(في وداع شخصية استثنائية ) * الدكتور عيدروس النقيب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الإشتراكي اليمن

إلى روح الفقيد الشيخ

 

 

عبد الله بن حسين الأحمر

 

 

قد مات قوم وما ماتت مآثرهم

 

 

وعاش قوم وهم في الناس أموات

ترددت كثيرا قبل الكتابة عن شخصية الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ذلك إنني كنت أشعر دائما أن ما يمكن قوله عن الرجل أكبر من أن تتسع له المفردات وتستوعبه الألفاظ، ومع ذلك فقد كانت إجاباتي على كل الأسئلة التي وجهها لي العديد من المنابر الصحفية والمواقع الإلكترونية إن الفراغ الذي تركه الشيخ سيظل شاغرا لفترة طويلة من الزمن ذلك إنه من الصعب وجود تلك الشخصية التي تجمع بين كل ما جمع 

بينه الشيخ من حكمة وصبر ووسطية وصدق وتواضع وقوة إرادة ومرونة وحزم، وغيرها من السجايا التي من الصعب العثور عليها في شخص واحد.

ككل مواطن يمني سمعت عن الشيخ منذ زمن طويل ولكن معرفتي المباشرة به تعود إلى منتصف العام 2003م عند بدء أعمال البرلمان الحالي( 2003ـ2009م) ومن خلال هذه المعرفة استطعت أن أتعرف على الكثير من الخصائص التي تمكن الشيخ من تكوينها عبر مسيرة حياته السياسية المرتبطة بتاريخ جيل كامل من الممارسة السياسية، جيل تعود بداياته إلى ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

لقد عركت الحياة شخصية الشيخ وجعلت منه حالة استثنائية ذات حضور متميز في الساحة السياسية اليمنية والعربية والدولية، فهو وإن لم تكن تتفق معه في كل شيء لا تجد نفسك إلا مضطرا لاحترام موقفه مهما اختلفت معه، وقد كان بشخصيته المهابة ومركزه المرموق، يسعى إلى التوفيق بين مختلف الآراء والمواقف متحاشيا كلما يدفع الأمور إلى التصادم والشقاق.

وأتذكر أن أحد الزملاء البرلمانيين الشباب استشاط غضبا من الشيخ وهو يترأس إحدى الجلسات الساخنة للبرلمان لأسباب لم أعد أتذكرها، ورفع زميلنا الشاب صوته في وجه الشيخ مخاطبا إياه بلهجة لم تكن محل استحسان جميع الأعضاء وقد توقعنا جميعا من الشيخ أن يسلك مع الزميل مسلكا مؤنبا حتى يجعله يعتذر عن خطأه، ولكن الشيخ استمر في إدارة الجلسة متجاهلا ما صدر من زميلنا، وبعد انتهاء الجلسة نزل الشيخ من منصة الرئاسة باحثا عن الزميل بابتسامته المعهودة وبدلا من أن يعتذر الزميل عما صدر منه راح الشيخ يقبل رأس هذا الزميل وهو ما منح المشهد قدرا من القيمة الإنسانية والأخلاقية العالية جعلتنا جميعا ننسى حدة الموقف وتعقيداته وملابساته.

من بين المواقف الكثيرة التي أتذكرها مع الشيخ عندما كنا في زيارة برلمانية للملكة البحرين الشقيقة حيث عقدنا سلسلة لقاءات رسمية مع البرلمان ومجلس الشورى ومع ولي العهد ورئيس الوزراء فضلا عن زيارة الملك الذي عاد لتوه من مؤتمر القمة الخليجية في الكويت يوم مغادرتنا للبحرين، كما عقدنا سلسلة لقاءات مع عدد من الجهات غير الرسمية منها الجالية اليمنية والغرفة التجارية البحرانية، وكان آخر لقاء لنا هو عبارة عن مؤتمر صحفي حضره ممثلو الصحافة ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وكان المتحدث الرئيسي فيها هو الشيخ، (كان ذلك مع نهاية العام 2004م أي بعد غزو العراق من قبل القوات الأمريكية) وكان أحد الصحفيين يسأل الشيخ: لماذا لم تتطرق محادثاتكم مع الأخوة البحرانيين لموضوع الغزو الأمريكي للعراق؟

وشعرنا جميعا بحرج الموقف، وفعلا لا المحادثات ولا البيان المشترك تتطرق للموضوع لا بشكل مباشر ولا حتى بشكل غير مباشر؟ وأحسسنا بصعوبة موقف الوفد اليمني المعروف أنه كان يرفض غزو العراق علنا، فما كان من الشيخ إلا إن أجاب ببساطته المعهودة بعيدا عن التفلسف السياسي والحذلقة الدبلوماسية:

ـ نحن لم نتعرض لموضوع الغزو حتى لا نغضب إخواننا في الخليج؟

هكذا باختصار ووضوح ودونما مواربة أو لف أو دوران.

كان آخر اتصال لي بالشيخ في شهر يوليو 2007م عندما كنا في محافظة صعدة في إطار عمل اللجنة الرئاسية المكلفة بتنفيذ اتفاق وقف العمليات العسكرية الذي تم التوصل إليه بالتعاون مع الأشقاء في دولة قطر ، وكان الغرض من الاتصال هو الاطمئنان على وضعه الصحي وهو في العاصمة السعودية الرياض، وعندما كنت أسأله عن صحته كان يسألني عن سير عمل اللجنة الرئاسية وكيف نتعامل مع تعقيدات القضية التي كلفنا بمعالجتها، وحين كنت أرجو له الشفاء العاجل وأتمنى له عودة مكللة بالصحة والسلامة كان يشدد على ضرورة تحلي أعضاء اللجنة بالصبر والحكمة والمثابرة ولم يبخل علينا بمجموعة من نصائحه النابعة من حرص شديد على نجاح عمل اللجنة، نصائح آتية من تجربة عملية طويلة في التعامل مع هكذا مشاكل، واختتم حديثه بالقول "اصبروا وتفانوا مهما تعبتم فالقضية التي أمامكم تستحق الصبر والتضحية وطول النفس".

وعندما كان في العاصمة البريطانية لندن في شهر نوفمبر 2007م كررت الاتصال للاطمئنان عليه ورد علي مرافقه بأنه ينام وإن حالته مستقرة ولم أتمكن من الحديث المباشر معه، ولم يكن مني إلا أن تمنيت له الشفاء العاجل والعودة بالسلامة، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يبلغه، فالقضاء والقدر لا توقفه التمنيات ولا تحول دونه الرغبات .

إذا كنا قد خسرنا الشيخ عبد الله جسدا فإننا لم نخسر روحه الحاضرة بيننا من خلال حكمته وصبره وحسن معشره ومن خلال سجاياه الحميدة التي يمكن أن نتعلم منها الكثير والكثير، ولنا العزاء في ما ترك من الخلف الصالح الذي نتوقع منه أن يكون خير خلف لخير سلف، والسمعة الحسنة التي لا شك ستكون عونا لمحبيه في مواصلة النضال من أجل القضايا الوطنية الكبرى في سبيل يمن جديد خال من الظلم والتمييز والمواطنات المتعددة والمتفاوتة.

رحم الله الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وأسكنه فسيح جنانه وألهمنا جميعا الصبر والسلوان و"إنا لله وإنا إليه راجعون".

*عضو مجلس النواب ـ رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني