الشيخ الذي فقدناه *د.عبدالعزيز المقالح

  نقلا عن صحيفة الصحوة    

 في بلادنا مشائخ كبار وكثار، مشائخ محترمون ومناضلون وعلى درجة عالية من الشهرة إلاَّ أنه عندما يقال «الشيخ» فإن الأنظار تتجه إليه وحده، إلى الشيخ عبداللّه بن حسين الأحمر وليس إلى سواه. فهو الشيخ الذي جمع المجد من أطرافه، واستطاع بذكائه وحنكته وحكمته أن يكون وسطاً ووسيطاً في كثير من المواقف الملتهبة، وحاول لا أن يكون شوكة الميزان في التوفيق بين القبيلة والدولة كما يقول البعض فحسب، وإنما بين القبائل نفسها وبين المشائخ أنفسهم، وكان رغم وضوح مواقفه الثابتة في كثير من القضايا وخلافه مع كثيرين سواء من محيطه القبلي أو من المحيط الثقافي والسياسي، كان قادراً على أن يرتفع فوق كل خلاف وأن يتحكم في عواطفه وأن يتجاوز الحساسيات الشخصية ولا يتوقف عند أخطاء المخالفين له في الرأي، حرصاً على الوفاق وتفادياً لأخطاء أكبر.

هذا هو الشيخ الذي فقدناه، وفقدته اليمن في وقت هي بحق أحوج ما تكون إليه وإلى أمثاله من الركائز الوطنية ممن يعرفون كيف يطفئون الحرائق في مهدها ويواجهون المشكلات بحكمة وصبر.. فقد عانى في حياته طويلاً واكتسب من التجارب ومن المعرفة بالناس ما جعله واحداً من أهم المراجع القبلية والمدنية، كما أن الحياة علمته أكثر مما تعلم الآخرون من الكتب والمدارس والجامعات، فقد دخل السجن في مطلع شبابه وشهد مصرع الشهيدين والده وأخيه واستعد للالتحاق بهما شهيداً في ساحة المواجهة التاريخية مع نظام التخلف والاستبداد لكن إرادة اللًّه أبقته إلى أن أطلقته الثورة من سجنه ليكون واحداً من أبنائها والمدافعين عنها حتى تمكنت من الوقوف على أقدامها واستطاعت أن تثبت للعالم أنها ثورة شعب وليست ثورة حفنة من الغاضبين والطامعين كما كانت أبواق العدوان والمرتزقة تصرخ ليل نهار.

 

لقد ذهب الشيخ إلى ربه راضياً مرضياً بعد حياة حافلة بالعظيم والجليل من المواقف العربية والاسلامية ومن الأعمال الوطنية التي حمته وجعلته يتبوأ هذه المكانة العالية في التاريخ الحديث لهذا الوطن. وإذا كان كثيرون قد أحبوه وأخلصوا لمواقفه فإن كثيرين قد اختلفوا معه وخاصموه لكن أحداً لا يستطيع أن ينكر أنه كان شخصية وطنية اعتبارية وأنه كان محل تقدير من الجميع. ولا يساورني شك في أنه سيكون في مثواه الكريم آمناً مطمئناً وواثقاً بأن جهوده وجهود المخلصين من أبناء هذا الوطن لم تذهب سدى بل أثمرت وطناً موحداً مؤتلفاً يحلم بمزيد من الحرية والعدل والتماسك الوطني غير ملتفت إلى دعاة الفرقة المذهبية والمناطقية، وكل من يلعبون بنار وقودها في كل الأحوال.

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp