الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر للوسط العدد (143) 24/10/1994م (الحلقة الأولى) : لن يحكم علماني اليمن ولو فنينا

 

مجلة الوسط العدد (143) 24/10/94م (الحلقة الأولى)

 

-       لن يحكم علماني اليمن ولو فنينا :

-       آل الأحمر يتولون مشيخة (حاشد) منذ أكثر من 300سنة.

-       قال لي الإمام أحمد : سأقطع رؤوس زعمائكم وسأهدم بيوت آل الأحمر.

 

الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر سياسي يمني مخضرم. عاصر الأحداث السياسية في اليمن خلال العهد الأخير من مرحلة الحكم الإمامي، ولا يزال يلعب دوراً أساسياً منذ اندلاع ثورة 1962م الجمهورية وحتى اليوم. تولى مسؤوليات قبلية منذ أن بلغ السادسة عشرة ، ومسؤوليات سياسية في أعلى مراتب الدولة الجديدة والنظام الجمهوري. وهو يشغل الآن منصب رئيس البرلمان اليمني ورئيس التجمع اليمني للإصلاح وشيخ مشايخ قبيلة حاشد. ويعتبر الشخصية الثانية في الدولة بعد الرئيس علي عبدالله صالح.

ولد الأحمر في العام 1933م في حصن حبور المعروف بـ"ظليمة حاشد" في محافظة حجة. وهو وريث سلسلة من مشايخ آل الأحمر الذين تولوا مشيخة حاشد قبل أكثر من 300 سنة من دون انقطاع وحاشد ائتلاف قبائل متفاوتة الأهمية والحجم. وتعتبر قبائل حاشد وبكيل ومذحج الجسم الأكبر للمجتمع اليمني المبني أساساً على العلاقات القبلية والعائلية خصوصاً في المحافظات الشمالية من البلاد وتظل بكيل أكبر القبائل اليمنية وأوسعها انتشاراً .

لا يحب الأحمر الحديث عن حياته الشخصية، وعندما يتحدث عن عائلته يستخدم عبارات من نوع الوالد وليس والدي ويذكر بدلاً من أخي اسم أخيه حميد مجرداً من النسب . لكن المحيطين به يقولون أنه تزوج مرات وأنجب عشرين طفلاً بين ذكور وإناث وأنه تزوج في المرة الأولى وكان عمره 17 عاماً . وللشيخ عبدالله نجل هو حميد الأحمر أو الولد حميد كما يسميه وهو عضو في مجلس النواب ويرتبط الأحمر بمصاهرة مع شيخين يمنيين عبر شقيقتيه الوحيدتين الأولى متزوجة من العميد مجاهد أبو شوارب (حاشد) والثانية من محمد أبو لحوم (بكيـل) وهو دبلوماسي مقيم في باريس في صورة شبه دائمة.

ذاكرة الشيخ الأحمر تضم أحداثاً ملكية بتواريخ هجرية، وجمهورية بتواريخ ميلادية . وهو في حديثه الطويل مع الوسط ينسب الأحداث الإمامية إلى التاريخ الهجري والجمهورية إلى التاريخ الميلادي وحافظنا على التواريخ كما وردت في الحديث.

تناول الحديث مع رئيس مجلس النواب اليمني طول الفترة الأمامية منذ كان يافعاً وتطرق إلى ظروف نشأته الدينية والسياسية وإلى مشيخة آل الأحمر في حاشد وكشف ظروف إعدام والده وأخيه بعدما فشلت محاولة إطاحة الإمام أحمد (1959م) وفق مخطط ناصري بالاتفاق مع ولي العهد والإمام اللاحق محمد البدر بن أحمد بن يحيى حميد الدين والمعروف باسمه المختصر البدر.

وتتناول الحلقة الأولى من الحديث ذكريات الأحمر عن مجالس الأئمة وسجونهم ونظرتهم إلى رعاياهم وعلاقاتهم بهم ودور حاشد سواء في نصرة الأئمة أو التمرد عليهم. ويكشف جانباً من الدور السياسي المصري في اليمن. كما يتحدث عن مواقف المشايخ والعلماء والمثقفين ورجال السياسة الجمهوريين من التطورات السياسية خلال المرحلة الأمامية.

وأكد الشيخ الأحمر في حديثه الطويل أنه يمكن التوفيق بين الشريعة الإسلامية والديمقراطية وقال : نحن نؤمن بالديمقراطية إلا ما يتعارض منها مع حكم الله. وشدد على أنه لن يحكم اليمن علماني أبداً أبداً ولو فنينا. وأضاف : لو حصلنا في الانتخابات المقبلة على الغالبية الساحقة لن نتولى الرئاسة الأولى لأننا مؤمنون بأن المسئولية يجب أن تكون مشتركة بين كل الأحزاب.

·      هل لنا أن نعرف شيئاً عن ماضيك؟ نشأت في العهد الملكي وأنت مسئول الآن في نظام جمهوري، كيف بدأ تكوينك السياسي وكيف تفتح وعيك الإسلامي؟ هل درست في مدرسة دينية؟

§      الشعب اليمني بأسره هو نتاج بيئته الزاخرة بالاتجاهات الإسلامية والسلوك الإسلامي والآداب الإسلامية كانت هناك مدارس في البيوت لتدريس تعاليم القرآن ومبادئه. أذكر أننا عندما كنا صغاراً كنا ننهض لتأدية صلاة الفجر مع النساء والرجال وكل من في المنزل ولا نعود بعد الصلاة إلى النوم.

·      يصلي الرجال والنساء معاً؟

§      لا كل على حدة ، بعد صلاة الفجر لا ننام كل يمسك بمصحفه ويقرأ القرآن حتى تأتي ساعة الفطور فنتناول الطعام ويذهب كل إلى عمله وكان لدينا في المنزل مسجد خاص بنا نؤدي فيه الصلاة فضلاً عن مسجد للجميع في القرية . أذكر أن بيوتاً كثيرة كانت تضم مساجد خاصة كان الأطفال يقرؤون القرآن ويتسامعون لذا كان كل طفل ينشأ نشأة قرآنية متشبعاً في الأصل من بيئته الإسلامية.

·      لم تتعرف خلال نشأتك إلى أي شخص علماني؟

§      ما فيش حتى في المدن الكبيرة وفي العاصمة صنعاء فما بالك في الريف كان الذي يقطع الصلاة والذي لا يشاهده الناس وهو يصلي يعتبر منبوذاً لذا لا يتجرأ أحد على قطع الصلاة . يجب لفت الانتباه إلى أنه في تلك الفترة ، لم تكن توجد اشياء تجذب الرجال والنساء وتدفعهم إلى السهر حتى منتصف الليل لا نوادي ولا تلفزيونات ولا شيء من هذا. عند التاسعة مساء كان الجميع يخلد إلى النوم ثم النهوض للصلاة فجراً وفي الصباح يذهب الصغار إلى الكتاتيب إذ أن المدارس لم تكن متوافرة في حينه، وبالنسبة إلى الشبان كانت توجد مدارس علمية وحلقات في المساجد.

·      هل تذكر المرة الأولى التي صمت فيها خلال شهر رمضان؟

§      كان الصوم يبدأ بمجرد أن يتحمل الطفل أعباء الصوم في سن العاشرة وما فوق. أما من هم أقل من العاشرة فيصومون نهار الجمعة أو الخميس أو يومين في شهر رمضان وكانت الأم تشجع ابنها على الصيام.

وكان الأب يحض أولاده على تأدية هذه الفريضة لم يكن الطبيب يمنع صيام الطفل كما يحصل الآن وكان المفهوم الإسلامي الطاغي هو علموا أطفالكم الصيام من سن السابعة واضربوهم ابتداء من العاشرة إذا لم يلتزموا الصلاة والصيام.

·      هذا الأمر كان قاصراً على بيتكم أم أنه معروف في كل أنحاء اليمن؟

§      لا ، لا ، عند غيرنا أكثر منا ، لا بديل من الاتجاه الديني عند الشعب اليمني وهذا شيء يأتي معنا بالفطرة نشأنا بحمد الله نشأة إسلامية متدينة .

·      ماذا كان موقع عائلتك في ذلك الحين؟

§      كان الوالد ومن قبله الأجداد يحتفظون بمكانة خاصة في البلد عند الدولة وكانت الدولة عندما تعاني من الضعف تطلب مساعدتهم فينصرونها. جدي لوالدي، الشيخ ناصر ، تدخل ذات مرة في رفع أحد الأئمة إلى السلطة، ففي العام 1321 هجرية توفي الإمام وجرى التداول في اختيار خليفة له فاجتمع العلماء والمشايخ لمبايعة الإمام الجديد وكانت المبايعة تتم على الطريقة الإسلامية وكان محضوراً دفن الإمام قبل اختيار خليفة له. اجتمع العلماء والمشايخ أذن لمبايعة الخليفة وجاءوا من كل أنحاء البلاد وكان عليهم أن يختاروا من بين المتنافسين على الخلافة كان جدي ناصر حاضراً.

كان على الخليفة أن يكون حائزاً 14 شرطاً تنص كلها على أن يكون الحاكم عادلاً ونزيهاً وشهماً وقوياً وعالماً ..الخ.

·      من كان يحكم على صلاحية الشروط، بعبارة أخرى من يقيسها أو يحددها؟

§      علماء الدين ، أعود إلى الرواية الأولى ، عندما اجتمع العلماء والمشايخ والوجوه للنظر في هذا الموضوع توصلوا إلى اقتناع بأن الإمام يحيى يحوز 13 شرطاً وينقصه شرط واحد. ساعتئذ تقدم جدي ناصر ورفع عصاه وقال للحضور هذا هو الشرط الرابع عشر المكمل للشروط وخاطب الجميع بقوله : الخليفة هو الإمام يحيى فقال العلماء حسناً وهكذا أصبح يحيى إماماً بفضل ضمانة جدي للشرط الرابع عشر . أكرر القول كنا نحن بيت الأحمر وغيرنا من المشايخ ننصر الدولة عندما تكون ضعيفة . وكان المشايخ قادة جيوش الدولة التي لم تكن تحتفظ بجيوش نظامية.

أذكر هنا أن الإمام يحيى وأتباعه كانوا بمثابة اللاجئين عندنا في حاشد يوم كان الأتراك يحتلون صنعاء عشية الحرب العالمية الأولى لكن كانت لهم حظوة في أوساط البلاد والناس وكانوا محبوبين ومكانتهم كبيرة لأنهم كانوا يتعاملون مع الناس كأنصار وليس كرعايا. ولكن عندما دخل الإمام يحيى صنعاء بعد انسحاب الأتراك في الحرب العالمية الأولى انقلب أسلوبه ولم يعد يتعامل مع المشايخ، ومن بينهم جدي كما كان يتعامل معهم من قبل.

في صنعاء أراد الإمام يحيى أن يتعامل معهم بصفته حاكماً وبوصفهم مواطنين ورعايا لذا وقعت مشاكل بين جدي والإمام قبل أن يتوفى. لم يتمكن الإمام يحيى من عمل شيء ضد جدي ناصر قبل وفاته سنة 1340هجرية . وبعد وفاته وقع الاختيار على والدي وأخوته لتحمل شئون المشيخة وأصبحوا مسئولين عن حاشد.

·      ما هو التاريخ الذي بدأت به مشيخة بيت الأحمر في حاشد؟

§      بدأت مشيختنا على حاشد من العام 1060 هجرية.

·      يعني ذلك أنكم مشايخ منذ حوالي 350 سنة من دون انقطاع؟

§      من دون انقطاع، ربما كان أحد المشايخ أضعف من الذي سبقه. وربما برز شيخ أكثر من غيره ، لكن المشيخة كانت وما زالت لنا منذ ذلك التاريخ.

·      هل يمكن أن تسمي سلسلة المشايخ ممن سبقوك؟

§      نعم، كان جدي الأول الذي تسلم مشيخة حاشد هو علي بن قاسم الأحمر. اختلف في حينه مع الإمام منصور حسين وذهب على رأس جيش إلى صنعاء أرسل إليه الإمام رسولاً في محاولة للتوسط وطلب منه اللقاء خلف السور ، وكانت صنعاء مسورة حينذاك . في هذا الوقت كان الإمام طلب من عبيده سراً أن يغدروا بجدي فغدروا به وقتلوه وهرب الإمام إلى داخل صنعاء وأمر بإغلاق أبوابها وكان جدي هذا أبرز مشايخ آل الأحمر وجاء بعده الشيخ قاسم ثم الشيخ مصلح ثم الشيخ صالح وبعده الشيخ مبخوت وخلفه ناصر بن مبخوت وأتى بعده الشيخ حسين بن ناصر ثم عبدالله بن حسين الأحمر.

·      هل تحدثنا عن مصير هؤلاء المشايخ. هل كانوا يموتون على فراشهم أم اغتيالاً كما هي الحال بالنسبة إلى جدك الأول علي بن قاسم الأحمر؟

§      لم يعدم إلا جدي علي ووالدي حسين بن ناصر . ولكن كان يقتل مشايخ أثناء المعارك.

·      نعود قليلاً إلى الوراء، كيف تفتح وعيك السياسي ، هل يربي الشيخ أولاده تربية سياسية باعتبار أن أحدهم سيخلفه؟

§      كان الشيخ يربي أولاده تربية سياسية واجتماعية ويشدد على الناحية الاجتماعية أكثر من أي شيء آخر. لكن المشايخ كانوا يتعلمون في مدرسة الحياة أولاً وأخيراً. عندما توفي جدي لوالدي ناصر، عاد الإمام إلى مواجهة والدي وأعمـامي فسجنهم وأتعبهم بوسائل وطرق كررها مراراً من سنة 1340هجرية حتى سنة 1382هجرية ، أي لأكثر من 40 سنة عانوا خلالها كثيراً. كانت لدينا أملاك تستر على حالنا، ولولا هذه الأملاك لكان من الصعب علينا أن نقاوم ونصمد لأن مزايدات الإمام كانت كبيرة وحبوساته كثيرة بحق العائلة.

أما أنا فتسلمت مسئولية حاشد في سن الـ16 وأصبحت المسؤولية بوجهي في المنطقة ، لأن الوالد كان مسجوناً مع أخي حميد بعد مقتل الإمام يحيى سنة 1948 ميلادية.

عندما قتل الإمام يحيى خلفه الإمام أحمد الذي اعتقل أخي حميد في مدينة تعز عندما دخل مقامه ليسلم عليه فكان علي ساعتئذ أن أتحمل مسئولية المشيخة ولي من العمر 16 سنة . توليتها بقدر الإمكان طبعاً . وكان ذلك في سنة 1950م في ذلك الحين توجهت إلى قصر الإمام للمطالبة بإطلاق والدي الذي كان مسجوناً في تعز.

·      ذهبت على رأس وفد من حاشد أم منفرداً؟

§      اصطحبت معي مرافقين فقط. لم يستجب الإمام طلبي على الفور، لكنه وافق بعد سنة ونصف سنة على إطلاقه على أن يذهب إلى البلاد لمدة ثلاث أو أربعة أشهر وسجنني بدلاً منه. والسجن ليس كما هو اليوم خصوصاً بالنسبة إلى المشايخ وذوي المراتب الاجتماعية العالية . كانت لدى الإمام طرق عدة للحبس بعضها أشبه بالإقامة الجبرية ولكن ليس في بيت الشخص المعني وإنما في مقر الإمام. وأنا لم أكن محبوساً في السجن ، وإنما في مكان يراقبه العسكر ويحرسونه.

منذ العام 1950 دخلت في شريط من الأحداث السياسية وكان علي أن أحتك بالناس والعلماء والسياسيين . وهذا مصدر كبير للمعرفة لأن الإنسان لم يكن يعرف شيئاً إلا في العاصمة وكان مقام الإمام في العاصمة مقراً يجتمع فيه العلماء والمشايخ والمثقفون وتتم فيه مداولات مهمة لم تكن الوسائل الإعلامية متوافرة في ذلك الحين كما هي الحال اليوم ولم تكن تنقل المعرفة إلى البيوت المنعزلة في القرى النائية . هكذا دخلت منذ 50 سنة في معترك الحياة السياسية والاجتماعية.

·      ما هي المواصفات التي يجب أن يتمتع بها الشيخ وهل تكفي الوراثة وحدها؟

§      لا .. أبداً . ليس بالوراثة يصبح المرء شيخاً بعد الأب تجتمع القبيلة وتوقع صك اختيار الشيخ البديل.

·      …وفقاً لأية شروط؟

§      الشروط كثيرة من بينها السلوك الخلقي الجيد وهذا الشرط يأتي في الطليعة. ناهيك عن الاستقامة وأداء الفرائض الدينية والعبادات.

·      هل للشجاعة دور حاسم في اختيار الشيخ؟

§      الشجاعة والأخلاق والمقدرة على العطاء وحسن المعاملة..الخ.

·      هل يدخل الغنى المادي عنصراً حاسماً في اختيار الشيخ؟

§      لا .. أبداً .

·      عندما عينت شيخاً هل كان في حاشد من هم أكثر غنى منك مادياً؟

§      طبعاً ولكن في المناطق الشمالية من اليمن لا يوجد عموماً أغنياء. الغنى المادي ليس من العناصر المؤثرة في اختيار الشيخ.

·      هل يجب على الشيخ أن يجيد فنون القتال باعتبار أن القبائل كانت بمثابة جيوش للأئمة ومشايخها قادة لهذه الجيوش؟

§      لا يخضع الشيخ لاختبار معين لمعرفة هل هو مقاتل أم لا. هذا الأمر لم يكن وارداً.

·      لكنك تجيد فنون القتال؟

§      هذا معروف عند الناس ، ولا حاجة إلى الحديث عن هذا الجانب . إن طبيعة حياتنا في المجتمع اليمني كانت تقتضي ذلك لكن هذا الأمر ليس شرطاً لكن من الشروط المهمة: الحفاظ على الشعائر الإسلامية وحسن السلوك. والتعامل مع الآخرين والمقدرة والكفاءة..الخ.

·      سجنت سنة 1950 ميلادية فكم دام سجنك؟

§      بقيت مسجوناً بدل الوالد حتى سنة 1953م.

·      هل تصف لنا السجن؟

§      كان سجناً محترماً. إنه سجن تحفظي في قصر الإمام وليس سجناً كالسجون العادية. فأنا لم أرتكب جريمة.

·      هل كنت تحضر الجلسات التي كانت تعقد في قصر الإمام؟

§      إذا رغبت في ذلك كان يجب طلب استئذان من الإمام وبعدها يسمح لي بالحضور.

·      عرفت الإمام أحمد فما هو انطباعك الشخصي عنه؟

§      شخصية نادرة، شهم شجاع كريم عالم شاعر محنك جبري صاحب قرار صاحب رأي ظالم مستبد.

·      ماذا فعلت بعد خروجك من السجن عام 1953؟ إلى أين توجهت؟

§      عدت إلى قبيلة حاشد ومعي أخي حميد الذي يكبرني بحوالي سنتين. وحصلت له على ترخيص من الإمام إلى نائب حجة حيث كان مسجوناً وذلك لكي يتزوج. ومدة الترخيص 3 أشهر ، ولم يكن حميد قد تزوج بعد. أنا تزوجت قبله في سن الـ17 وعاد أخي بعد زواجه إلى تعز بدلاً من حجة وهناك فاجأ الإمام بوجوده. فرحب به وبقي هو ووالدي في مقام الإمام.

·      ماذا كان موقفه من حركة التمرد عام 1955م؟

§      كان يقاتل إلى جانب الإمام وكان موجوداً معه.

·      لماذا قاتل مع الإمام؟

§      كان السياسيون والمفكرون يرون حينذاك أن الإمامة يجب أن تبقى للإمام البدر. وكان في حينه ولياً للعهد وكانوا يراهنون عليه آملين أن يكون منفتحاً وأن يغير البلاد ويرفع مكانة اليمن . وكانوا يعتقدون بأن خروج الإمامة من أبيه وتحويلها إلى سيف الإسلام الحسن وعبد الله بن الإمام سيؤديان إلى قيام نظام أكثر تشدداً وأسوأ وأقسى من النظام القائم ، لذا وقفوا إلى جانب الإمام أحمد وابنه البدر.

·      وقفوا مع الإمام الذي أعدم في ما بعد والدك وأخاك؟

§      لم يكن أخي وحيداً في هذا الموقف فقد التف حول الإمام رجال السياسة والعلماء والمشايخ والمثقفون ومن ضمنهم القاضي عبد الرحمن الإرياني والعمري والسلال وغيرهم التفوا جميعاً حول الإمام أحمد وانتزعوا منه ولاية العهد للإمام البدر وكان منافس البدر في حينه عمه حسن فتغلبنا على هذا الأخير وحصلنا على ولاية العهد للبدر الذي كان مصدر آمال كبيرة للجميع في حينه.

وهنا ألفت الانتباه إلى أن الإمام أحمد كان مريضاً وكان الجميع يراهن على موته المبكر. لذا اجتهدوا لتولية البدر. لكن أحمد لم يمت كما كان متوقعاً وكان الجميع يخاف أن يؤثر الهاشميون وأسرة حميد الدين في قرار الإمام أحمد بالنسبة إلى تولية البدر ونزع الولاية منه وإعطائها لأحد إخوته.

مع اشتداد المرض على الإمام. قرر الذهاب إلى روما للعلاج سنة 1959 ميلادية. وكان البدر متفقاً مع الشخصيات التي ذكرتها على الإصلاح وبدأت الخطط ترسم في هذا الاتجاه خلال غياب الإمام الذي كان أنصاره في صنعاء وفي اليمن فأرسل هؤلاء من يخبره بحقيقة ما يرتب للبلاد من التيار المتمحور حول البدر. لذا عجل الإمام عودته واختصر إقامته في روما.

وكان المصريون في حينه ضالعين في خطة تعيين البدر بدلاً من الإمام أحمد وكان جمال عبد الناصر ظالعاً في هذه الخطة وكانت تربطه علاقة جيدة مع البدر من خلال سفيره في صنعاء.

·      علاقة خفية أم ظاهرة؟

§      خفية وظاهرة . ظاهرة باعتباره ولياً للعهد وإمام المستقبل اتفق البدر في حينه مع عبد الناصر على أن الإمام إذا رجع من روما سيمر حتماً في مطار القاهرة فيحتجزه عبدالناصر في مصر ويضعه قيد الإقامة الجبرية ويظل هناك لتمضية ما بقي من حياته فيتاح للبدر تسلم الحكم من أجل إصلاح الأوضاع في اليمن.

عندما علم الإمام أحمد بالخطة المدبرة، امتنع عن ركوب الطائرة وقرر العودة إلى اليمن بالباخرة والواقع أنه تبلغ الخطة وهو في الجو فأمر قائد الطائرة بالعودة إلى روما ومنها ركب الباخرة ، ولدى مرور الباخرة في قناة السويس ألتقاه جمال عبد الناصر وطلب منه النزول في القاهرة ورفض الإمام وواصل سفره حتى ميناء الحديدة وهناك أعلن الصرخة الكبرى الشهيرة التي قال فيها أن الإمامة لا يطوي لها علم، وأن من يريد أن يجرب حظه فلينزل إلى الميدان وأنه سيقطع رأس كل من يتحرك ضده وقال : لا أبالي من أحمر ولا أصفر ولا أخضر.

·      الأحمر إشارة إليكم؟

§      نعم . وهدد بقطع الرؤوس بالسيف ونفذ تهديده فلم تمض إلا أيام حتى جهز جيشاً كبيراً ضد قبيلة حاشد. ثم جاؤوا بوالدي الذي دخل إلى مقام الإمام وسلم نفسه. أما أخي حميد فهرب وكان مقرراً أن يذهب إلى بيحان.


·      هل قاتلت حاشد دفاعاً عن والدك وأخيك؟

§      لم يقاتلوا تخاذلوا. وعندما وصل حميد إلى الجوف في طريقه إلى بيحان قبضوا عليه وكان الوالد يظن أنه نجا وأصبح في بيحان.

·      أين كنت في ذلك الحين؟

§      كنت عند الإمام كان عدد كبير من المشايخ ملتفين حول الإمام البدر في صنعاء لكنهم هربوا بعد الصرخة التي أطلقها الإمام أحمد في ذلك الحين قال الوالد : ننزل عند الإمام وكان يسميه الإمام الفقيه وكان الإمام يحترمه كثيراً دخلنا مقام الإمام في الحديدة وخرجنا معه منها وجرت محاولات لتلطيف الأجواء ولكن من دون نتيجة. وعندما خرجت الجيوش إلى حاشد دخل الوالد في وجه البدر وهرب حميد أما أنا فأبقاني الإمام عنده إلى اليوم الذي قرر إعدام الوالد وأخي حميد. وبدلاً من أن يحتجزني عنده أرسلني إلى سجن المحابشة الواقع شمال مدينة حجة وفي المدينة نفسها أعدم والدي وأخي وبقيت أنا في السجن ثلاث سنوات.

·      هل كنت موافقاً على الرهان الذي عقده عبد الناصر والأحرار على البدر؟

§      كان البدر ضعيفاً وكان ضعفه سبباً في الرهان عليه، لأن الأحرار كانوا يعتقدون بأنهم سيقودونه كما يشتهون وكما كان ضعفه مفيداً في حال تسليمه الحكم ، كان مضراً عندما فشلت الخطة فهو أصيب بالانهيار عندما وصل والده إلى الحديدة ولم يعد قادراً على المواجهة وأذكر أنني دخلت إلى مقامه وقلت له لقد خرج الجيش الأمامي على حاشد والوالد وأخي حميد يعتمدان عليك فقال لي لا أستطيع أن أفعل شيئاً قل لحميد أن يهرب لم يتمكن البدر من عمل شيء. رجا الإمام أحمد كثيرا لكنه لم يستمع إليه وسخر منه وتحامل عليه ، لم ينفعنا ضعف البدر.

·      كيف تلقيت نبأ إعدام الوالد وحميد وماذا كان وقع الحدث عليك؟

§      تولدت لدي مشاعر إحباط ومشاعر حزن وأسى وحيرة ولكن لم يتملكني اليأس وأن الحياة لم يعد لها معنى . بقيت أنظر إلى المستقبل وأدير حاشد من السجن خلال 3 سنوات (1959-1962) ورسائلي إلى المشايخ تشهد على ذلك. وكان شركاؤنا وأولاد عمي والجميع مرتبطين بي وأنا في السجن.


·      كيف أعدم والدك وأخوك؟ هل وصفت لك العملية ما دام أنك كنت في السجن؟

§      تم الإعدام بطريقة سرية، لم يكن الإمام يعدم كبار الناس في الساحات العامة. تم الإعدام في السجن بواسطة السيف ولم يحضره أحد كنت أتوقع أن يحصل الإعدام منذ أن اعتقلني الإمام. وكنت أخاف أن يعدم الوالد لأنه شايب ومكانته كبيرة ولم يكن من الناشطين في الحركة كحميد ، راجعت الإمام قبل القبض على حميد فقال لي والله لن أدع رأساً إلا وأقطعه ولن أدع بيتاً من بيوت الأحمر إلا وأهدمه من الخصري إلى قلعة سنجد غرب حجة حيث يقيم آل الأحمر. عندما سمعت هذا الكلام أرسلت إلى الوالد وحميد رسالة طلبت فيها أن يقاتلوا ووصلت الرسالة وكان الوالد ما يزال في البيت في حاشد ، لكنه كان يعتقد بأن حميد هرب ونجا وكان يظن أن فرار حميد يحمي الجميع، وهو لم يكن خائفاً على نفسه ولكنه لم يعمل برسالتي.

·      ماذا كان رد فعل حاشد على مقتل الوالد ، وحميد ؟

§      والله تفاشلوا، عندما أعدم الإمام أخي حميد أبقى على الوالد 15 يوماً في سجن سري لمعرفة رد فعل حاشد ولم يكن أحد يعرف هل أعدم أم لا. وعندما أيقن أن حاشد لم تتحرك أعدم الوالد بعد 15 يوماً .

·      هل تأسف لهذا الموقف الذي اتخذته حاشد ؟

§      لا، لقد كفروا عن هذا الموقف عند قيام الثورة التفوا حولي التفافاً كبيراً وبذلوا تضحيات كبيرة وبذلوا خيرة رجالهم دافعاً عن الثورة.


  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp