رحيل الشيخ الأحمر .. فراغٌ في انتظار الأبناء * عبدالكريم هائل سلام

  الصحوة نت 5/1/2008م 

غيّـب الموت أهمّ الفاعلين السياسيين اليمنيين المعاصرين، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب ورئيس حزب التجمّـع اليمني للإصلاح.

وقد ترك الراحل بصمات كبيرة في تشكيل الحقل السياسي اليمني منذ إعلان النظام الجمهوري عام 1962 وحتى وفاته الأسبوع الماضي.

لعل الأهم في حياة الشيخ الأحمر، التوازن الذي لعِـبه في حياته السياسية والحِـزبية، فالمتتبع للمسار السياسي للرّجل، يرصد تكتيكا سياسيا مدروسا، قام على أساس المواءمة بين الاستجابة لمتطلّـبات الفِـعل السياسي الحديث، والتي تمثلت في المُـرونة والمُـداراة، وبين ضمان استمرار نفوذ الأسرة والقبيلة عبر تقوِية شوكتها داخل الدولة والحياة الحزبية على حد سواء، حيث جسّـدت علاقته الطويلة بالمؤسسات التنفيذية والتشريعية من ناحية، وعلاقته بأكبر الأحزاب السياسية حزب الإصلاح الدِّيني، كرئيس لهيئته العلياء حتى وفاته من ناحية أخرى، سلوكا سياسيا فريدا عمل على تقوية الدولة والحزب بالقبيلة واستقواء هذه الأخيرة بالدولة والحزب بفعالية سياسية مثيرة، طبعت مرحلة الحضور السياسي والاجتماعي للرجل.

هذا النهج الفريد الذي اتَّـبعه الشيخ الأحمر في مقاربته السياسية خلال حياته، لاشك أنه يُـلقي اليوم بتساؤلات كثيرة أهمها: هل ستتوارى بغيابِـه حِـقبة من الزّمن التي تميّـزت بفعالية الدّور القبلي داخل الحقل السياسي، الذي ظل طاغيا على المشهد السياسي لِـما يزيد عن أربعة عقود، أم أن ذلك الدور سيبقى فاعلا بثِـقل قبيلة حاشد، التي تنتمي لها أسرة الأحمر؟

"شيخ الرئيس" و"صانع الرؤساء"

ويرى المراقبون والمحللون أنه لا يمكن التبوّء بمعطيات المستقبل إلا بالرجوع إلى حاضر وماضي الشيخ، والدّور القبَـلي داخل الحقل السياسي اليمني. وحسب هؤلاء، يبدو أن السياسة، بما تعنيه من نُـفوذ قبَـلي وسياسي تاريخي، وبما تعنيه من رأسمال رمزي، ستظل قَـدَر آل الأحمر حتى بعد رحيل الفقيد، وذلك بحُـكم مكانة هذه الأسرة وسط القبيلة، وبحُـكم مكانة القبيلة وسط الحقل السياسي، التي صنعها الرجل خلال عمره السياسي.

ويذهب أولئك المراقبون إلى أن الدور القبلي والعشائري في السلطة، يستند إلى مشروعية تاريخية ونضالية، تعود إلى إعدام الإمام أحمد لوالِـده وشقيقه حميد في نهاية الخمسينات لمعارضتهم نظامه، فيما زجّ به في السِّـجن ومكث فيه ثلاث سنوات ولم يخرج منه إلا مع إعلان الجمهورية في 26 سبتمبر 1962. ومنذ ذلك الحين، تسلّـم الراحل زِمام المبادرة مُـدافعاً عن النظام الجمهوري، الذي قام على أنقاض النظام الملكي، ومن هنا تمكّـن من لعب دور بارز في الحياة السياسية اليمنية إلى الحد الذي بات ينعته المراقبون والمحللون، تارة بشيخ الرئيس وأخرى بـ"صانع الرؤساء".

تعزيز هيمنة التيار القبلي

وطِـبقا لمسار الرجل، فقد كان يستمد دوره السياسي والاجتماعي من مشروعيته الثورية، التي تمثلت في الماضي النِّـضالي لأسرته ضد النظام المَـلكي وتوطّـدت بدفاعه عن الخيار الجمهوري، ومن ثقله القَـبلي من جهة ومن علاقاته الإقليمية، لاسيما بالعربية السعودية، وهي علاقة تعمّـقت بالتقائه معها في بعض التيارات القومية والاشتراكية، حيث خاض معها صِـراعات مبكّـرة ضمن المعسكر الجمهوري، الذي اختاره بعد سقوط حكم الإمام.

فكما هو معروف، كانت الأحزاب القومية والراديكالية في الستينيات والسبعينيات، إلى جانب التيار القبَـلي الذي تزعّـمه الشيخ الأحمر، تشكِّـل عِـماد التيار الجمهوري، فيما كانت السعودية تدعَـم الملَـكيين بقُـوة. غير أن المعسكر الجمهوري بمكوِّناته متعددة المشارب، الأيدلوجية والاجتماعية والسياسية، كثيرا ما تصدّع بسبب تناقُـضات تلك المكوّنات، خاصة بعد تفاقم الدور المصري في اليمن، الذي عارض الشيخ الأحمر نفوذه المُـتزايد في اليمن، مما قرّبه من السعودية، التي كانت ترى في جمال عبد الناصر والحركات السياسية القومية والماركسية، خصما لدُودا، وهو ما جعل أتباع تلك التيارات يرون في الشيخ الأحمر وتيَّـاره القَـبلي التقليدي، مشروعا بديلا لتدجين الحركة الثورية، وأنه أخضعها لهَـيمنة النفوذ القبلي، لاسيما بعد انقلاب عام 1967، الذي أطاح بالرئيس السلال، حليف عبد الناصر، وعزّز هيمنة التيار القَـبلي التقليدي، حتى أن مجيء الرئيس إبراهيم الحمدي في منتصف السبعينيات، والذي أراد تحجيم التيار القبلي في الحقل السياسي لم يفلح، وقد دفع حياته عام 1977 ثمنا لمُـحاولة إقصاء القِـوى التقليدية، التي كانت قد أوجدت لها مواضِـع قَـدم ثابتة في أروقة الحُـكم.

وتعزّزت تلك المواضِـع مع قدوم الرئيس علي عبد الله صالح عام 1978، وأصبح الشيخ عبد الله الأحمر، أهمّ أعمدتها السياسية.

رجل فوق الأحزاب والدولة.. وحتى القبيلة

مقابل وجهة النظر تلك، في الدور الذي لعبه الشيخ الأحمر في الحياة السياسية اليمنية، هناك رأي مغايِـر يرى أن الشيخ بوُقوفه أمام نفوذ التيارات القومية والتحرُّرية، جنّـب البِـلاد السقوط تحت هيمنة الحزب الواحد، على غِـرار العديد من البلدان العربية التي اجتاحتها تلك الموجَـة في تلك الحِـقبة، مما قرَّبه ليس فقط من السعودية، بل ومن التيار الدِّيني لتُـتَـوَّج مسيرته السياسية باختياره رئيسا للهيئة العليا لحزب التجمّـع اليمني للإصلاح بعد قيام إعلان الوِحدة اليمنية، ليظل رقما سياسيا صعبا في المعادلة السياسية اليمنية، لم يكن أحد لِـيغفِـله في حساباته، بما فيه حتى الحِـزب الذي ينتمي إليه.

فقد خالفه الحزب في إعلانه صراحة تزكية ترشيح الرئيس علي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2006، في الوقت الذي كان لحزبه المُـعارض مرشحه لخوض تلك الانتخابات، المهندس فيصل بن شملان، وقد اتّـخذ موقفه دون أن يتعرّض لأي عِـتاب أو لَـوم من قِـبل حزبه، مما أكّـد مكانة الرّجل أنه بقي فوق الأحزاب وفوق الدولة وحتى فوق القبيلة، إذ كثيرا ما كان يُـليِّـن مواقف القبيلة، كلما نشب صِـراع بينها وبين السلطات، لكنه كان تليُّـنا لا يذهب إلى حدّ التفريط بالقبيلة ومصالحها، مما جعل منتقديه يصِـفونه بأنه عمِـل على إضعاف الدولة لصالح النفوذ القَـبلي، لكنه كان يرُد عليهم دائما بقوله: بأن الدولة هي التي تتراخى عن فرض هيبتها وعن احترام قوانينها.

هذا الحضور السياسي القوي للشيخ عبد الله الأحمر، بقدر ما يطويه رحيله، فإنه يفتح مرحلة جديدة ليُـمثله أنجاله من بعده، لاسيما بعد ظهورهم القَـوي في أكثر من مناسبة.

في انتظار اتضاح الصورة!

وفي هذا الإطار، يرى المراقبون أن الشيخ، مع تدهور صحّـته، قد عمل بتكتيك واعٍ على انتقال حضوره السياسي القوي إلى أنجاله، الذين بدأت نجُـومِـيتهم السياسية تسطع بقُـوة في سماء المشهد السياسي اليمني، خاصة خلال السنتين الأخيرتين.

إجمالا، يبدو أن الحضور الذي مثّـله الأب الأحمر، سيَـرِثه أبناؤه، خاصة وأنهم قد بدؤوا منذ وقت مبكّـر سدّ الفراغ، الذي خلّـفه مرض والدهم، ووجّـهوا أكثر من رسالة بأنهم أهل للدور الذي كان يلعبه والدهم الراحل في الساحة السياسية والاجتماعية اليمنية، هذا ما يلتقي عليه جُـل المراقبين مع اختلاف في تقدير مدى ما يتحلى به الأبناء من حِـكمة أبيهم، لكن من السابق لأوانه الحُـكم على الأقوال، ولابد من الوقوف على الأفعال، حتى تتّـضح الصورة.

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp