نص ورقة الدكتور عيدروس النقيب المقدمة لمنتدى الأحمر حول الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية

    الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية الخلفيات والتداعيات ما يزال مسمى الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية، يشغل مساحة متقدمة ورئيسية في اللغة السياسية والصحفية والإعلامية اليمنية منذ ما يزيد على سنتين. وقبل الخوض في خلفيات وأسباب وأبعاد وتداعيات الحراك السلمي لا بد من الإشارة إلى أن مفردة، "الحراك" هي مفردة فضفاضة، غير متفق عليها ولا مقرة في برنامج سياسي أو وثيقة سياسية لأي من مكونات الفعاليات الاحتجاجية التي تشهدها المحافظات الجنوبية، ولأنها كذلك فهي قد تعني الكثير من المضامين والمعاني، لغويا واصطلاحيا، ولكي لا نخوض في قواميس اللغة ومفرداتها نكتفي بالفهم المباشر الذي يقفز إلى ذهن القارئ أو المستمع بمجرد استماعه لمفردة "الحراك" أو "الحراك الجنوبي" كما صار يطلق عليه اليوم. فالحراك باختصار شديد صار مرادفا لما تتضمنه الفعاليات السلمية الاحتجاجية التي تشهدها المحافظات الجنوبية هذه الفعاليات التي تشمل الاعتصامات، والإضرابات والمسيرات والمهرجانات الاحتفالية ولا بد من الملاحظة أن الحراك يشمل العديد من المكونات بعضها لها هيئات وفعاليات وحضور سياسي واسع على مستوى المحافظات الجنوبية، مثل حركة (نجاح) وهو الاسم المختصر لـ"حركة النضال السلمي الجنوبي" والمجلس الوطني وغيرها، والبعض الآخر برز في مرحلة معينة ثم توزع بين فعاليات أخرى مثل جمعيات المتقاعدين العسكريين، وجمعيات الشباب العاطلين عن العمل، وجمعيات ملاك الأراضي المستولى عليها، وغيرها وبعضها لها حضور في محافظة أو بعض المحافظات وليس على مستوى كل محافظات الجنوب. كما تنبغي ملاحظة أن هذه الهيئات لا يوجد لها برنامج سياسي موحد يجمعها معا بل ولا برنامج سياسي يجمع أعضاء الهيئة الواحدة، لا بل إن بعضها ليس لديها حتى وثيقة سياسية للمكون الواحد أو حتى لائحة داخلية تجمع أعضاءها ومعظمها لم تعقد حتى مؤتمرا أو اجتماعا تأسيسيا للإشهار.     خلفيات ودوافع الحراك للوقوف على خلفيات ودوافع نشوء وانتشار الحراك الاحتجاجي السلمي في المحافظات الجنوبية لابد من العودة إلى ظروف الإعلان عن اتفاقية الوحدة اليمنية في الثلاثين من نوفمبر 1989م والتي تضمنت فيما تضمنت الانتقال للعمل بدستور دولة الوحدة الذي أنجزته اللجنة الدستورية المقرة في لقاءات القمة السابقة (في القاهرة، وطرابلس والكويت, ثم لقاءات صنعا وعدن). فهذه الاتفاقية وملحقاتها (اتفاقية 30 نوفمبر 1989م)، لم تضع حلولا لمشكلات التباين السائد بين مكوني الوحدة اليمنية سواء منها ما يتصل بالأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، أو ما يتعلق بالعادات والتقاليد والأعراف المتفاوتة هنا وهناك، ونشير هنا على وجه الخصوص إلى التباينات الجوهرية التالية: على الصعيد الاقتصادي كان الاقتصاد الهش للشطرين متباينا ففي الجمهورية العربية اليمنية كانت السياسة الاقتصادية تقوم على أساس اقتصاد السوق وكانت البنية الاقتصادية بدائية تقوم على تجارة الاستيراد وبعض الصناعات الخفيفة القائمة على المواد الخام المستوردة، وتعتمد معظم إيرادات البلد على تحويلات المغتربين وبعض الدعم المقدم من الدول الشقيقة ومبيعات النفط الذي اكتشف متأخرا في منتصف الثمانينات، كما إن الزراعة التي يشتغل بها معظم القوى العاملة، تقوم على الملكية الخاصة البدائية وتفتقر لمقومات القيام بدور المحور الرئيسي في الحياة الاقتصادية وقد سمح هذا الوضع بنشوء بعض الملكيات الكبيرة نسبيا إلى جانب الملكيات الكبيرة المتوارثة كما جاء الانفتاح على زراعة وتجارة القات ليقضي على الجزء الكبير من العائدات الزراعية الإنتاجية. وقد سمح الوضع القائم على اقتصاد السوق بنشوء العديد من الملكيات الكبيرة والمتوسطة، كما فتح أسواقا للعمل الذي مكن من امتصاص بعض البطالة التي لم تكن كبيرة بالمقارنة مع ما هي عليه اليوم، وبقيت الملكيات الصغيرة تتراوح بين الصيرورة ومقاومة الانقراض وبين الإفلاس والتحاق أصحابها بالفئات الفقيرة والمعدمة، وفي ضوء اقتصاد السوق يعتمد المواطنون على أنفسهم في تدبير وسائل معيشتهم ولا يعتمدون على الدولة إلا في نطاق محدود جدا. أما في الشطر الجنوبي فإن السياسة القائمة على التوجه الاشتراكي تجعل الأرض والموارد السيادية والمصانع والمؤسسات والمنشآت (على محدوديتها) وقطاع الزراعة ومصادر الثروة المعدنية والبحرية، ملكا للدولة ينتفع به المواطنون سواء على الأساس الفردي أو على الأساس التعاوني، وهذا ما منع نشوء أي قطاع خاص مؤهل لإحداث تنمية اقتصادية لاحقة في ما بعد الانفتاح. كما كان المصدر الوحيد لدخل الأفراد (ما عدا بعض المغتربين) هو الراتب الشهري الذي يتلقاه الموظف من عمله مع الدولة أو التعاونية، مقابل اعتماده الكلي على العلاج المجاني والتعليم المجاني والسكن الرخيص (المملوك غالبا للدولة) والمواد الغذائية الرئيسية المدعومة من موازنة الدولة. وقد جاء الانفتاح الاقتصادي غير المنظم ليدفع بفئات كثيرة إلى صفوف الفقراء والمعدمين كما أدت الحرب وما بعدها إلى حالة من الاستحواذ على الكثير من الملكيات سواء عن طريق النهب والاستيلاء أو المنح من قبل المسؤولين أو عن طريق الخصخصة التي تمت بصورة تفتقر لأي أسس اقتصادية وقانونية، نجم عن ذلك تحول معظم موظفي الدولة في المجال الإداري والإنتاجي والعسكري والأمني إلى قوة فائضة لا حول لها ولا قوة أمام العاصفة التي هبت على البلاد بعد الحرب، ناهيك عن عشرات الآلاف الذين أبعدوا عن أعمالهم لأسباب سياسية باعتبارهم محسوبون على الطرف المهزوم. علي الصعيد السياسي كان النظام في الشطرين شموليا يقوم على النزعة الأحادية، ففي حين كانت الحزبية محرمة في الشمال كان المؤتمر الشعبي العام يمثل إطارا شبه جبهوي يضم كل الألوان السياسية ولكنه كان في الغالب ينفذ توجيهات السلطة التنفيذية ولا يوجهها، بينما كان النظام في الجنوب يقوم على أساس نظام الحزب الواحد الذي يحرم نشوء أي تكوينات سياسية. ومع فارق حضور الدولة في المحافظات الجنوبية في كل المحافظات الجنوبية ومديرياتها مقابل حضور الدولة في العاصمة والمدن الرئيسية واستعانتها بسلطة الوجاهات القبلية كمكملة لها في الكثير من المديريات والنواحي في المحافظات الشمالية، وهو ما سمح بانتشار بعض نزاعات الثأر والحروب القبلية التي غابت عن كل محافظات الشمال فإن بنية الدولة قد ظلت حديثة النشأة قليلة التجربة. ما عدا ذلك فالحريات مغيبة وحق الانتماء السياسية وحرية التعبير منعدمة في الشطرين كما هو معروف للجميع. على الصعيد الاجتماعي:  كانت البنية الطبقية والاجتماعية في الشطرين هي الأخرى مختلفة ففي الجنوب لم يسمح البناء الاقتصادي القائم على التوجه الاشتراكي بنشوء طبقة رأسمالية غنية وكان التكوين الطبقي ينحصر على الطبقة الوسطى التي تشمل موظفي الدولة محدودي الدخل من كبار الموظفين والعاملين الإداريين، والكتاب وهؤلاء هم أقرب إلى الطبقة التي تليهم وهي العمال والفلاحين، فصلا عن العاملين في السلك العسكري الذين يقتربون معيشيا من الموظفين والفلاحين، إلى جانب البدو الرحل والصيادين، وتكاد فئة العاطلين عن العمل والمتسولين أن تختفي، نظرا لشمول حالات الرعاية الاجتماعية كل العجزة والفقراء وإن بمستوى متواضع من الدخل، أما في الشمال فبفعل السياسات الاقتصادية المنفتحة نسبيا فقد ظهرت طبقة غنية من الملاك الكبار وإن محدودة العدد مع طبقة وسطى ذات وضع اقتصادي لا بأس به مقابل طبقة واسعة من العمال المشتغلين في المزارع والمصانع المملوكة للرأسمالية الحديثة النشأة ونشأ تداخل بين كبار الموظفين والقادة العسكريين وبعض العاملين في الاستثمارات التجارية والسياحية والزراعية والمقاولات، وهو ما يطلق عليه بعض الاقتصاديين والسيسيولوجيين، الاقتصاد الطفيلي، أو البرجوازية الطفيلية، ومقابل ذلك كانت فئة العمال والفلاحين المستأجرين وصغار الفلاحين، الذين يعتمدون في مداخليهم على كدحهم الشخصي، كما أضافت حرب الخليج إلى صف العاطلين عن العمل صفا طويلا يقارب المليون وهو في الغالب من العمالة غير المؤهلة، التي أضافت إلى المتسولين متسولين جددا وإن كانوا هذه المرة هم الفئة الوحيدة ذات الصبغة الوحدوية نظرا لأن أزمة الخليج الثانية قد ترافقت مع إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990م. وقد كان الرهان لدى البعض بأن الفترة الانتقالية سوف تمكن شريكي الوحدة من التغلب على ما سينجم عن تلك التباينات من مصاعب نتيجة الاندماج الكلي لأجهزة السلطة على أساس مجموعة من القوانين التي أعدت على عجل ولم يتم العمل بها لا حين صدورها ولا فيما بعد. وجاءت الأزمة السياسية التي امتدت منذ أواخر 1992م حتى اندلاع الحرب في نهاية أبريل وبداية مايو 1994م ليس فقط لتعطل كل إمكانية للتغلب على مصاعب المرحلة الانتقالية بل ولتحرم البلد من إمكانية الاستفادة من إيجابيات النظامين المندمجين، وتضفي على البلاد طابع الطرف الذي حسم الحرب لصالحة، دونما مراعاة لما سيترتب على هذه السياسات من عواقب وخيمة هي ما نجني اليوم ثمارها المرة. حرب 1994م وأثرها في تراجع المشروع الوحدوي السلمي الديمقراطي لن أخوض هنا في أسباب ودوافع الحرب وإن كنت سأكتفي بالإشارة إلى أن الانتقال المتعجل نحو الوحدة الاندماجية مع بقاء النظامين المختلفين متحكمين في الدولة الجديدة وعدم حدوث اندماج حقيقي يسمح بالانتقال نحو دولة المؤسسات والقبول بالتعددية الحزبية الحقيقية والتداول السلمي الحقيقي للسلطة، فضلا عن تنامي روح عدم الثقة بين طرفي الوحدة الرئيسيين، قد خلق المزيد من الصعوبات أمام دولة الوحدة المفترضة التي لم تتكون بعد والكل يعلم أنه وخلال الفترة الانتقالية كان الحديث يدور عن الأخذ بالأفضل في نظامي الشطرين السابقين، ولكن أحدا لم يقل من الذي سيحدد الأفضل، فكل من الطرفين كان يعتبر نظامه هو الأفضل وقد تعزز هذا الشعور في ظل تنامي الأزمة السياسية، وقد جاءت حرب 94م للتعبير عن عجز العقل السياسي اليمني على التفوق على نزعة الاستحواذ وإلغاء الآخر وعدم نشوء عقلية سياسية جديدة تعادل ضخامة الحدث العظيم وتستوعب متطلباته، وتقبل بالتنازل عن المصالح الصغيرة أمام قضية مهمة أكبر وهي قضية بقاء البلد موحدا متسالما ومتصالحا مع نفسه. كما عبرت الحرب عن غياب العقلية الديمقراطية وعدم تحولها إلى ثقافة وقناعة فعلية في سلوك القوى السياسية اليمنية، بالرغم من الإعلان عن الديمقراطية والحديث الكثير عنها وتضمينها في الكثير من النصوص القانونية والاتفاقات المعقودة قبل وبعد 22 مايو، وبالمثل عبرت عن استمرار عقلية الخداع والاستدراج والمغالطة السياسية حتى في التعامل مع قضية بحجم وحدة اليمن. لسنا بصدد سرد سير الحرب ونتائجها فلكل من طرفي الحرب تقييمه ورؤيته لنتائج الحرب ولكن أهم ما يمكن الإشارة إليه هنا هو أن الحرب قد ترتب عنها ما بعدها من الأضرار والعواقب المدمرة على المشروع الوحدوي، فقد تعامل المنتصر في الحرب مع الطرف المهزوم تعامل الفاتحين مع البلدان المفتوحة في الحروب بين الأقطار وتمثل ذلك في فتح محافظات الجنوب على مصاريعها أما المنتصرين أو من التحق بهم ممن كانوا حتى محايدين أو منحازين إلى الطرف المهزوم حتى وقت قريب وذلك من حيث: إباحة الأرض وما عليها والمنشآت وما بداخلها، والممتلكات وما تتضمنه، والتاريخ وما يميزه كل ذلك ليغدو غنيمة بيد المنتصرين يتصرفون به كما يشاءون فيغيرون هنا ويبدلون هناك، ويستحوذون ويملكون، ويحولون ما يشاءون ويبقون على ما يشاءون. ونجم عن ذلك عدد من الظواهر والممارسات والتبعات تمثلت في: 1)  تعرض العديد من الممتلكات الخاصة والعامة للنهب أثناء وبعيد الحرب مباشرة على شكل غنائم حرب، وقد شمل ذلك مؤسسات وهيئات ومنشآت إيرادية كانت تحتوي على مئات الملايين، مثل: البنك الأهلي وفروعه، شركة النصر الوطنية الحرة، مكتب وزارة الإسكان، المصانع والمؤسسات الإيرادية، شركة مصافي عدن، وقد كان المستفيدين من كل ذلك هم القادمون إلى عدن وبقية المدن من خارجها. 2)  الاستيلاء على منشآت ومباني حكومية أو شبه حكومية، وبعض المنازل المسجلة بأسماء أفراد، من قبل بعض القادمين أو ممن أشرفوا على عملية دخول عدن والمدن الأخرى. 3)  تسريح شبه كامل لأفراد الجيش والأمن والأجهزة المدنية الأخرى، ما عدا من وقفوا في الحرب إلى جانب الطرف المنتصر. 4)  نهب مساحات واسعة من الأراضي دونما التقيد حتى بنظام التسجيل وحتى دون دفع رسوم التسجيل، الكثير من هذه الأراضي كانت مسجلة بأسماء جمعيات سكنية مثل جمعيات التربويين، وجمعيات الإعلاميين، وعمال النفط، والعاملين في قطاع الثقافة، والعاملين الزراعيين، وغيرهم. 5)  نهب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، بعضها مسجلة باسم جمعيات وتعاونيات زراعية . 6)  الاستيلاء على مزارع الدولة المنتشرة في جميع المحافظات والتي تشمل على العديد من المنشآت والآليات الحديثة، وتبلغ عشرات الآلاف من الأفدنة، وتسريح العمالة التي تشتغل بها والتي تزيد في بعضها عن عشرات الآلاف. 7)  كما جاء تعيين المحافظين ومدراء مكاتب الوزارات المالية والأمنية والإيرادية وقادة الألوية من خارج المحافظات الجنوبية ليضاعف الشعور بالهزيمة وغياب الشراكة، وإن ظل هذا الشعور صامتا ومكبوتا. 8)  نزوح معظم القيادات الجنوبية، ومنهم نائب ؤئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب السابق ونواب رئيس الوزراء والوزراء والقيادات الحزبية والعسكرية والأمنية، والمحافظين، وبعض أعضاء مجلس النواب والمستشارين، لتضيف شرخا جديدا إلى الشرخ النفسي والاجتماعي والوطني الذي خلفته الحرب. 9)  جاءت المحاكمات السياسية وما صدر عنها من أحكام رغم محدودية عدد المستهدفين منها لتشكل نوعا من المهانة والاحتقار لشركاء الوحدة فصار الموقع على اتفاقية التوحيد والرجل الأول في الجنوب، والشريك الأساسي في قيادة البلد خائنا محكوما ومنزوع الوطنية وكان لهذا قيمته الرمزية المؤلمة لدى الأغلبية الصامتة في المحافظات الجنوبية، بغض النظر عن رضاها من عدمه تجاه الشخصيات المستهدفة بالمحاكمة. إن تلك المظاهر والأحداث قد أضافت إلى ما خلقته الحرب من شرخ وطني واجتماعي جروحا وشروخا اجتماعية ووطنية إضافية، ظلت تعبر عن نفسها بصمت القابل للانكسار والمستسلم للأمر الواقع الذي لا يجد القدرة على تغييره، وظل الرهان على إمكانية التغيير السلمي الإيجابي من خلال الوسائل الدستورية والبرلمانية والانتخابية، التي غالبا ما كانت تأتي نتائجها لتضيف مزيدا من الخيبة والإحباط، وخلقت مجموعة من النيران الخامدة تحت رماد الصمت والاستكانة الوقتيين. بدايات الفعاليات الاحتجاجية لقد بدأت الفعاليات الاحتجاجية على شكل مجموعة من المراسلات مع مكتب رئاسة الجمهورية لجمعية المتقاعدين العسكريين التي تضم في عضويتها عددا من العسكريين المبعدين عن أعمالهم، تضمنت تلك المراسلات مجموعة من المطالب الحقوقية أهمهما: ·   مطالب تتعلق بالعودة إلى العمل، والحصول على الترقية والتعويض عن سنوات الإبعاد الإجباري عن العمل. ·    مطالب تتصل بالحقوق المادية التي يحصل عليها ضباط الجيش والأمن من إعاشة ووسائل نقل ووقود وصيانة وأجرة سكن وسواها. ·    مطالب تتصل بالحقوق المستولى عليها وتخص الأراضي التي اشتراها الضباط والجنود قبل الحرب من خلال جمعياتهم السكنية وجرى نهبها بعد الحرب. ولما لم تلبى تلك الطلبات هدد المتقاعدون باللجوء إلى الاعتصام والقيام بمسيرة بالزي العسكري يوم 7/7/2007م، وهي المسيرة التي منعت وجرى معها فرض حالة من الطوارئ على منطقة خور مكسر في محافظة عدن. وتوالت الاعتصامات في 2/ أغسطس 2007م و1/سبتمبر و10 سبتمبر 2007، ولكن هذه المرة كان عدد المحتشدين يتزايد بدخول فئات جديدة ممن كانوا يعانون من نتائج الحرب وما بعد الحرب، من العاطلين عن العمل والعائدين من الخارج، وغيرهم، وكانت تلك الاعتصامات تواجه بالعنف الرسمي من قبل أجهزة الأمن حيث تعرض للإصابة يوم الثاني من أغسطس جريحان أحدهما فقد عينه، والثاني تعرض لكسر في رجله، وفي اعتصام الضالع 10 سبتمبر تعرض للقتل ثلاثة من الشباب، وأصيب بجراح مختلفة ومتفاوتة عدد سبعة عشر شابا، كما قتل اثنان وأصيب ثمانية بجراح متفاوتة في المكلا في نفس اليوم. وكانت حادثة المنصة الشهيرة في 13/ أكتوبر 2007م هي الأكثر عنفا ودموية حيث راح ضحيتها أربعة من الشباب و17 مصاب بإصابات مختلفة، وتلاها مهرجان الرابع عشر من أكتوبر 2007م. كما تتالت الفعاليات في العاشر من نوفمبر، مسيرة تأبين شهداء المنصة، في 13 يناير 2007م و27 أبريل و7/7/2008م وأكتوبر و30 نوفمبر في كل من الضالع والصبيحة وردفان والهاشمي بعدن وفي كل مرة كان عدد الضحايا من قتلى وجرحى يزداد. ثم جاءت أحداث الحبيلين في يناير ثم أبريل 2009م والتي كادت أن تؤدي إلى نزاع مسلح بين قوات الجيش التي سعت إلى استحداث مواقع عسكرية في جبال ردفان، والمواطنين المعترضين على تلك الاستحداثات التي تطل على القرى والمدارس والمزارع والمراعي، ويرون فيها استفزازا لمشاعرهم واستهتارا بحياتهم وفي تلك الأجواء استخدمت قوات الجيش المدفعية والدبابات وصواريخ الكاتيوشا في مهاجمة قرى ومدارس ومناطق سكنية بعيدة عن مناطق الاحتكاك. وجاءت أحداث 7/7 /2009م التي استخدمت فيها قوات الأمن أكثر من 30 ألف من أفراد الأمن في محافظة عدن وحدها غير الأعداد التي انتشرت في أبين ولحج وردفان والضالع وحضرموت وشبوة، وشنت خلالها حملات اعتقالات طالت ما بين 3 ـ 6 آلاف من الناشطين بعضهم أفرج عنهم والبعض الآخر ما يزال قيد الاحتجاز حتى اللحظة، وقد شملت الاعتقالات عناصر نوعية من بينهم أساتذة جامعات، قادة عسكريين سابقين، دبلوماسيين سابقين وحقوقيين وصحفيين، فضلا عن آلاف المواطنين والحزبيين. وتنبغي الإشارة إلى أنه ومع تنامي عنف السلطة تجاه الفعاليات التي أطلقت على نفسها الفعاليات السلمية كانت تنمو الرغبة في رفع الشعارات التي ترفض الإبقاء على الوضع الراهن والمطالبة بالانفصال بالعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م ويبدوا أن هناك من تعمد رفع هذه الشعارات بفعل غياب القيادة السياسية الواضحة للفعاليات السلمية، وصار المبالغة في رفع سقف الشعارات نوعا من المباراة بحيث صار صاحب السقف الأقل عرضة للاتهام والانتقاص في نصرته للقضية الجنوبية. جوهر المشكلة: إن المشكلة التي أمامنا تبدو ظاهريا وكأنها نوع من العناد بين سلطة تأبى الالتفات لمطالب الناس وتصر على سياسة أذن من طين وأخرى من عجين، أو ما أسماه الدكتور الظاهري بـ"الصمم السياسي" وبين مجموعة من المتشديين الذين يرغبون بالعودة إلى الانفصال لعجز الوضع القائم من تحقيق المصالح التي كانوا يحلمون بها أو بفعل خسرانهم لحرب 1994م، بينما هي في حقيقة الأمر تعبر عن خلل سياسي واضح في المعادلة الوطنية الكبر معادلة "دولة المواطنية" هذا الخلل يتمثل في سلطة عجزت من استيعاب المصالح الوطني لكل شرائح الشعب وتحولت إلى مدافع عن مصالح ضيقة لعدد من الانتهازيين والمصلحيين الذين حولو أنفسهم إلأى أوصياء على هذا الشعب في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وكل من عبر عن رفضه للسياسات القائمة على الفساد والعشوائية واللاقانون فهو عدو الوطن وليس عدو الفساد والعشوائية، هذه السياسة تقوم على عقلية الغنيمة فالمنتصر هو الذي من حقه أن يتحكم بمصائر البشر وأن يتمتع بخيرات البلد وأن يحدد من هو الوطني ومن هو الخائن ومن هو المخلص ومن هو الشريف ومن هو العدو ومن هو الصديق، هذه العقلية الإقصائية هي التي حولت المشروع الوحدوي من عملية توافقية سلمية تصالحية إلى غنيمة حرب تستثني الجميع وتبقي فقط على من يردد كلمات قادة الأوركتسرا، وما السخط الذي نشأ في الجنموب إلا صورة من صور الرفض لهذه السياسة لكنه اتجه صوب العودة إلى ما قبل تسعين بدلا من التصدي لمن أفسدوا حياة اليمنيين، وأفرغوا المشروع الوحدوي من مضامينه الوطنية والنهضوية والحضارية والإنسانية، فالمشكلة إذن ليست في "الوحدة" ولكنها في من سلب الوحدة جوهرها ومضمونها واكتفى منها بالمبنى بعد أن أفرغها من المعنى. أبعاد الحراك السلمي: كانت بداية الفعاليات السلمية الاحتجاجية عبارة عن اعتصامات محدودة العدد والمطالب حيث كان المطالب تقتصر على الجوانب الحقوقية، ونظرا لتغاضي السلطة عن الاستجابة لمطالب المعتصمين والتعامل بقسوة مع الفعاليات السلمية انتقل طابع الفعاليات إلى المطالب السياسية كما كانت ردة الفعل على التعامل العنيف الذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، كانت ردة الفعل عبارة عن اتساع دائرة المؤيدين وانخراط شرائح جديدة تلازم معها عدد من الظواهر أهمها: أولا: رفض القبول بشركاء سياسيين وخاصة الأحزاب السياسية (أحزاب المعارضة) والمقصود أحزاب اللقاء المشترك. ثانيا: الانتقال من الشعارات المطلبية إلى الشعارات السياسية والمطالبة العلنية بفك الارتباط، والعودة إلى ما قبل 22 مايو. ثالثا: بدء التباينات بين مكونات الحراك بفعل تباين الاتجاهات السياسية وازدحام الساحة بالقيادات الداخلة فيها، ومن ثم نشوء عدد من الهيئات: نجاح، المجلس الوطني، الهيئة الوطنية للاستقلال، والهيئة الوطنية للحراك. رابعا: انخراط شخصيات جديدة كانت حتى وقت قريب محسوبة على السلطة وخاصة، أشخاص مثل السلطان طارق الفضلي والشيخ عبد الرب النقيب، ومشائخ من درجات أدنى وبعض أعضاء في الحزب الحاكم. خامسا: ترافق ذلك مع ظواهر قطع الطريق أو الاعتداء على بعض المحلات التجارية، وهو ما تقول قيادات الحراك بأن هناك من اخترق الفعاليات السلمية ودبر مثل هذه الأعمال إلا إن هذا لا يعفيها من تحمل مسئولية حسن الإعداد والتدبير للفعاليات السلمية وحمايتها من الانحرافات. ولا يمكن انتهاء الحديث عن النضال السلمي دون الإشارة إلى حادثة العسكرية الأخيرة التي ذهب ضحيتها ثلاثة من أبناء القبيطة الأبرياء المنتميين إلى محافظة لحج 312 هذه الجريمة التي حاولت بعض الجهات أن تنسبها إلى فعاليات الحراك السلمي، والتي أعلنت جميع فعاليات الحراك تبرأها من هذه الجريمة ومن مرتكبيها وألحقت إعلانها هذا بالدعوة لمسيرات استنكار عمت مدن الضالع حبيل الجبر والحبيلين والصبيحة. إن خطورة هذه القضية لا تكمن فقط في طبيعتها البشعة والوحشية، وفي أن ضحاياها أبرياء لا علاقة لهم بقضايا الخلاف السياسي، بل في ما يكمن وراء مثل هذا النهج من أغراض خبيثة سعى من دبروا هذه القضية إلى الولوج فيها. احتمالات المستقبل من غير شك أن الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية يعاني من غياب القيادة السياسية المؤهلة وهو ما يجعله خاضعا للانفعالات العاطفية وردود الأفعال اللحظية، أو ما يسميه الفلاسفة الوعي اليومي العفوي، السطحي فكثير من الفعاليات الاحتجاجية تخضع للإثارة أكثر مما تخضع لأجندة سياسية تحتوي على الأهداف والوسائل وتميز بين الاستراتيجية والتكتيك، وتميز بين ما يمكن طرحه اليوم وما يمكن طرحه غدا، وما يصلح في هذه اللحظة وما قد لا يصلح الحديث عنه، وعليه فإنه لا يمكن التكهن بالمآلات التي يسير إليها بالحراك السلمي في المحافظات الجنوبية إلا من خلال جملة من الافتراضات التي قد تصيب وقد تخطئ ويمكن القول أن الحراك السلمي في محافظات الجنوب يقف أمام عدة احتمالات أهمها: ·  احتمال التنامي والاستمرار والصمود والمثابرة حتى وصول الغايات التي يعلن عنها أكثر مكونات الحراك وضوحا في الأهداف وهو ما أسمي بـ"فك الارتباط" والعودة بالأوضاع إلى ما قبل 22 مايو 90، وهذا سيفتح الأبواب على كل الاحتمالات في اليمن كل اليمن بما في ذلك السقوط في وهدة التشظي والصوملة، التي أطلق عليها بعض الكتاب "اليمننة"، وهذا الاحتمال يتوقف على عدة عوامل وأسباب منها الذاتي ومنها الموضوعي أهمها: * استمرار التعامي والتعالي من قبل السلطة والإصرار على الرد العنيف على جميع الفعاليات والمطالب * تماسك جبهة الحراك واستمرار النهج المتشدد الذي لا يطرح إلا خيارا واحدا، وعدم تقديم البدائل المتعددة. * استمرار القطيعة بين قيادات الحراك وبقية القوى السياسية المعارضة، من أحزب وتنظيمات سياسية. * غياب البرنامج السياسي الواضح لمكونات الحراك والاكتفاء بالشعارات والخطابات والمهرجانات ورفض الحوار مع الآخرين بما في ذلك أحزاب المعارضة والسلطة. ·   احتمال الحل التوافقي وذلك من خلال الجلوس والحوار بين القوى السياسية كاملة في السلطة وفي المعارضة في الداخل وفي الخارج بما في ذلك مكونات الحراك، لطرح أجندة جديدة لحل مشكلات اليمن، بما في ذلك إعادة النظر في شكل الحكم وشكل الدولة، وهذا يتوقف على مجموعة من العوامل أهمها:. * تحديد الأجندة السياسية الواضحة من قبل مكونات الحراك * القبول بالحوار وسيلة لحل المشكلات القائمة مع قبول الطرف الآخر (وأقصد السلطة) بالحوار أما أحزاب اللقاء المشترك فهي تدعو للحوار منذ سنتين. * قبول مكونات الحراك بالخيارات المتعددة وليس الخيار الواحد المغلق، ومناقشتها بروح منفتحة مع كل القوى السياسية اليمنية في السلطة والمعارضة. * طرح القضية الجنوبية على طاولة الحوار بين كل مكونات العملية السياسية اليمنية في السلطة وفي المعارضة، وقيادات الخارج وفعاليات الحراك السلمي، والشخصيات الوطنية المستقلة. ·  احتمال استمرار الفعاليات الحراكية دون تطور من حيث المستوى السياسي لخطابها وبرامجها وأساليب عملها، مع استمرار تعرضها للاختراق من قبل المندسين والمتنطعين والشاذين مما قد يسيء إلى سمعتها ويضيق من مساحة أنصارها وربما لجأ بعض الأفراد (بوعي أو بدون وعي) إلى أعمال عنف أو غير ذلك وهذا ما سيحكم عليها بالحصار السياسي والتراجع المعنوي ويعتمد هذا الاحتمال على عوامل أهمها: * سيطرة الخطاب المتشدد في بعض مكونات الحراك الذي يرى في الكل أعداء ما عدا من يتبنى خطابه. * استمرار الانغلاق السياسي وعدم الانفتاح على جميع مكونات العملية السياسية في الشمال والجنوب والمستفيدة من التغيير السلمي والإيجابي للوضع في البلد * تنامي النزعة الشطرية البارزة لدى بعض شخصيات الحراك التي ترى أن الصراع هو صراع شمالي جنوبي، وأن كل شمالي ظالم وكل جنوبي مظلوم. ·  وينبغي أن لا ننسى عوامل أخرى قد لا تكون ذات صلة مباشرة بالحراك ومسبباته ولكن تأثيرها يكون مباشرا على مستقبل الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية ومن هذه العوامل: 1.  استمرار أو الوقف النهائي لحرب صعدة، فمن الواضح أن السلطة لا تفكر في وضع حل نهائي لمشكلة صعدة مما يجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات وتأثير هذا العامل على الحراك السلمي يتمثل في منحيين: في حالة الحل النهائي لمشكلة صعدة سوف يفتح هذا مجالا للتفرغ لحل المشكلة في الجنوب، أما في حالة استمرار الحرب أو تناميها واتخاذها أبعاد أكبر (لا سمح الله) فإن هذا سيؤثر باتجاه تأخر وضع الحل للمشكلة الجنوبية وبالتالي استمرار تناميها، وانفتاحها على تأثيرات العوامل الأخرى. 2.  الأزمة الاقتصادية: والتي في حالة تناميها واتساع أبعادها قد تترك أثرا من حيث انصراف الطاقات لمواجهة هذه الأزمة ومن ثم تصاعد القضية بالاتجاهات التي تؤثر فيها العوامل الأخرى التي سبقت الإشارة إليها وفي حالة التغلب على الأزمة الاقتصادية وبروز مؤشرات اقتصادية إيجابية قد يساعد ذلك على التفاعل مع الأوضاع في الجنوب أما باتجاه الاستجابة لمطالب المحتجين، أو باتجاه التعالي واستمرار نهج القوة التي لن تزيد النار إلا اشتعالا. 3.  الفساد: إن الفساد يترك أثره على الحراك من خلال، تبديد الموارد التي كان يمكن أن تستخدم لتلبية مطالب المحتجين، كما أنه يسمح لاستمرار المعالجات الترقيعية، وقد يستخدم الفساد في تأجيج الأوضاع الأمنية وتوتيرها باعتبار الكثير من المنخرطين في مقاومة الفعاليات السلمية يستفيدون، من المخصصات التي تصرف في تلك المواجهة، وهناك طرفة يتبادلها الناس في عدن ولحج وأبين، فحيث أن معظم الذين يتم اعتقالهم في الفعاليات الاحتجاجية يتم الاستيلاء على ما بحوزتهم من هواتف نقالة ومقتنيات نقدية وغيرها، وبعضهم يطلق سراحهم بعد أخذ حاجياتهم، يقول المتندرون أن بعض الجنود والضباط يتوددون للناشطين في الحراك لأن يستمروا في الفعاليات الاحتجاجية، وينتقدونهم على التباطؤ في القيام بها. 4.  الموقف الخارجي: لقد نجحت السلطة نجاحا كبيرا في محاصرة الفعاليات الاحتجاجية، وحرمانها من أي تضامن خارجي إقليمي ودولي، ليس بسبب عدم عدالة القضايا التي يطرحها قادة الحراك ولكن بفعل الحصار الإعلامي والنشاط الدبلوماسي القوي للسلطة، وبعض التصرفات المتهورة لبعض قادة الحراك لكن هذا الوضع قد لا يستمر طويلا فضحايا بطش السلطة لن يسكنوا طويلا ومعوقي الإصابات لن يضلوا صامتين على ما ألحق بهم من أضرار فضلا عن بقاء قضايا الحقوق المنهوبة وسياسات الإقصاء والاستبعاد، التي سببت الحراك حية ما لم تعالج، وإذا ما خرجت القضية إلى النطاق الدولي فقد لا تستطيع السلطة مواجهة ذلك الوضع خاصة وإنها لم تعاقب أحدا ممن تسببوا في إزهاق العشرات من الأرواح وإلحاق الإصابات بالمئات من المواطنين، ناهيك عن عدالة ومشروعية كل القضايا التي يطرحها قادة الحراك، وإن تم طرحها في كثير من الأحيان بطريقة غير كفؤة. خاتمة: لا يمكن لأي منا أن يزعم بأن لديه المخرج النهائي أو الوصفة الشافية للوضع المتأزم الذي وصلت إليه الحالة السياسية اليمنية وكم كنت أتمنى أن يذهب القادة السياسيون اليمنيون في السلطة والمعارضة إلى المحافظات الجنوبية ومديرياتها ويلتقوا لقاءات ميدانية مع المواطنين أو مع فروع أحزابهم ويطلبوا منهم أن يقولوا بصراحة بما لديهم، ليروا حجم الفجوة الناشئ بين الأوضاع في المركز والأوضاع في محافظات الجنوب، ومع ذلك فإن الخلاصة الوحيدة التي يمكن الخروج بها هنا وفي هذه العجالة هي: إن الوضع القائم لا يمكن أن يستمر فلا الشكل الراهن للدولة البسيطة ( الدولة الغائبة أصلا) يستطيع البقاء إلى النهاية، ولا مشروع الانفصال يمكن أن يكتسب مقومات الحدوث والاستمرار، إلا إذا أصرت السلطة على مواجهة المشكلة بالوسائل التقليدية التي دأبت عليها منذ بداية المشكلة وهي الوسائل التي لن تزيد النار إلا اشتعالا والجراح إلا تقيحا، ولذلك فإن أقرب المداخل لمعالجة الأزمة يمكن أن يتمثل في: الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني عام يشارك فيه كل الناشطين السياسيين اليمنيين من سلطة ومعارضة في الداخل والخارج، بما في ذلك الموقعين على اتفاقية 30 نوفمبر 1990م، وقادة الأحزاب، ورجال الفكر والقانون، والأكاديميين ومن تبقى من قادة ومناضلي ثورتي سبتمبر وأكتوبر والوجهاء الاجتماعيين من مشائخ وأعيان وناشطي المجتمع المدني، لبحث الشكل الجديد للدولة الذي لا بد أن تكون دولة مركبة تحتفظ للبلد بالوحدة وتحمي حقوق الأطراف وتمكنها من الشراكة الوطنية الحقيقية التي تسمح بقيام الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والدستور والمؤسسات، والتعددية الحزبية الحقيقية والتداول السلمي الفعلي للسلطة. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل صنـــــــــــــــــــــــعا في 19/7/2009م