وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر *صحيفة إيلاف

يُصادف اليوم (الثلاثاء) 29/12/2009م الذكرى الثانية لرحيل حيكم اليمن ووجيهها المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين بن ناصر بن مبخوت بن صالح بن مصلح بن قاسم بن علي بن قاسم الأحمر العصيمي الحاشدي الهمداني الكهلاني القحطاني..

والمرحوم باذن الله تعالى يُعد أحد أهم الرموز السياسية في اليمن ورئيس قبيلة حاشد كبرى القبائل اليمنية، وهو من الشخصيات الأساسية التي أسهمت في تشكيل أحداث اليمن خلال الـ50 عاما الماضية.

ولد في شعبان 1351هـ الموافق 1933 ميلادية في حصن حبور بمنطقة ظليمة حاشد في أسرة ذات تاريخ عريق، برزت فيها أسماء آبائه من شيوخ قبيلة حاشد بما لهم من أدوار مهمة في التاريخ اليمني المعاصر.

تلقى دراسته الأولية في كتّاب صغير بجوار مسجد حصن حبور على يد أحد الفقهاء، فتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم ومبادئ الدين والعبادات الإسلامية، ثم شارك منذ وقت مبكر من شبابه في الإشراف على أمور أسرته وقبيلته.

كان والده الشيخ حسين بن ناصر الأحمر منشغلاً دائماً مع الإمامين السابقين يحيى حميد الدين وابنه أحمد يحيى حميد الدين، فيما كان شقيقه الأكبر حميد بن حسين الأحمر رهينة لدى الإمام عن أسرة آل الأحمر.. ولذلك آلت مسئولية الإشراف على شؤون العائلة إلى الشيخ الشاب عبدالله بن حسين الأحمر الذي تولى الإشراف على الأمور الخاصة في منزل الأسرة والممتلكات الزراعية الخاصة بها مثل متابعة العمال والرعاة والعناية بالمواشي، واستقبال الضيوف، واقتضت هذه المسئوليات أن يتنقل في مناطق أخرى في بلاد العصيمات وغيرها في لواء حجة للإشراف على ممتلكاتهم وأراضيهم فيها.

تعرض والده الشيخ حسين بن ناصر الأحمر إلى التضييق والحبس من قبل الإمام أحمد بسبب شكوك في أن الشيخ حسين الأحمر كان له موقف مؤيد للأحرار الذين ثاروا ضد الإمام يحيى حميد الدين في ثورة الدستور 1948م.. فيما كان شقيقه محبوساً في حجة في الفترة نفسها، وقد قضى الشيخ عبد الله ثلاث سنوات وهو يبذل جهوده لدى الإمام في تعز لإطلاق سراح والده وشقيقه، فظل سنة كاملة يبذل الجهود لإطلاق سراح والده والسماح له بزيارة أسرته وقريته ثم قضى سنة ثانية سجيناً لدى الإمام بدلاً عن والده حتى يعود ثم قضى سنة ثالثة بذل ما في وسعه لإطلاق سراح شقيقه الأكبر حتى نجح في إقناع الإمام بالسماح له ببضعة أشهر فقط يعود فيها الشيخ حميد بن حسين الأحمر إلى مسقط رأسه للزواج ثم العودة إلى سجن الإمام وسافر الإمام أحمد إلى روما للعلاج.

وفي نهاية الخمسينيات وبعد سفر الإمام إلى روما تصاعد الرفض الشعبي ضد الإمام أحمد حميد الدين، وقاد الشيخ حسين بن ناصر الأحمر وابنه الشيخ حميد تحركات وطنية للقبائل المتحمسة للتخلص من الإمام، لكن الإمام أحمد وبعد عودته من رحلته العلاجية ألقى خطاباً تهديداً في الحديدة وأقسم أنه لن يدع أحمر ولا أخضر إلا وأحرقه وقد نجح باستخدام أساليب ملتوية في إلقاء القبض على الشيخ حسين الأحمر بعد أن أعطاه الأمان ثم ألقى القبض على الشيخ حميد في الجوف بعد أن سلم نفسه في وجه بيت الضمين وقد تم إرساله إلى الحديدة على طائرة خاصة ليعدم بعد ذلك في حجة، وبعد أسبوعين تم إعدام والده الشيخ حسين بن ناصر الأحمر كذلك في حجة، وكان الإمام قد أرسل قبل اعتقال الشيخين حملة عسكرية على قبيلة (حاشد) ومنازل آل الأحمر وممتلكاتهم عاثت فيها خراباً ودماراً واعتقلت بعض مشائخ حاشد.

وفي أثناء تلك الحوادث المأساوية المتتابعة كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر موجوداً في الحديدة بعد أن أرسله والده لتهنئة الإمام أحمد بعودته من رحلة العلاج من إيطاليا، ومكث في مقام الإمام في (السخنة) يحضر المقابلات والاحتفالات الرسمية وبعدما غدر الإمام احمد بوالده اعتقل الشيخ عبدالله في الحديدة بعد أن تم إحضاره من السخنة بحجة الالتقاء بوالده وبعد أحد عشر يوماً من الاعتقال في سجن الحديدة تم ترحيله إلى سجن المحابشة والذي مكث فيه ثلاث سنوات حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.

قامت ثورة سبتمبر 1962م والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ما يزال في سجن المحابشة، وعند سماعه الخبر بدأ تحركاته لكسب ولاء المواطنين والجنود للثورة، وفي عصر اليوم نفسه أرسل قائد ثورة سبتمبر المشير عبد الله السلال برقية إلى عامل المحابشة آنذاك وجه فيها بإطلاق سراح الشيخ عبدالله والسماح له بالتوجه إلى صنعاء في أسرع وقت ممكن.

وفي اليوم الثاني لقيام الثورة توجه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بصحبة عدد من الجنود والشخصيات الذين كسب تأييدهم للثورة إلى منطقة (عبس) حيث قضوا ساعات في ضيافة القبائل ثم اتجهوا إلى الحديدة ووصلوها يوم السبت، وفي يوم الأحد- الرابع من عمر الثورة- وصل الشيخ إلى صنعاء واستقبله قادة الثورة في مقر مجلس قيادة الثورة وتم تكليفه بسرعة التوجه إلى المناطق الشمالية الغربية لمطاردة الإمام المخلوع محمد البدر وإلقاء القبض عليه.

ومنذ ذلك اليوم قاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر قبائل حاشد في معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية دون هوادة ولا توقف ولا تأثر بالظروف السياسية المتقلبة في صنعاء حتى انتهت المعارك في يناير 1970م.

أسهم الشيخ عبد الله بين حسين الأحمر رحمه الله إسهاماً كبيراً في الإعداد والتنفيذ لحركة 5 نوفمبر التصحيحية 1967م التي أنقذت ثورة سبتمبر من الانهيار وفتحت الطريق أمام الانتصار والسلام، كما كان له دور بارز في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية التي تعرضت لها الثورة والجمهورية ولاسيما في مواجهة حصار السبعين يوماً الذي تعرضت له صنعاء عاصمة الثورة والجمهورية،وبذل جهودا كبيرة في التواصل مع القبائل المغرر بها بالدعايات الملكية وإقناعها بالثورة والجمهورية، وكسب ولائها لهما، وفي الداخل أسهم الشيخ عبدالله بقوة في مواجهة الجموح اليساري الذي أراد أن يصبغ الثورة والجمهورية بأفكاره ومبادئه المتطرفة المعادية لروح الدين الإسلامي.

وفي عام 1969م انتخب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيساً للمجلس الوطني للجمهورية العربية اليمنية الذي تولى صياغة الدستور الدائم للبلاد، وتأسيس قاعدة الشورى التي يقوم عليها النظام الجمهوري باعتبار الشورى أهم أهداف الثورة اليمنية التي جاهد من أجلها العلماء والمشائخ والمثقفون عبر أجيال طويلة.

وفي عام 1970م تم انتخابه رئيساً لمجلس الشورى في الجمهورية العربية اليمنية والذي جسد تجربة شوروية ديمقراطية متقدمة في ذلك الحين مقارنة بظروف التخلف والفقر التي كانت تعاني منها البلاد، وظل المجلس يقوم بواجبه حتى تم تعليق العمل بالدستور الدائم وإغلاق المجلس عام 1975م.

كان الشيخ عبدالله من أبرز المنتقدين لسوء إدارة الدولة وانتشار مظاهر الضعف في مواجهة الفساد الإداري والمالي وعمليات التخريب الدموية التي نشرت الخوف والرعب في صفوف المواطنين وبددت ثقتهم بالدولة في عهد القاضي عبد الرحمن الإرياني ولاسيما في السنوات الأخيرة.

وافق الشيخ عبدالله على عملية انتقال السلطة سلمياً التي قام بها المقدم إبراهيم الحمدي في 13 يونيو 1974م بعد استفحال الأزمة السياسية في البلاد ودعم العهد الجديد باعتباره فترة انتقالية يتم فيها إنقاذ البلاد من السلبيات التي كانت تعاني منها ولاسيما في المجالين الأمني والاقتصادي ولكن البلاد سرعان ما دخلت في مرحلة جديدة من التوتر السياسي بسبب النزوع الفردي والرغبة في الاستفراد بالسلطة والتسويف في إعادة الحياة الدستورية.

عند تأسيس المجلس الاستشاري عام 1979 عين الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر عضواً فيه، كما عين عضواً في اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه عام 1982م حتى قيام الوحدة عام 1990م.

وعقب قيام دولة الوحدة، وإقرار التعددية السياسية والحزبية تبنى الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الدعوة إلى تأسيس (التجمع اليمني للإصلاح) الذي ضم العلماء والمشائخ والمثقفين ورجال الأعمال والشباب والنساء من مختلف المناطق اليمنية من المهرة حتى صعده، واختير رحمه الله رئيساً للهيئة العليا التحضيرية التي تولت مهام تأسيس الإصلاح في كل المحافظات اليمنية وقيادة التجمع حتى انعقاد المؤتمر العام الأول للتجمع اليمني للإصلاح في سبتمبر 1994م.

حاز الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر على ثقة المواطنين في دائرته الانتخابية في الانتخابات النيابية في أبريل 1993م وانتخب في 15/5/1993م رئيساً لأول مجلس منتخب للنواب في ظل الجمهورية اليمنية وأعيد انتخابه في 18/5/1997م للمرة الثانية رئيساً لمجلس النواب وأعيد انتخابه في 10/5/2003م للمرة الثالثة رئيساً للمجلس حيث حاز على ثقة أعضاء المجلس.

وخلال الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد (أغسطس 1993- يوليو 1994م) نجح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في الحفاظ على سلامة السلطة التشريعية ووحدتها رغم حالة الفوضى والتشتت المريعة التي عانت منها اليمن قرابة عشرة أشهر وقد أسهم إسهاماً كبيراً في الجهود السياسية لتطويق أزمة الانفصال والدفاع عن الوحدة اليمنية في الداخل والخارج حتى تحقق النصر في يوليو 1994م.

وفي12 يناير 1995م رأس وفداً يمنياً رفيع المستوى إلى المملكة العربية السعودية لمواجهه التداعيات الخطيرة حول أزمة الحدود اليمنية السعودية، وظل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في الرياض قرابة 40 يوماً حتى نجح في التوصل إلى توقيع مذكرة التفاهم في 27 رمضان 1415ه التي فتحت الطريق أمام عودة العلاقات الطبيعية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية وصولاً إلى توقيع اتفاقية الحدود في 12 يونيو 2000م.

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp