كلمة الشيخ/عبد الله بن حسين الأحمر - رئيس مجلس النواب التي ألقاها بتاريخ:28/5/1994م في صنعاء في افتتاح دور الانعقاد السنوي الثاني للمجلس وإثر إعلان الإنفصال المشئوم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الهداية الداعي إلى الوحدة ونبذ الفرقة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ..

الأخوة / الأعضاء مجلس النواب :

يطيب لي في بداية هذه الفترة الجديدة التي نفتتح بها دور الإنعقاد السنوي الثاني لمجلس النواب أن أعبر لكم ولأبناء شعبنا اليمني عن التهاني القلبية الصادقة بمناسبتي عيد الأضحى المبارك والذكرى الرابعة للوحدة التي ستظل علامة مضيئة في تاريخ شعبنا ونقطة تحول كبرى في مسيرته المباركة في سبيل ترسيخ الوحدة التي ضحى من أجلها بالكثير ولا يزال حتى هذه اللحظة يعمدها بالدماء الطاهرة والزكية لأفراد القوات المسلحة الباسلة المدافعة عن الوحدة والشرعية .

الأخوة الأعضاء :

لقد مر عام كامل على قيام هذا المجلس الموقر الذي تمكن من المساهمة الفاعلة في تأصيل تجربتنا الديمقراطية والشوروية وترسيخ مفهوم الدولة اليمنية الحديثة القائمة على التعددية السياسية وبناء المؤسسات التي تعمل وفق الدستور والقانون ، ورغم ما واجهه المجلس من مصاعب وعوائق استهدفت تعطيل دوره التشريعي والرقابي إلا أنكم وانتم ترسون قواعد العمل النيابي قد استطعتم إنجاز العديد من مشاريع القوانين وكذا الاتفاقيات التي نأمل أن تساهم بصورة إيجابية في المجالات التنموية المختلفة ، ووقفتم أمام جملة من القضايا التي تهم شعبنا واتخذتم بشأنها العديد من القرارات والتوصيات .

الأخوة الأعضاء :

إن الانتخابات النيابية التي تمت في السابع والعشرين من إبريل عام 93م ستظل بحق الدليل القاطع على وعي شعبنا وسلامة فطرته ، حيث أفرزت تلك الانتخابات واقعاً سياسياً جديداً في الساحة اليمنية بعد أن عانى شعبنا من المرحلة الانتقالية التي اتسمت باللامبالاة والتقاسم البغيض ، ولقد تمت الانتخابات وحصل كل حزب على المقاعد التي حصل عليها والتي حددت له وزنه في الساحة اليمنية ، ورغم مباركة كافة القوى السياسية لنتائج الانتخابات والاقتناع بها خاصة أحزاب الائتلاف ،إلا أن بعض القوى السياسية في الساحة التي لا تجيد سوى التخريب ولا تقدم للوطن غير التدمير قد أضمرت الشر للديمقراطية ولهذا المجلس الذي يعتبر أول مجلس نواب ينتخب كل أعضائه من قبل الشعب بعد قيام الوحدة .

لقد كان من المفترض على كافة الأحزاب والقوى السياسية احترام نتائج الإنتخابات والإحتكام إلى الديمقراطية التي تعرف كافة شعوب العالم أسسها وألية عملها إلا أن الفشل في تحقيق ما كانت تصبو إليه بعض الأحزاب من أغلبية برلمانية قد عكس نفسه على إيمان تلك القوى بالتعددية السياسية وبالتالي بالأغلبية الديمقراطية ،وهذه هي القضية المحورية التي واجهها المجلس منذ الشهور الأولى لبدء أعمال جلساته .

الأخوة الأعضاء :

إن الفئة الانفصالية في قيادة الحزب الاشتراكي التي قادت الوطن اليوم إلى الحرب والاقتتال هي التي وجهت سهامها الحاقدة تجاه مجلس النواب مستغلة مواقعها في هيئات الدولة التنفيذية رغم أن المجلس تحمل الكثير من صلف بعض هذه القيادات حرصاً على مسيرة الخير والنماء وطمعاً في الحفاظ على الوحدة الوطنية ، بل أن المجلس تغاضى أحياناً عن استخدام حقه الدستوري من أجل ذلك الهدف السامي والنبيل ، ومن موقع الحرص والمسئولية ، تم التعامل مع كل المعطيات التي كانت تفرزها الأزمة يوماً بعد يوم وكان الوفاق دائماً هو نقطة الفصل في كل القرارات التي اتخذها المجلس ، وما أتخذ المجلس قراراً واحداً اعتمد فيه على الأغلبية ورغم أن جوهر الديمقراطية هو احتكام الأقلية لرأي الأغلبية .

الأخوة الأعضاء :

لقد كانت أول قضية تواجه المجلس بعد اكتمال تشكيل هيئاته ولجانه هي برنامج الحكومة الإئتلافية الذي تقدم به رئيس الوزراء آنذاك ،ولذلك فقد كلف المجلس لجانه المختلفة بدراسة بيان الحكومة وإبداء الملاحظات عليه وبعد شهر من العمل المتواصل تم منح الحكومة الثقة بتاريخ:2/8/1993م وألقى العطاس حينها كلمة في هذا المجلس أكد فيها أنه سيعود إلينا كلما واجهته مشكلة أو صعوبة ، فكان من المفترض أن تنطلق الحكومة وعلى رأسها العطاس وتعمل من أجل تنفيذ برنامجها الذي نالت به الثقة ،غير أن الأزمة التي أطلت بقرونها بعد أسبوعين من منح الحكومة الثقة كانت قد وقفت أمام الجهود والمحاولات الرامية إلى إصلاح الأوضاع وبناء الدولة اليمنية الحديثة دولة المؤسسات والنظام والقانون ، وبذلك وجد المسئولون التنفيذيون في الحكومة فرصة لإضعافها وصرفها عن تنفيذ المسئوليات المناطة بها ، الأمر الذي أدى إلى الشلل التام لمختلف أجهزة الدولة التنفيذية وتدهور الوضع الإقتصادي حتى وصل إلى مرحلة الركود وتفشت ظاهرة التسيب والفساد نظراً لتعمد رئيس الحكومة وقيادات الحزب الاشتراكي في الحكومة تأزيم الأوضاع وتحميل الأطراف الأخرى مسئولية ذلك .

وإيماناً من المجلس بضرورة إنهاء الأزمة التي لا تخدم الوطن فقد كلف المجلس هيئة رئاسته في بداية شهر أكتوبر من العام الماضي بالاتصال بأطراف الأزمة يومها للخروج بحلول جذرية لتلك القضية ،ولم يكتف المجلس بذلك  بل أنه شكل لجنة خاصة من أعضائه لتقصي الحقائق بشأن الأزمة ووضع التصورات الكفيلة بحلها ،ألا أن كافة تلك الجهود لم تصل إلى نتيجة مرضية لأن بعض قيادات الحزب الاشتراكي لم تكن راضية عن مجلس النواب الذي ليس لها فيه أغلبية ،وهكذا سارت الأمور في الاتجاه المؤدي إلى التصعيد من خلال الخطب الإعلامية المسعورة حتى تم تشكيل لجنة الحوار من أطراف القوى السياسية بهدف المساهمة في حل الأزمة المتفاقمة ،ورغم وجود المؤسسات الدستورية والدستور والقانون الذي يحتكم إليه الجميع إلا أن كل هذا قد أغفل من قبل بعض قيادات الحزب الانفصالية لأنها كانت تتهرب من المؤسسات الدستورية التي لا تجد فيها مصلحتها الشخصية ،رغم أن هذه المؤسسات هي التي اختارها الشعب اليمني بأسره.
وهكذا بدأت لجنة الحوار مهمتها وأعطاها المجلس فرصة للمساهمة في حل الأزمة حتى توصلت إلى وثيقة العهد والاتفاق التي كان من المفترض أن تنهي الأزمة فور توقيعها في عدن من قبل ممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية ، غير أن الحزب أصر على تدويل التوقيع وطالب بمشاركة رؤساء الأحزاب واشترط أن يوقع الجميع خارج الوطن – وتم له ذلك .

الأخوة الأعضاء :

لقد كان من الواجب على كافة المسئولين العودة إلى صنعاء مباشرة بعد توقيع الوثيقة في عمان في العاشر من رمضان الماضي للعمل معاً من أجل تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق ،إلا أن الأمور سارت في اتجاه خيب كل آمال الناس وتطلعاتهم بعد أن باركوا الوثيقة وباركها مجلس النواب وكافة الأحزاب والقوى السياسية في البلاد..

وهكذا عاد البيض والعطاس من سفرهم وزياراتهم إلى عدن وطالبوا من هناك بالبدء بتنفيذ الوثيقة ،وحينما نادى العقلاء بضرورة التئام كافة أجهزة الدولة لوضع الوثيقة موضع التنفيذ اتهموا من قبل بعض العناصر المغامرة في قيادة الحزب الاشتراكي بالتحيز والمجاملة ولا ندري ما هو مفهوم التحيز والمجاملة لدى أولئك المغامرون الذين لم يكن الوطن أو الوحدة يعنيان لهم شيئاً يستحق الاهتمام أو التضحية .

ولذلك فقد تدهورت الأمور بصورة خطيرة بعد رفض العناصر البارزة في قيادة الحزب الاشتراكي العودة إلى صنعاء لمباشرة مهامهم ،وحينها بداء الناس وكافة الأحزاب يستشعرون خطر المسألة ويدركون أن وراء القضية قضية أخرى أدهى وأخطر خططت لها أياد خبيثة لم تكن صادقة في الوحدة ،استخدمت أسلوب استمرار الأزمات لإيصال البلاد لوضع الانهيار التام وإسقاط الشرعية لتعلن الأنفصال بعد أن تكون هذه الفئة قد استكملت خطتها الغادرة في استعادة الجاهزية الأمنية والعسكرية والإدارية في المحافظات الجنوبية والشرقية من بلادنا العزيزة .

وحينما وجدت هذه العناصر القيادية في الحزب أن تداعيات الأزمة على كافة المستويات لم تحقق ما كانت تصبوا إليه وأنها ستدان عاجلاً أو أجلاً جراء استمرارها رفض فكرة التئام المؤسسات لتنفيذ الوثيقة – فجرت الأوضاع العسكرية في السابع والعشرين من إبريل الماضي الذي يصادف الذكرى الأولى للإنتخابات البرلمانية في رسالة واضحة إلى الأمة أن الانتخابات لم تكن بغيتها وأنها لم تكن راضية أو مقتنعة بنتائج تلك الانتخابات ..

الأخوة الأعضاء:

إن تفجير الأوضاع العسكرية في عمران وذمار ولحج وأبين في ليلة واحدة لم يكن إلا تعبيراً من قبل عناصر الشر عن رفضهم للشرعية وإعلان التمرد على المؤسسات الدستورية ، ولذلك وبعد أن قطع هؤلاء كل حبل يوصل بينهم وبين الآخرين كان على المجلس أن يضطلع بمهامه ويؤدي الواجب الذي عليه تجاه البيض وزمرته اللذين يعملون اليوم على تقطيع أوصال الوطن ، بعد أن منّ الله علينا بالوحدة المباركة بطريقة سلمية لم ترق فيها قطرة دم ..

الأخوة الأعضاء :

إننا جميعاً مطالبون اليوم أن نتخذ المواقف الحازمة تجاه القضايا الساخنة التي تمر بها البلاد بإعتبار أننا نمثل الشعب بأسره ولا نمثل الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب..ولذلك ينبغي علينا اتخاذ القرار السريع المناسب إزاء الجريمة النكراء التي ارتكبها البيض وعصابته الإنفصالية صباح يوم 21مايو الحالي حين أعلن بمفرده قراراً بالإنفصال والذي يعتبر خيانة وطنية عظمى ومساساً بسيادة الوطن واستقلاله وتفريطاً بالوحدة اليمنية ،فضلاً عن كونه خرقاً للدستور صدر عن جهة ليس لها حق في إصداره ،ولذلك فإننا نعتبر قرار الانفصال باطلاً بطلاناً مطلقاً ..كما أنه يتعارض مع المادة الأولى من الدستور التي تعتبر الجمهورية اليمنية وحدة لاتتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها. 

الأخوة الأعضاء :

إن علينا كنواب لهذا الشعب أن نقف بوعي وأدراك ومسئولية أمام هذا الإعلان الخياني لنقول كلمتنا التي ينتظرها العالم ،فالوحدة فريضة شرعية وضرورة وطنية ، وأي تفريط بها يعتبر خيانة لله أولاً وجريمة في حق الوطن والبلاد ونكث للقسم الذي اقسمناه يوم باشرنا عملنا في هذا المجلس ، ولذلك فإننا ملزمون بالحفاظ عليها والدفاع عنها والتصدي الحازم لكل من يريد بها شراً قياماً بواجبنا أمام الله ووفاء للشعب الذي منحنا ثقته والبر بالقسم الذي اقسمناه حتى نكون في مستوى المسئولية التي تمليها علينا ضمائرنا ، وأن الألتفاف الشعبي خلف قوات الوحدة والدفاع عن الشرعية الدستورية أكبر دليل على رفض وإدانة جماهير شعبنا لإعلان البيض الخياني وعصابته الإنفصالية.

ومما لاشك فيه أن الموقف الشعبي المجمع على التمسك بالوحدة والإحتكام للشرعية الدستورية سينعكس على العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة التي ولابد أن تحرص على علاقتها الطيبة مع الشعب اليمني وأن أي موقف من أي دولة يتصادم مع رغبة شعبنا في التمسك بوحدته سيكون معادياً للشعب اليمني كله ولا يخدم مستقبل العلاقات اليمنية مع تلك الدول فذاكرة الشعوب لاتنس المواقف الإيجابية أو السلبية لأي دولة تجاه القضايا المصيرية لها ، ونجدها مناسبة طيبة لأن نعلن للعالم من هنا وبإسم الشعب اليمني كله تمسكنا بالوحدة اليمنية أرضاً وإنساناً ، وأننا سنبذل من أجلها الغالي والنفيس منطلقين من وضع هدف الوحدة فوق كل إعتبار .. وأود هنا أن نسجل شكرنا وتقديرنا للدول الشقيقة التي وقفت إلى جانب الوحدة اليمنية .

كما نسجل شكرنا للدول الصديقة التي أعلنت موقفها الرافض لما أقدم عليه البيض وعصابته الإنفصالية ووقوفها مع الوحدة اليمنية وإرادة الشعب اليمني ، ونخص بالذكر حكومة وشعب الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة وشعب المملكة المتحدة وحكومة وشعب جمهورية فرنسا وحكومة وشعب روسيا الإتحادية وحكومة وشعب جمهورية الصين الشعبية .

ونأمل أن تكون مواقف الدول الشقيقة والصديقة الأخرى في نفس هذا الإتجاه بإعتبار أن الوحدة اليمنية مكسباً وطنياً وقومياً لا يجوز التنازل عنه بأي حال من الأحوال .

الأخوة أعضاء المجلس :

إن مهمتكم في هذه المرحلة دقيقة وعظيمة فبالإضافة إلى الوقوف أمام الإعلان الخياني فإنكم مطالبون بالوقوف أمام عدد من القضايا الهامة ومنها قضية بعض الأعضاء الذين وقفوا إلى جانب عصابة الإنفصال فأرتكبوا عملاً يعتبر خرقاً للدستور ونكثاً للقسم وخيانة للأمانة التي تحملوها عندما انتخبوا كممثلين للشعب في هذا المجلس ، ولابد أن يتخذ المجلس موقفاً واضحاً منهم طبقاً للدستور ولائحة المجلس .

إضافة إلى القضايا الرئيسية التي تضمنها جدول أعمال المجلس ، فلنشمر عن ساعد الجد ولنعمل بجد وإخلاص فالظرف الذي تمر به بلادنا يقتضي منا بذل المزيد من الجهد والمثابرة لإنجاز المهام التي لا تحتمل التأجيل والتسويف .

وفقنا الله جميعاً  لما يحبه ويرضاه .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp