الشيخ الأحمر..6عقود حافلة بالعطاء والأدوار السياسية والوطنية الفاعلة

على مدى ستة عقود من تاريخ اليمن المعاصر كان للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله أدوار سياسية

 
بارزة أسهمت في إحداث جملة من التغيرات المهمة على الشأن السياسي والوطني اليمني، ودار حولها الكثير من الجدل والتفسيرات، لا سيما وأن الرجل عاصر إمامين وخمسة رؤساء، وكان له دوره الفاعل في الثورة على العهد الملكي وتثبيت أركان الجمهورية، وحضوره السياسي الكبير في يمن ما بعد الثورة والذي استمر حتى فارق الحياة.

وتكمن أهمية تتبع المسار السياسي ودراسة وتحليل الأدوار الوطنية للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله في" اعتباره شخصية وطنية فذة له ثقله في النضال ضد الإمامة والتخلص منها، وإرساء النظام الجمهوري ومؤسساته، وجمعه بين المواقع والاعتبارات الرسمية والشعبية، وحكمته وتوازناته في التعامل مع الأحداث والقضايا الوطنية، وما تمتع به من مشاعر إسلامية وعربية وإنسانية جعلت مواقفه من الأحداث العالمية صريحة بدلالات معاني الإخوة الإسلامية و العربية الأصيلة، مما جعله موطن ثقة وإجماع كثير من القوى الوطنية والاجتماعية والسياسية" حسب ما كتبه الباحث عمر غالب في دراسته عن الأدوار السياسية للشيخ رحمه الله، والتي نستعرضها في سياق هذا التقرير.

الدراسة استعرضت الأدوار السياسية للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله ابتداء من العام 1948م إلى العام 2007م وهي المساحة الزمنية التي بدأت بثورة 1948م حيث تقلد الشيخ الأحمر رحمه الله مهاماً كبيرة على المستوى الاجتماعي ومشاركته في النضال ضد النظام الكهنوتي الإمامي الذي سلكه الأحرار وانشغلت به أسرته، وحتى العام 2007م حيث غادر الحياة وودعه اليمنيون في موكب جنائزي لم تشهد له البلد مثيلاً من قبل.

* الأدوار النضالية إبان الملكية

شهدت الفترة من 1948-1962م قدراً من تحولات الوعي عند كثير من المثقفين والثوار والأحرار الذين هبوا لانتشال الوطن من الطغيان والظلم، وبحسب الدراسة، فإن دور الشيخ الأحمر رحمه الله تمحور في الثلاث السنوات الأولى بعد 48م في المتابعة للإفراج عن والده الذي أودعه الإمام في الإقامة الجبرية في تعز، وكذا مراجعة الإمام للإفراج عن أخيه "حميد" الذي كان في أحد سجون حجة، وبعد تلك السنوات الثلاث عاد الشيخ رحمه الله إلى قبيلة حاشد ليمارس مهام إدارة الأسرة والقبيلة، وتوطدت علاقته آنذاك بالأمير البدر الذي كان الثوار والأحرار يرون فيه خير الموجودين من عائلة حميد الدين، ولهذا كونوا علاقة جيدة معه وساعدوه لكي يكون وليا للعهد، وكان دور الشيخ حميد بن حسين الأحمر واضحا في هذا الشأن ، وكان موقف الشيخ عبد الله رحمه الله من موقف أخيه.

وفي الفترة من 1955 إلى 1959م حدثت تطورات على مستوى النشاط الاستعماري في جنوب الوطن وكان له أثره على المملكة المتوكلية، كما حدثت تطورات في علاقة الإمام بالخارج وتزايد نشاط الأحرار، وقد ظل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله في هذه الفترة يقوم بأدوار والده وأخيه على الصعيد الأسري والقبلي، وتوفير الاحتياجات التي يحتاجونها في حركتهم وانشغالهم خارج حاشد، حاملا عنهم تكاليف المهام القبلية ليقوموا بالدور الوطني مع الأحرار، وعندما طلب البدر من القبائل دخول صنعاء بعد تمرد الجيش قام الشيخ عبد الله رحمه الله بتجميع الرجال وقبائل حاشد تلبية لنداء ولي العهد وتنفيذا لطلب والده، وأصبح هو المحرك لجموع القبائل خاصة أن والده وأخاه كانا منشغلين بأحداث صنعاء.

وعقب أحداث 1959م الدامية والتي أعدم فيها والد الشيخ وأخيه حميد، كان الشيخ عبد الله رحمه الله في انتظار دور تاريخي، حيث قام بالتواصل مع المشائخ والثوار والأحرار استعداداً للقيام بالثورة المباركة، وصبيحة السادس والعشرين من سبتمبر تلقى الشيخ عبد الله رحمه الله برقية من المشير عبدالله السلال بسرعة الوصول إلى صنعاء ليقوم بدوره التاريخي في حماية الجمهورية والثورة ومطاردة فلول الإمامة فتوجه الشيخ عبد الله رحمه الله صبيحة يوم الجمعة اليوم الثاني للثورة ومعه عدد من الرجال الذين حشدهم لتأييد الثورة، واتجه بهم نحو الحديدة وسلكوا الطريق المؤدية إلى تهامة، وفي اليوم الرابع للثورة وصل الشيخ رحمه الله إلى صنعاء متوجها إلى مقر قيادة الثورة، وبعدها التقى بالزبيري والقاضي الإرياني بالقصر الجمهوري، وفي المساء طلب منه السلال التوجه إلى الإذاعة قائلاً له " اذهب إلى الإذاعة ووجه كلمة للشعب فأصحابكم لا يزالون محتارين والبدر يتنقل بين القبائل" فما كان من الشيخ إلا أن ذهب ووجه كلمة حماسية دعا فيها قبائل حاشد خاصة وأبناء الشعب كافة للالتفاف حول الثورة والجمهورية والدفاع عنها.

ولم يكن هذا النداء من البرج العالي بل لقد تمثله الشيخ الأحمر رحمه الله سلوكا عمليا ليتوجه في اليوم التالي وهو الخامس من عمر الثورة المباركة إلى مدينة خمر بصحبة سرية وعدد من الضباط المتدربين تدريبا جيدا ومعهم الأسلحة المختلفة، ولم تشرق شمس اليوم السادس من عمر الثورة المباركة إلا على وفود قبائل حاشد التي أقبلت على خمر معبرة عن فرحتها وولاءها كما يصفها الشيخ رحمه الله في مذكراته " في يوم الثلاثاء خرجت حاشد من كل قرية كالجراد المنتشر منتشين نشوة كبيرة لا أحد يستطيع وصف مشاعرهم فرحا بوصولي" وفي اليوم السابع من عمر الثورة المجيدة تحرك الشيخ الأحمر رحمه الله بجيوشه لخوض معارك الدفاع عن الثورة.

* مع المشير

برز المشير عبد الله السلال كأول زعيم للثورة من 26 سبتمبر 1962م حتى 5نوفمبر 1967م، وفي الأيام الأولى عمل جميع الأحرار وكذلك القوى الوطنية بجد وإخلاص وتكامل تحت قيادته كما يقول الشيخ عبدالله رحمه الله" دعمناه في البداية والتفينا حوله وكنا تحت قيادته وقد قام بواجبه، وكان أشجع واحد فهو الذي تحمل المسئولية".

لكن المشير السلال لم يكن موفقاً في إدارة البلاد رغم وطنيته- كما تقول الدراسة- واعتمد على القوة المصرية التي تدخلت في كل شئون البلاد باسمه، وسلك الشيخ الأحمر رحمه طريق المعارضة للسلال والتدخل المصري في شئون البلاد العامة مع حرصه على التعاون مع المصريين في إنجاح مهمتهم العسكرية التي جاؤوا من أجلها، وارتسمت بذلك معادلة موازين القوى فاعتمد السلال على المصريين كقوة خارجية لحمايته ومكن لها في شؤون البلاد، ومالت إليه القوى اليسارية بعد ميله إليها، ومقابل ذلك امتلك الشيخ عبد الله بن حسن الأحمر مكامن قوى تمثلت في رصيد نضاله الشخصي والأسري واعتمد على القوة القبلية التي مثلت جيش الثورة، وتصدره صفوف المعارضة ضد السلال في الوقت الذي شعر الشعب بأهمية مساندة فكر المعارضة لإحساسهم بوطأة التدخل المصري في شئون البلاد، كما اعتمد الشيخ رحمه الله على رجالات الإصلاح الممثل بحركة الإخوان المسلمين، واستطاع بهذه المعطيات مع زملائه الأحرار من التغلب على المشير السلال وإزاحته من الحكم في 5/11/1967م.

* مع القاضي

تقلد القاضي عبد الرحمن الإرياني السلطة خلفاً للمشير السلال رحمهما الله، ولم يحظ أحد من رؤساء اليمن بحب وتقدير واحترام الشيخ عبد الله رحمه الله كما حظي القاضي الإرياني لأنه كان في نظره الرجل العالم والداعية والمناضل والحكيم، وتحقق في عهده التغلب على الملكية وإرساء وتثبيت النظام الجمهوري، وفي عهده تكونت مؤسسات كثيرة في بنية الجمهورية وأهمها مؤسسة الشورى، ولم يتوان الشيخ الأحمر رحمه الله عن مؤازرته وتأييده، وعندما بدأ عهده بالتراجع وظهرت مشاكل مختلفة لم يجد الشيخ رحمه الله حرجا من معارضته بل والعمل على إزاحته، وتمكن مع غيره من تحقيق ذلك، فلقد اعتمد القاضي الإرياني رحمه الله على عناصر من أقربائه في إدارة شئون الجيش وأثار حفيظة كثير من الضباط، ولم يلتزم باتفاقية نوفمبر الخاصة بما يتعلق بالقيادة الجماعية، ولم يأخذ بأسلوب الشدة مع مثيري الفتن والقلاقل في المناطق الوسطى وغيرها من اليمن، وأيقن الشيخ الأحمر رحمه الله أن الإرياني لم يعد برجل المرحلة وأن لديه- أي الشيخ الأحمر- المعطيات لإزاحته من السلطة، وخرج بذلك القاضي الإرياني من السلطة عن طريق الانقلاب الأبيض في 13/ يونيو/ 1974م.

* مع الحمدي والغشمي

تقلد المقدم إبراهيم محمد الحمدي السلطة بعد القاضي الإرياني بدعم وتأييد من الشيخ عبد الله رحمه لكنه ما لبث أن عارضه عندما رأى منه تمسكه بالسلطة وتجميده مجلس الشورى وتطويل الفترة الانتقالية بغرض تجميع خيوط السلطة كلها بيده، ولهذا دب الخلاف بينه وبين الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إلى درجة التكتلات، وأصبح الخلاف عن درجة من التعقيد، غير أن استشهاد الحمدي رحمه الله في 11/ 10/ 1977م على يد أحمد حسين الغشمي- حسب الدراسة- وضعت حداً لذلك الخلاف، ولم يتحمس الشيخ عبد الله رحمه الله مع أو ضد الرئيس أحمد الغشمي، وظل في مدينة خمر عمران يترقب الوضع بسياسة ذاتية، إلا أن رحيل الغشمي في 24/ 6/ 1978م من الحياة اغتيالاً لحاقاً بالشهيد الحمدي، وهنا لم يطق الشيخ الأحمر رحمه الله الصمت والبقاء في خمر، والأحداث تتسارع في الساحة فحمل مشعل إعادة الحكم إلى المدنيين بقوة ونسق مع قوى فاعلة في هذا الشأن، غير أن اعتبارات محلية وإقليمية حملته على تأييد صعود علي عبد الله صالح إلى السلطة.

* مع صالح

 في 17/7/1978م صعد المقدم علي عبد الله صالح إلى السلطة ولم يكن للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الرغبة ولا الحماس في مساندته، لكنه ما لبث أن غير تلك القناعة، وتعمقت الصلة بينهما إلى درجة التحالف، لكن هذه العلاقة التحالفية الاستراتيجية لم تسر على وتيرة واحدة بل تأرجحت أحياناً بين التقارب والتباعد مع البقاء على أصل العلاقة، إلا أن المرحلة المتأخرة وخاصة فيما بعد 2000م شهدت خلافات غير معلنة وظهرت أعراضها بصورة واضحة، لا سيما بعد أن اتضح أن سياسة الرئيس علي عبد الله صالح تسير نحو توريث السلطة، وأصبحت الدولة تعاني من الفساد الممنهج والفوضى الإدارية والتسيب المالي.

* وإجمالاً فإنه من خلال تتبع المسار السياسي والوطني للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله نجد أن المساحة الزمنية التي وصلت إلى ستين سنة من 1948- 2007م كانت حافلة بالعطاء والأدوار السياسية الفاعلة، فقد عمل الشيخ رحمه الله على اندلاع الثورة ومطاردة فلول الإمامة وقطع حبال صلاتها بالأرض والإنسان، ولم يتوقف عن خوض المعارك لمدة ثمانية أعوام، ومزج أساليب الدفاع عنها ووسائل الاستقرار فيها والاستقلال بذاتها وهويتها العربية والإسلامية بخطين متوازيين: أولهما خط مطاردة فلول الإمامة وبناء جسور الثقة والاطمئنان بين الجماهير وثورتها، وخط تأمين الجمهورية من الانزلاق والميل عن نهج الأحرار وأهداف الثورة إلى ضيق المصالح ومستورد الأفكار، وتعاون الشيخ الأحمر رحمه الله مع جميع القوى الداخلية والمساندة الخارجية في سلوك الخط الأول، وتلاحم مع الأحرار ورجالات الحركة الإسلامية والمصلحين في سلوك الخط الثاني حتى ضمن السلامة للوطن.

وعمل على إحلال المصالحة الوطنية وقبول الأشقاء في المملكة العربية السعودية الاعتراف بالنظام الجمهوري، وحمل على عاتقه بناء المؤسسات الدستورية وصيانتها، ولم يأل جهدا في مواجهة القلاقل وأعمال التخريب التي تفجرت في مناطق مختلفة من اليمن، وشارك بفعالية في صياغة ميثاق وطني للبلاد، ومثل سندا قويا للنظام في مسيرة البناء والتطوير وإحلال الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، وشكل صمام أمان للوحدة وقاوم بشدة دعاة النيل منها، وعارض فساد الحكم ومفاسد الحاكم حتى وافاه الأجل رحمه الله.  

 

نقلا عن صحيفة الصحوة

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp