اليمن وأمريكا في مواجهة التحديات الماثلة .. تعقيب أعده للمنتدى د. عبد الله الفقيه - أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء

ساد العالم منذ تأسيس الدولة المدنية الحديثة في الغرب في عام 1648 وحتى عام 1945 نظاما دوليا أتسم بتعدد الأقطاب، أي ان القوة فيه تركزت في عدد من القوى الرئيسية. واعتمد نظام تعدد الأقطاب في تحقيق الاستقرار على الحفاظ على قدر معين من توازن القوة داخل النظام.  لكن نظام تعدد الأقطاب شهد اعنف الحروب وأكثرها دموية في التاريخ الإنساني. فقد قتل في الحرب العالمية الأولى 16 مليون شخص وجرح 21 مليون، وقتل في الحرب العالمية الثانية أكثر من 60 مليون شخص. ومنذ عام 1945 وحتى انهيار الإتحاد السوفييتي عام 1990 شهد العالم نظام الثنائية القطبية حيث مثل الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية القوتين الرئيستين اللتين تدور حولهما سائر القوى الأخرى. وقد أدى انهيار الثنائية القطبية إلى ظهور ما يسمى بالنظام الدولي الجديد الذي تلعب فيه الولايات المتحدة دور القطب الوحيد. ولم يعد الحديث في ظل النظام الجديد عن توازن دولي ممكنا كما بدا واضحا من خلال الغزو الأمريكي غير المبرر للعراق.

 

عناصر القوة الأمريكية

 

ترتكز القطبية الأحادية الأمريكية في شكلها الحالي على خمس قواعد:

 

1. القاعدة الجغرافية بما تمثله من عمق استراتيجي وتنوع في الموارد الطبيعية حيث تبلغ مساحة الولايات المتحدة حوالي 10 مليون كم مربع أو ما يعادل 22 ضعف مساحة اليمن

 

2. القاعدة الاقتصادية: حيث يبلغ الناتج القومي الأمريكي بحسب تقديرات عام 2009 حوالي 15 ترليون دولار في السنة أي ربع ما ينتجه الاقتصاد العالمي (يقدر ب58 ترليون دولار)؛ بينما تنتج دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة الربع الثاني؛ وينتج الإقتصادين الياباني والصيني الربع الثالث.

 

3. القوة العسكرية: يبلغ الإنفاق العالمي على التسلح حسب تقديرات 2009 حوالي 1.5 ترليون دولار وتنفق الولايات المتحدة وحدها على التسلح سنويا ما يساوي أكثر من 40% من الإنفاق الكلي للعالم بينما تبلغ حصة الصين وهي الدولة رقم (2) بين الدول الأكثر إنفاقا على التسلح حوالي 6% من ذلك المبلغ، ثم فرنسا والمملكة المتحدة وتنفق كل منهما حوالي 4.5 % من إجمالي الإنفاق العالمي    

 

4. الهيمنة الإعلامية والثقافية والتي تمتد الآن لتشمل العالم الإسلامي بعد ان كانت هذه المنطقة قد تركت خارج نطاق المظلة الثقافية الأمريكية خلال الحرب الباردة.

 

5. الهيمنة السياسية: لا تركز القوة الأمريكية على ما تمتلكه أمريكا من أدوات مادية وفكرية وإعلامية ولكنها ترتكز أيضا على قيادة أمريكا لما يسمى بالعالم الحر وما يمتلكه الأخير من أدوات القوة. وتشكل الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة كما تبين العقود الماضية عامل معظم للقوة الأمريكية كما رأينا في حرب الخليج الثانية وعامل كبح لها كما رأينا في مجريات الغزو الأمريكي للعراق.           

 

غياب اليقين بشأن المستقبل

 

هناك اليوم حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل القوة الأمريكية لأسباب كثيرة أهمها:

 

1. تعرض الولايات المتحدة إلى الكثير من الهزات خلال السنوات الماضية والتي كان أبرزها أحداث سبتمبر 2001 ، الحروب التي تخوضها في باكستان وأفغانستان والعراق، والأزمة المالية العامة.  

 

2. ظهور مؤشرات على حدوث تحول عميق في موازين القوة الدولية والإقليمية يؤشر عليه على المستوى الدولي مثلا من خلال تنامي القوة الاقتصادية الصينية وعلى المستوى الإقليمي الشرق الأوسطي من خلال تنامي القوة الإيرانية. 

 

3. فشل الولايات المتحدة في احتواء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والذي يشكل أهم مغذ لحركات العنف والتطرف .

 

وليس من الواضح حتى الآن ماذا يعني تصاعد قوة الصين وإيران وتراجع القوة الأمريكية. لكننا نعرف من خلال دروس التاريخ ان التحولات العميقة غالبا ما قادت إلى فترات طويلة من عدم الاستقرار والى حروب طاحنة أهلكت عشرات الملايين من البشر ودمرت المئات من مدن العالم.

  

وضع اليمن

 

تواجه اليمن العديد من التحديات المصيرية وأهمها: الوضع في الجنوب؛ التمرد في الشمال؛ التهديد الذي تمثله جماعات العنف؛ والوضع الاقتصادي. وفي ظل العجز الداخلي الواضح والضعف الإقليمي المزمن والهيمنة الأمريكية القائمة فإن كل المؤشرات تدل على ان حل مشاكل اليمن (وأشعر بالأسف لوصول الوضع إلى ما وصل إليه) يبدأ من واشنطن والعواصم الأوروبية الأخرى ثم يمر بالعواصم الخليجية وفي مقدمتها الرياض وينتهي في صنعاء.

 

بالنسبة للأمريكيين فقد نظروا إلى اليمن تاريخيا بسبب موقعها الهام وجوارها لأكبر مخزون نفطي في العالم ومشاكلها الكبيرة على أنها ثغرة أمنية خطيرة وأن التعاطي مع الملف اليمني مكلف جدا مقارنة بالعائد الذي يمكن الحصول عليه. ولذلك أوكل الأمريكيون تاريخيا الملف اليمني إلى حلفائهم في الخليج والسعودية على نحو خاص.

 

لكن الواضح اليوم ان هناك مؤشرات نظرية كثيرة على وجود ادراك وقناعة أمريكية-على المستوى النظري-بان الملف اليمني اخطر من ان يختزل في جانب محاربة جماعات العنف والتطرف وان مشاكل اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية تشكل حزاما ناسفا بحسب تعبير البعض يمكن ان ينفجر في منطقة يملؤها النفط والغاز والممرات المائية والجزر الإستراتيجية التي شكلت تاريخيا نقطة جذب للقوى الدولية.

 

وتعكس التقارير والتغطيات الصحفية والإعلامية القادمة من الشرق والغرب بان الولايات المتحدة الأمريكية مهتمة بالوضع في اليمن أكثر من اهتمام اليمنيين أنفسهم وأن الأمريكيين يعدون الخطط والإستراتيجيات للتعاطي مع مختلف القضايا. وقد دعوا إلى المؤتمرات ونفذوا الكثير من الدراسات وما تراكم لدى الولايات المتحدة خلال الأشهر الستة الماضية يفوق في حجمه بحسب تقديري ما تراكم لدى اليمن خلال الخمسين عاما الماضية.         

 

المخاطر المستقبلية                                        

 

 رغم ان كل المعطيات تشير إلى ان مصلحة الولايات المتحدة واليمن تكمن في قيام شراكة قوية تتميز بالشمول ولا تقتصر على جانب دون آخر الإ أن هناك الكثير من المخاطر، وأهمها:

 

1. ان تركز الشراكة على مكافحة جماعات القاعدة بينما تهمل العوامل المنتجة والمغذية للعنف والتطرف وهي البطالة والفقر والأمية وضعف الخدمات وهشاشة الدولة والفساد بكافة أشكاله ...الخ القائمة الطويلة.

 

2. أن يتبع النظامان إستراتيجية رخيصة غير مكلفة تعتمد على الصواريخ التي تطلقها طائرات الدرونز أو المدمرات العسكرية المتواجدة في المياه الإقليمية والتي تقتل في النهاية المواطنين اليمنيين الأبرياء وتنتهك القوانين الدولية وتهدر الحقوق الإنسانية المقرة في جميع الشرائع وتدفع بالقبائل اليمنية إلى التحالف مع القاعدة وجماعات العنف وتزيد من تفاقم خطر انهيار الأمن والنظام.

 

3. أن تغلب الأنظمة القائمة مصالحها الآنية في البقاء في السلطة أو كسب التأييد الشعبي على حساب مصالح الشعبين اليمني والأمريكي وعلى حساب مصالح الدول المجاورة والمجتمع الدولي وهو ما سيقود حتما إلى الفشل..فالشراكة الناجحة لا بد ان تقوم على الاستعداد التام للربح والخسارة.    

 

4. أن يجير الدعم الأمريكي والخارجي عموما لصالح قبيلة أو فئة اجتماعية أو منطقة أو لصالح النظام على حساب المعارضة أو لصالح المعارضة على حساب النظام أو لصالح القوى التقليدية على حساب الحديثة أو لصالح القوى الحديثة على حساب التقليدية أو ان يكرس الإختلالات القائمة في توزيع السلطة والثروة لان ذلك سيقود حتما إلى الفشل لان الدعم المطلوب هو ذلك الدعم الذي ينتقل باليمنيين جميعا إلى وضع أ فضل ويضمن العدالة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون.         

 

5. ان يجتمع جهل النظام اليمني بالعالم وبالسياسات الدولية وبالتحولات العميقة التي يشهدها بجهل الأمريكيين باليمن وثقافته وتفاصيل مشاكله.

 

6. ان يوظف النظامين الورقة الأمنية لابتزاز بعضهما بعضا