أسرار العظمة في حياته * خالد العلواني

 المصدر الأسبوعية 1/1/2008م 

الفعل أفصح لغة صامتة، وتفويض اليراع بترجمة لغة الفعل إلى رزنامة حروف وكلمات؛ مهمة صعبة العزوف عنها في كثير من الحالات أولى، إذ "الصمت في حرم الجمال جمال"، إلا أني -رغم ذلك- أجدني مشدوداً للشروع في مجازفة من هذا النوع، والتماهي مع الحرف في سبيل ترجمة طرفٍ من سفر ديناميكية الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر - رحمه الله- المتضوعة في حنايا الزمان والمكان، ظرفي الحياة في أيقونة الوطن.

 إن عينة الخير وساحته في المجتمع تحددها - إلى حد بعيد- النماذج ذات الحضور القوي في وجدان وحياة المجتمعات، ولقد كان الشيخ واحداً من أولئك النماذج الأعلام الذين يجيدون لغة الفعل، ويجمعون كثير من صفات السبق و الريادة التي تناثرت في الفئات ممن عداه، وهذه مسألة أخرى تزيد مهمة الكتابة عنه تعقيدا.

 لقد أدرك الشيخ مبكراً أن الخلاص من أسر اللحظة وضغوط الحاجة رهن بتحرر الإنسان من شرنقة الأنا، وفكاكه من زنزانة الجهل والقهر، فقرر التموضع مع الأحرار في خندق مجابهة الاستبداد والانحياز لصف الشعب، وحقوقه وكرامته، ودفع ثمن مواقفه نقداً، سنوات من عمره وراء القضبان، فلم يثنه ذلك عن موقفه بل عاش حياته مجسداً لقاعدة: لم يخلقنا الله لنقزم أنفسنا حتى لا يشعر الطغاة بالقلق من وجودنا.. ما جعله أحد أبرز محركات شراع التغيير في الوطن، وصاحب إسهامات فاعلة في صناعة الأحداث والتأثير فيها، وكذلك هي حال كل العظماء.. إنهم يحيون حياتهم كاملة في سلسلة عطاءات مائزة وحركة منتجة، تكفل لهم العروج في مدارج السمو والكمال، وتضمن لهم دوام الألق والتمكين الحياتي والوجداني، وتحول دون تقادمهم إذ من لم يتقدم يتقادم.

 والتقدم في فلسفة الشيخ وعي بالواجبات، وشعور بالمسؤولية، وسلطة أخلاقية واسعة الطيف، وتمحور حول المبادئ والقيم والأهداف، يوازيه تناغم مع نبض العصر، وتلبية لمتطلبات اللحظة، وتفتح على الحياة والإفادة من كل جديد نافع.

 ومن جوانب العظمة في شخصيته - رحمه الله- قدرته المدهشة في إرساء وتعزيز شبكة علاقات جدلية كان لها دور ملموس في سلامة واستقرار الوطن، وحكمة دفعته دوماً للاصطفاف الواعي مع الحق، والصدور عن رؤية موضوعية منحته هامشاً واسعاً للمناورة، وهندسة التأثير، وإعمال فقه الموازنات في سبيل صناعة غد أكثر إشراقا.

 

يعزز ذلك ويجمّله إحساس مرهف بالتحديات، ووعي بطبيعة المرحلة، وفطنة في تحديد الاستجابات الحضارية الملائمة لتلك التحديات، مع التأكيد على ضرورة الانتقال إلى مربع الفعل القاصد.

 كما إن التوازن الذاتي في شخصيته وفي مختلف الأدوار الحياتية التي لعبها باقتدار يعد ميسماً آخر من مياسم عظمة الفقيد- رحمه الله.   

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp