الشيخ عبدالله في مقابلة مع صحيفة الوطن العربي اللبنانية بتاريخ 25 سبتمبر 1992م

- الردة على الوحدة كالردة على الإسلام لم يبالغ المراقبون السياسيون للشأن اليمني الراهن عندما وصفوا الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر شيخ مشايخ قبيلة حاشد وزعيم التجمع اليمني للإصلاح بأنه ضابط إيقاع الحركة السياسية في اليمن ، فالقبيلة التي يقودها هي الأكثر فعالية في التاريخ السياسي المعاصر لليمن كما أنها الأكبر عدداً ، والحزب الذي يقوده يضم في داخله جماعة الإخوان المسلمين بعد أن تمت في العام 1989م الوحدة بين الشيخ عبدا الله بن حسين الأحمر والشيخ عبد المجيد الزنداني قائد حركة الأخوان المسلمين ، فخرج إلى الوجود حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يعتبر الرقم الصعب الآن في الخريطة السياسية لليمن الموحد . وللشيخ عبدالله الأحمر تاريخ عريض في النضال السياسي من أجل الجمهورية ونضال آخر من أجل الوحدة ، ولم يكن صدفة أنه أثناء إجراء هذا الحوار مع "الوطن العربي" اتصلت به وكالة الأنباء الفرنسية تطلب تعليقه على بعض ما يدور في صنعاء من أحداث ، فالرجل محط أنظار الإعلاميين المتابعين لليمن في مرحلة تحولها الداخلي وفي علاقاتها العربية . وليس خافياً على المراقب السياسي الراصد لحركة التطور في اليمن ، الدور الذي يلعبه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لترطيب الأجواء بين بلاده وبين غير بلد عربي خليجي ، خصوصاً المملكة العربية السعودية ، وهي الأجواء التي كانت تأثرت بأزمة الخليج وتداعياتها . في منزله ووسط حشد من المشايخ ، جرى هذا الحوار الذي لا يخلو من الصراحة . • ما فات أكثر مما هو آت بالنسبة للمرحلة الانتقالية لدولة الوحدة ، وبعد عدة أسابيع ستدق الانتخابات الأبواب ، والسؤال هنا ما هو تقويمكم للفترة الانتقالية؟  المرحلة الانتقالية وجدت لكي تتمكن الدولة من إنجاز العديد من المهام الوحدوية ، وقد تحددت هذه المرحلة في الدستور بستة أشهر فقط ، لكن حدث اتفاق بين الحزبين على إطالة الفترة حتى وصلت إلى (30) شهراً ، والسبب في ذلك يرجع إلى الحزب الاشتراكي اليمني الذي يعاني في داخله ، ومع المجتمع مشاكل بالجملة ، وقد تصور أن تمديد المرحلة الانتقالية سيمكنه من ترتيب أوضاعه ، لكنني أعتقد أنه لم ينجح . • في اعتقادكم هل تم فعلاً توحيد المؤسسات الشطرية ودمجها ، أم ما زال بعضها شطرياً ؟  الواقع أنه مازالت بعض المؤسسات غير موحدة ، وربما يعود ذلك إلى الظروف التي أحاطت بالمرحلة الانتقالية ، حيث وقعت أزمة الخليج ، وظهرت المشكلة الاقتصادية في اليمن ، وبرزت قضية العمالة العائدة من دول الخليج ، وقد تسببت هذه المشكلات في تعطيل عملية الاندماج الوحدوي . • في المرحلة الانتقالية للوحدة برزت عملية الاغتيالات السياسية ، ونسبة كبيرة منها وقعت ضد قيادات في الحزب الاشتراكي ، ودعني أكون صريحاً وأقول أن كثيرين أشاروا بأصابع الاتهام لحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تترأسونه ، ما هو ردكم ؟  إنني سأكون أيضاً صريحاً ، وأؤكد أن التجمع اليمني للإصلاح أرقى من هذه الأساليب ، نحن لا نمارس الغيبة والنميمة أو القتل غدراً وبالعكس فإن شعارنا الأساسي هو المواجهة بالحوار ومقارعة الحجة بالحجة ، ولدى حزبنا رجال على درجة من التعقل ، وتحمل المسؤولية أكثر مما لدى أي حزب آخر في اليمن . • ما هو تفسيركم لظاهرة الاغتيالات إذاً ؟  هناك مبالغة وتهويل إعلامي وسياسي حول حوادث العنف ، لأن أغلب هذه الحوادث ليس له طابع سياسي ، فهي حوادث جنائية ، سواء ثأر أو مشكلات على حدود ، أو علاقات مالية متشابكة بين بعض الناس ، وهذه حوادث تقع في أي مكان في العالم لكن في اليمن ثمة من يعطي هذه الحوادث معنى سياسياً لغرض في نفس يعقوب ، أنني أؤكد أن (90) في المائة من هذه الحوادث ليس لها طابع سياسي . • ولماذا يتهمون حزبكم بالتحديد بأنه وراء هذه الحوادث ؟  لأنهم فاشلون ، وبالمناسبة أن أحداً لم يتهمنا صراحة ، لكنهم يغمزون ويلمزون ، وهذه سياسة الضعفاء . • هل تعتقد أن استمرار مسلسل الاغتيالات سيؤثر على مناخ إجراء الانتخابات ؟  لا أعتقد ، ذلك لسبب بسيط هو أن في اليمن مشايخ القبائل والعلماء والمثقفين والضباط الأكفاء ، وإذ تضافرت الجهود وصدقت النوايا فإن الانتخابات ستمر في هدوء ، وأهم شرط هنا هو أن تجرى الانتخابات بديمقراطية كاملة ، وأن لا تتدخل أجهزة الدولة سواء عن طريق الترغيب أو الترهيب ، نحن نريد انتخابات نظيفة تعتبر قدوة وأساساً لأي انتخابات تجرى فيما بعد . • هل تشعر أن وجود اللجنة العليا للانتخابات يوفر حداً منطقياً من الضمانات المطلوبة ؟  اللجنة العليا تضم عناصر جيدة ، وهي تجمع في عضويتها أغلبية الأحزاب ، والمهم أن تعطى الفرصة الكاملة لتقود الانتخابات وتشرف عليها وفق قواعد العدالة والنزاهة والحرية الكاملة لإجراء الانتخاب ، وقد اختار مجلس النواب هذه اللجنة ونأمل أن توفق في مهمتها . • ما هو موقفكم من الحزب الاشتراكي المشارك في السلطة الآن ؟  نحن مختلفون معه ، ومع ذلك نحاوره . • هل يمكن أن يصل هذا الحوار إلى تحالف انتخابي وقائمة موحدة ؟  لا ، لن يحدث ذلك بأي حال ، فالحوار حالة مطلوبة بشكل دائم ، ونحن نتحاور مع الجميع لأننا أبناء وطن واحد ، أما التحالف فيقتضي اتساقاً أو على الأقل اقتراباً في البرامج السياسية وهذا غير موجود بيننا وبين الاشتراكي . • هل هذا الاقتراب موجود مع المؤتمر الشعبي ؟  ما يجمعنا والمؤتمر الشعبي تواصل مشترك قائم على الشريعة الإسلامية ، فالميثاق الوطني منبثق من الشريعة وينادي بها باعتبارها المصدر الأساسي للتشريع . • إذن تقبلون التحالف مع المؤتمر ؟  نحن لم نناقش هذا الموضوع داخل حزبنا على الأقل في هذه المرحلة. • حاورتم حزب البعث الاشتراكي اليمني ونسقتم معه ، هل تفكرون في التنسيق والتحالف مع الناصريين ؟  نحن نؤيد الحوار مع الجميع ، وما يحدد تحالفاتنا هو مدى اتفاق أي حزب معنا على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد ونحن حاورنا البعث والناصريين ، وبصفة عامة نفضل التحالف مع الأحزاب الصغيرة ، أكثر من الأحزاب الحاكمة . • يتردد في الشارع اليمني أن هناك خلافاً داخل حزبكم مع جماعة الأخوان المسلمين التي يمثلها الشيخ عبد المجيد الزنداني ؟  هذا غير صحيح نحن تنظيم سياسي إسلامي يجمع بين جوانحه جميع فئات الأمة ، المشايخ والعلماء والتجار ، وليس هناك أي خلاف في صفوفنا ، فنحن والأخوان نكمل بعضنا . • يعتقد كثيرون أن حزبكم خاض غير معركة سياسية ضد حكومة الحزبين لكنه خسرها ، بدليل معارضتكم للخطة الأمنية ومعارضتكم للدستور ، ثم قانون التعليم ، فما هو تعليقكم؟  نحن حزب في الشارع ولسنا في السلطة ، نحن معارضون ولا ينتظر أن نكسب الجولات ، ويكفي أن حزبنا تحمل القسط الأكبر من المعارضة السياسية سواء داخل البرلمان أو في الشارع ، ونحن فخورون بما نحققه ، لأن عيوننا على الجماهير ونحن نخاطبها بصورة أساسية ولا نخاطب الحكام لأننا نعارضهم . • هل ترى أن قانون التعليم الذي عارضتموه مخالف للشريعة الإسلامية ؟  أنني لا أستطيع أن أجزم بذلك ، لكنني في الوقت نفسه أؤكد أنه قانون ضعيف ، وهزيل أعد على عجل ، ولم يأخذ مداه في المناقشة ، والحكومة لم تستمع إلى كل الآراء قبل صدوره . • كيف تنظرون إلى التعدد الحزبي الذي زاد عن (45) حزباً في اليمن هل هي ظاهرة صحيحة ؟  في إطار معطيات اليمن وظروفه نقول أنها منطقية وصحيحة ، لأنه قبل الوحدة لم تكن هناك أحزاب ، كان الحزب الشيوعي الذي هو الآن الحزب الاشتراكي هو الحزب الوحيد وكانت الانتخابات مقصورة عليهم وحدهم وبقية قوى الشعب معزولة تماماً ، وعندما جاءت الوحدة مقرونة بالديمقراطية خرجت قيادات سياسية تحاول التعبير عن نفسها فشكلت الأحزاب والصحف الموجودة حالياً كظاهرة صحية ، تجسد رغبة الشعب اليمني في إدارة شئونه السياسية والحياتية . • وما هي توقعاتكم لمستقبل التعددية الحزبية في اليمن ؟  أتوقع أن تسفر التجربة عن 6 إلى 8 أحزاب كبيرة تختزل في داخلها الآراء والاتجاهات السائدة في اليمن ، فالأحزاب الصغيرة مرشحة بدرجة أو بأخرى للاندماج في أحزاب أكبر منها ، لأن ممارسة العمل السياسي لا تتوقف عند حدود الرغبة ، وإنما هناك أهمية للإمكانيات والخبرة . • كيف تنظرون إلى حزبكم هل هو منافس أم بديل ؟  في ضوء فهمنا للديمقراطية ، وأحد شروطها الأساسية حق تبادل السلطة بطرق سياسية وشرعية نقول أننا حزب بديل ينافس على السلطة . • ما هي أقصى آمالكم في الانتخابات المقبلة ؟  تحقيق النجاح في أكبر عدد ممكن من الدوائر ، والوصول إلى البرلمان ، وتشكيل الحكومة ، أظن أننا لا نختلف في ذلك عن أي حزب له طموح . • منذ عدة شهور وقع حادث اعتداء بالضرب على فتاة جامعية كانت في طريقها إلى الجامعة ، وصرخ فيها المعتدي بضرورة عودة المرأة إلى البيت ، ماذا كان موقفكم من هذا الحادث ؟  في الحقيقة ليست عندي تفاصيل هذا الموضوع ، وربما كانت المرة الأولى التي أسمع عنه ، لكن على أي حال ، موقف حزبنا من قضية المرأة واضح لا يحتمل اللبس ، فالمرأة نصف المجتمع ، وهي شقيقة الرجل في الحياة ، لها كافة حقوقها وعليها واجباتها . • قمتم بجهود حميدة لترطيب الأجواء بين بلدكم والمملكة العربية السعودية فيما يسمى الدبلوماسية الشعبية ، ما هي نتائج هذه الجهود ؟ وهل ستواصلونها على الصعيد العربي كله ؟  بداية ليس هناك في السياسة موقف أبدي ، لكن هناك مواقف مبدئية ، وبالنسبة لنا فعلاقة اليمن مع المملكة العربية السعودية هي علاقة الأخوة في العروبة والإسلام ، وهي علاقة التلاحم والتعاضد والتعاون ، وهذا الأمر يسري على جميع الدول العربية التي لها مبادئ واحدة ولغة واحدة ، وإذا حدث ما يعكر الصفو في وقت ما فهو غير دائم ، ونحن نشعر الآن بتحسن في علاقات اليمن مع جميع الأقطار العربية وفي مقدمتها المملكة . • وما هو ردكم على الذين يقولون أن التعددية الحزبية متناقضة مع روح الإسلام وتعاليمه؟  التعددية الحزبية إذا كان الهدف منها مصلحة الوطن ، وتنطلق من أسس إسلامية راسخة ، فلا ضير منها ، بل هي ضرورة ، لأن الإسلام أقر مبدأ الشورى ، أي حق إبداء الرأي ، وليس هناك تعارض بين الشورى والديمقراطية من الناحية المبدئية ، والمهم هنا هو الغرض أو الهدف . • كيف تنظرون إلى موجات العنف الأصولي المتفجرة في غير قطر عربي مثل السودان ومصر والجزائر ؟  في الحقيقة أنني أرد الظاهرة إلى غياب المنابر والأحزاب التي تسمح للشباب في كثير من الدول العربية بالتعبير عن وجهات نظرها ، وإذا كان التطرف مرفوضاً ، فإن هذا الرفض يسري على الحكومات كما يسري على المحكومين ، والإسلام دعا إلى الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن . • بنفس الصراحة التي بدأنا بها ، أوجه سؤالاً ختامياً : هل تتفق مع الآراء القائلة بأن المجتمع اليمني مهدد في ظل الاغتيالات السياسية والأزمة الاقتصادية بحدوث ردة عن الوحدة ؟  أعوذ بالله ، قالها الشيخ عبدالله الأحمر بلهجة حاسمة وأضاف : أن الردة عن الوحدة في نظرنا كالردة عن الإسلام ، ولست أعرف مصلحة الذين يعادون الوحدة والديمقراطية لكنني أعرف أننا مصممون وقادرون بإذن الله على حماية الوحدة من أعدائها .

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp