قراءة في الجذور الفكرية والدلالات التربوية للحوثية * د. أحمد الدغشي

  د. أحمد محمّد الدغشي – أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك – كلية التربية – جامعة صنعاء محاضرة مقدّمة إلى منتدى الشيخ الأحمر، الإثنين 23 شوال 14230هـ- 12/10/2009م  مقدّمة: غدت الفتنة التي اندلعت شرارتها في 18/6/2004م في صعدة تحت مسمّى الحوثية، واحدة من أعقد التحدّيات التي تواجه النظام السياسي بل المجتمعي في اليمن، ذلك أنه ينطبق عليها وصف الظاهرة المعقّدة، حيث تداخلت فيها جملة عوامل، في بعضها من الارتباط بقدر ما في بعضها الآخر من التناقض، فبقدر التشابك بين عوامل التاريخ والجغرافيا، والاقتصاد والتنمية، والفكر والتربية؛ فإن ثمّة تناقضاً بين الأيديولوجيا والمنافع المتنافرة، وبين البُعد السياسي ومذهبية التسييس، وبين إعلان الاستقلال والتحرّر من ربقة الهيمنة الفكرية والفقهية الوافدة مع الارتباط ببعض القوى والمؤثرات الإقليمية والخارجية وهكذا. ومن هذا المنطلق يصبح تناول أيٍّ من تلك الأبعاد بمنأى عن بقيتها، لمعرفة مدى الاتصال والانفصال بين كل واحدة منها والأخرى؛ تسطيحاً مخلاًّ، واختزالاً لا ينسجم ومنهجية البحث العلمي المفترضة. والواقع أن المشكلة (الحوثية) في جوهرها ومنشئها فكرية تربوية- بصرف النظر عن المآلات التي أفضت إليها تداعيات الفتنة بعد احتدام الصراع العسكري وتفاقمه وانعكاساته المختلفة-، كما أن الأبعاد التربوية للمشكلة انعكاسات تلقائية لطبيعتها. وفي اعتقاد المتحدّث أن المعالجات الفكرية والتربوية المفترضة تمثّل في أهميتها وأولويتها موقع القلب من الجسد، وهو ما يعني أن السعي في تلك المعالجات بمثابة لحمة الحلّ وسداه، وليس في المظاهر العسكرية والإعلامية والسياسية التي تطغى على المشهد اليوم سوى مظاهر أو أعراض ثانوية لتلك الحقيقة.   تعريف الحوثية: وفي ضوء التوصيف السابق يمكن القول: إن أجمع تعريف إجرائي للحوثية هو تعريفها بـ تلك الحركة أو ذلك المنتدى أو التنظيم الفكري التربوي (المدرسي) الذي أعلن عن نفسه في العام 1990م، باسم (الشباب المؤمن)، كإطار تربوي وثقافي في البداية، إذ اقتصر نشاطه في ذلك الحين على تربية الشباب وتأهيلهم بدراسة بعض علوم الشريعة، مع الأنشطة المصاحبة، وفق رؤية مذهبية زيدية غالبة، ثمّ مالبث أن انتقل -بسبب بعض العوامل- إلى تنظيم مسلّح عسكري، بدءاً من منتصف العام 2004م، بحيث صار (الحوثيون) عنواناً له .   الجذور الفكرية للحوثية:  إن الحديث عن الجذور الفكرية للحوثية من شأنه أن يكشف عن مدى تأثير جملة القوى والعوامل ذات الصلة بظهور تلك الظاهرة على ذلك النحو، ومدى تأثّر الحركة الحوثية بذلك، وهو ما يساعد -من ثمّ- على محاولة تلمّس طرق المعالجة الفكرية والتربوية للمشكلة . ويمكن إيجاز جذور الاتجاه الفكري والتربوي للحوثية فيما يلي: أولاً: المكوّن المذهبي الزيدي (الجارودي) ترجع جذور الظاهرة الحوثية في جانبها الفكري والأيديولوجي في مكوّناتها الأساسية إلى اتجاه فكري وتربوي منبثق عن المذهب الزيدي (نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ت: 122هـ)، الذي تمكّن بعض أتباعه من السيطرة الفعلية على بعض المناطق في اليمن، وجعل المذهب الرسمي للحكم فيها هو المذهب الزيدي الهادوي ( نسبة إلى الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين بن القاسم الرسيّ ت: 298هـ) لفترة تزيد عن الألف عام"( محمّد بن إسماعيل العمراني، الزيدية باليمن،ص8هـ-1411هـ-1990م،الطبعة الأولى،صنعاء: مكتبة دار التراث)، بما لايخلو من هيمنة في بعض حقبه لذلك الاتجاه المشار إليه آنفاً، وهو اتحاه  الاتجاه المذهب الجارودي ، ( نسبة إلى أبي الجارود زياد بن أبي زياد، وقال بعضهم: إنه زياد بن المنذر العبدي، ت:150هـ، وقيل 160هـ). والجارودية فرقة تاريخية تمثِّل واحدة من فِرق المذهب الزيدي، وتقترب في جوهرها من الفكر السياسي الإثني عشري، من حيث النتيجة والمآل، إذ ترى "أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- نصّ على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية، فكان هو الإمام من بعده، وأن الناس ضلّوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول – صلى الله عليه وسلّم-، ثم الحسن من بعد علي هو الإمام، ثم الحسين هو الإمام من بعد الحسن"( أبو الحسن علي ابن إسماعيل الأشعري، مقالات الإسلاميين، جـ1، ص 133 (تحقيق: محي الدين عبد الحميد)، 1405هـ-1985م،الطبعة الثانية،د،م:د.ن).  وهنا لابدّ من التأكيد على أن تراث الإمام زيد -وهو المؤسس الأول للزيدية في اليمن- خلو من الزعم باشتراط نسبي أو عائلي أو حتى أفضلية لحصر الخلافة في البيت العلوي، بل يراعي في ذلك مصلحة المسلمين وعدالة الوالي، وإن سمى واقعاً كهذا إمامة المفضول، مراعاة لشرطي الكفاية والعدالة بعيداً عن الافتراضات المثالية "( محمّد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، ص 651، د.ت،د.ط، القاهرة: دار الفكر العربي). وذلك على خلاف الرأي الذي ساد بعد قدوم الإمام الهادي عام 284هـ إلى اليمن للمرة الثانية، وغدا من حينها مؤسس الدولة الزيدية الأولى في اليمن، فبحكمه لبعض مناطق اليمن تبلورت فكرة اشتراط البطنين ( الحسن والحسين) أو الفاطمية للخلافة، وغدت مسلّمة لمن رام في نفسه أهلية للحكم( راجع: -على سبيل المثال- : علي عبد الكريم الفضيل شرف الدين، الزيدية نظرية وتطبيق،ص91 - 117، 1405هـ- 1985م، الطبعة الأولى، عمّان: جمعية عمال المطابع التعاونية). وينص أحد أئمة الهادوية وهو المهدي أحمد بن يحي المرتضى(ت: 840هـ) في أبرز مصدر هادوي معتمد حتى اليوم لدى الزيدية المعاصرة وهو (متن الأزهار) على شرط العلوية والفاطمية بقوله:" ويجب على المسلمين شرعاً نصب إمام مكلّف ذكر حرّ علوي فاطمي ولو عتيقاً لا مدّعِي، سليم الحواس والأطراف ، مجتهد عدل سخيّ، يوضع الحقوق في مواضعها، مدبّر، أكثر رأيه الإصابة، مِقدام، حيث يجوِّز السلامة، لم يتقدّمه مجاب، وطريقها الدعوة، ولا يصحّ إمامان" ( راجع النص في: محمّد بن علي الشوكاني، السيل الجرّار المتدفق على حدائق الأزهار( تحقيق: محمود إبراهيم زايد)، جـ4، 503ص،1405هـ-1985م،الطبعة الأولى الكاملة، بيروت: دار الكتب العلمية). كما عدّ الإمام يحي بن حمزة (ت:749هـ)( وهو من أعدل الزيدية وأكثرهم شهرة بالذب عن الصحابة) واحداً من صفات الزيدي حصره الإمامة في الفاطمية حين عرّف الزيدية ونسبها إلى الإمام زيد ثمّ أعقب ذلك بقوله:" فمن كان على عقيدته في الديانة والقول بالمسائل الإلهية، والقول بالحكمة، والاعتراف بالوعد والوعيد، وحصر الإمامة في الفرقة الفاطمية، والنص في الإمامة على الثلاثة الذين هم علي وولداه وأن طريق الإمامة الدعوة فيمن عداهم، فمن كان مقراً في هذه الأصول فهو زيدي "( يحي بن حمزة، الرسالة الوازعة للمعتدين عن سبّ صحابة سيّد المرسلين، ص51، 1411هـ-1990م، الطبعة الأولى، صنعاء: مكتبة دار التراث).  وهنا لابدّ من التأكيد مرّة أخرى على أن تراث الإمام زيد ومدرسته الفكرية خِلو تماماً من أي قدح أو تجريح يطال كبار الصحابة كأبي بكر وعمر –رضي الله عنهما-، بل إن التحقيق العلمي ليقرّر أنّه مما ثبت عنه واشتهر صحّة ولاية الشيخين ( أبي بكر وعمر)، والتبرؤ ممن نال منهما أو قدح في خلافتهما، وأن ذلك الموقف منه هو سبب انفصال معظم جيشه عنه، حيث لم يقاتل معه ساعة المواجهة مع جيش هشام بن عبد الملك الأموي (ت:125هـ)، سوى مائتين وثمانية عشر رجلاً، مما جعل زيداً يقول: " سبحان الله،أين الناس؟" فقيل: "هم في المسجد محصورون"( راجع-على سبيل المثال: ابن كثير، البداية والنهاية،جـ9،ص328-329،د.ت،د.ط،د.م:د.ن). بل إن بعض المصادر الزيدية المعاصرة لتقرّر – تبعاً لما هو ثابت في أمهات المصادر التاريخية- أن الوصف بالرفض الذي ينزعج منه الشيعة الإمامية المعاصرون قد سنّه الإمام زيد حين اشترط بعض غلاة الشيعة الذين كانوا معه- كي يخرجوا معه ويقاتلوا- أن يتبرأ أولاً من أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما- وحين أبى ذلك، رفضوا القتال معه" فقال لهم اذهبوا فأنتم الروافض، فصارت هذه الكلمة علماً لهم"( علي عبد الكريم الفضيل شرف الدين، مرجع سابق، ص 135 ).  ثانياً: -جذور التشيّع السياسي لا شك لدى المؤرخين أن الفرقة الزيدية المشار إليها آنفاً تمثِّل واحدة من فِرق التشيّع، وإن كان السائد في أدبيات أهل السنّة أنها الأعدل والأكثر قربا،ً من بين فرق الشيعة الأخرى. وإذا غضضنا الطرف عن التراثين الجعفري الإثني عشري الإمامي والزيدي بما فيه الهادوي، من حيث الخلاف الكلّي الشهير بين المذهبين، لتتجه أنظارنا صوب الواقع السياسي - على مدى العقود الثلاثة الماضية تحديداً- فسنلفى قدراً من التقارب الملحوظ، بين فرقة الزيدية الهادوية المعاصرة حيناً، والزيدية الجارودية حيناً آخر، وبين الفرقة الأشهر والأكثر اتساعاً وهي الشيعة الإمامة الجعفرية الإثني عشرية، من خلال أرضية التشيّع، بصرف النظر عن اختلاف طبيعة المذهبين، وفلسفة كل منهما، ومدى قيام توجّه مقصود لدى الطرفين لحدوث ذلك القدر من التقارب . أجل إن مسألة حصر الخلافة أو الإمامة- على سبيل المثال- من المسائل المشتركة بين الفرقتين الكبريين في العالم الإسلامي وهما أهل السنة والجماعة من جهة والجعفرية الإمامية الإثني عشرية من الجهة الأخرى، من حيث عدم الالتفات إلى معايير العدالة والكفاءة والمساواة والحرية من الأساس لدى الإمامية، إذ تعدّها محصورة في اثني عشر إماماً معصوماً، أولهم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-( ت:40هـ)، وآخرهم محمّد بن الحسن العسكري المختفي- حسب اعتقادهم- في سرداب بسامراء العراق، لحين خروجه( يقال إنه ولد: 255هـ، ولا يُعرف تاريخ دقيق لاختفائه)، فيملأ الأرض عدلاً، بعد أن ملئت جوراً، وبذلك فهو المهدي المنتظر عندها، في حين لا يلتفت جمهور فقهاء أهل السنة إلى تلك المعايير إلا بعد توافر شرط القرشية أولاً في الخليفة أو الإمام. لكن سيغدو- في نظر المتحدّث- من قبيل تسطيح الأحداث استنتاج أن الأمر كذلك بالنسبة للزيدية الهادوية المعاصرة – دعك من الجارودية- في سياق الحديث عن تداخل العوامل الداخلية بالخارجية، حين تحصر حق الخلافة أو الحكم في البطنين (الحسني والحسيني)، في ضوء جملة من المعطيات التي تؤكّد قيام علاقة تأثر معاصرة بالفكر الإثني عشري في بعض الجوانب، وأبرزها الجانب السياسي على نحو ما.  وما نريد الخلوص إليه في هذا السياق أن أرضية التشيّع بين المذهبين الجعفري الإمامي الإثني عشري وبين الزيدي الهادوي قد ساعدت على تقارب في الوجهة بين المذهبين في الجانب السياسي ، وإن لم يكن لعامل القصد علاقة بالضرورة في ذلك.  ومع أنه من المقرّرات السائدة في الفكر السياسي الزيدي الهادوي مسألة الحصر في البطنين تلك؛ إلا أن ما يتردّد أحياناً من أحاديث على ألسنة بعض رموز التيار الحوثي أو الذين يعلنون تعاطفهم مع أطاريح الحوثي ومطالبه، ممن يؤكِّد انتسابه إلى المذهب الزيدي، وإصرارهم على أن تلك نظرية تاريخية، وأن الدستور والقانون هما اليوم المرجعان الحاكمان لمسار العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أمر يثلج الصدر حقّاً، بيد أنه لا يستقيم مع تصريحات أكبر تلك الرؤوس وهو المرجع الشيعي الزيدي الأعلى بدر الدين أمير الدين الحوثي (والد حسين) - على سبيل المثال-، حين صرّح بمسألة الحصر تلك،رغم محاولاته- في حوار صحفي شهير- تجنّب ذلك، كلما حوصر بسؤال، لكنه اضطر للإعلان بما يعتقد صحته، ولم يقوَ على المداراة، والتعلّق بأهداب نصوص الدستور والقانون. وحين أبدى مرونة نسبية في إجازة حكم غير الهاشمي وجّه إليه الصحفي سؤاله قائلاً:" أعتبرها فتوى منك، أنه يجوز أن يحكم أيَّأً كان[ هكذا والصواب أيّ كان] ولو من غير آل البيت؟" فأجابه بدر الدين الحوثي بتفصيل ذلك قائلاً :": هناك نوعان، نوع يسمّى الإمامة وهذا خاص بآل البيت، ونوع يسمّى الاحتساب، وهذا يمكن في أي مؤمن عدل،أن يحتسب لدين الله، ويحمي الإسلام ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولو لم يكن من البطنين"، وحين سئل : كيف توفِّق بين هذين النوعين ؟ أجاب:" لايوجد تعارض لأنه إذا انعدم الإمام يكون الاحتساب"( حوار بدر الدين الحوثي مع صحيفة الوسط (اليمنية) ( أجرى الحوار جمال عامر) انظر: موقع الوسط نت،  9 مارس 2005م). إن هذا الحوار يمثّل مصدراً هاماً في معرفة منهجية الفكر السياسي والتربوي الحوثي، إذ يقدّم المرجع الشيعي بدر الدين الحوثي فكرة أقرب ما تكون إلى ولاية الفقيه- وإن لم يقصد حقيقة هذا المدلول وأبعاده ومآلاته بالضرورة- تلك التي أتى بها الإمام الخميني للخروج من السلبية التي ظلت ترزح تحتها الإمامية الإثني عشرية طيلة تاريخها المديد، حيث عطّلت الحياة، فلا إقامة صلاة جمعة، ولا جهاد، في ظل غيبة الإمام (الشرعي) الثاني عشر، فارتأى الخميني أن يخرج نظريته المعروفة بـ( ولاية الفقيه) إلى واقع التطبيق، ليتمكن مذهبه من التفاعل الإيجابي مع الواقع السياسي والاجتماعي ، عوض الانكفاء الداخلي، إلى حين يخرج الإمام الغائب من سردابه، وليس ثمّة تاريخ محدّد لذلك! ومهما يكن في ذلك من معالجة مؤقتة لمشكلة تاريخية ودينية مؤرقة، سواء لأتباع الإثني عشرية أم الهادوية أم الجارودية القائلة بحصر الإمامة في البطنين؛ فإن ذلك لايعدو إجراء استثنائياً لا يغيّر من حقيقة أن الأصل هو الحصر في اثني عشر إماماً عند الإثني عشرية أو البطنين عند الزيدية الهادوية والجارودية، وفي ذلك إشكال حقيقي عبّر عنه العلامة الحوثي بقوله " الانتخاب والديمقراطية طريقة لكن الإمامة طريقة ثانية". بل أجاب في موطن لاحق من الحوار ذاته إجابة ذات دلالة جليّة حين سئل :"أنت كمرجع شيعي موجود : هل تقرّ بشرعية النظام القائم؟" فأجاب:" ما علينا من هذا الكلام لا
تحرجني "( المرجع السابق). والمتحدّث وإن كان لاينازع في أن بعض الاجتهادات التاريخية لدى السنة والشيعية – على حدّ سواء- مما فرضته أحداث أو وقائع تاريخية معيّنة، تدفع الفقهاء الواعين من الفئتين، لأخذ العبرة منها، لا الدعوة إلى إحيائها وإعادتها جَذِِعة اليوم، وكأننا لا نعتبر بأحداث التاريخ ودروسه ، بل لكأنّما نسعى إلى أن يَعتبر بنا الجيل القادم- لاقدّر الله-؛ بيد أن حديث المرجع الزيدي الأعلى عن أمر الولاية بهذا الوضوح والصراحة؛ مما لا يجوز التقليل من شانه، بوصفه مرجعاً دينياً لايصدر أتباعه في أيّ من حركتهم العبادية أو السياسية التي تثير الجدل أو النزاع إلا وقد اطمأنوا إلى موافقته على ذلك. من هنا يتفهم المرء ذلك الحرج البليغ الذي أوقع بدر الدين الحوثي أولاده وأتباعه فيه بعد هذا الحوار، مما دفع ولده عبد الملك ليبعث رسالة إلى رئيس الجمهورية -بعد نشر حوار والده وما أحدثه من تداعيات سلبية على الفكر الحوثي ودعاته أمام الدولة والنخبة وعموم المتابعين حتى من المتعاطفين مع حركته- يؤكّد فيها التزامه وحركته بالنظام الجمهوري والدستور والقانون، وأن ماصدر عن والده في حوار صحيفة الوسط إنما هو حديث عن نظرية زيدية ،دون أن يقصد السعي من وراء ذلك إلى تحقيقها على أرض الواقع، نظراً لخطورة المرحلة. وأبدى استعداده وأتباعه لمد يد السلام والوئام إلى الرئيس( راجع نص رسالته بتاريخ 25\5\2005م في: عادل الأحمدي، الزهر والحجر،
( وثائق)،  ص 373-375، 2006م، الطبعة الثانية، صنعاء: مركز نشوان الحميري للدراسات والنشر). 
 كما نوّه في آخر رسالته إلى أنه- أي عبد الملك- كان قد أرسل تعقيباً على مقالة والده نشرها في صحيفة الوسط ذاتها، بعنوان (المرحلة ليست مرحلة الإمامة) (يمكن مراجعة مقالته في الوسط نت)، لكن محاولة عبد الملك هذه ستصطدم - من جانب آخر- مع حديث شقيقه المؤسّس حسين في إحدى خطبه بيوم الغدير-على سبيل المثال- ، إذ لا يختلف حسين في ذلك عن موقف أبيه – بل إن حديثه ليمثّّل موقفاً أكثر وضوحاً - حيث صرّح في خطبته تلك بأن الحكم في علي ونسله إلى يوم القيامة، وفق نص زعمه ثابتاً عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلّم- في خطبة الغدير ببئر خمّ ، وفي الخطبة تصريح بما يُعرف بـ( نظرية الحق الإلهي) لفئة اختصتها السماء دون سائر الفئات، وفي هذا تقول الرواية المنسوبة –عنده- إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلّم- وليست ثابتة عند أهل السنّة بخلاف جوهر الخطبة، التي ليس فيها من ذلك المدلول قدر يعتمد عليه في منح تلك الأفضلية لسلالة البطنين أو سواهما:  "... اسمعوا وأطيعوا فإن الله مولاكم وعليّ إمامكم، ثم الإمامة في ولده من صُلبه إلى يوم القيامة، لا حلال إلا ما أحلّه الله ورسوله، ولا حرام إلا ما حرّم الله ورسوله..." ( حسين بدر الدّين الحوثي، شريط ( كاسيت)، خطبة الغدير).   كما أن فيها إساءة صريحة شنيعة إلى أول خليفة بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلّم- وهو الخليفة الراشد أبو بكر الصديق – رضي الله عنه- بوصفه مغتصباً لحق إلهي، ليس لأحد خارج البطنين الشريفين ( الحسن والحسين)، وفي هذا ورد نص الرواية التي تبناها حسين الحوثي في خطبته، وفيها:"  معاشر الناس آمنوا بالله ورسوله والكتاب والنور الذي أنزل معه، من قبل أن نطمس وجوهاً، فنردّها على أدبارها، أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت، وكان أمر الله مفعولاً. النور من الله فيّ، ثمّ في عليٍّ، ثمّ في النسل منه إلى القائم المهدي- عليه السلام- . معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار، وأئمة يدعون إلى الجنّة، فمن كان من أئمة أهل البيت – عليهم السلام – الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، والتابعين لهم؛ فهم من الداعين إلى الجنّة، ومن خالف أهل البيت – عليهم السلام – فهم من الدعاة إلى النّار، أولهم خمسة عشر فرعوناً، أولهم أبو بكر وخامسهم يزيد بن معاوية، سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون، وإن الله وأنا بريئان منهم وأنا بريء منهم، إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار، وسيجعلونها ملكاً اغتصاباً، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان، ويرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران" (المرجع السابق).  ثالثاً: التكوين العلمي والفكري الأيديولوجي للمؤسّس من منطلق اعتقاد الفكر الحوثي بمشروعية سياسية خاصة، جاءت نتاج بيئة علمية وتربوية خاصة؛ فإن المؤسّس حسين الحوثي قد عمد إلى محاولة تنشئة أتباعه تنشئة تعتمد على بعض الموروث في الجانب الذي يمنحها تلك المشروعية، وإن لم يُعلن عن ملامح تلك التنشئة وبعض تفصيلاتها إلا في وقت لاحق. بل إن المفارقة لتبدو في كون حسين الحوثي ووالده بدر الدين ورفيق دربه عبد الله الرزامي وآخرين، من أمثال  المؤسس الأول لتنظيم الشباب المؤمن : محمّد سالم عزان كانوا يداً واحدة -حسب رواية الأخير - بداية الأمر، تجاه بعض الأفكار المتشدّدة المنصوص عليها في بعض الموروث، غير أنها كانت محلّ نقد وتحفّظ من قبل المرجع الشيعي الأعلى مجد الدين المؤيدي(ت:18\9\2007م)،مما جعلهم جميعاً يسعون إلى إقناعه لرفع ذلك العتب والتحفظ عن مناهجهم الجديدة بعد أن راجعها وصادق عليها بدر الدين الحوثي ( حوار محمد يحيى سالم عزّان مع صحيفة 26 سبتمبر، في  15مارس - آذار (2007 ( www.26sep.net/ncat.php?do=newindex&catid=4&page=7 - 67k لكن سرعان ما نشب خلاف بعد ذلك بين طرفين أحدهما يتزعمه حسين الحوثي والآخر يتزعمه محمد سالم عزان . وفي هذا يقول الأخير: " والخلاف كان بين خطّين: خط يؤيد الانفتاح على الآخر والحوار والتجديد في الفكر
وهذا كان يمثله 4 من الإدارة وأنا منهم، والخط الآخر يميل إلى إعادة استهلاك
الموضوع الثقافي والفكري والتركيز على القضايا التقليدية القديمة، وفي ظل هذا
الخلاف والتوتر قالوا لا بد من توسيع الإدارة، ويومها انضموا إلينا مجموعة ومن
ضمنهم حسين بدر الدين الحوثي" (حوار عزان مع صحيفة الناس، أجرى الحوار عبد الباسط القاعدي في  9 \إبريل-نيسان 2007م، وانظره كاملا في: مأرب بريس http://marebpress.net/articles.php?id=1501
). 
ويصف عزان حسين الحوثي بأنه كان فرداً عادياً في إطار منتدى الشباب المؤمن الذي تأسس عام 1990م، "
كأي فرد، ولم يكن عضواً في التنظيم حتى عام 2000م، ففي 99م جاء حسين بدر الدين من
السودان في ظل ظروف وملابسات معيّنة، وكان هناك توسع في المراكز. وقد ظهرت بعض
الخلافات حينها. وكان هناك رأي بتوسيع دائرة الإدارة وكانت مكونة من 6 أشخاص هم
:محمد بدر الدين الحوثي، عبد الكريم جدبان، علي أحمد الرازحي، صالح أحمد هبرة، أحمد
محمد الهادي، محمد يحيى سالم عزان"( حوار عزان مع الناس، المرجع السابق)."كما يصفه بأنه كان من التقليديين" ( المرجع السابق).  ومنذ العام 1999 بدأت" المراكز تصنف إلى فريق معتدل وفريق تقليدي، حتى داخل المركز الواحد كان
هناك تصنيف على هذا الأساس. وفي عام 2000م انفصلت المراكز وبدأ الاستقلال واستمرينا
[ هكذا والصواب واستمررنا] على أهداف وأدبيات الشباب المؤمن، بينما حسين بدر الدين والآخرون الذين انضموا إليه
واصلوا في الجهة الأخرى، غيّروا الأهداف" .
( المرجع نفسه).
    ويبدو أن أحد الأسباب الجوهرية  لتلك الروح الثورية المتمرّدة النازعة إلى فرض رأيها بعنف على نحو ما؛ يعود إلى أن جزءاً لا يتجزأ من تكوين حسين الحوثي الفكري والتربوي والسياسي نابع في الأساس من الفكر السياسي التربوي الزيدي الذي يعدّ الأصل الخامس عنده هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مستلزمات الإيمان به الرفض والتمرّد والعصيان بل المحاربة والثأر على كل حاكم يُعتقد فسقه وفساده(علي عبد الكريم الفضيل شرف الدين،مرجع سابق، ص89-91 91). ولعل من مظاهر ذلك -على سبيل المثال- ما ورد في سياق حديث حسين الحوثي - عمّا وصفه بمحاولات تعميم وزارة الأوقاف والإرشاد (اليمنية) لثقافة طاعة ولي الأمر أيًا ما كان مسلكه( راجع: ملزمة دروس من هدي القرآن: الثقافة القرآنية، ص 19-22، مرجع سابق، والصرخة في وجه المستكبرين،ص6، مرجع سابق). لكن يُلاحظ أن ذلك الموقف المتمرّد الرافض لم يقتصر على الموقف من الحاكم، بل انسحب حتى الآخر الفكري والفقهي – كما سيتضح لاحقاً- . لقد أضحى الرجل صاحب حضور لافت في بيئته وخارجها، لأسباب مختلفة لعل في مقدّمتها تلك النزعة الثورية المتمرّدة، في واقع اجتماعي وسياسي بائس . هذا عدا امتلاكه خطاباً جذّاباً في أسلوبه، غير معهود –عادة- في الأوساط التقليدية، وفي مثل بيئته بوجه خاص؛ فقد غدت شخصيته (كارزمية)، ومن يتابع أطاريحه الشفهية – على سبيل المثال- لا يمكنه إلا أن يقرّ أن الرجل يأسر الفرد العادي بخطابه، إذ يسعى حثيثاً بكل الأساليب الممكنة للإقناع بفكرته، وفق منهج علمي- أيّاً اختلف معه المرء أو اتفق- مستخدماً أسلوب المثال والاستشهاد والمقارنة ، ومعمّداً لذلك كلّه بشعاره المصيري ( الله أكبر، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) . ومما يستوقف الباحث في فلسفة التربية الحوثية -بوجه خاص- مدى التمكّن التربوي الأيديولوجي الذي استطاع حسين الحوثي أن يزرعه في نفو،س أتباعه حتى إن الأخبار التي كانت ترد من أرض المعارك لتفيد بأنهم كانوا في البداية- على وجه التحديد- لايفرّون من المعركة، ويستقبلون الموت بصدر رحب، اعتقاداً منهم بالوعد (المقدّس) والنصر الأكيد. كما أنهم كانوا يرفضون الموافقة على أيّة رؤية أو فكرة تطرح من بعض المرجعيات الزيدية العليا التي سعت عبر ما عُرف بلجنة الحوار التي قادها القاضي حمود الهتار مع المعتقلين في السجون الأمنية، لثني أولئك الشباب عن أفكارهم (الحوثية)، وعبثاً حاولت، إذ كانت الأيديولوجيا الحوثية قد تغلغلت في أعماقهم، بحيث كان لسان المقال– بحسب بعض رواية أعضاء لجنة الحوار - يردّ على كل تلك المرجعيات بالقول:( لانتراجع حتى يأذن لنا سِيدي حسين) أو نحو ذلك !. هذا مع الإشارة إلى أن جانباً من تلك الحوارات وإجابات الحوثيين قد تمت بعد مقتل زعيمهم حسين الحوثي، غير أن بعضهم كان يشكّك بحقيقة ذلك، والأغرب أ ن أباه بدر الدين يشارك أولئك المتشكّكين تشككهم  (راجع ختام حوار صحيفة الوسط مع بدر الدين الحوثي، مرجع سابق)، كما رفض أيّ من المعتقلين الموافقة على الخروج من السجن بناء على تعهّد يضمن للجهات الأمنية، عدم قيامهم بترديد الشعار الحوثي الشهير( الله أكبر...الموت لأمريكا... ). رابعاً : الموقف الفكري من الآخر  وواضح لمن يتتبع خطاب حسين الحوثي بعد تلك المرحلة (مابعد 2000م) أن هذا التغيير الذي أشار إليه عزان في المكوّن الفكري السابق قد شمل التكوين الكلي بأبعاده النفسية والتربوية والفكرية والسياسية، لشخصية حسين الحوثي، إذ لم يعد مقلّداً للمذهب الزيدي، ولا متابعاً تقليدياً لآراء فقهائه، كما لايمكن – في الوقت ذاته- استنتاج أنه غدا نسخة مستعارة من الفكر الإثني عشري الجعفري- كما يتردّد في الوسط السنّي كثيراً- بل غدا خطابه الفكري الموجّه نحو أتباعه ذا روح انتقائية ثورية متمرّدة، بل إقصائية للآخر القريب أحياناً، إذ تبدأ من نقد الآخر المذهبي كأهل السنة عامة(انظر: حسين الحوثي ملزمة دروس من هدي القرآن: الثقافة القرآنية، ص 20، بتاريخ 4/8/2002م، أعدّها ضيف الله صالح أبو غيدنة)، ووصفهم بأنهم جميعاً لايخيفون اليهود، بل الشيعة من يفعل ذلك، (حسين الحوثي،ملزمة الصرخة في وجه المستكبرين، ص5-6، بتاريخ 17\1\2002م، أعدّها ضيف الله صالح أبو غيدنة) أو الوهابية –كما يصفها-(المرجع السابق، ص17) أو ابن تيمية من القدماء، (انظر: حسين الحوثي: شريط(1) من معرفة الله ، الدرسان الثاني والثالث) أوالألباني والفوزان (انظر: حسين الحوثي ملزمة دروس من هدي القرآن: الثقافة القرآنية، ص 17، مرجع سابق) والزنداني من المعاصرين( انظر:حسين الحوثي، ملزمة دروس من هدي القرآن الكريم: الصرخة في وجه المستكبرين،ص8، مرجع سابق ) إلى نقد المذهب الزيدي بل اتهام الزيدية -ولا سيما المعاصرة منها- بأنها لاتقل سوءاً عن (المجبِرة) في باب تأويل بعض آيات الصفات( راجع حسين الحوثي، شريط : لقاء مع المعلّمين في 26 و28\5\2003م ، وشريط الزيدية والإمامية (2)د.ت ). وفي حين أشاد بتعلّم اللغة العربية لمعرفة القرآن الكريم؛ فإنه قد شن حملة شعواء على علمي أصول الفقه، وعلم الكلام، حيث نفى أن تكون معرفة القرآن متوقفة على أصول الفقه، بل وصفه بأنه "فنٌ يضرب القرآن ضربة قاضية، يضرب القرآن ضربة شديدة، يضرب فطرتك، يضرب توجهك نحو القرآن، يضع مقاييس غير صحيحة، تدخل إلى القرآن والقرآن بشكل آخر؛ ولهذا نجد أنفسنا كيف أن القرآن لم يعمل عمله فينا، لم يستطع القرآن، لأننا وضعنا عوائق أمام فهمنا لـه ، أمام اهتدائنا به، أشياء كثيرة حالت بيننا وبين أن نفهمه، وبالتالي قتلناه، وأصبحنا أمة ميتة، أصبحنا أمة ميتة ، أسأنا إلى أنفسنا ، وأسأنا إلى القرآن الذي هو أعظم نعمة من الله علينا"( انظر: حسين الحوثي ملزمة دروس من هدي القرآن: الثقافة القرآنية، ص 17، مرجع سابق).  امّا علم الكلام( القواعد العقلية في معرفة العقيدة) فنجده يشنّع عليه أبلغ تشنيع، لأن علماءه- من وجهة نظره- لم يعتمدوا القرآن والفطرة في دراستهم للعقيدة، بل اعتمدوا الفلسفات اليونانية، فتجدهم يعانون من ضعف الخشية لله. ونقل عن القاسم بن إبراهيم( أحد أئمة الزيدية) قوله:" ما خشع متكلّم لله". كما ضرب المثال في ذلك بابن تيمية الذي اعترف بغزارة علمه ومعرفته الواسعة، لكن إغفاله الأسس القرآنية في دراسة التوحيد، وتأثره بثقافة معيّنة، وبسبب عدم اعتماده على مطلوب القرآن الكريم، وبسبب الضعف في تحقيق لإله إلا الله، جعله يخرج بآراء وصفها بالغريبة الشاذة( حسين الحوثي، شريط من معرفة الله، الدرس (3) رقم (1)، و شريط : من هدي القرآن، معرفة الله، الدرس الثاني، شريط رقم(1) ).   إن هذه الروح المتمرّدة في خطاب الحوثي يمكن أن تُعزى – في تصوّر المتحدّث - إلى سبب جوهري يتمثّل في كونها مخرجاً تلقائياً للتربية الزيدية الهادوية الأولى، تلك التي تعلي من قيمة النظر العقلي، وتمنح المرء الحق في الاجتهاد إذا ما بلغ الرتبة التي تؤهله لذلك، ولعل حسين الحوثي قد رأى في نفسه أهلاً للاجتهاد ، والخروج- من ثمّ- عن بعض الآراء السائدة في المذهب الزيدي ، ولكن بما لا يخلو بعنف وخشونة، جلبت عليه سخط أبرز علماء مذهبه الأصلي ، حيث حذّر أشهر رموزه في ختام بيان أصدروه بهذا الشأن، ويحمل أسماءهم وتوقيعاتهم مما وصفوه بـ" ضلالات المذكور( أي حسين الحوثي) وأتباعه، وعدم الاغترار بأقواله وأفعاله،التي لا تمت إلى أهل البيت وإلى المذهب الزيدي بصلة، وأنه لا يجوز الإصغاء إلى تلك البدع والضلالات ولا التأييد لها، ولا الرضا بها، ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، وهذا براءة للذمّة، وتخلّص أمام الله من واجب التبليغ"  (راجع – على سبيل المثال- بيان من علماء الزيدية(هذا بلاغ للناس ولينذروا به)، منشور ة نسخة منه، ضمن وثائق كتاب الزهر والحجر، مرجع سابق، ص 349، كما هو بنصّه في: عبد الله الصنعاني، خلفية الفكر الحوثي ومؤشِّر الاتجاه،جـ2، ص 85-87،1427هـ-2006م،الطبعة ألأولى، القاهرة: دار الأمل ). ومع أن الأمين العام الأسبق لتنظيم الشباب المؤمن محمّد سالم عزّان الذي اختلف مع وجهة الحوثي وافترقا إلى طرفين –كما تقدّم- يقرّ أن هذه الجماعة تنتمي في الجملة إلى الزيدية، إلا أنّه يشايع بيان علماء الزيدية السابق حين قال في حوار صحفي " ...ولكن الأفكار التي قامت الفتنة على أساسها غريبة على مذهب الزيدية، ولذلك لم يُقرها علماء الزيدية، ولم يشاركوا فيها، بل حذروا منها ونصحوا بتجنبها"( حوار محمد يحيى سالم عزّان مع صحيفة 26 سبتمبر، مرجع سابق). وإذا كان ذلك فيما يتصّل بالموقف من الآخر القريب، أي فيما يتصل بالاجتهادات الفكرية والفقهية المخالفة لاتجاهه وضيقه بها حتّى في إطار المذهب الزيدي ذاته؛ فيظهر بوضوح أكبر أن موقفه من الآخر البعيد( غير المسلم ولاسيما من أهل الكتاب: اليهود والنصارى)؛ لا يختلف من حيث مبدأ الرفض والإقصاء. وباندلاع المواجهة بين الحوثيين والسلطة برزت مسألة اليهود اليمنيين في صعدة إلى الواجهة، في بعض تلك المناطق، التي بدأ فيها أنصار التيار الحوثي يسيطرون على الأوضاع هناك، حيث أقدم مجموعة من الحوثيين على طرد سبع أسر يهودية تضم خمسة وأربعين فرداً من مساكنهم بمنطقة الحيد وغرير بآل سالم مديرية كتاف بمحافظة صعدة، بعد اتهامها بنشر الرذيلة في المنطقة. وبحسب مصادر صحافية فإن مصدراً من اليهود اليمنيين النازحين إلى مدينة صعده قد أفاد أنهم تلقّوا بلاغاً خطياً من أنصار الحوثي يطلب منهم الرحيل فوراً، ويحذرهم من تجاهل هذا البلاغ الذي حددوه بـ10 أيام فقط، وأنهم إن وجدوا واحداً منهم بالمنطقة بعد انقضاء المدة فإنهم سيندمون جميعاً (محمد الخامري، موقع إيلاف www.elaph.com/ElaphWeb/AkhbarKhasa/2007/1/207376.htm -  48k ) . وكانت الرسالة التي تلقاها اليهود من أنصار الحوثي " أكدت أنه بعد المتابعة والمراقبة الدقيقة لتلك "العائلات" ظهر جلياً في الأيام الأخيرة قيامهم بأعمال تخدم الصهيونية التي تسعى جاهدة لإفساد الناس وتجريدهم عن مبادئهم وقيمهم وأخلاقهم وبث الرذيلة .. وديننا الإسلامي يأمرنا بمحاربة المفسدين ونفيهم من الأرض ، وأكدت الرسالة على أن الإفساد هو دين اليهود وليس غريباً في حقهم فتاريخهم وحاضرهم يشهد بذلك (المرجع السابق). وحاول مصدر مقرب من القائد الميداني لتنظيم الشباب المؤمن (أتباع الحوثي) أن يبرّر جانباً من ذلك الإجراء بأن احد أفراد الأسر اليهودية التي تم طردها مؤخراً من منطقة آل سالم بمحافظة صعده كان قد خرج من اليمن مؤخراً وشارك في الحرب التي شنتها القوات الإسرائيلية على لبنان أواخر العام 2006م، ولقي مصرعه أثناء الحرب ، مشيراً إلى أن يهود "آل سالم" قاموا بإقامة مراسيم العزاء الذي استمر لعدة أيام في المنطقة. وأضاف المصدر: إن قضية طرد اليهود من آل سالم قضية قبلية تم البت فيها من قبل مشائخ وعقال ووجهاء آل سالم الذين اجتمعوا وقرروا نبذهم ومطالبتهم بالخروج من منطقتهم لأنهم في حكم العرف القبلي اليمني "جار" وهو وصف يُطلق على من ليس من أصل القبيلة وله كافة الحقوق في ممارسة حياته الطبيعية بشكل كامل باستثناء ما يخل بعادات وأعراف وتقاليد القبيلة ، وهو الأمر الذي حدث مع مجموعة من يهود آل سالم "وليس كلهم" حيث قام عدد منهم بينهم "يحي بن يوسف" وآخر يدعى "هارون" بتوزيع أفلام جنسية وإباحية وإحضار الخمور وتعاطيها في المنطقة إلى غير ذلك من الأمور المخلة بالآداب والأخلاقيات العامة والتي تتنافى مع عادات وتقاليد القبيلة اليمنية وبالتالي تم طردهم من المنطقة. وأشار المصدر إلى أن المطرودين من يهود آل سالم عددٌ قليل من الأفراد وهم الذين قاموا بتلك الممارسات المخلة فقط، وإن الذين خرجوا معهم من الأفراد والأسر إنما خرجوا تعاطفاً معهم، وليس لأنهم ممن شملهم قرار الإبعاد والطرد، مؤكداً أن الموضوع لم يخرج من إطار القبيلة، وأن تنظيم الشباب المؤمن الذي بارك قرار مشائخ القبيلة ورأى فيه قراراً شجاعاً وحكيماً وحاسماُ حفاظاً على الأعراف والآداب والأخلاق الإنسانية السامية وأن ما فعله مشائخ المنطقة هو عين الصواب ، ليس له دخل لا من قريب ولا من بعيد في اتخاذ هذا القرار (المرجع السابق) . وإذا كانت تلك التداعيات لذلك المسلك فإن تفسير الجانب الحوثي، لما أقدم عليه يختلف مع تفسير الأمين العام الأسبق لتنظيم الشباب المؤمن السيّد محمد سالم عزان، الذي أعلن اختلافه مع الحوثي في الفكر والمنهج بعد اندلاع العمليات المسلّحة، واعتقاله من قبل السلطات الأمنية لفترة عام كامل إلى تفسير مختلف، مجيباً على سؤال بهذا الخصوص بأنهم يريدون أن يبرهنوا للعامة أنهم يحاربون اليهود فيكسبون بذلك سمعة، ولم يعلموا أنهم مواطنون كغيرهم لهم حقوق وعليهم واجبات، فرضها الدين وكفلها الدستور. ومن البلاء أن هؤلاء لا يدركون خطورة ما يفعلون سواء في التضييق على المواطنين أو التسبب في إقلاق المجتمع وتشريد الناس وقطع أرزاقهم وتخويفهم( حوار عزان مع صحيفة 26 سبتمبر، مرجع سابق). وكان الرئيس علي عبد الله صالح قد اشترط في 4\2\2007م ثماني نقاط لعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل اندلاع شرارة الفتنة هناك ومن بينها البند الرابع الذي ينص على " عودة اليهود من المواطنين اليمنيين إلى قراهم آمنين مطمئنين " (شاكر الجوهري، موقع المؤتمر نت، وثائق تكشف حقيقة أهداف الفتنة في صعدة , 2-يونيو-2007م).  وقد بدا لي أن ثمة إشكالاً منهجياً وفكرياً في الفكر الحوثي والتنشئة التربوية تجاه طبيعة الخلاف مع غير المسلمين، وبالأخص اليهود، إذ يبدوأن ثمّة ازدراءً أصلياً لجنس اليهود في الفكر الحوثي، بحيث لا يميّز بين اختلاف المسلم مع معتقداتهم وبين ضرورة العدل معهم، وعدم ظلمهم، في ظل سيادة الإسلام، وأنهم ليسوا سواء في خصومتهم، ثم ضرورة إدراك أن ثمّة اختلافاً بين أهل الكتاب والمشركين أو الملحدين أو الوثنيين ، كما علّمنا القرآن الكريم ذلك في مخاطبتنا لهم - وليس هذا مقام التفصيل-( يمكن مراجعة، أحمد محمّد الدغشي، صورة الآخر في فلسفة التربية الإسلامية،1425هـ- 2004م، الطبعة الأولى،الرياض: وزارة التربية والتعليم)، لكن ذلك أمر غير قائم - مع الأسف- لدى الفكر التربوي الحوثي، بل ثمة استخفاف بمن يقول مثل ذلك . وهاهو ذا حسين الحوثي يعدّ أن من أبرز ما يؤخذ على الفكر السنّي أنهم يعاملون اليهود معاملة تختلف عن معاملة المشركين إذ يقول:" معلوم أن اليهود والنصارى درجة ثانية عند أهل السنة هم لا يصنِّفونهم كمشركين كما نصنِّفُهم، يعتبرون أنهم فوق الكافرين، لا زالوا أحسن من الكفار، ويعتبر اليهود والنصارى عند كثير من المسلمين لا يزالوا [هكذا والصواب لايزالون] أحسن من الكفار ، أهل الكتاب وضعية أحسن، فإذا كان قد جَوَّزَتْ وسوَّغَتْ لي تلك الملزمة أن أعيش في ظل الكفر الصريح فبالأولى في ظل اليهودي فسيحكمنا اليهودي ونحن لا نشعر بحرج، أقول: لماذا يحكمنا؟. قالوا: نحن لا نستطيع أن نعمل ضده شيئاً..." ( حسين الحوثي، ملزمة الثقافة القرآنية، في 4\8\2002م، ص 20-21،صعدة، أعدّها ضيف الله صالح أبو غيدنة). ونراه يرجع كل مصيبة داخلية أو خارجية إلى اليهود، بل يعتقد أن منهج النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلّم- هو معاداتهم بالمطلق دون النظر في الأسباب والملابسات التي اضطرته لانتهاج ذلك المسلك مع بعضهم. يقول حسين الحوثي:" الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) ضرب اليهود في كل الأماكن التي كانوا متواجدين فيها في الجزيرة العربية بنو قريظه، بنو النضير، وقينقاع، وخيبر، وغيرها من المناطق، منهم من طردهم ومنهم من قتلهم ،قضى على اليهود، وتحدث القرآن عن خطورة اليهود وأنهم يسعون في الأرض فساداً ،وأنهم يصدون عن دين الله ، وأنهم يريدون أن يضلوا الناس ،وأنهم يريدون أن يحولوا الناس إلى كفار ،وأنهم وأنهم ..الخ. إذاً فمن الذي يتحمل مسئولية يوقف اليهود عند حدودهم حتى لا يملئوا الأرض بالفساد؟. هم المسلمون هم العرب ، العرب بالذات هم الذين كان يُراد منهم أن لا يفسحوا المجال أمام اليهود ليفسدوا البشرية كلها ،أن يسبقوا هم بنور الإسلام إلى بقاع الدنيا قبل أن يسبق اليهود بفسادهم في الدنيا كلها، إذاً فكل فساد جاء من قِبَل اليهود في الدنيا كلها العرب شركاء معهم فيه؛ لأنهم قصروا ،وهم مَن أفسحوا المجال بتفريطهم في مسئوليتهم بالنهوض بدين الله حتى تمكن اليهود من أن يسيطروا في العالم ويفسدوا العالم ،ثم يهيمنوا على المسلمين، ثم يستذلون المسلمين يستذلون العرب. وهكذا وجدنا أنفسنا نحن المسلمين نحن العرب ـ وللأسف الشديد ـ تحت أقدام اليهود والنصارى". (حسين الحوثي، ملزمة لاعذر للجميع أمام الله، مرجع سابق، ص 6).  إن شعار الحوثية (المقدّس) (الله اكبر ، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)؛ ليؤكّد المنطلق الفكري التربوي الذي تنطلق منه الذهنية الحوثية تجاه الآخر البعيد، رغم أننا لا نعلم نصّاً في القرآن الكريم أو السنة المطهرة، يدعو إلى تبنّي ذلك الشعار، أو الاستماتة في سبيله، على ذلك النحو، بل إن المتحدّث – شخصياً- ليتحفّظ على جملة (اللعنة على اليهود) فذلك تعدٍّ لا يجوز مشايعته، إذ اليهود ليسوا جميعهم- خارج فلسطين- أعداء محاربين، ففيهم الذمِّي، وفيهم المستأمِن، والنهي إنما ورد في حق المعتدين الظالمين المحاربين، أمّا من عداهم فلا بدّ من البرّ بهم والإقساط إليهم:  { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ، ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون }  [الم