رحيل الأحمر.. حكيم اليمن * مهنا الحبيل

 

الصحوة نت 3/1/2008م

 

لقد كان لرحيل الزعيم اليمني الكبير الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني ورئيس التجمع اليمني للإصلاح وشيخ مشايخ قبائل "حاشد"... هزة كبيرة في الضمير العربي عمومًا والخليجي خصوصًا، سواء كان ذلك في استحضار التاريخ الوطني الوحدوي للشيخ الأحمر ومساره النضالي أو كان ذلك في دور الشيخ الحاسم في تجنيب الشقيقتين السعودية واليمن من أزمات متتالية كادت تشتعل على الحدود فيفزع الطرفان لإخمادها، وفي كثير من تلك القضايا كان الشيخ الأحمر رحمه الله رجل الموقف الذي تُخمد به فتنة الحدود حتى طُمرت نهائيًا باتفاق تاريخي بين البلدين يُسجّل للشيخ الأحمر الدور الرئيسي في تهدئة الحالة السياسية وتحضير المشهد لاتفاق إنهاء النزاع.

لقد كان الشيخ رحمه الله يستثمر تلك المناقب المتعددة التي اجتمعت في شخصيته كزعيم قبلي ورجل سياسي في موقع متقدم وعمق إسلامي وعربي وحدوي، فيدير التعاطي مع تلك الأزمات الصعبة بموازنات دقيقة لا يستطيعها أي أحد ولا يوفق لها بعد الله إلا نوادر من البشر كان الشيخ الأحمر أحدهم.

وكان انعكاس شخصيته الفريدة على الواقع المحلي اليمني واضحًا، وذلك في تحقيق معادلة الاستقرار والتوازن الاجتماعي مع حركة النهوض الفكري في اتجاه النهضة السياسية ومفاهيم الحريات والدولة المدنية بعمقها العربي الإسلامي في مجتمع النظام القبلي، الذي يعدّ المحضن الأول في الحياة الاجتماعية للفرد والجماعة. ثم انعكس هذا التميز لدى الشيخ الأحمر في تتويج هذه الحالة الاندماجية في الحياة السياسية اليمنية بقيام التجمع اليمني للإصلاح الذي نقل البعد القبلي إلى حراك سياسي تقدمي بتأصيل إسلامي كان من المهم للغاية أن تنتقل الحركة الإسلامية فيه من خلال هذا التجمُّع الاجتماعي الواسع إلى برنامج عمل شامل يخرجها من إطار النخبة الخاصة إلى إطار العمل الوطني العام ونقل الهمّ الإسلامي إلى الساحة الشعبية مقترنة بثقافة الحقوق والحرية والسيادة، ولأن الشيخ كان متأصلاًً لديه عمق الهوية الإسلامية فقد بادر في تحمل مسئولياته في هذا المشروع وربما أخذ عليه البعض عدم حيويته السياسية كرئيس للتجمع في مواقع المعارضة، لكن حسابات الشيخ في ميدان الوحدة الوطنية الحساس والدقيق لصيانة أسس الوحدة والاستقرار والسلم الأهلي جعلته ينزع إلى هذا التوازن الدقيق مع إطلاقه العمل المؤسسي داخل التجمع أن يمارس حراكه بصورة ديمقراطية فريدة.

وقد كان الشيخ بطلاً وطنيًا وقوميًا وإسلاميًا لمعركة الوحدة العظيمة التي انتهت بدمج يمننا السعيد كما عرفه التاريخ واحدًا موحدًا وعودة الشقيق مع شقيقه، وقد كنت أتمنى أن يُكرّم هذا الشيخ قبل رحيله بإعلان ضم اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وليتنا رأيناه في قمة الدوحة في الموقع السابع خلف الرئيس علي عبد الله صالح بدل الآخرين، وسيظل هذا الخليج غير مكتمل في وحدته الأسرية ما دام اليمن السعيد خارج عضويته الفعلية والكاملة.

إن غياب الشيخ في هذا التوقيت الدقيق عن اليمن والمنطقة العربية التي تتزايد فيه مؤامرات الأعداء بتفريق الصف الوطني عبر إثارة النعرات الطائفية والإقليمية أو من خلال انسداد حالة الإصلاح السياسي الوطني وإطباق الفساد على مؤسسات الدولة مع الخلل الكبير في السيادة الوطنية لدول المنطقة جميعًا يُعزّز حزننا على فقدان هذا الزعيم العظيم الذي كان حتى رحيله قلعة أمام عواصف الفتن، وإننا لنهيب بأشقائنا في اليمن على صعيد الحركة العلمية لعلماء السادة الزيدية والشافعية وعلى صعيد الزعامات الاجتماعية في محافظات الجنوب والشمال بأن ينهضوا بمسئولياتهم التاريخية لوأد نعرات الفتنة، ويعزّزوا وحدة الشعب العظيم ونحن كذلك نناشد الرئيس علي عبد الله صالح، بأن يُفتح الأفق السياسي المحتقن في البلاد أمام مشاريع الإصلاح الحقيقية أيًّا كان المتبَنِّي لها، وأنّ دعم موجة الإصلاح الشعبية الوطنية القائمة على وحدة اليمن وعمقها العروبي الإسلامي خير من الإصرار على إيقاف الإصلاح حتى يتصدّع بنيان الوطن الداخلي، لا سمح الله.

إننا على ثقة كبيرة بأن شعار رسول الله الذي أطلقه على اليمن سيظل رائدهم وهاديهم "الإيمان يمان والحكمة يمانية". وإن غاب الحكيم الأحمر فخلفه حكماء على هدى الحق يسيرون.

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp