الأحمر والكلمة المفتوحة * أحمد عثمان
نقلا عن صحيفة الصحوة
عامان ذهبا على رحيل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، هذا هو الزمن لايقف عند باب أحد ولا من أجل أحد، يمر كالبرق ويمرق كالسهم ويهرب كالأحلام، ووحده الذكر الجميل الذي يبقى ووحدها المواقف النبيلة تستعصي على مطحنة النسيان، كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر محط أنظار قادة الثورة ومنظريها ومعقد آمالهم منذ أن كان شاباً يافعاً لصفات بدت بارزة فيه، فقد كان محباً للثورة حريصاً على الجمهورية، والأهم زاهداً في منصب الرئاسة وهذا أمر مهم لشخص مثل الشيخ عبدالله، زهد جعله يعمل جاداً في محاولة إنجاح منصب الرئاسة وإيصال رئيس مدني مناسب بعيداً عن القروية والأسرية والطائفية استحق به لقب "صانع الرؤساء"، دعم القاضي عبدالرحمن الإرياني القادم من محافظة إب، وعارض مجيء رئيس عسكري بعد مقتل الرئيس أحمد الغشمي، ولو أن الآخرين كانوا من هذا النوع الذي لا ينافس على الكرسي وإنما يساهم في صناعة الرئيس وإنجاح منصب الرئاسة كمؤسسة وطنية لكنا قد وصلنا اليوم إلى موقع متقدم وحققنا الشعار الحضاري (رئيس من أجل اليمن لا يمن من أجل الرئيس)، والذي يختزل المشكلة الحضارية ويلخص العائق الجوهري للتطوير والتحديث والمؤسسات وقد كان الرئيس فيصل بن شملان موفقاً عندما جعله شعاراً لحملته الرئاسية حيث أضحى شعاراً للأجيال ورمزاً للتغيير والاستقرار.
الحرص على حقن الدماء صفة بارزة للشيخ عبدالله، والتاريخ يذكر له كيف وقف حائلاً أمام التصفية الجسدية للرئيس السلال عندما قرر الآخرون ذلك، وكان مستعداً أن يحارب القريب والبعيد من أجل إنقاذ أول رئيس للجمهورية مع أنه كان حينها خصمه السياسي، وكان له الدور الأكبر في إزاحته من الرئاسة، وهذه صفة حميدة يجب الوقوف أمامها فحقن الدماء يجلب الخير للوطن ويحيي الناس جميعاً ويجعل للمرء فسحة واسعة عند ربه ويغلق باب الشرور ويسد منافذ الفتن. واليمنيون يدركون جيداً كيف جلب مقتل الرئيس الحمدي والرئيس سالمين الشرور لليمن وفتحت أنهار من الدماء وبوابة سوداء مازلنا نتجرع مرارتها إلى اليوم.
ربما لا يعلم الكثير أن الشيخ عبدالله قبل حرب 94م كان يتفهم إلى حد بعيد مطالب الحزب الاشتراكي وفي المقدمة إخراج المعسكرات من المدن توقاً منه إلى المدنية والاستقرار وهو ما أغضب البعض حينها، وفي عمّان أثناء توقيع وثيقة العهد والاتفاق كان الشيخ عبدالله هو الوحيد الذي ذيّل توقيعه بعبارته الشهيرة (شريطة أن تعود كافة القيادات إلى صنعاء) لم يعد البيض وزملاؤه إلى صنعاء، وصدقت مخاوف الرجل، فقد توجه البيض إلى عدن وتبعه علي عبدالله صالح لا ليعيده إلى صنعاء لإكمال الشراكة وإنما ليدفعه ورفاقه إلى وراء البحار بعيداً عن صنعاء واليمن، والمؤسف أن المنتصر لم يلتفت إلى دفتر حساب شراكة دولة الوحدة ليرى ما له وما عليه ليحمي السفينة، لكنه رمى بدفتر شراكة الوحدة إلى البحر أيضاً ظناً بإمكانيات تحويل الوحدة إلى مشروع خاص، اليوم لا تزال عبارة الشيخ عبدالله (شريطة أن تعود كافة القيادات إلى صنعاء) مفتوحة، أشد إلحاحاً وأكثر إمكانية رغم كل السنوات وكأنها مربط الفرس وكلمة السر التي تدعو اليمنيين إلى ضرورة الالتئام وإنقاذ اليمن عن طريق حوار جاد يقوم على شراكة الجميع واستبعاد المشاريع الصغيرة والطموحات القاتلة.
وبصفته رئيس حزب مدني (تجمع الإصلاح) أطلق إنذاره المبكر قبل أن ينتبه أحد بالتحذير من (النفق المظلم) فيما لو استمر انحراف المسار فهوجم بشراسة من قبل السلطة ولأول مرة ووصف بالتخويف؟! اليوم وبعد رحيله هانحن وصلنا إلى قلب النفق المظلم والأفق أمامنا مسدود أو يكاد، ليتضح أن المخرفين هم أولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم إدخال الشعب اليمني كله وحشره في غرفة (أبي سفيان) الخاصة.
رحل الأحمر وكان مثله -مثل قادة الثورة الكبار للثورة والإصلاح والتنوير- أمثال الزبيري والبيحاني وسالمين والحمدي والمخلافي وجار الله عمر .. مشاريع وطنية تمشي على الأرض لتحقيق مشروع دولة المؤسسات والمواطنة الناهضة، رحل الأحمر بعد ما أكمل ما عليه لكن مشروعه لم يكتمل بعد وهو بحاجة إلى تكاتف الجميع ونضال جسور ليستقر اليمن في النور .. بعيداً .. بعيداً عن النفق المظلم.