الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في حديث هام لـ"الثورة"26 سبتمبر 1993م : مظالم عهود ما قبل الثورة شملت كل فئات الشعب

صحيفة الثورة العدد ( 10546 ) - 26 / سبتمبر / 1993م

 

-       مظالم عهود ما قبل الثورة شملت كل فئات الشعب

-       لا علاقة للسمات القبلية في المجتمع في مسألة استكمال إقامة دولة النظام والقانون

-       الملابسات التي صاحبت أزمة الخليج في طريقها إلى الزوال

-       عندما تتمكن الأجهزة الأمنية من حماية الأمن والاستقرار سيتخلى المواطن عن حمل السلاح

 

الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.. في غنى عن التعريف فله أدواره المعروفة في نصرة الثورة والدفاع عنها .. وفي تأسيس دعائم الدولة اليمنية الحديثة من خلال مناداته بالحكم الديمقراطي.. فلقد تقلد مناصب عديدة بعد الثورة.. كما رأس المجلس الوطني الذي يعد أول برلمان يمني في أوائل عقد السبعينيات.. ثم فاز في أول انتخابات برلمانية تجرى في ظل الدولة اليمنية الواحدة.. وتم انتخابه رئيسا للبرلمان..

وبرغم مشاغله الكثيرة إلا أنه أبدى رحابة صدر واسعة عندما عرض عليه مندوب الثورة عدد من الأسئلة.. أجاب عليها.. لتكون حصيلة المقابلة على النحو التالي:

 

·      بمناسبة أعياد الثورة اليمنية المجيدة "26 سبتمبر و 14 اكتوبر" ما هي الصور التي انطبعت في مخيلتكم عن الثورة.. هل تتذكرون المعارك في سبيل انتصارها..؟؟

§      ما من عيد من أعياد الثورة يمر بدون أن استرجع الصور الكثيرة المحفورة في ذهني.. قبل الثورة وبعدها ذلك أن مظالم عهود ما قبل الثورة شملت كل فئات الشعب.. وبقيام الثورة السبتمبرية التي تواصلت مشاعلها حتى جبال ردفان لتشتعل ثورة 14 أكتوبر .. أتذكر العديد من القصص والمعارك التي دارت في كل مكان.. دفاعا عن الثورة والجمهورية.. وفي سبيل إخراج الاحتلال الأجنبي من جنوب الوطن.. وأتذكر العشرات والمئات من الذين استشهدوا ولا يتسع مجلد كبير لقصص التضحية والبذل وأقارن فأجد أن المسافة كبيرة جدا.. وإنه لا مقارنة بين الماضي والحاضر فبفضل الثورة اليمنية السبتمبرية الظافرة تحققت الإنجازات العظيمة وأشرقت شمس الحرية والديمقراطية بعد أن تحققت الوحدة اليمنية التي تعتبر أروع إنجاز يجب أن نصونه ونحميه أما الإنجازات الأخرى من مدارس ومشاريع متنوعة كثيرة فهي موجودة وقائمة لكل من يريد رؤيتها.. فهناك الآلاف المؤلفة من المدارس.. والمستشفيات ومشاريع المياه والطرق ووسائل الاتصال والمباني والأجهزة الحكومية والمصانع والكثير من الإنجازات.

·      ولكن هل من صور محددة تتذكرونها؟

§      لقد أجبت باختصار.. أما لو قصصت عليك بعض ما رسخ في الذهن.. فلن يكفي اليوم كله.. ولن تتسع الصحيفة أيضا.. لأن مسيرة الثورة هي تاريخ حافل ببطولات وتضحيات وقصص لا حصر لها.

·      هل تحتفظون بشيء من الوثائق عن المؤتمرات التي انعقدت خلال السنوات الأولى للثورة؟

§      نعم.. أحتفظ ببعض هذه الوثائق.. وهي موزعة في أكثر من مكان.. وسيأتي اليوم الذي أقوم بجمعها لتكون في متناول من يكتبون تاريخ الثورة ومعظم الأحداث والمواقف المسجلة في رأسي وذاكرتي.

·      يردد كثيرون.. بأنه وطيلة 31 عاما من الثورة.. لم تتحقق دولة النظام والقانون.. وأن الأوضاع القبلية تعوق ذلك؟

§      من خلال التجربة والمعايشة أرى وأعتقد شخصيا أن الصعوبات في ذلك لا تعود إلى السمات القبلية للمجتمع .. ولكنها تعود بالدرجة الأولى إلى أن المدن نفسها التي توجد بها مراكز الدولة وأجهزتها.. لم تشهد من قبل حياة في ظل دولة نظام وقانون فقبل الثورة كان الإمام هو كل شيء.. وهو النظام والقانون وكان انفراد الإمامة بالمرجعية في كل شيء أحد أسباب ثورة 48 والذين قاموا بها وكانوا يطالبون بحكم يقوم على الدستور والقوانين. وباستثناء مدينة عدن وحدها التي خضعت للاحتلال ووجدت بها القوانين والمحاكم إلا أن معظم المحافظات الجنوبية الغالب عليها هو الطابع القبلي والعشائري شأنها في ذلك شأن سائر المحافظات. والشعب اليمني المسلم وقبائله العريقة لا يخضعون إلا للشريعة الإسلامية المطهرة والقوانين المستمدة من روح الشريعة الإسلامية.

·      أنتم الآن على رأس السلطة التشريعية، كيف يمكن التوجه لبناء دولة النظام والقانون ومن هي الجهة التي ترون أنها معنية أكثر من غيرها – بتنفيذ القوانين بعد صدورها؟

§      السؤال يوحي بأن دولة النظام والقانون غير موجودة وهذا غير صحيح.. فالدولة بأجهزتها وسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية قائمة والقوانين موجودة وكثيرة.. ولكن الخلل نابع إما من ضعف التنفيذ والتطبيق أو من سوء التنفيذ والتطبيق أو المخالفة القانونية للشريعة الإسلامية أو من عدم وجود رقابة على تنفيذ تطبيق القوانين وهذا كله عائد كما قلت في الإجابة على سؤال سابق إلى خصوصيات أهمها أننا بعد الثورة أنشأنا القوانين ونحتاج إلى فترات زمنية إضافية لتطبيع علاقات الناس حكاما ومحكومين بالقوانين.

إن وجودي على رأس السلطة التشريعية التي حدد الدستور مهامها كأعلى سلطة تشريعية ورقابية.. يعني أن الدولة بأنظمتها وقوانينها موجودة.. وأن مجلس النواب يتولى وضع قوانين ومناقشة مشاريع القوانين التي تحال إليه.. وإقرارها بعد مناقشات عديدة تضيف أو تعدل أو تحذف مالا يتفق مع المصلحة العامة أو الشريعة الإسلامية ويتم إقرارها في صورتها النهائية.. وترفع إلى الرئاسة التي تصدرها كقوانين يتم العمل بها من تاريخ صدورها فتبدأ مرحلة التطبيق والتنفيذ لهذه القوانين.

·      خلال الفترة الانتقالية صدر قانون يحد من حمل السلاح في المدن.. كما صدر قانون الأحزاب بعد مناقشة استمرت ستة شهور في المجلس السابق.. هل من أسباب تحول دون تنفيذ أمثال هذه القوانين..؟؟

§      أذكر أنني عبرت عن وجهة نظري فيما يتعلق بالحد من حمل السلاح في المدن.. وكان ذلك عندما أثيرت قضية حمل السلاح. من منطلق حقيقة ملموسة في الواقع الاجتماعي.. فاليمنيون يميلون إلى اقتناء السلاح.. لكنهم لا يستخدمونه في الاعتداء على أحد.. وقلت حينها بأن المعالجة السليمة لمشكلة حمل السلاح داخل المدن.. هو تنظ ي م العملية والسماح للمواطنين بالحصول على ترخيص لحمل سلاح شخصي في حدود البندقية أو آلي فقط.. وبترخيص أما الأسلحة الثقيلة فمن حق الدولة.. وقواتها المسلحة والأمن فقط.. إنني أدرك دوافع الحد من حمل السلاح داخل المدن وأرى أن التطبيق لذلك يجب أن يتم بمرونة وسهولة واحترام للمواطنين.. حين تستطيع أجهزة الأمن أن يكون لها التواجد الكفيل بحماية الأمن والاستقرار.. وأرى أنه حين يتحقق ذلك فلن يجد أي مواطن سببا لحمل السلاح ما دامت الأجهزة الحكومية المختصة قادرة على تعميم الأمن وفيما يتعلق بقانون الأحزاب.. فإن القانون حدد الهيئة أو الجهة التي تتولى تنفيذ القانون.. ويرأسها وزير الدولة لشؤون مجلس النواب.. وهذا المنصب موجود الآن في الحكومة الحالية وأرى أن وجود آلية قانونية تستمد منها الأحزاب السياسية شرعية ممارسة أنشطتها أمر ضروري لترسيخ وتثبيت قواعد التعددية الحزبية والفكرية.. وعلى الأخوة رئيس وأعضاء السلطة التنفيذية إعطاء هذه المسألة حقها من الاهتمام.

·      خلال أزمة الخليج كان لكم موقف متميز .. ينطلق من الحفاظ على المصالح الوطنية. لماذا لم ترأسوا وفدا شعبيا لإفهام بعض الدول الخليجية حقائق الموقف اليمنى ؟

§      لقد عبرت عن موقف نابع من الصدق مع النفس ومع الأشقاء .. فنحن جزء من هذه المنطقة نؤثر ونتأثر بها.. وبعد انتهاء الأزمة.. أقمنا احتفالات بمناسبة تحرير الكويت.. وقد أبدت الدول الشقيقة الخليجية تفهما كاملا للموقف اليمني في هذه الأزمة .. فالشعب اليمني كله استنكر غزو واحتلال الكويت.. ولكن للأسف حدثت ملابسات .. لابد وأن تزول.. وهي في طريقها إلى الزوال..

·      ما ه ي الأسس التي ترونها كفيلة بتحقيق تحسن في علاقاتنا بالدول الشقيقة في المنطقة.. وهل تعتقدون بإمكانية عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل أزمة الخليج؟

§      أهم الأسس لوجود علاقات سليمة مع الدول الشقيقة في المنطقة هي الاحترام المتبادل.. وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام خصوصيات وظروف كل دولة والبحث عن الجوانب البناءة والمفيدة التي ينمو عليها التعاون الكفيل بتطور العلاقات وازدهارها..

وبحمد الله فإن علاقتنا بأشقائنا في المنطقة تسير في طريق التحسن بفضل الفهم المشترك على الرغم من أن أزمة الخليج.. خلفت آثارا لابد من معالجتها للتغلب عليها.

·      كيف ترون اتفاق إعلان المبادئ غزة – أريحا الذي تم توقيعه في واشنطن.. علما بأن الدولة على لسان وزير الخارجية أعلنت تأييدها للاتفاق باعتباره خطوة تؤدي إلى تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه العادلة والمشروعة.. وإلى تسوية سلمية شاملة..؟

§      أرى أن علينا تأييد خيارات الشعب الفلسطيني الذي يعيش داخل فلسطين.. وأنه إذا حدث خلاف حول هذه الخيارات فيجب أن يكون الحوار هو وسيلة توحيد الموقف والرؤية بين الأخوة الفلسطينيين وعلى أساس عودة كل الأراضي في الضفة والقطاع بما فيها مدينة القدس الشريف ولا يجوز إضعاف الانتفاضة حتى تتحقق كل الحقوق.

·      ووجهة نظر "الإصلاح" في الاتفاق.. هل تلتقي مع وجهة نظر فريق فلسطيني محدد..؟؟

§      إذا كان المقصود "حماس" فإنني التقيت الأخ رئيس المكتب السياسي الذي زار صنعاء مؤخرا والوفد المرافق له.. واستمعت إلى وجهة نظرهم.. في الاتفاق.. ونحن نؤمن بأن الحوار الفلسطيني – الفلسطيني هو وحده الأسلوب المناسب للتغلب على الخلافات.

·      ولكن المشكلة أن هناك من استخدم لغة التخوين والتهديد.. هل سيؤدي ذلك إلى تهيئة الأجواء للحوار..؟

§      أمر طبيعي جدا أن يكون هناك رد فعل عنيف.. لبعض قادة المنظمات الفلسطينية.. إلا أن علينا أن نشجع الكل على الحوار والاحتكام لمنطق العقل والمصلحة الوطنية الفلسطينية.. ومناقشة الاتفاق على مائدة الحوار بندا بندا وكذا الملحقات التفسيرية لبنود الاتفاق.. حتى تتقارب الرؤية ويتحد الموقف.. فإذا كانت هناك معارضة للاتفاق فلتكن في إطار الديمقراطية الفلسطينية وأقصد المعارضة المفيدة و البناء ة المعززة للموقف الفلسطيني وليست المعارضة التي تضعف القضية.. لأن الشعب الفلسطيني تعرض للكثير من أوجه الظلم والاضطهاد والتشريد والتنكيل طوال ما يقارب نصف قرن من الزمان.. وانقطعت عنه الموارد والمعونات بعد أزمة الخليج.. وانفتحت أبواب الهجرة اليهودية بعد أن تفكك المعسكر الشيوعي وانهارت الشيوعية مما يجعل الخيارات والسبل محدودة.. أمام الفلسطينيين وكل هذا يلقي مسؤولية كبيرة على قادة المنظمات للالتقاء على مائدة الحوار لمناقشة الخيارات المؤدية إلى استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة العادلة ومع هذا كله يجب أن تظل الانتفاضة حية ومتصاعدة.

·      ماذا عن التعديلات الدستورية؟! ماذا تتوقعون بشأنها.. بعد أن أقرت من الائتلاف الثلاثي الحاكم..؟

§      الحقيقة إن التعديلات أقرت من حيث المبدأ.. ونوقشت في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي.. كما نوقشت في الأمانة العامة لتجمع الإصلاح وفي اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي.. ووقع مسؤلوا الأحزاب الثلاثة على إجراء هذه التعديلات..

·      هل تعتقدون أن تجربة الائتلاف على هذا النحو ستستمر وتنجح..؟

§      رأيي الشخصي.. أننا بعد الانتخابات البرلمانية نؤسس للمستقبل.. مما يلقي علينا مسؤولية التضحية ببعض الأمور التي تتعارض وتعوق نجاح تجربة الائتلاف..

وليس أمرا خافيا أن أقول بأننا في التجمع اليمني للإصلاح عارضنا الاستفتاء على الدستور في حينه فلقد كانت لنا مطالب بتعديل بعض المواد.. وخاصة ما يتعلق بأن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريعات والقوانين.. ولكنا سكتنا بعد الاستفتاء بعد أن تلقينا وعودا بإجراء التعديلات بعد الانتخابات البرلمانية.. بأن يعاد ترتيب أوضاع الدولة في ضوء نتائج الانتخابات.

·      أنتم الآن تمثلون نقطة التماس.. بين القبيلة والمدينة.. وبين الأعراف وتقاليد القبيلة.. وبين التشريعات ودولة النظام والقانون.. ألا يشكل ذلك عبئا كبيرا عليكم..؟؟

§      إنها ليست المرة الأولى التي أتولى فيها رئاسة مجلس النواب.. ففي أو اخر عقد الستينات توليت رئاسته وكان اسمه المجلس الوطني.. وقد استطاع هذا المجلس إقرار تشريعات تهدف إلى ضمان وتحقيق العدل الاجتماعي.. وأعتز بأن هذه القوانين لا يزال معمولا بها إلى اليوم وفي أوائل السبعينات انتخبت لرئاسة مجلس الشورى المنتخب..

وآمل أن أتمكن في فترة رئاستي لمجلس النواب الآن من مناقشة وإقرار أية تشريعات تؤدي إلى تخفيف معاناة الناس وتيسير أحوالهم.. وترسيخ قواعد العدل والأمن والاستقرار وتحسين خدمات الصحة والتعليم والإسكان وغيرها. أما الأمور ذات الصلة بالتقاليد والأعراف القبلية فهي جزء من الواقع الاجتماعي.. وبيتي مفتوح باستمرار للمئات من أبناء القبائل الذي يقصدونني لحل مشاكلهم.. في نطاق التقاليد والأعراف.. وفي نطاق القانون أيضا.. وتعليمات ديننا الحنيف.

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp