فقيد الوسطية والعقلانية * صفوان الفائشي

الثورة 1/1/2008م

إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا عليك يا أبا صادق محزونون، رحمك الله يا عبد الله الأحمر، رحلت عن هذه الدنيا فما ذكرك الذاكرون إلا بخير، لقد كنت مثالاً لرجل المواقف والمبادئ والعمل الصامت، بدأت المسيرة وقوراً، ومرضت صبوراً مأجوراً، ورحلت من الدنيا منقلباً إلى أهلك مسروراً بإذن الله، عايشت أحداثا تاريخية وتحولات عصريه، آثرت الصعود على جبل النضال والمبادئ، حملت لواء الدفاع عن قضايا وطنك وأمتك، فكنت مثالاً يحتذى به في مجال الشجاعة والمواقف البطولية في الدفاع عن الوطن ووحدته والإسهام في مسيرته ونهضته.

كما حملت لواء الوسطية والحكمة والعقلانية، وكنت رمزاً للتسامح الذي كان السمة السائدة في تعاملاتك، لم يعهد عنك أنك تحمل ضغينة أو حقدا على أحدا صديقاً أو عدواً مع أن هناك من أخطأ عليك فكنت متسامحاً وهكذا جعلت من التسامح السمة السائدة في حياتك، حقاً لقد كان الشيخ عبد الله رحمه الله رجل الألفة والوحدة والإخاء وذلك من خلال ما كان يجسده في سعيه الدائم لجمع المختلفين من كافة الأطياف والانتماءات إذ أنه ومن خلال معرفتي له فقد كان يجتمع لديه أناس من مختلف الشرائح الذين تتنوع وتتعدد انتماءاتهم وتوجهاتهم بمعنى أنه استطاع أن يلم حوله مكونات كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي كما أنه كسب ثقة المصلحين والقادة ورجال العلم والخير الذين أحبهم وأحبوه وذلك لما لمسوه منه رحمه الله من إتصافه بالحكمة والعقلانية والكلمة المسئولة التي تجمع الشمل وتحث على الوحدة وتجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، تجلى ذلك من خلال إخماده لكثير من التفرقات الموسمية، وتهوينه للعديد من المواقف العنترية التي كانت تصدر عن البعض، ممن لم يقدروا الأمور بقدرها ويزنوا القضايا بميزان الحق والعدل.

لقد ودع الشيخ الأحمر رحمه الله الدنيا والأمة، تاركاً خلفه كنزا من الأسوة لأهل الخير والمحسنين، وإن كان المحسنون وأهل الخير كثيرين غير أنه كان فريداً ومضرب الأمثال للأجيال القادمة.

وكان مما يميزه أيضاً ذلك السلوك الجميل والخلق الخلاق، والبشاشة الجذابة، والأسلوب الحكيم الذي لا ينفك عنه، وإلى جانب اهتمامه بذلك كان مهتماً بقضايا الأمة وهمومها ومطلعاً على مجرياتها، وكان يرحمه الله يعالج القضايا بحكمة وحنكة وتوازن فريد، ولعل أروع مثال على ذلك مشاركته في تأسيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية التي كان يرأس فرعها في اليمن كما أنه كان عضواً في منظمة الدعوة الإسلامية وترأس لجنة الدفاع عن الأقصى وفلسطين وله الكثير من الإسهامات المختلفة في نصرة قضايا الإسلام والمسلمين.

وأما دفاعه عن وطنه يمن الإيمان والحكمة فقد برز ذلك جلياً من خلال أدواره الفاعلة في قيام الثورة والجمهورية والوحدة ووقوفه أمام الإمامة وفلول التشرذم والتآمر.

كما قدم الفقيد دروساً بليغة في معاني الوطنية وطريقة الأداء السياسي الناضج بمسؤولية كاملة وعقلانية متزنة تضع الأمور في نصابها.

ومن الدروس التي تركها وأرساها رغم التزامه الحزبي إلا أنه ما جعل من هذا الالتزام يوماً سببا للتصادم مع مصالح الوطن العليا، إذ ترفع عن السلوكيات الضيقة والنظرات الأنانية، ونبذ العنتريات التي تمزق الصف وتثير الشقاق لنهجها شعار "أنا ومن بعدي الطوفان" وفي هذا درس في غاية الأهمية يجب أن يعيه الخلفاء والأتباع وألا ينسوه.

ومن الدروس التي ألقاها الفقيد رحمه الله سلوكاً وفعلاً لا أقوالا اعتماده مبدأ الشورى والتشاور والتصبر والتعقل وكان هذا بالنسبة له منهج حياة وهو ما جعل مسيرة حياته تكلل بالنجاح الدائم.

لقد رحل الشيخ الأحمر وخلف وراءه مدرسة وطنية وحدوية شوروية عقلانية وسطية اجتماعية هو صاحب لوائها وبإذن الرب الكريم سيلقى أجره عنها مضاعفاً في يوم يبحث البعض عما قدم وطنياً أممياً فلا يجد سوى التحريض والتشكيك والتنكر والتلون والتمترس، والتآمر، ألا بئس ما يفعلون؟!.

أيها القوم من أحزاب ومشائخ كفى بالموت واعظا، أما ترونه يتخطفنا واحدا واحدا، أما يرى البعض أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون؟

أما علم هؤلاء أنهم يدونون عملهم بأيديهم وفي الدنيا فوق الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها في الآخرة؟

ليت الأحبة يستعدون للحظة الغرغرة حين تقول نفس يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله وإنك كنت لمن الساخرين، إني لأحسب الشيخ عبد الله رحمه الله ممن سيسره ما قدم طيلة العقود التي أمضاها في خدمة أمته ووطنه ولا نزكي على الله أحداً، لقد نجح رحمه الله في المحافظة على وحدة الصف وجمع الكلمة، وترسيخ معاني الحكمة والعقلانية المعتدلة التي لم تفقده الموقع القيادي لكنها لم تذهب به مذاهب الآخرين الذين إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون. فرحم الله فقيدنا ولله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل.

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp