الزبيري والأحمر.. كاية النضال مع شيخ الأحرار وشيخ النضال الوطني * تقرير

صحيفة الأهالي 14/1/2008م

كان الشهيد محمد محمود الزبيري نجماً هادياً في سماء الحركة الوطنية اليمنية وجهاد الأحرار ضد النظام الإمامي، ومثل الزبيري نقطة التقاء جميع المناضلين من معظم التيارات الفكرية والسياسية لما يمثله من قيم النضال والحرية، والتضحية، والنزاهة والطهارة الثورية.

بدأت علاقة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بالشهيد محمد محمود الزبيري قبل رؤيته واللقاء به، فقـد كان الشيخ كغيره من اليمنيين الطامحين للتغيير يسمــع الكثير عن الزبيري ونضاله وشعره وكتاباته ضد الظلم الإمامي، وخلالها تكونت علاقة روحية ومشاعر إعجاب في نفس الشيخ تجاه الزبيري رغم السدود والمسافات التي كانت تفصل بينهما.

عاش الزبيري سنوات طويلة في صحراء الاغتراب والمنافي طوال فترة النشأة التي عاشها الشيخ عبد الله داخل اليمن، ثم في السجن ثلاث سنوات حتى قيام الثورة عام 1962م، وفي السجن وصلت نسخة من كتاب مأساة واق الواق للشهيد الزبيري إلى الشيخ في سجن المحابشة.

في المقابل تبلور لدى الشهيد الزبيري فكرة طيبة عن نضال المشائخ وقبائلهم ضد الإمامة وخاصة آل الأحمر الذين عانوا طويلاً من ظلم الإمام وجبروته حتى انتهى الأمر بإعدام الشهيد حميد بن حسين الأحمر، وأبيه حسين بن ناصر الأحمر وسجن عبد الله بن حسين الأحمر بتهمة تزعم آل الأحمر لحركة المشائخ في 1959م.

كان اللقاء الأول بين الشهيد الزبيري والشيخ عبدالله في اليوم الرابع لقيام ثورة سبتمبر، وكان ذلك اليوم هو يوم الأحد عندما وصل الرجلان إلى صنعاء عاصمة الثورة والجمهورية، فقد وصل الزبيري من القاهرة على متن طائرة خاصة فيـما وصـل الشيخ من سجنه في المحابشة عبر الحديدة.

وجرت وقائع اللقاء الأول في القصر الجمهوري حيث قام الشيخ عبد الله بزيارة الشهيد الزبيري بعدما علم بوجوده في صنعاء، وكان لقاء مليئاً بالعواطف الصادقة والأشواق والبشرى بعد تحقق حلم اليمنيين في الخلاص من طغيان الإمامة وظلم بيت حميد الدين.

لكن هذا اللقاء لم يكن ليستمر في صنعاء فقد كانت نذر التمرد واحتياجات تأمين الثورة والنظام الجمهوري تفرض أن يتوجه الشيخ عبدالله إلى جبهات القتال لقيادة معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية في المناطق الشـــمالية والشــرقية التي تشكل بلاد حاشد فيها موقع القلب.

وعلى أراضيها دارت معارك عديدة في غاية الشراسة والعنفوان، وكان طبيعياً أن يظل الأستاذ الزبيري في العاصمة صنعاء ضمن تشكيلة القيادة السياسية للثورة والجمهورية حيث كان النظام الجمهوري الجديد بحاجة إلى أمثال الزبيري في قيادة الدولة لمواجهة مصاعب الولادة ومواجهة التحديات العسكرية الخطيرة والعداء الكبير الذي واجهته الثورة محلياً وإقليمياً ودولياً.

وعلى الرغم من اللقاء الأول القصير الذي جمع بين الزبيري وبين الشيخ عبدالله إلا أن مكانة الزبيري كانت قد تعمقت أكثر في قلب الشيخ، وصارت علاقته بالزبيري علاقة تلميذ بأستاذه، وعلاقة متحمس لمنهج الزبيري وأفكاره الإصلاحية القائمة على أسس ومنطلقات إسلامية وآفاق شوروية ومبادئ العدالة والمساواة والحرية.

وكان طبيعياً أن ينحاز الشيخ إلى صف الأستاذ الزبيري زعيم حركة تصحيح مسار الثورة، لكنه بالرغم من ذلك ظل حريصاً على الاستمرار في مواقعه العسكرية والحربية للدفاع عن الثورة والجمهورية، وكان الزبيري في المقابل حريصاً على كسب موقف الشيخ معه لما كان يمثله من ثقل قبلي وعسكري وتاريخي.

وكان الزبيري هو الذي حرص على أن يجذب الشيخ للاشتراك في العمل السياسي إلى جانب دوره العسكري في الدفاع عن الثورة وكان إلى جانب الزبيري الأستاذ النعمان والقاضي الإرياني والأستاذ عبد الملك الطيب وغيرهم من العلماء والمثقفين الذين كان لهم دور بارز في جذب الشيخ عبدالله وغيره من القيادات الشعبية العسكرية لممارسة أدوار سياسية أيضاً، وجمع الشيخ بين الدور العسكري المعروف تاريخياً وبين الدور السياسي بحسب ما كان يوجهه تيار الزبيري والنعمان والإرياني الذين اقتنع بأفكارهم ومبادئهم.

-مؤتمر عمران لتوسيع المشاركة الشعبية وتقليص سلطة حكم الفرد

دعا الأستاذ الزبيري وزملاؤه إلى عقد مؤتمر شعبي في عمران سبتمبر 1963م لتدارس كيفية مواجهة الأخطار التي تهدد الثورة والجمهورية من الداخل ومن الخارج على حد سواء، وكانت قرارات المؤتمر تهدف إلى توسيع المشاركة الشعبية في السلطة وتقليص سلطة حكم الفرد، والتخفيف من هيمنة الإدارة المصرية في اليمن على القرار اليمني في شؤون السياسة وقصر الإسهام المصري على الجانب العسكري، كما دعا المؤتمر إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة اللواء حمود الجائفي.

واصل القاضي/ محمد محمود الزبيري دوره الوطني في محاولة حقن دماء اليمنيين، وتجول في مناطق القتال يدعو إلى السلام واللجوء للحوار والتفاهم، ما أدى إلى ظهور مشاكل بينه وبين القيادة المصرية في اليمن والمشير السلال، وعندما تطور الخـلاف وفشلت قـرارات مـؤتمر عمران في تجسيـد الـواقع قرر الـزبيري الخـروج إلى مـناطـق القبائل والاستقرار في مدينة خمر التي سماها مدينة السلام ولتكــون منطلقاً للـدعـوة إلى السلام والأخوة وحقن الدماء.

وكان اختيار الزبيري للمدينة عن علم بأنها حصن من حصون الجمهورية في بلاد حاشد، وهي مركز الشيخ عبدالله الذي يقود منها معارك الدفاع عن الثورة والجمهورية وهو كذلك مـن أنصار دعوة الزبيـري وأحد تلاميذه الأوفياء.

وفي أواخر 1964م غادر الزبيري العاصمة صنعاء متوجهاً إلى خمر عرين الشيخ عبدالله لكنه لم يجده هناك حيث كان الشيخ متواجداً في منطقة جبل رازح بصعدة ضمن حملات المواجهة مع أعداء الثورة والجمهورية، فاتجه الزبيري إلى برط لنشر دعوته الإصلاحية وحقن الدماء والتفاهم والحوار بين اليمنيين، ومن جبل برط دعا الزبيري إلى عقد مؤتمر جديد في خمـر سماه «مؤتمر خمر للسلام».

ومن هناك أيضاً أعلن الزبيري تأسيس «حزب الله» ليكون ملتقى أفئدة اليمنيين كلهم، أما الشيخ عبدالله فقد عاد من صعدة فوراً إلى خمر عندما سمع بخروج الزبيري من صنعاء لكنهما لم يلتقيا بعد أن اختلفت بهما الطرق، فاتجه الزبيري إلى برط وتوجه الشيخ إلى خمر لتهيئة المدينة لاستقبال المشاركين في المؤتمر والتنسيق لانعقاده وفق الاتصالات والرسائل التي كانت جارية بين الزبيري والشيخ عبد الله.

وقبل انعقاد المؤتمر بأيام قليلة، أطلق عملاء متآمرون الرصاص على الأستاذ محمد محمود الزبيري أثناء سيره مع زملائه في منطقة رجوزة وفارق الحياة على الفور في 31/3/1965م.

 

-مواصلة للنضال والتزام بالنهج الحركي الإسلامي للزبيري

ظل الشيخ وفياً لنهج الشهيد محمد محمود الزبيري من بعد وفاته، وكان أول خطواته هو الاستمرار في الإشراف على عقد مؤتمر خمر للسلام واستضافته في بلاد حاشد، وقيام الشيخ وأبناء قبيلته بواجب الضيافة تجاه المشاركين الذين حضروا من كل أنحاء اليمن، ففتحوا بيوتهم للضيوف بعد أن أخلوها من النساء والأطفال، وأعدوها لسكن الضيوف، وتحملوا نفقات الضيافة من أموالهم وممتلكاتهم.

وتمثّل التزام الشيخ بنهج الزبيري في التمسك المستمر بمطالب الإصلاح، وإصلاح مسار الثورة، والتخلص من السلبيات، والعودة إلى روح مبادئ الثورة اليمنية والحفاظ على هويتها الإسلامية، واستمر كذلك تحالف الشيخ مع زملاء الزبيري البارزين أمثال الأستاذ أحمد محمد النعمان والقاضي عبدالرحمن الإرياني وكل المثقفين والمشائخ والعلماء والضباط الذين التفوا حول الزبيري واستمروا على وفائهم لنهجه، حيث كان الشيخ عبد الله الرمز الذي يلتفون حوله بعد استشهاد الزبيري، وتحولت خمر -معقل الشيخ- إلى مركز للثوار والأحرار في عناية الشيخ وضيافته وحمايته.

ومن ملامح الوفاء أن الشيخ عبدالله ظل واعياً باستمرار لارتباط الثورة بالإسلام، فكان حامياً للبعد الإسلامي في كل شيء ومدافعاً عنه في وجه الغزو الفكري اليساري، أو محـاولات التـفلت مـن الإســلام، وارتبط الشيخ طوال السنوات التالية لاستشهاد الزبيري بنهج الحركة الإسلامية إيماناً منه بأنه نهج الزبيري العظيم.

وعـلى المستوى الشخصي رعى الشيخ عبد الله عــائلة الزبيري رعاية كاملة، وظل عمران ابن الشهيد الزبيري ابناً للشيخ عبد الله يرعاه رعاية الأب كما يرعى بقية أبنائه بل إنه زوّجه كبرى بناته وفاءً للشهيد الزبيري.

  

-الرسالة الشهيرة من أبي الأحرار إلى الشيخ عبدالله.

ولدي الحبيب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر..

أحييك وأقبلك وأتلهف إليك لهفة الظمآن إلى الماء العذب.

إليك هذه التحية الحارة الخاطفة مع الأخوة الأبناء القادمين إليك وعندهم كل شيء من أخبارنا وأفكارنا مما لا تتسع له هذه الرسالة.

يا بني الكريم: إنك الآن تحمل أثقال جبال اليمن وسهولها ووديانها وإن هيكلك النحيل امتحنه القدر فحمله الأمانة الكبرى نحو الشعب والبلاد وأملي عظيم أنك تحمل ما حملت وتؤدي ما فرض الله عليك أداءه.

إنك الذي ترجح كفة النجاة لوطنك كله وليس هذا مبالغة ولا ثناء وإنما هو مسئولية نوجه نظرك إليها.

وإننا معك يا بني أتمنى أن أمزق روحي لك فداء وعونا وإنني والله لأفزع أحيانا عندما أتصور البلاد خالية منك ومن نفر قليل من زملائك المشايخ الأحرار ولكن فزعي أعظم لو تصورت أن تتلكأ أو تتردد.

إن المطلوب منك أن تقول نعم وأن تقول لا بكل قوتك ورجولتك وستغير حينئذ مجرى التاريخ, إذا كنت لا تعرف قوتك فنحن نعرفها وترتفع رؤوسنا إلى السماء والأعداء يعرفونها وترتعد فرائصهم.. لا تصدق تواضعك وهدوء نفسك الوديعة المسالمة إن الدنيا مشحونة بالأحقاد والشرور والتربص والنوايا الشريرة.

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه.. يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

وسلام الله عليك..

من والدك /

محمد محمود الزبيري

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp