قراءة لزمن ما بعد الشيخ .. في حضرة الغياب * أحمد عايض

  المصدر 1/1/2008م
 للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر سجله الحافل في الحياة السياسية اليمنية طيلة أكثر من أربعة قرون، وله آثاره الواضحة في معظم مسارات الحياة السياسية في اليمن، وهو شخصية يمكن أن نقول عنها إنها استطاعت أن تكون محل إجماع وطني.
 
فهذا رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح يقول عنه إنه "أكبر من الأحزاب ومن ثوابت الحياة السياسية في اليمن"، أما د. عبد الكريم الإرياني فقد وصفه كما ورد في صحيفة الميثاق بقوله " الشيخ عبدالله هو أكبر من أن يكون إصلاح أو مؤتمر، والشيخ عبدالله قاسم مشترك بين الجميع كشخصية وطنية في الجمهورية اليمنية. " الميثاق – (العدد 1120)
 
وفي طرف آخر من الفكر والتوجه يقف الدكتور المرتضى المحطوري واصفاً الشيخ بأنه "من الشخصيات الكبيرة التي يشعر معها المرء بالأصالة والقيم والمبادئ السامية، وأتمنى أن يجد الإنسان عدواً بعقلية الشيخ الأحمر ناهيك عن صديق" صحيفة الناس 8/11/2004م.
 
أما صحيفة الثورة الرسمية فقد قالت يوما عن الشيخ الأحمر " ذلك أن الشيخ عبدالله ليس مجرد رئيس للتجمع اليمني للإصلاح، ولكنه من الرموز الوطنية ذات الرصيد الكبير في النضال الوطني والدفاع عن الثورة والجمهورية والعمل من أجل الوحدة، والإسهام في تعزيز الديمقراطية وله خبراته في الحياة النيابية، مما جعله موضع ثقة الجميع، ففي شخصه تتجسد المعارضة والأغلبية معا، ومع ذلك فهو لن ينحاز إلا للمصلحة العامة". صحيفة الثورة 19/5/1997.
 
 
الشيخ الأحمر.. مواقف صامتة
 رغم كل ما قيل وسيقال عن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ومواقفه، إلا أن الأيام قد كشفت وبقوة وفاء الرجل الكبير للحركة الإسلامية التي تأثر بها في وقت مبكر من حياته عن طريق الشهيد محمد محمود الزبيري, ودعمه لها ولحزبها السياسي الذي ترأسه فيما بعد " التجمع اليمني للإصلاح " طيلة السنوات الماضية، بل كان رافدا أساسيا للحركة الإسلامية ووفيا لها بعد وعد قطعه الشيخ على نفسه للشهيد الزبيري في أوائل الثورة، ومن حينها أصبح الشيخ ملازما للعلماء محبا لهم ومجلا لآرائهم ومحترما لكل مواقفهم طيلة حياته.
 
تاريخ الحركة الإسلامية يكشف مدى انضباط الشيخ مع الحركة الإسلامية، حيث ظل متقيداً بكثير من توجهاتها، باستثناء بعض المواقف التي كان للشيخ حساباته الشخصية القائمة على رؤاه أمام تلك المتغيرات، وكان أبرزها موقفه من انتخاب الرئيس صالح في عام 2006م.
 أثناء قيامه بدور الوساطة بين اليمن والسعودية بشأن قضية الحدود اليمنية السعودية، والتي وصلت تداعياتها إلى احتمال انفجار الوضع عسكريا بين اليمن والسعودية، بذل الشيخ جهودا يشكر عليها لحل ذالك الخلاف، إذ ظل معتكفاً في السعودية قرابة 40 يوما تلقى خلالها أكثر من طلب من الرئيس علي عبدالله صالح بالعودة إلى اليمن، لكنه رفض ذلك، وظل معتكفاً طيلة تلك الفترة مستجيباً لنصائح عدد من العلماء، ومتماشياً مع موقف حزبه الرسمي الذي كان يسعى لتجنب انفجار الأزمة، وبالفعل نجحت جهود الشيخ عبدالله في تقريب وجهات النظر، وانتهت تلك الجهود سنة 1995 إلى مذكرة تفاهم كانت بمثابة " حجر الأساس " لمعاهدة جدة التاريخية التي وقعت في العام 2000 وأغلقت ملف الحدود نهائيا.
 
 
رجل التوازنات
 لقد كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رجل توازنات بمعنى الكلمة، وبالرغم من كونه قائدا لأكبر حزب سياسي معارض "التجمع اليمني للإصلاح" لكنة كان يمثل "إجماع كل القوى السياسية"، في البلد وكان الشيخ يمثل صمام أمان لكثير من الأحداث والمعضلات التي مرت بها اليمن، وكان يمتلك رؤية ثاقبة أمام العديد من القضايا سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، فعلى سبيل المثال كانت مواقفه من غزو الكويت والقضية العراقية تمثل عين الحكمة والصواب.
 وفي كثير من الأحيان كانت علاقات حزب الإصلاح تصل إلى مراحل من التوتر الشديد مع المؤتمر الشعبي العام أو بالرئيس شخصيا, إلا أن جهود الشيخ عبدالله كانت في معظم الأحيان تذيب الجليد بين الطرفين.
لم يكن الشيخ عبد الله عنصر توازن على الساحة السياسية فقط؛ بل كان عنصر فاعلا في التوازن القبلي على مستوى اليمن.
 ولقد مثلت العقود الماضية التي عاشها الشيخ فترة اتسمت بتقلب الأحوال, وتغير التوجهات, وتوالي الصراعات، إلا أن دوره كان فاعلاً في تلك الفترة الحرجة من تاريخ اليمن, ابتداء من قيام الثورة وانتهاء بفترة رئاسته الأخيرة لمجلس النواب.
رحيل الرجل غير المفاجئ سواء لحزبه الإصلاح أو للحزب الحاكم، مثل خسارة فادحة للطرفين, خاصة وقد كان يمثل عنصر ترويض للعديد من أبنائه الذين خاضوا غمار السياسة, وعلى رأسهم حميد الأحمر وأخيه حسين الأحمر الذي امتطى صهوة مجلس التضامن الوطني الذي ضم عدداً كبيراً من شخصيات اليمن القبلية.
ولذا لا نستبعد أن تكون الأيام القادمة أكثر سخونة بين أطراف النزاع، ولن يكون ذلك قريبا كون الفترة الحالية فترة هدوء نسبي احتراما لحرمة الفقيد الراحل.
سيرة وسير
لقد مثل العقد الأخير من حياة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بروزاً ملحوظا للعديد من أنجاله الذين توزعوا العديد من الأدوار السياسية والعسكرية وكذلك القبلية، فصادق النجل الأكبر الذي يحمل رتبة عسكرية وكان قائدا لأحد المعسكرات الكبيرة، تحول في بداية التسعينات عن المجال العسكري، وخاض تجربة العمل السياسي عبر نافذة مجلس النواب, ولقد كشفت الأيام ميول الشيخ صادق للجانب القبلي أكثر من أي وقت مضى قد يكون لوضعيته في الأسرة باعتباره النجل الأكبر أو هكذا كان ميالا لها عازفا عن حياة التجارة والمناصب.
وهو عكس ما كان عليه حميد الأحمر الذي كشفت الأيام عن ميوله الاقتصادية والسياسية, كما برز كسياسي عنيف التحدي ورجل محترف في مجال المال والأعمال, ولذلك فقد أوكل إليه والده الراحل إدارة الناحية الاقتصادية لبيت الأحمر، التي أستطاع حميد وخلال فترة زمنية وجيزة أن يقفز بها قفزات كبيرة وحققت نتائج مالية أذهلت الجميع.
كما عمد الشيخ عبد الله (رحمه الله) بطريقة أو بأخرى -أو لنقل أعطى- أبناءه حرية الانطلاق في الحياة السياسية, ولذا نجد تنوع الطيف السياسي داخل أسرته، فهذا الشيخ حسين الأحمر الذي كان والده يعلق عليه آمالاً كبيرة نراه قد التصق بالرئيس وبالحزب الحاكم منذ وقت مبكر من حياته السياسية, كما منحه قربه من الرئيس على عبد الله صالح طيلة السنوات الماضية وإطلاعه عن قرب على الحراك السياسي داخل القصر الرئاسي حينا من الزمن دروسا في التعامل مع معطيات الحياة السياسية بنكهة متخصصة من نفس المشرب الذي تدار به اليمن رئاسيا، بل لقد احترف حسين الأحمر دوره ببراعة ليقف في آخر المطاف في وجه أستاذه في مجال السياسة الرئيس على عبد الله صالح.
يطرح البعض عدداً من التكهنات التي توحي بحدوث خلافات داخل أسرة الشيخ عبدالله عقب رحيله، إلا أن المعطيات تكشف أن تلك الأسرة تحتفظ بثوابتها الخاصة في التعامل مع بعضها، وهناك حدود لا يمكن تجاوزها مهما كان الخلاف بينها.
فبالرغم من التنوع السياسي والفكري بين أبناء الشيخ عبدالله، إلا أن الجميع يتفق على بقاء مصالح الأسرة والتنازل بالرأي لأكبرهم مهما كانت قناعاتهم.
ولربما لعبت القبيلة دوراً هاما في احترام أفراد الأسرة فيما بينهم، خاصة والجميع من أبناء حاشد ينظرون إلى تلك الأسرة نظرة القدوة، وتعلموا من تقاليد القبيلة احترام الرأي وتقدير الكبير, ورغم توجهات حسين الأحمر الأخيرة واستغلاله لورقة القبيلة للضغط على أطراف في السلطة لتحقيق غايات ما, إلا أن تلك التحركات لم تكن محل إجماع من " أسرة الأحمر " لكن عنصر الحفاظ على حاشد وكلمتها سيظل محل إجماع كل أبناء الشيخ عبد الله.
ولا ننكر أن هناك اجتهادات للعديد من أبناء الشيخ سواء في الجانب القبلي أو السياسي أثارت خلافا داخل الأسرة إلا انه يتم ترتيبها داخليا والخروج برؤية مقنعة للجميع. 
والملاحظ في المسيرة السياسية في حياة أبناء الشيخ يجد ثمة ملامح تربط الجميع، فهذا الشيخ صادق الذي برز بقوة في الدورة النيابة في عام 1993م، وكانت أول انتخابات تشهدها اليمن بعد الوحدة والتي كان يطغى عليها الصراع السياسي ووقوف اٌلإصلاح في موقع المعارضة في وجه المؤتمر والحزب الاشتراكي، برز صادق كشخصية قوية دافعت بقوة عن مواقف الإصلاح وعن مواقف أبيه، حتى سمى في حينها عبر بعض وسائل الإعلام "بأنة مدفع الشيخ عبدالله يوجهه حيث يشاء".
وعلى نفس الصعيد برز الدور السياسي لحميد الأحمر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بقوة ووقوفه إلى جانب مرشح المعارضة ودعمه بسخاء للقاء المشترك أثناء الحملة ألانتخابية الذي وصل إلى مرحله التحدي الصارخ في جميع مراحل الحملة الانتخابية.
في حين مثل العام 2007 ظهور قوي للنجل الثالث للشيخ عبد الله الذي لعب بالورقة القبلية، ووقف مواقف تحد وصلت أيضا إلى مواجهه علنية مع الرئيس.
الإصلاح والتوريث
سيكون موقف التجمع اليمني للإصلاح محرجا في حال فكر في توريث منصب الرئيس داخل الحزب الذي كان الشيخ عبدالله متقلدا رئاسته حتى رحيله، حتى وإن كانت بعض المؤشرات توحي بترحيب لدى جزء من قواعد الإصلاح بانتقال المنصب لنجله حميد الأحمر، الذي حقق أعلى نسبة من أصوات الترشيح في أخر مؤتمر تنظيمي عقدة التجمع اليمني للإصلاح في عام 2006 من بين كل المرشحين.
ولأن الإصلاح يرفض قضية التوريث جملة وتفصيلاً، وترفض أدبياته ذلك، وتعبر قياداته دوما عن رفضها لموضوع توريث الرئيس صالح نجله أحمد، فإن الإصلاح في حال طرحها داخل التنظيم لن يسلم من حملة شرسة ضده في قادم الأيام. 
 
 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp