الشيخ عبدالله في ذكراه الأولى ،"لاآتٌ" لاتُنسى *د-عبدالله المقالح

 

إذا كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله،وكما قد قيل عنه رجلٌ بأمة،فقد كان أمةً بالفعل، ورجلٌ بحجم وطن،فقد كان وطنا بالفعل.هذا الشيخ الذي عرفته عن قرب،تعلّم من الدين ما غذَّى به روحه،فكسب منه نقاء السريرة وقلة الشك والظن بالناس،وعدم اليأس من رحمة الله.وتعلّم من القبيلة مواجهة الزحام وقسوة الحياة وإلحاح الحاجة، فكسب معنى الصّبر والجلد والتحرر من الحاجة . تعلّم من الطبيعة حرّها وبردها، فقتل فيها الفصول والمواسم،فلا يعنيه تقلُّب المناخ ، فملبسه واحد على امتداد السنة.تعلّم من السياسة فنَّها الممكن،فدخل السجن وخرج منه وقاتل وسالم و عبس وتواضع وهاجم وتراجع وحاور وجادل، فكسب بُعد النظر، وشُهِد له بالحِلم والحكمة.حارب الشيوعية،لكنه لم يتردد أن يزور كوبا،ويعلن أن( كاسترو) رمزا إنسانيا،واجه جبروت قوى الإستكبار.عارض صدام حسين في غزوه للعراق ، لكنه لم يتردد أن يزوره في ظروف الحصار الجائر على بلاده،ويعلن دعمه له رغم علاقته المميزة بدول الخليج.بل إنه لم ينس أن يسجل موقفا تاريخيا ضد إعدامه وشماتة أعدائه به بذلك الأسلوب اللا إنساني.

هذا الشيخ الذي عرفته ناصر الإسلام والمسلمين ،وما كان الإسلام خيارا مع غيره إلا اختار الإسلام. وماكان الوطن خيارا مع غيره إلا اختار الوطن.وظَّف علاقاته الداخلية منها والخارجية بما حفظ لوطنه الإستقرار والسلم الإجتماعي.إنفتح على الأحزاب،ونبذ الكيد الحزبي والمناكفة السياسية التي مر بها الوطن.

كلِّما سنحت لي فرصة اللقاء به في بيته سواء كان ذلك في الصباح أو المساء،كنت أترقب علاقته بعامة الناس وكيف كان يخاطبهم،فقد كان متعلقا بهم،يعج بيته بهم صباح مساء،يخالطهم ويعيش همومهم،لا يملُّهم،يسمع لمطالبهم،ويقضي حاجاتهم ولا ينس أحيانا مداعبة هذا او ذاك بالسؤال عن شيخه او قريته،فقد كانت روحه معلقةً بهم،إنهم المساكين الذي قرر أن يُدفن في مقابرهم،فاحتشدوا له بعفوية في جنازته من كل حدب وصوب في سابقة ماعرفها اليمنيون على امتداد تاريخهم.

وقد كان للشيخ رحمه الله "لاءات "لاتُنسى عكست شخصيته الوطنية والدينية:

قال لا ورفع عصاه دفاعا عن النعمان في مؤتمر حرض عندما تعرض الاخير لأهانة تتعلق بأصله ومنطقته،فشهد له اليمنيون بعدم المناطقية.

قال لا ورفع عصاه دفاعا عن القرآن في وجه من روَّج لمشروع قانون تعليم إنتقص من القرآن ومدارسه ،فشهد له اليمنيون بغيرته على الدين.

قال لا دفاعاً عن الوحدة في وجه من قالوا نعم للإنفصال،فشهد له اليمنيون بوحدويته.

قال لا دفاعاً عن العراق في وجه من تآمروا عليه وحاصروه وجوَّعوا أطفاله، وفعل كذلك مع الفلسطينيين فقد كانت "فلسطين" حاضرة في وجدانه وخطابه حتى أتاه الأجل فشهد له العرب بعروبته.

تعاطف مع قضايا الإسلام والمسلمين وقال لا في وجه من قتل ونكَّل بالمسلمين في البوسنة والهرسك والشيشان وافغانستان،فشهد له المسلمون بشمولية نظرته للإسلام والمسلمين .

حتى الذي كانت تؤذيه "لا" الشيخ صار اليوم أكثر الناس شعورا بخسارته، فقد كان صوتا واحدا ليكسب به حاشد، وصوتا واحدا ليكسب به الإصلاح ، وحتى صوتا واحدا ليكسب به المشترك.

وانظروا إلى حالنا اليوم وحال تلك المكونات و البلاد من بعده ، أزمات متتالية لا ندري أين ستمضي بنا من دونه.

كانت اليمن بالأمس تضم شيخا بوزن جبالها، فأصبحت بدونه صحراء خاوية فقدت وزنها وتوازنها.

مع أن الموت حق، فالكل يموت ، إلا أن موت بعض الناس ليس كغيرهم. فعندما يموت الكبار يتركون فراغا لا يملأه أحد.

كنا نحفظ للشيخ في مجالسه أنه كان يقول ما يؤمن به ويعتقده ولا يبالي حتى لو كان القول عن أمريكا ، ولا يتردد أن يتهكم على نظام عربي أخطأ أو صفَّ إلى جانب العدو من غير خوف أو تقية.

أذكر مرة عندما زاره الأستاذ عصمت عبدالمجيد وزير الخارجية المصري وأمين عام الجامعة العربية السابق في مكتبه في مجلس النواب ، دعاني الشيخ رحمه الله إلى ذلك اللقاء، فأسمع الضيف كلاما قاسيا عن تراجع دور مصر القومي وخاصة بعد زيارة السادات إلى القدس.

قال لي مرة أنه سيكتب مذكراته ويضع فيها مااحتفظت به ذاكرته من أحداث ومواقف،لكن ما غاب منها قال لي: خذوه يادكتور من الأستاذ عبد الملك الطيب.

إذا كان من كلمة اخيرة أقولها لأولاده ، فاني أذكَّرهم بما كنا نسمع عنه أن (المشيخة) ليست وراثة يطمئن لإرثها الأولاد ، بل لا بد للعمل من أجلها بما يحقق قضاء حاجات الناس وكسب حبهم وولائهم ، أسأل الله أن يمدهم بعونه وتوفيقه.

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp