غيابٌ إفتقدته الساحة المحلية اليوم * عبدالفتاح البنوس

إلتهبت الساحة السياسية المحلية عقب تأجيل جلسات الحوار التي كان من المقرر تدشينها في الـ»26« من الشهر الجاري، وما زادها سخونة التوترات الأخيرة الناجمة عن الضربات الأمنية التي إستهدفت معاقل تنظيم القاعدة في أبين وشبوة وأرحب وصنعاء واستمرار المواجهات المسلحة بين القوات المسلحة والأمن وجماعة الحوثي، أضف إلى ذلك الأحداث التي تشهدها بعض المحافظات الجنوبية، وجميعها جعلت من الساحة المحلية أشبه بقنبلة موقوتة على وشك الإنفجار في ظل استعصاء الحلول وعدم وجود العناصر الفاعلة في الوسط السياسي الكفيلة بإخراج البلاد من كـُــلّ هذه الأزمات، والمتأمل إلى كـُــلّ ذلك يلمس الفراغ السياسي الذي تركه غياب شخصيات وطنية لها ثقلها القبلي والسياسي وكان لها تأثيرها على العملية السياسية والأوضاع الداخلية التي تمر بها البلاد، وأستطيع هنا التأكيد أن رحيل ثلاثة أشخاص في ظل إفتقار البلاد لمن يخلفهم كان من الأسباب التي أدت إلى الوصول بالأوضاع إلى هذه المرحلة الخطيرة، وهؤلاء هم اللواء الراحل/ يحيى محمد المتوكل، والشيخ/ مجاهد أبو شوارب، والشيخ/ عبداللــَّــه بن حسين الأحمر.

 يحىى المتوكل.. ذراعُ الرئيس اليُــمنى

> كان اللواء/ يحيى المتوكل -الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام- بمثابة الذراع اليُمنى للرئيس/ علي عبداللــَّــه صالح، ودائماً ما كان المستشار الأمين، ولطالما عهد إليه الرئيس بحل الكثير من القضايا والإشكالات، وذلك نظراً لما يتمتع به المتوكل من مؤهلات قيادية متميزة جعلته أحد أضلاع نظام الحكم، ويبدو أن الثقة المطلقة التي منحه إياها رئيسُ الجمهورية أكسبته نظرةً عدائيةً لا تخلو من الحسد، وخصوصاً من تلك القيادات التي كانت تنظر أن قرب المتوكل من الرئيس سيكون على حسابهم، حيث بدأت هذه القيادات بشن الهجوم عليه وعلى وجه التحديد عند توليه حقيبة وزارة الداخلية والتي تمثل عنواناً مشرقاً لإستتباب الأمن والإستقرار، وصار ذلك حديث الناس بعد أن لمس الجميعُ إصلاحات أمنية شاملة مثلت رادعاً لكل من تسول له نفسه تعكيرَ صفو الأمن والإستقرار والإعتداء والسطو على ممتلكات وحقوق الآخرين، وما يزال الجميع يتذكر أن المتوكل هو الوزير الوحيد الذي حرك الطائرات العمودية من أجل مطاردة لصوص السيارات من أجل إثبات هيبة الدولة، حيث بدأ الطابورُ الخامس في الدولة فبركة الأوضاع وتحليلها بحسب رغباتهم ومخططاتهم، الأمر الذي قاد إلى استبعاد المتوكل من الوزارة ليستمر عطاؤه في الجانب التنظيمي، علاوة على كونه أحد أبرز المستشارين الذين كان يعتمد عليهم الرئيسُ، وفي ٣١/١/ ٣٠٠٢م وبينما كان اللواء/ يحيى المتوكل في زيارة عمل تنظيمية بمدينة عدن تعرضت سيارته لحادث إنقلاب مؤسف فارق الحياة على إثره وسط غموض ما يزال يكتنف هذه الحادثة، إذ ما تزال الكثير من المؤشرات التي تستبعد الرواية المتعلقة بسبب الحادث، والتي تتحدث عن خلل مصنعي أدى إلى خروج إطار السيارة مما أدى إلى إنقلابها.. رحل اللواء/ يحيى المتوكل عن هذه الدنيا ومثل هذا الرحيل خسارة فادحة للوطن عامة وللرئيس خاصة، فقد خسر عُنصراً وطنياً مُخلصاً لم يتمكن من تعويضه، حيث ترك غيابُه فراغاً سياسياً يجمع الكثير من المراقبين على أنه قاد إلى انفجار الأزمات السياسية الراهنة بما في ذلك حرب صعدة والأزمة السياسية القائمة بين المؤتمر والمشترك، على اعتبار أن وُجُودَ شخصية بحجم اللواء يحيى المتوكل كان بإمكانها التوصلُ إلى نقاط إتفاق وحلول ومعالجات من شأنها تجنيب البلاد أي شكل من أشكال التوترات.

 أبو شوارب.. الحكيمُ المجرب

> الشخصية الثانية هو الشيخ المناضل/ مجاهد أبو شوارب، وهو شخصية غنية عن التعريف، له تأريخ نضالي مشهود، وكان ملازماً للرئيس/ علي عبداللــَّــه صالح منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد في ٧١ يوليو 1978، ودائماً ما كان يُعرَفُ بالحكيم المجرب الذي جعل الرئيس يُعَينه مستشاراً له، مستفيداً من خبرته وغزارة معرفته بالقضايا الداخلية للبلاد وعلاقاته المتميزة مع القبائل اليمنية، وهو الذي يمثل أحد أبرز مشايخ قبيلة حاشد، وكما كان اللواء يحيى المتوكل فقد أنيطت بالشيخ مجاهد الكثير من المهام وتمكن من خلالها من النجاح فيها، وكانت له مبادرة ذاتية لاحتواء تفاقم أزمة صعدة منذ اندلاع المواجهات لأول مرة في العام 2004م، ولكنها إصطدمت بتعنت رسمي قاده إلى سحب مبادرته وفضل المغادرة إلى الإمارات وظل هناك لعدة أشهر ولم يعد إلى البلاد إلاَّ عقب وفاة الشيخ/ زايد بن سلطان عندما اصطحبه الرئيس معه بعدَ أن عمل الأخير على تلطيف الأجواء ليأتي اليومُ المشؤومُ ٧١/١١/ ٤٠٠٢م عندما تعرض أبو شوارب لحادث مروري مؤسف في أحد شوارع أمانة العاصمة نتيجة إصطدام سيارته بشاحنة كبيرة، ليشكل هذا الحادث الضربةَ الموجعةَ الثانيةَ للرئيس الذي فقد أحَدَ أبرز حلفائه وأقدر مُستشاريه، وليفقد الوطن أحد عناصر الإستقرار والسلم الإجتماعي.

الشيخ الأحمر.. الناصحُ الأمين

> إرتبط الشيخُ/ عبداللــَّــه بن حسين الأحمر إرتباطاً وثيقاً بالوطن، وكان من أشد المناصرين للرئيس/ علي عبداللــَّــه صالح، وكان بمثابة الحليف الإستراتيجي له رغم أنه كان يرأس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، ونظراً لمواقفه المتزنة وما يمتاز به من رجاحة العقل وحُسن التصرف فقد مُنح الثقة المطلقة من الرئيس لرئاسة مجلس النواب على مدى ثلاثة فترات نيابية متعاقبة، وظل يشغل هذا المنصب حتى توفاه اللــَّــه في ٩٢ ديسمبر ٧٠٠٢م بعد صراع مع المرض، وقد جمع الشيخ الأحمر بين السياسة والقبيلة، وهو ما منحه مكانة مرموقة على المستويين المحلي والعربي بفضل مواقفه المشهودة، وكان كثير القرب من مصدر القرار السياسي، ودائماً ما كانت نصائحُه السديدة محط تفاعل الرئيس؛ لأنه كان يدرك حرصَ الشيخ الأحمر على مصلحة البلاد وقد خبره في أكثر من مرحلة، ولذلك فقد شكل غيابُه عن المشهد السياسي والقبلي خسارةً كبيرةً، حيث ترك رحيله فراغاً سياسياً واضحاً من الصعب تعويضه في المرحلة الراهنة ولو مؤقتاً.

> وهُناك يجمع الكثير من المحللين والمراقبين للأوضاع في اليمن أن اليمنَ خسر ثلاثة من خيرة رجاله ما يزال إلى اليوم عاجزاً عن إيجاد البديل الذي يمتلك نفسَ المؤهلات والقدرات والخبرات السياسية والقبلية، مُشيرين إلى أن هذا الغياب يدركُ اليوم حجمَه وتأثيرَه الرئيسُ/ علي عبداللــَّــه صالح على اعتبار أن وجودَ شخصيات بحجم اللواء/ يحيى المتوكل والمناضل مجاهد أبو شوارب والشيخ/ عبداللــَّــه بن حسين الأحمر كان كفيلاً بمعالجة كـُــلّ هذه الأزمات التي تعصفُ بالبلاد من خلال التدخل السريع والمبكر لاحتواء الشرر المتطاير الذي قاد إلى نشوب كـُــلِّ هذه الحرائق المستعرة، وهو أمرٌ نابعٌ من خبرات وتجارُب سابقة قادها هؤلاء بحكمة وعقلانية أفضت في الأخير إلى احتواء الكثير من المشاكل ومُعَالجة الكثير من القضايا، وأمام هذا الواقع فإن الرئيسَ اليوم مطالـَـبٌ بتعريض هذا الفراغ والبحث عن عناصر تغطي الثغرات التي تركها رحيلُ المتوكل وأبو شوارب والأحمر، وخصوصاً في ظل الأوضاع العصيبة التي تمر بها البلاد والتي تحتاج إلى قيادات وطنية.. وطنية تسهم في إيجاد الحلول والمعالجات للأزمات القائمة ولا تسهم في صب الزيت على النار، وخلق المزيد من التوترات وإذكاء المزيد من الأزمات كما يصنع البعض اليوم.

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp