عن فوز المؤتمر أولا ثم الإصلاح ثم الاشتراكي.

      عاد الشيخ الأحمر بفضل تلك النتائج رئيسا لبرلمان اليمن الموحد بعد ثمانية عشر عاما من ترؤسه لمجلس الشورى ، وتشكيل الأحزاب الثلاثة لحكومة ائتلافية لم تدم طويلا بسبب نزوع الحزب الاشتراكي للانفصال واشتعال حرب صيف 1994م بسبب ذلك المشروع الذي لم ير النور وقاد اليسار اليمني لنهاية مأساوية حيث أصبح على هامش الحياة السياسية اليمنية منذ ذلك الحين ... ورغم أن الشيخ الأحمر ترأس البرلمان نتيجة قيادته لحزب الإصلاح في دورة 1993 إلا أنه عاد وترأس البرلمان مجددا في عام 1997م رغم خروج حزبه للمعارضة فهو هذه المرة والدورة التي تلتها عام 2003م جاء إلى هذا الموقع بمبادرة من الرئيس علي عبدالله صالح تقديرا لشخصه ونضالاته الطويلة ومواقفه الحاسمة دائما إلى جانب الدولة والرئيس صالح في كل المنعطفات السياسية التي واجهها في الحكم منذ انتخابه رئيسا للبلاد عام 1978م.

      إختلف الشيخ الأحمر مع الرئيس الإرياني فأسهم في إبعاده عن الحكم عام 1974م لكنه عاد فندم ندما شديدا بسبب الخلاف الكبير الذي حدث بينه وبين الرئيس الحمدي وخلفه الغشمي طوال أربع سنوات ... وبعد مقتل هذا الأخير عارض الأحمر انتخاب علي عبدالله صالح رئيسا للبلاد لكنه عاد فأصبح أوثق حلفائه طوال العقود الثلاثة الماضية إلى درجة إعلانه صراحة تأييده لإعادة انتخابه في سبتمبر الماضي مناقضا لموقف حزبه الذي دعم مرشحا آخر في سابقة لا تحدث إلا مع شخصية فريدة مثل الشيخ عبدالله الأحمر ... فهو الرجل الذي جمع بكل سهولة بين الزعامة القبلية التقليدية والقيادة الحزبية المعاصرة ، وهو كذلك جمع بين الثقافة الشعبية البسيطة وقدر غير قليل من الثقافة الدينية والفكرية والسياسية الحديثة ، وهو كذلك جمع بين العلاقات الداخلية الواسعة والعلاقات الخارجية المهمة ، وهو كذلك جمع بين ولائه الذي لا يتزعزع للدولة وقيادته للمعارضة بأشكال ووسائل مختلفة ... الأمر الذي لا يملك معه أي كاتب سياسي إلا أن يسجل له تحية احترام كبيرة وهو ما أردته من خلال هذه السطور.

- نقلاً عن مجلة " المجله " اللندنيه عدد مارس 2007