في وداع الشيخ الجليل * نصر طه مصطفى

  لا مفر فعلا من قضاء الله وقدره، وكان قدر الله أن نعيش مثل هذا اليوم الحزين الذي نتلقى فيه خبر وفاة هذا الرجل الكبير الذي كان ملء سمع الدنيا وبصرها... رحل الشيخ عبدالله عن دنيانا لكنه سيبقى في ذاكرتنا وذاكرة الأجيال اليمنية لأزمان قادمة طويلة ذلك أنه قلما يجود الزمان بمثل هذه الشخصية الفريدة بكل معاني الكلمة، ولم يعرف اليمنيون منذ عقود بعيدة جدا شخصية اجتماعية كان لها هذا الحجم من التأثير السياسي والاجتماعي في حياتهم لما يقارب من نصف قرن كما هو حال هذا الراحل الكريم... وتفرده هذا - رحمه الله - ينبع من كون تأثيره الكبير جاء رغم أنه كان دوما في الصف القيادي الرسمي الثاني أو الثالث ولم يكن يوما في موقع القيادة الأولى، ذلك أن الحكام وقادة الدول لهم أحكام أخرى فتأثيرهم طبيعي في مسار حياة شعوبهم بقدر عطائهم وفاعليتهم ومواهبهم القيادية.

سيترك الشيخ الراحل فراغا سياسيا واجتماعيا واضحا لا يمكن للعين أن تخطئه لكن الحياة ستمضي فتلك سنة الله إلا أن من سنة الله كذلك إدراك حقيقة حجم تأثير الأفراد في مسار حياة شعوبهم... والشيخ الذي عرفنا أنفسنا وهو في قلب الحياة السياسية يصول ويجول ويكر ويفر ويناور ويصالح ويخاصم لا يمكن لنا أن نغفل عن تأثيره بعد أن تمكن بامتياز من المشاركة الفاعلة في صياغة صورة وجوهر حياتنا السياسية منذ قيام ثورة 26سبتمبر 1962م وحتى لحظة رحيله المؤثرة عن دنيانا صباح قبل أمس السبت بأسلوبه المميز في إدارة مواقفه المختلفة التي لم تعرف دوما سوى الانحياز للمصلحة الوطنية العليا حتى لو أدى ذلك إلى ضياع مصلحة خاصة به... وبالتأكيد فلست هنا بصدد مجاملته فالرجل قد أصبح بين يدي ربه وما قلته في هذه الكلمات لا يمثل إلا جزءا بسيطا مما جاء في البيان الجامع الصادر عن رئاسة الجمهورية والذي عبر بكل صدق عن مشاعر حارة متدفقة عن مدى الفاجعة والخسارة والحزن الذي يشعر به فخامة الرئيس علي عبدالله صالح على رحيل رفيق دربه ومستشاره الأمين في وقت هو أحوج ما يكون إلى حكمته ورأيه وشجاعته وحنكته وصدق قوله.

أتيح لي معرفة الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر - رحمه الله - عن قرب وشاهدته كيف يتحلى بالحكمة والصبر والتأني في أصعب المواقف خلال السنوات السبعة عشر الماضية وكم أتمنى على كل من اقترب منه فعلا وهم كثر أن يتعلموا بصدق من مدرسته الإنسانية الجامعة وأن يجسدوها في مواقفهم وقراراتهم وتصرفاتهم وأحاديثهم وهي أمور يصعب الحديث عنها تفصيلا في هذه السطور البسيطة فالراحل الجليل يحتاج إلى قراءة متعمقة في تجربته الفريدة التي جعلت منه رجلا لا نظير له في حياتنا المعاصرة وجعلت منه حاضرا فاعلا فيها على مدى نصف قرن وهو أمر لم يحدث مع غيره ولا أظنه سيتكرر على مدى عقود أخرى قادمة... فوداعا يا شيخنا الجليل وإنا والله على فراقك لمحزونون محزونون.

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp