شارع الأحمر * منى صفوان

نيوز يمن 2/1/2008

   

لم يكن رجل الكلام، ولا الخطابات الملتهبة والتصريحات النارية... كان مقتضبا جدا في عباراته, وقليل الظهور والكلام, فلما أحبه الناس؟

جنازة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر أثارت كثيرا من الذهول, حين ظهر جمع لم يحتشد هكذا من قبل في جنازة احد من السياسيين, الشارع الذي عاش وجوم الحزن خلال الأيام القليلة التي سبقت الجنازة, عبر عن عواطفه بما يؤكد أن لهذا الشارع حاسة عاطفية أدق مما يعتقد, وأكد الناس أنهم أحبوا هذا الرجل بعفويه.

سواء كانت تلك الحشود التي رافقت الفقيد لأخر مثوى احتشدت أم حشدت! فالأمر سيان، فان تحشد كل هؤلاء من اجل جنازة لسياسي, فالأمر ليس عاديا. فلو كان الناس قد حشدوا فقط... فلما سيطر على الشارع منذ إعلان خبر الوفاة وجوم حزن, وذهول, وشعور بالفقد! رغم أن الرجل كان قد رافق المرض الذي غيبه معظم هذا العام عن الساحة السياسية, وكان يتوقع إعلان خبر وفاته في أي لحظه, خاصة وان أخبار كانت قد شاعت مؤخرا عن وفاته, إلا أن إعلان خبر الوفاة الرسمي بدا كأنه جاء صدمة لكثيرين .

كثيرون عبروا عن حبهم لهذا الرجل, حب قد لا يفسر, وقد لا يكون تفسيره منطقيا. هو كان عفويا, وقريبا وبابه مفتوح, ومتحمس للقضايا الإسلامية والعربية , ومتشيع للقبيلة وجامع لشملها, ليكون رجل الدولة في القبيلة ورجل القبيلة في الدولة .

عفويته برغم حنكته السياسية ظهر تأثيرها على الناس بحالة الحزن التي سيطرت على الشارع بعد وفاته, و بأشرطة القران التي ارتفع صوتها في أنحاء صنعاء وضواحيها . وأيضا في الصلاة العامة على جثمانه , لتكون أكبر صلاه للعامة على جثمان أحد السياسيين , لتتحول ساحة السبعين المجاورة لمسجد" الرئيس الصالح" لأكبر ساحة مسجد في اليمن خلال لحظات . وكان جثمان الأحمر قد صلي عليه ثلاث مرات . أولا في الرياض, ثم عند وصوله لصنعاء في صلاة رسميه رئاسية, والأخيرة كانت في الساحة العامة حيث احتشد مئات الآلاف.

بما يجعل العبث بعواطف الشارع وعدم المبالاة بها مجازفة كبرى. هذا الشارع ظهر شديد الحساسية مدرك للاتجاه الذي يوجه إليه عواطفه , وبحساسية فائقة يمكن التقاط المشاعر التي سيطرت عليه.

لا يمكن الجزم بأن من تدافعوا في الجنازة كانوا فقط ممن ينتمون لقبيلة الأحمر او لمناطق مجاوره, بمعنى أن الرجل كان زعيما لليمنيين وليس فقط شيخ مشائخ القبيلة التي ينتمي لها.
ان إطلاق صفه الزعيم على رجل تلتف حوله الجماهير , أمر مقبول في حاله الأحمر ففي جنازته التفت الجماهير أيضا حول أبناءه وأحفاده.

وهم الذين كانوا في فترات متقطعة يحظون بجزء كبير من الإشاعات التي تملاء المجتمع عن فساد أبناء المتنفذين , وعن كونهم خارقين للقانون وللنظم الاجتماعية بشكل سافر , بما جعل الرؤية تبدو أحيانا أن الناس وان كانوا يحبون الشيخ الأحمر , إلا أنهم يكرهون أولاده , ولكن نظريات التوريث أثبتت أن الحب أيضا يورث.

ومع التاسعة مساء و كثير من الأعين مسمره على نشره الأخبار الرئيسة تنتظر الحدث الأبرز ظهر المذيع الرئيس في النشرة مرتديا لبذله الحداد السوداء قارئا للخبر الذي لم يتخلى عن صبغته الرسمية , لكن التلفزيون الرسمي بعد نشره الأخبار خلع ثوب الحداد واستعاد برامجه الاعتيادية لليلة رأس السنة, في الوقت الذي كانت فيه القناة الخاصة ( السعيدة) تواصل بث شريط التعازي وآيات القران الكريم.

وبعد انتهاء الحدث أصبح هناك تحدي صعب أمام أي سياسي يريد اختبار حب الشارع , وهو الاختبار الذي لا تثبته صناديق الاقتراع , لان التصويت لشخص بعينه قد يعني أيضا التصويت لمصالح عامه أو مصلحة شخصيه .

لكن الخروج من أجل رجل قد مات فعلياً , هو الاختبار الحقيقي الذي تختبر به الشعوب حبها وولائها لقادتها.

هذا الاختبار المخيف , الذي يفوق اختبار الانتخابات ,التي لم تكن تعني للأحمر شيئا" برغم انه ممثل دائرة ورئيس البرلمان " كان اختبارا سهلا للأحمر الذي لم يكن يحب الحديث كثيرا عن نفسه , و لولا ان مذكرات الشيخ سنان استفزته على ما يبدو لإصدار مذكراته , لما خرج ذاك الكتاب الذي أكد في مقدمته أن حياته كانت حياة كد وعمل وانه لم يكن لديه الوقت الكاف للتدوين والتوثيق الذي يراه مهمه المرفهين , من لا مهمة شاقه له في الحياة . الأحمر برغم انه رئيس الحزب المعارض الأبرز أمام المؤتمر إلا انه لم ينافس الرئيس وكان داعما له في الانتخابات , بما يثبت بعد نظرته وحنكته السياسية، ليعطي للرئيس تصريح سياسي شهير جعل من حاشد كلها تصوت لعلي عبد الله صالح، فبعد صمت طويل رافق تخمينات عن موقفه الانتخابي. باقتضاب قال (جني نعرفه ولا انسي ما نعرفش)

ولكن الناس أظهروا أن شعبية الأحمر تنافس شعبية الرئيس. وهو الذي تجنب أن ينافس الرئيس، ويجعل ولاءه له يتعارض وولاءه لحزبه ودعمه لنجله، بل كان يؤكد انه مكمل للرئيس.
رغم تسيسه إلا أن الشارع اليمني مازال بسيطا وعفويا، تعقيدات السياسة لم تتمكن منه، حاسته السادسة تلتقط القريبين منه، ليعرف لمن يصوت وعلى من يبكي.

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp